نشرة النهج

نشرة النهج العدد 184

   
558 مشاهدة   |   0 تقييم
تحديث   26/12/2023 4:20 مساءا

هل ثمة تشابه

علماء الدين الإسلامي هم الامتداد لعلماء الأمة السابقين من المعصومين(عليهم السلام) وأولياء الله الصالحين (رض) فهم ورثة أولئك,  ورثوا العلم والعمل فكانوا خير خلف لا فضل سلف وحينما يكون المنبع واحد وهي الشريعة فإن تشابهاً كبيراً سيجده المطلع إن لم نقل تماثلاً مع الاحتفاظ بالفارق بين الجيلين,  جيل الأجداد وجيل الأبناء.

ومن هنا نحن نعيش ذكرى استشهاد السيد الأستاذ (قده) وقد اقتربت ذكراه من ذكرى جده الإمام الصادق (ع) فمن حقنا أن نتساءل هل ثمة تشابه بين الجد وابنه, ونقصد التشابه الحركي والنهضوي والإصلاحي وكيفية التعامل مع الأحداث عندما يتسلط الظلم على البلاد متخذين مال الله دولاً وعباده حولاً.  

الجواب: نعم هناك تشابه كبير بين الشخصين في مواجهة الإحداث نذكرها مرتبة متسلسلة:

الأول: كما عاش الإمام الصادق (عليه السلام) نهاية دولة الطغيان والاستبداد فقد عاش كذلك ابنه الصدر (قده) نهاية دولة العصيان والطغيان, مع فارق أن الإمام(عليه السلام) قد امتد عمره الشريف لبداية دولة هي اشد ظلما وجوراً من الأول والصدر لم يسعفه القدر بأن يعيش دولة الظلم والطغيان حيث الصبية على كراسي السلطة والدولة بيد الكفرة، ولكنه عاشها بامتداده وقوة تأثيره في نفوس محبيه ومريديه فكان أثره باقياً وتأثيره واضحاً فكأنه موجود بوجوده المعنوي وبعواطف الناس القوية حباً له وإكراماً لشخصه.

وقد استغل الإمام (عليه السلام) ضعف الدولة كما هو حال الدول في نهايتها ليبث علوم أهل البيت (عليه السلام) علوم الإسلام وحقائقه وأفكاره ومفاهيمه التي تخاف دولة الباطل أن تحطمها فسعى مع أبيه لتأسيس الجامعة الإسلامية الكبرى في مسجد الكوفة وأصبح ذكره يتردد على السنة العلماء وكلمات الفقهاء. كل يقول حدثني جعفر بن محمد.  

وابنه البار كذلك, استغل ضعف الدولة وخروجها منهزمة أمام المد الغربي والتحالف الدولي,  منكسرة هزيلة سقطت هيبتها وذهبت أيامها, ولكن تكالب الباطل على إبقائها واستمرارها حال دون انهيارها.  

فسعى بكل جد واجتهاد لإعادة مدرسة الإسلام ومنبع الفقه والأصول حوزة النجف الأشرف حاضنة العالم الإسلامي وموضع فقهه وأفكاره, فكانت جامعة الصدر, تثبيتاً لذكرى أستاذه الشهيد السعيد محمد باقر الصدر (قده) جزء من الوفاء وإظهاراً لأملٍ ضيعه الأعداء ونساه طلبة العلم الفضلاء.

الثاني:- استغل الإمام الصادق (ع) اهتمام الدولة المنهارة بمشاكلها وحروبها وتباكي عناصر الدولة الجديد ة وشعاراتهم بالطلب لثارات آل البيت ورفعهم السواد فكانت فرصة مواتية له في إتمام مشروعه التغييري بعد إصلاح الخلل في مفاهيم الإسلام وتنقيته من كثير من لحق به نتيجة الاختلاط مع الأقوام الأخرى ذات الثقافات والأفكار والفلسفات الغربية عن الإسلام.  

فكان الإمام (عليه السلام) حصن الإسلام وراعي القرآن من الدس والتحريف والتشويه وصيانة عقائد الأمة من التلبيس والتدليس كأساليب جندت الخلافة الأموية كل قدراتها لتوجيه المفاهيم الإسلامية خدمة لتسلطها وتبريراً لجرائمها.  

وقد استغل الابن البار شهيدنا الصدر حملة النظام الإيمانية لينطلق في رسالته نحو نشر الوعي الإسلامي وإيقاظ الأمة من سباتها وزرع قيم التحدي وتهيئة الناس للمواجهة,  بعد تصحيح كثير من المفاهيم التي أصبحت صبغة للعلماء كمفهوم التقية, وبسط اليد, وما يكون أفضل مما كان, ومالنا والسلاطين. ولم تخرج المفاهيم الحوزوية عن دائرة التغيير التي حققها الشهيد (قدس سره) بعد أن نقدها بشدة وبين مواطن الضعف والخلل فيها,  وأسباب تردي المجتمع من جهة ابتعادها عنه.  

الثالث:- إن كلاً منهما واجه طاغوتاً لم تعرف الرحمة إلى قلبه سبيلاً ولا الشفقة إلى نفسه طريقاً,  يقتل على الظنة وينشر الفساد تميعاً للعباد ويقتل الأسياد ضمانا للانقياد.  

وقد أراد الدوانيقي مرات عديدة أن يفتك بالإمام (عليه السلام) ؟؟ لأنه كان مصدر الخطر الحقيقي على سلطته فوجوده الاجتماعي الكبير يورقه ويقلق باله, فلم يهدأ إلا بقتل الإمام (عليه السلام) وكانت محاولاته جميعاً قد دفع الله بها إلا الأخيرة بعد عشر سنوات من حكم المنصور.  

والسيد الصدر حاول النظام تصفيته باعتقالات ثلاثة ولكن الله يدفع عنه شره ويميط عنه كيده حتى وصل أيضاً إلى عشرين سنة من حكم الطاغية فقتله ونجليه بحقد وحقارة بعد أن لم تنجح عنده كل أساليب التضليل والتشويه لصورته الناصعة التي انطبعت في قلوب محبيه رضوان الله عليه.

الرابع:- ديدن السلاطين الظلمة أن يعززوا حكمهم للبلاد برجالات دين تشرعن لهم أعمالهم وتبرر أفعالهم,  وتصيغ محاولاتهم بصياغ الدين لإقناع واستدراج العلماء إلى صفهم بالتكريم تارة وبالتهديد أخرى فان أثر التكريم اكتفوا به وإلا فالتهديد هو نهاية المطاف للعظماء من رجال الدين الذين يرون السلطة باطلة والحكم ظالم والسعي لخلاص العباد منه ضرورة ولو بالطرق السلمية والثورة الإصلاحية, ولما لم يجد طواغيت عصرهما من بد إلا بتصفيتهما قتلا وارتكبوا جرائم العصر الكبرى بحقهما, لأن قتل العالم قتل العالم وهو قتل الناس جميعاً.

فإن الظلمة على طول التاريخ, مهما كانت مواقفهم الاجتماعية ووظائفهم الرسمية لا يتحملون المصلحين والخيرين إذا  شعروا منهم خطورة على كياناتهم وتهديداً لوجوداتهم الاجتماعية بل حتى لو لم يشعروا فان اثر الانحراف والابتعاد عن الصراط يدفعهم من حيث لا يحتسبون إلى التنكيل والبطش بأهل الخير والإصلاح, وإلا ماذا فعل الشهيد الصدر (للطاغية) وهو يرفع شعار الحملة الإيمانية التي أراد بها تحسين صورته الداخلية وترميم قبحه العالمي بالتصوير لهم بان مجال الحرية الدينية مفتوح وان حريات التعبير عن الشعائر الدينية مكفولة، نعم كفلها بقتل إبطالها.  

الخامس :- كان الإمام الصادق (عليه السلام) قد تنبأ للمنصور بأنه سيكون الخليفة وان الأمر له في قصة معروفة وقد سماه الصادق لصدقه في تنبئه, والسيد الصدر قد تنبأ لآثار الطاغية عندما اقرأ في موسوعته عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بان البلد سيمر بأقسى ظلم ممكن ليتربى المواليين وتمحص المخلصين ولا اعتقد أن أحداً يخرج عن تقييم حكم الطاغية بأنه الأقسى في تاريخ العراق,  وكانت خطواته مع السيد الصدر من اجل الإيقاع به وإضفاء المشروعية على عمله ومباركة أفعاله فكان العكس هو الصحيح فقد اتخذ السيد الشهيد السلطة معبراً وجسر ليمرر من خلالها مشروعه الإصلاحي الكبير فكان الالتفاف عليها منهجاً جديداً عن الابتعاد عنها وحينما شعرت انه استغلها وضحك عليها اهتزت تصرفاتها تجاهه من تخويف وترهيب عن حضور صلاة الجمعة من خلال المدارس الإعدادية والمتوسطة في النجف الأشرف خاصة، ومن خلال فرقه الحزبية وتوصيف السيد بالعمالة وانه فقيه السلطة... ولما وجدت إن محاولاتها باءت بالفشل وان مشروعه الإصلاحي قاب قوسين أو أدنى من الإتيان على نظامهم والانقضاض على سلطتهم عجلوا بتصفيته مع أسيادهم في تصفيته,  وإشعال مشاعر الناس حرقة على فقده, وانعطاف الناس عليه سعة, فبكاه العدو قبل الصديق, والذي وقف ضده بالأمس استعمل رسمه اليوم وتباكى عليه تغريراً لمحبيه وطمعا بمريديه ولكنهم كانوا اعز شأناً وأينع تلاحماً مع سيدهم الشهيد فلم يتفاعلوا مع دماء المعدين ودموع التماسيح.  

السادس:- إن الإمام الصادق (عليه السلام) كان قد حّيد السلطة وان كانت ضعيفة كما قلت في التشابه الأول السابق فقد جنب نفسه الاحتكاك بها وأشعارها بخطره فلم يعبأ بدعوات الخرسانيين ومطالبته بالخروج والثائر لآل محمد وان له كذا من الأنصار أو السيوف كما في بعض الروايات وكانت إحاطته بظروف زمانه وأحوال أهلها خير معين له على عدم الانجرار وراء دعوات من هذا القبيل, بل آثر السكوت قائلاً إن الوقت ليس وقتي والزمان ليس بزماني, وبهذه الكياسة استطاع إمامنا الصادق أن لا يعطي المبرر الكافي للسلطة في التضييق على مشروعه الإصلاحي الكبير, وقد اتخذ طريق التدرج منهاجاً في دعوته وآلية لمشروعه.

وهكذا سيدنا الصدر الشهيد السعيد (قدس سره) فهو لم يعبأ بما كان يكال إليه من تهم وتوجه إليه من نقود وكان يعرف بالضبط ماذا يريد وكيف يحققه ومتى يصدع به، لا يتكأ على ادعاء مدع وقد عرض عليه حينها من بعض المؤمنين مشروعاً استشهادياً فلم يقبل وأصر على مواصلة نهجه الهادئ وأسلوبه اللين مع سلطان زمانه,  ولكن الأمور لم تكن لتروق للطاغية فأشار أكثر من مرة وفي بعض المناسبات إلى تصفية السيد الشهيد, والكل يعرف مكالمة المحافظ الهاتفية له طالبا منه تخفيف اللهجة وتجديد الإقامة لبعض رجال الحوزة فأجابه إن كان أمراً اجبنا وان كان طلباً رفضنا,  وقوله امرأ يشير إلى انه لا يعارض السلطة ولا يتمرد على أوامرها ظاهراً, وهو معذور لقلة الناصر وشماتة الحوزة وتنكيل البعيد وخذلان الصديق ونكران الكل لما أتى به من جديد فلم يسعفه احدهم بكلمة ولا نصره بمقالة وأصحابه الذين تعب عليهم تربية وإصلاحاً أرادهم في جولة أخرى وموقف أصعب اهتماماً لمشروعه وإكمالاً لمشواره كما انه (رضوان الله عليه) لم يغتر بالجموع الغفيرة خلفه فان له في تاريخ الماضين عبرة وفي إحداث زمانه أسوة وبتصرف زملائه موعظة.

السابع:- لم تكن الثورة التي قام بها إمامنا الصادق (عليه السلام) قائمة على السيف والمواجهة الحربية مع الطغاة والظالمين بل كانت ثورة من نوع آخر, بعد أن وجد الناس قد ابتعدوا عن تعاليم الإسلام وإحكامه وقيمه راح يعزز قيمتها في نفوسهم ويبذر بذورها في قلوبهم فأرادهم دعاة لتعاليم الإسلام صامتين ينبئ فعلهم عن حسن خلق وعمق إيمانهم ليرى الآخرين فيهم صدق الفعل قبل صدق القول,  وكانت من وصاياه: (عليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة) فقد كررها كثيراً وأكد عليها عديداً الأمر الذي يكشف لنا مقدار تدني الأمة وانتشار الرذيلة والأخلاق السيئة فيها, انتشار الكذب أصبح سمة العامة قبل الخاصة, وشعار السلطان قبل البطانة والأعوان وتكريس الخيانة في النفوس وامتطائها علامة يفتخر بها السذج من الناس, خيانة الدين الذي أضاعوه والأمانة أمانة الرسالة التي غيبوها, وحرمة المال والعرض الذي انتهكوه, كما أن الدعوة الصامتة ليرى الآخرون منهم نبل الأخلاق وحسن السرائر لتكون تصرفاتهم اقوي على الإقناع وابعد عن مطاردة ومتابعة أزلام السلطان وان يكشفوا بحسن سيرتهم بطلان دعوى إسلام الخليفة وأعوانه ومن يرتبط به وبفلكه فيقعوا في المقارنة فيهم ويهتدوا إلى كذب شعاراتهم, وكان (عليه السلام) دائم التأكيد (كونوا لنا دعاة صامتين). حتى استطاع الإمام أن يشق طريقاً للإسلام في نفوس الناس ويرسم ملامح مدرسة أهل البيت علماً وعملاً, فكان له ما أراد.

والشهيد السعيد كان دائم التأكيد على التقوى والورع ونصرة الدين والمذهب والتشجيع على الدراسة والهداية. ووصيته دائماً الدين هو المهم قبل كل مهم, وقد صنع (قدس سره) أمة صالحة اتسع قطافها حتى شملت المسلمين كافة بل العراقيين عامة, ولم يستثن السلطة فدعاها للتوبة والرجوع إلى الله وان فرصة التوبة لا زالت سانحة وهي أمام أيديهم, وقد أثرت دعواه المتكررة في كثير من أفراد النظام فاخذ الكثيرون يتوافدون إلى صلاة الجمعة لاستماع الوعظ والإرشاد والرجوع إلى طريق الحق والابتعاد عن طريق الشيطان.  

وكان كلاهما يستهدف ما نسميه بسياسة سحب البساط من تحت أقدام الطغاة وقد حققا نجاحاً إلى حد كبير لازالت آثار مدرسته معاشة إلى يومنا هذا والى يوم القيامة إن شاء الله تعالى.

والسيد الشهيد قد حقق نجاحاً في إعادة الناس إلى سالف عهدهم بالدين والالتزام بأحكامه وتشريعاته التربوية,  فقد تقلصت في عهده جريمة سرقة السيارات, أكثر الجرائم التي كانت تقلق النظام ونثير قلقه بالرغم من إجراءات تنفيذية قاسية من الإعدام والمصادرة والسجن المؤبد, وقد استطاع صدرنا (قدس سره) أن يحسمها بجهوده وجهاده حتى اعترف بعض أفراد النظام أن جريمة سرقة السيارات انحسرت بشكل تقريبي, وهذا ما عشناه وهذه احدي ثمار منهج سيدنا الشهيد(قدس سره).

الثامن:- وهو الآخر وليس الأخير أن اثر الإمام الصادق (عليه السلام) قد استمر في أمة الإسلام واضحاً جلياً قد أفرزت مدرسته علماء ملئوا آفاق الدنيا في مختلف العلوم والى أزمنة العهود المظلمة عندما انتهت الدولة الإسلامية كحضارة شاخصة على ارض الدنيا وقد طورد أصحابه وشردوا وقتلوا.

وكذلك السيد الأستاذ (قدس سره) قد اثر في النفوس فأصبح الانتساب إليه مغنما والركوب على جادة طريقه مكسباً والانضواء تحت اسمه مصعداً, والكل فرح فخور بالانتماء إلى نهجه والسير على طريقته,  ولا زالت الآثار شاخصة والإحداث حاكية عن إن امة السيد الصدر قد أكدت وجودها وأرست قواعدها وبرهنت على قوتها وصمودها في مواجهة مع أعتى طواغيت الأرض رهبة, واقوي جيوش الدنيا عدة. ولكنهم مطاردون أسوة بأصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) فهل صدقت إن الصدر كان امة في رجل (قدس سره) ووفقنا لإتمام مشروعه والسير على هدى أفكاره وأنواره لنكون نعم خلف لأفضل سلف (لمثل هذا فليعمل العاملون) الصافات (61).

 

من الذاكرة

تمر علينا ذكرى المأساة القاسية على قلوب العراقيين جميعاً ذكرى نهاية الأمل والعارف المستعرف والفقيه المحقق حامل مشعل الحرية فقد واجه شر البرية وشمر ساعد الجد في نصرة القضية، قضية شعب مظلوم مهضوم واستعد للمواجهة مع تعدد الخصوم واستعادة أمجاد الأجداد والقادة الأفذاذ الذين كافحوا الفساد ونشروا لواء الخير للعباد وقدموا لنا التضحيات ما تعجز عنه سائر الأفراد فكان أسوة لكل من استشعر بإنسانيته وحمل الهم إلامة وجاهد من اجل نشر رسالته. تعميقاً للخير على أبناء بلدته وأهل ملته انه من أبطال الدوحة المحمدية الذي اخذ على عاتقه أن يستنهض الهمم الخامدة والنفوس المنكسرة ويستحيي القدرات المختفية ويتحنن على القلوب بحسن أبوته ويستغفر للمذنب الطريد ليرجع إلى فطرته وسعة موهبته ويزرع الأمل في ارض بلدته ويحول دون وقوع العباد في اليأس من رحمة ربه وإذ نستذكر هذه الشخصية الربانية والنفس الزكية وما سطرته من مفاخر في صفحات تأريخ هذا الشعب المجاهد وهذه الأمة الصبورة فنتعلم منها عناصر الاستعداد لمواجهة التحديات وتنشيط الهمة للبناء والإصلاح والدفاع عن الدين والمقدسات واستهداف رضا الله في العمل ونبذ المقاصد الطبقية في الفعل والتركيز على عنصر القوة وامتلاك ناصية الأمور ألا وهو كوننا على الحق ومن كان الحق دليله كان النصر حليفه والفلاح ختامه.  

إن الجهد والجهاد العظيم الذي قدمه شهيدنا الغالي وما خلفه لنا من تراث علمي وفكري وجهادي يستدعي منا وقفه في هذا الطريق وتدفعنا إلى تصعيد الهمة والصدق في العمل وانجاز المشروع العظيم الذي سعى بكل ما أوتي من قدرة موظفاً جميع طاقات الأمة ومحشداً إمكانياتها في سبيل انجازه وإتمامه إلا أن يد الطغيان قد أوقفت وعطلت مشروعه بعد أن صادرت حياته المباركة لتنتقل إلى ربها راضية مرضية, مخلفاً ورائه امة منكسرة قد أحبط الأعداء أملها في أن تعيش حرة كريمة,  لقد كان رضوان الله تعالى عليه عطوفاً رحيماً بأمته كما كان جده المصــــــــطفى (صلى الله عليه وآله) قال تعالى (لقـــد جاءكم رســــول من أنفسكم...)

لتظل هذه الفكرة خالدة توقظ فيها الصحوة وتدفع الغفلة وتزرع في نفوسنا منابت القدرة وتحرك فينا النخوة والغيرة علـــى الدين والوطن.                 

والحمد لله رب العالمين

 

الكلمة بحق الاستاذ (قده)

لا يخفى عن الشيعة ما لعالم الدين من مكانة وأهمية وإذا اتصف بعنوان المرجع كانت له من الأهمية ما قرره الشرع حينما اشار بالرجوع الى الفقهاء في زمن الغيبة، وقد تصدى علماؤنا بكل خلاص للحفاظ على بيضة الاسلام ومحاولة تحكيمه في الوسط الاجتماعي، وقد اختلفت ادوار الفقهاء في ادائهم لدورهم المرسوم.

هذا في ظل ظروف قاسية جداً لا تسمح للتشيع ان يبرز أو يتعالى أو تكون له الكلمة الفصل في حياة المجتمع وسيره، وقد عمل فقهائنا وفق متطلبات ظروفهم وما يسنح لهم من فرص.

وقد جاد زماننا بأن تسنح فرصة لسيدنا الشهيد فأتقن صياغتها وأجاد في توجيهها خدمة للدين والمذهب والتشيع، وابرازاً لدور المرجعية العاملة والحركية في حياة المجتمع، وقد تحمل في سبيلها كل انواع التهم والافتراءات واقساها تهمة لا استطيع ذكرها يُجّل سيدنا عنها، كل ذلك حسداً وبغضاً وانانية، إلا أن اخلاصه وارتباطه بالله اخرجاه من التهم سليماً معافاً، وقد ندم من فاتته الفرصة ولا حين مناص، ولم ير سماحته كلمة طيبة ممن كانوا في خارج العراق، بل كانوا أكثر قساوة من أهل الداخل.

بما ان احترام العلماء واجب اخلاقي قبل ان يكون شرعياً وأن بيان نقاط مهمة في حياة المجتمع وبعض مقاطعه ضروري، كان هذا اللقاء حول شخصيته المرموقة كجزء من وفائنا اليه (قده).

من أهم ما ميز شخصيته هو ارتباطه بالله سبحانه فهو يحسب للظروف الموضوعية حسابها ولكنه يربطها جميعاً بالله وكان يردد (يا مديري ولست أدري).

وكان سمحاً سهلاً يحسبه الآخر يعرفه منذ مدة، وكان متواضعاً حق التواضع لا المتصنع منه، وكان كريماً لا يرد سائلاً، والأحلى فيه أنه يحب طلبته والاخرون ممن يلتزمون بأحكام ربهم، وكان يختزن معرفة وعلماً لا حد له بالنسبة لغيره.

وكان متدرجاً في طرحه، ومترابطاً في خطواته فالخطوة السابقة  مقدمة للاحقة، حيث يرى في السابقة نتائج عرضها ومقدار الاستجابة لها فإذا ما وجد استجابة سعى للخطوة الأخرى، وإلا أجلها أو أوقفها، كما حصل في أمره للزيارة الشعبانية سيراً على الأقدام، ثم ألغاها لأنه وجد ان سعة الاستجابة قليلة، وبنفس الوقت كان يتابع ردة فعل السلطة اتجاهها.

حاولت السلطة المناورة بالسيد، ان السلطة شعرت بالاحباط من الحوزة فيما لو كان المتزعم لها غير عراقي وقد ظهر ذلك جلياً في حرب الخليج وأحداث الانتفاضة  الشعبانية، وكانت لا تستطيع ان تفعل شيئاً لغير العراقي لأنه محمي من قبل سفارته، فيما العراقي تحت طائلة القانون العراقي وبأمكانها ان تفعل معه ما تراه مناسباً لمصالحها، من اعتقاله أو سجنه بل واعدامه.

وكانت ترى ان الولاء المرجعي أقوى من الولاء الوطني فيما إذا كان المرجع غير عراقي فإذا ما كان عراقياً اجتمع الولاء المرجعي مع الوطني، وهذا ما بحثت عنه السلطة أبان الحصار على العراق.

وأنها رأت في السيد الصدر مجالاً للمناورة مع امريكا وتهديدها به، فالسلطة هي التي احتاجت الصدر لا أنه سعى للارتباط بها كما كما يظنه الحاقدون.

ونقاط القوة عند المرجع وهو يتسلم الزعامة ان تكون المدارس تحت أمره والاقامات للاجانب تصدر من مكتبه، وهذه نقاط قوة يضطر الطالب لمراجعته وكانت هذه الخطوة في التصدي صائبة جداً.

وكان ضنيناً على الفرقة والاختلاف ولم يكن في حساب السيد اسقاط رمز آخر لأنه بصراحه لم يكن بتلك المساحة الجماهيرية كما هي الآن، وأن اخلاق السيد وايمانه بالحوزة يمنعانه من ان يكون ذلك من اهدافه، والدليل أنه دعاهم للصلاة وأرسل رسائل خاصة لهم، وقبل ان يصلي خلفهم، ومد يده الى الاتحاد معهم، وصرح في بعض خطبه أننا سنهزم اسرائيل لو اتحدنا.

وذات مره إعترضت على مواجهته خَدَمة الحضرة، وقلت له لماذا نفتح علينا جبهات ونحن لا نملك قوة كافية ورصيداً اجتماعياً عالياً للمواجهة فأجابني لا ليس هكذا الأمر، وهذا ما ذكرته بأنه قد يخطو خطوة لا يعلم بها أحد من طلبته، وكان هذا تصعيداً من قبله على بعض هوامش السلطة ليرى من خلالها ردود الفعل وما تؤول اليه الأحداث.

 

    كُسِر القلم

أنقطع القلم عن سيل الكتابة الجارف والنبع الرائق لا لأنه أنكسر كما عبر صاحب الكفاية قدس سره لأن قلمنا لنا ينكسر بعون الله ولكن اليد التي بعثت فيه روح الحركة والتدوين قد نالتها يد الغدر والحقد والبغضاء على الإنسانية والدين فأخمدت حركتها بعد عطاء بلغ عشرات السنين طبعت فيه على صفحات الورق أفكاراً خالدة وعلوماً جامعة وأساليب متنوعة مبتكرة ألقت ظلالها على قلوب وعقول الناس على مختلف مستوياتهم وأذواقهم وثقافتهم أنه يخاطب الكبير والصغير والمرأة وكل منهم يعي ما يسمع ويرشد بما يقرأ ويأنس بما يتذوق وكأن المتكلم هو نفسه وعقله وروحه لأنه ينفذ إلى كل ملكات النفس روحاً وعقلاً وقلبا وحسا لا يعرف هذا ينبغي وذاك لا ينبغي ولكل سؤال جواب ولكل شبهة حل ولكل لغز فك والقديم بال والجديد مبتكر مطر غزير على البلاد والعباد أخضرت به أرواح الناس بعد يبسها وانفتحت به عقول العباد بعد غلقها وانشرحت نفوس البلاد بعد حزنها ويأسها، فكان لغتهم التي يتحدثون بها وعقولهم التي يفكرون بها ونفوسهم التي يتحابون بها.

كان (قدس سره) وسيلته الإخلاص وتعبيره الحب ومنهجه الحق وثقته الإله دون العباد وسجيته التقوى وشعاره الإسلام ومناره ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

كان وحيد دهره وفريد أمره غريب زمانه وأعوانه وأنصاره لا تغره كثرة الأنصار ولا يوحشه تكالب الأعداء ولا تطريه الكلمة رسم خطا لنفسه وطريقاً إلى ربه حمله ثقيل وهمته أثقل ومسؤوليته كبيرة وتجاراته أكبر وآثاره أثمر وأياديه وفيره وعطاياه جزيلة زق العلم منذ نعومة أظفاره وحاز من العلوم ما رفعه عن أقرانه عبر زمانه وفاق نظرائه وكلل خطاه بنهاية مشرقة وخاتمة رائعة حتى بكته الغرباء قبل الأقرباء والأعداء قبل الأصدقاء .

نفسه طويل بطول ما بعث في الحياة من أمل ورسم في التاريخ من أثر قلب يستوعب الأعداء والفسقة والفجرة قبل الأصدقاء رحيما بناسه كريما بإخوانه سباقاً لقضاء حوائجهم لا يرد سائلاً ولا يكسر خاطراً ولا يعبأ بالكوارث ولا تحركه العواصف كالطود الشامخ حارت فيه قلوب المؤمنين وتعجبت لأفعاله عقول الآخرين .

لا يستقر على حال ولا يرسو على قرار بعيد الخطى كثير الرؤى وسعت ثقافته طبقات الناس طرا هفت إليه قلوب غير مسلمة وأرعدت إليه قلوب قاسية مسلمة لله رده وعلى الله أجره ولا عزاء إليه ولا وحشه لديه بل الوحشة لنا والتعزيه إلينا إذ كان فينا فلم نفهمه وبادر إلينا فلم نجبه وتطاولت عليه ألسن الناس وتهجمت عليه شرذمة يدعون أنهم أهل دين وتقوى فغظ صابرا وعلى الله محتسبا وإليه مشتاقا كان يردد كثيراً في درسه الشريف عبارته المشهورة إذا بقيت الحياة ولكنها لن تبقى بالأبدان بل هي معنوية خالدة مادامت في النفوس رحمة وتقوى وخير وصلاح تقيم الفكر والقلم والدين والخلق .

لقد جمع من الصفات ما لم يجمعه جمع وحاز من الخيرات ما لم تحزه مجموعة حتى استوت نفسه على الجود لا مثيل له في عصره ولا بديل له في أمره وعلى الله تؤول الأمور وعليه التوكل في شدتها والدهور وأنا لله وأنا إليه راجعون .

في الثالث من ذي القعدة من عام ألف وأربعمائة وتسعة عشر للهجرة ليلاً ما بين السابعة والثامنة دج الظلام وأنكسر الناقوس وخسف القمر وابتلعت العقارب الأثر واضيعتاه بعد يا صقر بل يا من حفر في النفوس أعمق الأثر ولا حول ولا قوة إلا بمن دار الدهر ولا يزال عزيز مقتدر هذا قليل يا بحر كتبه أحد أبناءك البررة .

 

الاستاذ الصدر (قده) بين ظلمين

ظلم الماضي حيث نُبِز بكونه فقيه السلطة وشنت حملة هوجاء لذلك وألفت كتيبات حولها، وسأختصر ماذا سيقول الكاتب اذا حشره الله فليقدم جوابه وينجي نفسه ناهيك عن التشكيك في فقاهته واستغراب أعلميته.

وظلم الحاضر فأنه بين الحين وآخر يطلع لنا رأس من رؤوس من باعوا حظهم بالأدون وهم يحسبون انفسهم يحسنون صنعاً، فقد أشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق، وسأكتفي بشيء بسيط يبين تفوق السيد على أقرانه.

أننا نلحظ مرقده الشريف لا يخلو من زائريه لا ليلاً ولا نهاراً وذلك يبين علو كعبه وأنه محط عناية الله والا فمراقد عديدة للفقهاء لا أثر لذلك فيها.

ولقد وجدت في كثير من كلماته بعداً غيبياً غير موجود في الكتب والمؤلفات، وهذا يعني علمه ليس فقط كسبياً وإنما علمه انكشافياً وهو ما لم يكن عند الغير، فالبعد الثاني لا يمكن ان يتقدم غيره عليه.

هذا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

                                                المحب الدائم

                                               20 شوال 1444

 

 

 

السيد الصدر.. همّة وشهامة

من قرأ حياة سيدنا الشهيد (قده) يدور في ذهنه وأذهان الآخرين عن الفترة التي استطاع بها (قده) أن يقفز على قمة المرجعية الدينية في النجف، خاطّاً لنفسه طريقاً واضحاً متكلاً فيه على الله سبحانه وحده بدون النظر الى ذاته، منطلقاً من مقولة كان يرددها، ألا وهي (حبيبي صانع وجهاً واحداً يكفيك الوجوه) في إشارة الى جعل المقصد والمعتمد هو الله سبحانه وحده بلا شريك حتى النفس التي بين جنبيك، ومثل هذه الإشارة بحاجة الى مقدمات إعدادية، ووسائل ايصالية ما نجده فيه (قده) هو الهمة العالية التي لا تعرف التعب ولا الكلل ولا الملل، وكيف لا، وهي تستسقي فاعليتها لحركتها من خالقها ومسبب أسبابها.

ومن خلال معاشرتنا للشهيد وقربنا منه لأكثر من عشرة سنين فاقت مدة تصديه للمرجعية الدينية،منذ أواسط الثمانينيات في القرن الماضي، فقد واجه خطوط ثلاثة كل واحد منها لا تصمد أمامه همم رجال كثيرين فكيف بهمة رجل واحد.

الخط الأول هو السلطة بكل جبروتها وطغيانها المتمثل بالدكتاتور المقبور، وهنا يتجلى ذكاء الشهيد، وقدرته في التعامل مع الجبابرة فقد روضه في البداية حتى اطمأن إليه ثم انتفض عليه بعد أن افقده كل الأضواء الإعلامية والحضور في الشارع العراقي، فكان الشعب يمجد للسيد بعد أن كان يمجد للدكتاتور، وينشد أحلى كلماته في خطب الجمعة بعد أن كان يترنم بكلمات القائد، مما اضطر النظام الى أن يسفر عن وجهه القبيح في الإطاحة بمكانة الشهيد في قلوب الشعب، فجند كل زبانيته للتشويه والتشويش على شخصيته الكبيرة، ولم يفلح لفوات الأوان وقد حفر السيد بشخصيته في قلوب الخلق، مما اضطر النظام الى الإقدام على اكبر جريمة ختم بها القرن الماضي باغتياله في عملية جبانة لا تستحق أن نوصفها بأكثر من ذلك ولكنها رفعت السيد الى الثريا.

الخط الأخر هي الحوزة الدينية، وتربع المرجعيات الكلاسيكية المهادنة عليها، وحينما حاول الصدر الأول التمرد عليها والخروج عن مألوفها، تعجله البعث الكافر ليقبر شخصيته قبل أن تستفحل وتسلب الأضواء وتكشف حقيقة المرجعية الحقة من غيرها، تعجله بالإعدام ظلماً وطغياناً.

فقد تعامل سيدنا الأستاذ مع هذا الخط بقوة العلم وشجاعة الطرح، فقد غطى مساحات كبيرة من العلوم لم تكن الحوزة لتتجرأ أن تفكر فيها، فضلاً أن تفتح لها باباً، وقدم نفسه بقوة وثقة زائدة عن كونه اعلم، من دون الانطلاق عبر كلمات وتصريحات فارغة، وإنما أطلقها وقد برهن على أعلميته بشكل واضح وجلي من خلال مؤلفاته وأطروحاته، وسعة اطلاعه واستلهامه العديد من العلوم، ونابعيته في ما هو الجديد منها والمبتكر، وقد أوقع الآخرين في حيرة فلما لم يجدوا بداً من فشل مواجهته علمياً راحوا يسقطونه اجتماعياً، بدعوى انه فقيه النظام أو مرجع السلطة حتى تحركت بعض الأفراد المعارضة خارجاً والتي أحرجها السيد واتى على بقايا تراثها الذي لم يحرك ساكناً أثناء الانتفاضة الشعبانية المباركة مما كشف عن حقيقتها وخيبة أمل الشعب فيها، فقد وجدت أن بروز نجم السيد والمعية شخصيته انتهاءً لتاريخها وموتاً لعنوانها تحركت للتشويش على هذه الشخصية الكبيرة، فقد عبر عن شهامته ولم يعاملها بالمثل بل بالرعاية والدعم لبعض من اتصل به منها، فكان العفو منه سجية كأجداده الميامين عليهم السلام.

وقد انفرد السيد بالساحة الحوزوية واستقطب كل طلبتها إلا القلة ممن تربطهم مصالح مادية مع البقية من المراجع فكان بحق زعيمها وقطب رحاها.

والخط الثالث هو الجمهور، الذي فتح السيد أعينهم على الحوزة وفتح أبوابها لهم بعد أن كانت مختصرة على بيوتات وعوائل معينة في مشهد يعرفه الجميع بما لا حاجة الى بيانه.

فحبى الله السيد شهادة وأعلى كعبه مرتبة وأبان فضله سجية، فهو نعم المولى ونعم المجيب.

                                         11/10/2012

                                        قاسم الطائي

 

 

 

سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نحن لفيف من الشباب ممن تأثرنا بفكر ونهج الشهيد السعيد محمد صادق الصدر (قدس سره الشريف) ومواقفه البطولية ونريد تقليده ابتداءاً.

فهل يجوز لنا ذلك؟

أفتونا يرحمكم الله

لفيف من شباب البصرة

بسم الله الرحمن الرحيم

يجوز لكم العمل بمطلق فتوى السيد الشهيد محمد الصدر (قده) مع الرجوع الينا بمستحدثات المسائل.

                                                              قاسم الطائي      

                                                    22/ جمادي الاخرة 1444

 

 




محرك البحث

اخر تحديث

الاحصائيات

الطقس

3:45