تحديث
27/12/2023 2:29 مساءا
يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً
القرآن كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل ولا يساوره الشك كتاب أحكمت اياته ونظمت بياناته وأكتنزت معارفه ولا تنقص عجائبه ولا شيء يخرج عن احاطته، هيمن على الكتب كلها يصرخ بلسان حاله في الوقت الحاضر باتخاذه مهجوراً يدنس من قبل الكفار ويهان ويحرق من قبل المخالفين الذين لا قيم لهم ولا اخلاق بكذبه يصدرونها الينا وهي دعوى الحرية الشخصية وهي التي تقف عند حدود حريات الآخرين ولكنها مطلقة عند الغرب الذي يخبرنا القرآن بقوله ((وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء)) هذا القرآن الموصوف بأنه الثقل الاكبر الممدود بين السماء والأرض يلاقي كل هذه الانتهاكات والاستهانات ولا تأخذ الغيره المسلمين عليه بصيانته وحفظه ومعاقبة المستهزئين والمنحرفين الذين بين الفينة والاخرى يخرج مخلع من قرن الشيطان يستعرض حركة للقيام بحرق نسخه من القرآن ويجتمع حوله بعض مواطني دولته ويصوره اعلام الدولة وكأنه راضي بفعله واقعاً لأن حكومات الدول المسيئة لم تتحدث ببنت شفه على انتقاد هذا الفعل وادانته إن لم يكن بأوامر منهم اخفاء لمقاصدهم القبيحة تجاه المسلمين ومشاعرهم.
لقد تكررت هذه الظاهرة في معظم دول الغرب من أمريكا وبريطانيا مروراً بفرنسا والسويد وغيرها ولكن ما هي ردود الفعل عند المسلمين شعوباً وحكومات؟؟.
أما الحكومات فلا تقدر على تبني أي خطوة للردع عن هذا الفعل وعدم تكراره مستقبلاً مثلاً كقطع العلاقات الدبلوماسية ومقاطعة بضائعها ومحاولة تجريمها الفعل في المحافل الدولية ونحوها وهذا يتطلب موقفاً موحداً لهذه الحكومات وبشكل صارم لا يقبل التراجع.
وأما الشعوب وهي مغلوبة على أمرها لحكوماتها فهي أوهن من بيت العنكبوت، والمفروض القيام بفعاليات تستنكر هذه الفعل كالقيام باحتجاجات ومظاهرات تعبر عن استياء الشعوب المسلمة من هذا الفعل، وليكن للحكومات أسوة بالرئيس الروسي بوتين الذي جرم هذا الفعل.
بقي عندنا من ردود يمكن ان تكون فعالة من قبيل المرجعية وهي الراعي للحفاظ على محرمات المسلمين والدفاع عنها وان تقوم بإصدار فتوى بهدر دم القائم بهذا الجرم وعدم التنازل عن هذا الحكم، ويتعين على كل مسلم القيام بهذا الفعل مع الامكان، وان لم ينفذ لظروف دولية وعلاقات دبلوماسية ومصالح شعبية، فلا أقل ايصاله للداخل (السويدي) ليكون على دراية واطلاع برد الفعل على الفعل الشنيع لأحد المواطنين ويصبح الفاته اجتماعية لمجتمعهم ليكون رادعاً عن كل من تسول له نفسه فعل ذلك، فالمنكر ان لم يردع بقوة يكون مدعاة لإنتشاره في معظم الاوساط الشعبية وفي ذلك بعض المرويات حيث ورد عن عيسى (عليه السلام) قوله ((ان المنكر كالحريق الذي أصاب منزلاً إذا لم تعالج النيران بالاطفاء فأن الحريق يسري الى بقية الدور)) بالمضمون.
القرآن يستحق منا كل التضحيات ليعلم من لا يعلم ان كتاب الله فوق أي اعتبار مجاملي أو اجتماعي أو اخلاقي وأنه لا يضاهى بشيء أبداً.
شريان الاستقلال الحوزوي
منذ بداية الحوزة العلمية وتبلورها كمؤسسة دينية كانت مستقلة وبقيت كذلك والسبب الرئيسي هو الاستقلال المالي وعدم ارتباطها بأية جهة سلطوية تتلقى منها الدعم المالي، بل المورد الرئيسي للحوزة هو فريضة الخمس التي تغطي بها الحوزة متطلباتها المالية وحاجياتها الاجتماعية: وظلت على هذا المنوال قرون عديدة ولما برز دور الحوزة العلمية على صعيد النشاط السياسي في القرن العشرين ومواجهة الطغاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحيلولة دون طمس الهوية الإسلامية بفعل الثقافات الغربية البعيدة عن عادتنا وأعرافنا، والحوزة كانت رائدة الميدان في الثورة الإسلامية في ايران، ومواجهة الطغاة في العراق، تصعيد الوعي الإسلامي بين أبناء البلد كان الطغاة بالمرصاد لأبطال المشهد من مراجع الدين الناطقين فقتل من قتل وسُجن من سُجن وطاردت الكثير منهم، ولما سقط صنم العراق صدام، واندثر حكمه البعثي عاد نشاط الحوزة من جديد وكثر اعداؤها فأصبح الجميع يترصدون بها من الداخليين والخارجيين، ولم يهدأ لهم بال حتى عرضوا الحوزة للقراءة الدقيقة واكتشفوا اسرار قوتها والتي من أهمها الجانب المالي المتمثل بمورد الخمس وغيره من الموارد ولما كان الخمس هو الرافد الأساسي للمال، كان تحت مجهر الطعن والتشكيك والتشويه.
والغريب في الامر ان من ابطاله بعض أهل الحوزة وساعدهم على ذلك انتشار الاخبار عبر وسائل التواصل الخارجي الذي يتابعه الناس أكثر من أية وسيلة إعلامية أخرى وكان متوفراً للجميع من كان له وزن أم خفيف الميزان ومن كان امعة لثقال الوزن من العلماء والفقهاء.
فأخذ سيل التشكيكات يظهر ويستشري بين الناس فكان منها: ان الخمس حلله الائمة للشيعة زمن الغيبة، ومنها انه سيستهلك من قبل المراجع دون الصالح العام، ومنها: ما هو الدليل لأعطائه للمرجع وغيرها وكلها لا تصمد امام الحق وهذا ليس وقتها.
لم يكن من مدافع عن هذا الحكم الإلهي الا القليل من اهل الله والدين ولكن سيبقى الخمس رغم الأعداء والمشككين لأن الحق يعلوا ولا يعلى عليه، وله مثيل في زمننا الحاضر - الفتح الذي حققه شهيدنا الصدر بصلاة الجمعة المعطلة قروناً رموا عليها سيل من الإشكالات، منها ان المقيم لها لا بد وان يكون مبسوط اليد، وانه لابد من إذن الامام وانه اقامتها فتنة وانه مثار للإختلاف والانشطار بالصف الإسلامي، لكن صلاة الجمعة كان وراءها ابطال لا يعجزون عن الدفاع عنها الذي هو دفاع عن دين الله فصمدت حتى زمان اقامتها بشكل طبيعي الآن وفي مختلف مناطق العراق وقدمت في سبيلها دماء، كان سيدها الشهيد الصدر ونجليه (قدهم) وغيرهم من طلبة الحوزة العلمية وبعض المقلدين للسيد الأستاذ (قده) وطلبته.
وإذا مرت الحملة الشيطانية على الخمس يأتي دور التقليد والاجتهاد في المرة القادمة فهناك دعاوى تنادي بعدم التقليد وان الثابت طاعة الله ورسوله كما أستشهد بها أحدهم ونسي ان طاعة الله طريقها معرفة الاحكام الشرعية وتطبيقها ولا طريق الا العلم والا التقليد فهو ثابت فطرياً بالرغم من دليله الشرعي.
شاهد لم يشاهد
ما شاهدت في مدينة النجف هو تبليط الشوارع الخارجية (محافظة النجف – كربلاء) بأرصفة من الجانبين، وهذا مما لم نشاهده في معظم إن لم يكن كل دول العالم مما يعني ان رصف الارصفة في الطرق الخارجية غير صحيح.
والسبب المنظور هو ان الارصفة تحجز مياه الأمطار المتساقطة على الشارع وتجعلها متجمعة على التبليط وهو ما يفسد الطبقة الاسفلتية ويدمرها بعد فترة وهذه خسارة كبيرة من موارد البلد وجعل مصاريف لها غير عملي وغير واقعي إذ تصرف الى ماذا؟
ناهيك عن موارد مالية تخصص للأرصفة وهي بلا جدوى.
الغريب في الأمر ان العراق متخم بالمهندسين ذوي الكفاءات العالية ويعتبرون متفوقين على اقرانهم من مهندسي الدول الأخرى، ولم يلاحظ أحدهم هذه الملاحظة، وهذا يعني اختفاء الحس الوطني وانتشار مقولة مالي والسلاطين.
والأكثر غرابة ان السيد رئيس الوزراء مهندس ولم يلاحظ ذلك طبعاً هناك غاية في نفوس المنفذين لا نريد الخوض فيها ونحن نحمل الجميع على الصحة والعمل الصالح.
نسأل الله ان يأخذ الأخوة المسؤولون ملاحظتنا بعين الاعتبار ونحن في خدمة الصالح العام ولو من باب الامر بالمعروف.
العزم سيد الأمور
العزم كما يقول الراغب الاصفهاني هو عقد القلب على امضاء أمر، وهو شد الهمة على الوصول الى المرغوب وتأكيد الإرادة على إمضائه كما أقول، وعلى هذا فمن لا عزم له تكون إرادته ضعيفة وهمته خائرة لا يقوى على التغلب على المعرقلات التي تعيق وصوله الى المطلب، فكثير من متطلبات الحياة لا تنال الا بالعزم وشد الهمة والا كان العمل هباءً منثورا وهذا المعنى مسار لأنبياء الله (عليهم السلام) فقد جعل ألوا العزم خمسة من الأنبياء لاغير حتى ان آدم يخبرنا الله ((ولم نجد له عزماً) فهو خارج دائرة أولوا العزم كما انه يشمل الدول كما يشمل الافراد، خذ لذلك مثلاً العملية العسكرية الروسية يؤكد ان الجانب الروسي على تحقيق أهدافها مهما كلف الامر، وهذا يعني ان عزيمتهم صلبة لا تضعف حتى الوصول الى المرغوب وهي تحقيق أهداف العملية العسكرية بالرغم انه يواجه المجتمعات الغربية وعلى رأسها أمريكا بكل جبروتها ولكن الذي يبدوا ان العزم في الأمور الراجحة عقلاً وشرعاً ولا نجد استعماله في غيرها والا تغير اسمه الى غيره من الأسماء القبيحة والمهينة، فمثلاً همة بريطانيا الكبيرة في زرع الفتن بين شعوب الأرض، وكذا هي أمريكا في زرع الشقاق بين الدول ولا يسمى هذا عرفاً بالعزم بل يسمى إحتيالاً وشقاقاً ونفاقاً.
وما لم يضع الانسان لنفسه حلقة من العزم يسير فيها لا يحقق أي نجاح في حياته الدنيا ويبقى متذبب الى هذا والى ذلك لا يهتدي سبيلا، والعزم لا يكون بعدة أمور التي تحتاج الى عزم لأن العزم لا يتحقق بجميعها بل بواحد منها فالعزم سبيل الى كل نجاح مرموق وبدونه لا يتحقق أي نجاح في ناحية من نواحي الحياة.
التوفيق
التوفيق: هو فعل ما تتفق معه الطاعة وإذا لم تتفق معه الطاعة لم يسم توفيقاً ولهذا قالوا أنه لا يحسن الفعل ... ويكون التوفيق الا لما حسن من الافعال يقال وفق فلان للنجاح في مجال الخير ولا تقول وفق للظلم، والتوفيق هو اللطف الذي يتحقق عنده فعل الطاعة والتوفيق بين نفسين هو الاصلاح بينهما في الاخلاق والمذهب والمساواة.
ويستند التوفيق الى الله مع وجود السبب العادي الذي هو إرادة المتخاصمين، لأنه تعالى مسبب الاسباب والسبب الحقيقي الذي يربط الاسباب بمسبباتها.
وفي الحديث لا يتوفق عبد حتى يوفقه الله.
وهو جعل شخص أو شيء موافقاً لآخر حتى يحصل الإلتئام والتقارب بينهما ويرتفع التباعد والتخالف والتنافر، والتوفيق تكويني يرجع الى توافق الاسباب على انتاج الخير من العقائد والاخلاق والاعمال الصالحة، وتشريعي مرجعه الى الارشاد والهداية الى ما هو الحق في الاعمال والافكار والاخلاق بوسيلة القاءات رحمانية أو ببعث الرسل أو بإنزال الكتب. وهو يتحقق من جانب الله مباشرة إما بمباشرة وبلا واسطة كما في الخلق أو بواسطة كما بعث الانبياء وإنزال الكتب.
وأما الحظ فهو النصيب من الخير ورجل محظوظ أي ذو حظ من الرزق، وقال بعضهم الحظ هو النصيب من الفضل والخير ولا فعل له، أو النصيب من السعادة.
((وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)) أي ما يلقى هذه الفعلة (حالة دفع السيئة بالحسنة) إلا ذو حظ عظيم وافر من الرأي والعقل وذو نصيب عظيم من القول والخير.
وقد يأتي الحظ بمعنى النصيب من السعادة.
فإذن يفرق بينهما ان الأول من الله والثاني من العبد.
وإن الأول مختص بالطاعة لأن الله لا يوفق الا لها، والثاني قد يشملها معاً.
وأن الأول توافق الاسباب لإنتاج الطاعة وهي محصورة بيد الله فيما الثاني بيد العبد فقد يستخدم للطاعة إذا كان ذو عقل ورأي راجح، وقد يستخدم بالمعصية كمن أصيب بنصيب وافر من المال فجعله سبيلاً للمعصية، وقد يتصادقان (يصدقان معاً).
قاسم الطائي
25 ذي القعدة 1444
الاحتفال بعيد الغدير
إن واقعة الغدير لم تمثل حدثاً تاريخياً تحددت مساحته الزمانية في وقت حدوثه كأي حدث آخر يدرس للعظة والعبرة أو لمعرفة سيرة تاريخ، وتتابع الأحداث لتشكيل صورة تنطلق من عمق تاريخي من تحديد آفاق المستقبل ليبقى في أروقة المكتبات وأوراق الكتب يتسجل لها حضوراً متناثراً كلما دعت الحاجة إليه.
وإنما هو حدث لم يقع في إطار تاريخي ليتحدد بحدوده ويكون له من الديمومة ما لقوة تأثير الحدث في حياة الناس ومصيرهم وبقدر ما يكون التأثير عاماً وشاملاً بل ومطلقاً ويلاحق حياة الإنسان في دنياه وأخراه لا ينفك عنه لحظة، وبه يقام صرح الدين ويشاد علاه وبه تسود امة الأمم وبه تبصر الأمة طريقها وتعرف رشدها ولهذه العناية لم يبرح الأئمة عليهم السلام كما كان صاحب الغدير يحتج ويحتجون لإمامته عليه السلام وكان يستنشد السابقين في الحضور في حجة الوداع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في المنتديات ومجتمعات الناس ((كل ذلك الاهتمام وتلك الرعاية ما كانت لتقع إلا ليكون حدث الغدير غضاً طرياً بالرغم من تقادم السنين وتعاقب الحقب والأعوام، ولذا أمروا الشيعة بالتعبد في هذا اليوم والاجتماع فيه وتبادل التهاني وإعادة مجده.. هاتيك الواقعة العظيمة)).
وإحياء هذه الذكرى إنما هو إحياء للشخص الذي مثل كل القيم بأعلى مستوياتها فكان هو والحق على حد سواء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ((علي مع الحق والحق مع علي)) وهو بهذا الموقع يحتاج الى ديمومته في ذاكرة الأمة وضميرها لتعيش مفاخر وانجازات عظمائها تعتز بهويتها وشخصيتها الإسلامية التي أنجبت هذه الشخصية الفذة التي لم يعرف تاريخ البشرية لها نظيرا إلا برسول الله صلى الله عليه وآله فكان معلمه ومربيه منذ صباه وقد حقق فيه الرسول الأعظم الإنسان المتسامي والمتكامل الذي تريده السماء لتكميل مسيرة الرسالة بعد رحيل الرسول الكريم صلى الله عليه وآله صيانة لها من التلاعب والتضييع وبهذا الانجاز الذي حققه نبي الرحمة تبقى الأمة الإسلامية تشعر بالعز والتفوق الإنساني الذي أراده الإسلام لها ولا تنخدع بما يقدمه التاريخ البشري من مسميات وشخصيات لا ترقى في مستوى إنسانيتها مهما بلغت إلى شيء يذكر في مقابل شخصية الولي عليه السلام، وهذا الشعور بالعز ما تحتاجه الأمة لتتحرر به من نقاط ضعفها وذلتها في أوقات المواجهة والتحدي وتكالب الأعداء الذين يريدون بها وبإسلامها الشر كما أراده كبراء قريش في أوائل الدعوة الإسلامية.
ولإحياء الذكرى اثر بالغ في تأكيد منهج الحق الذي سار عليه الإمام عليه السلام بالوحدة الإسلامية نتعلم منه إيثار المصلحة العليا على خصوصياته الذاتية عندما يتطلب الموقف في أحيان معينة تجميد هذه الخصوصيات من اجل المصلحة الإسلامية العليا.
إن تحريك صورة الإمام في قضية إحياء الذكرى ورسم آفاقه البعيدة والعميقة تكشف زيف الكثيرين ممن يدعون انتسابهم للامام عليه السلام بعنوانه ولم يتعلموا منه شيئاً يذكر لا في صرامته وصراحته في الدفاع عن مبادئ الدين وعدم مجاملته على حسابها مهما كانت النتائج ولا في تضحياته الكبيرة لإعلاء حرم الدين وبيان أهميته ولا.. ولا.. ولا....
وقد نفهم من الذكرى إن حقاً للأمة من تربية عظمائها أن تعاصر ذواتهم العالية مقاماتهم السامية ليكونوا أسوة لها تتعلم من سلوكهم وطريقة تعاملهم مع الحياة ما تصحح به مسارها وتسترشد بنوره في ظلامها ترجع إليه وقت المحنة والبلاء كما كان السابقون يرجعون إليه عليه السلام في شدائد الأمور وصعابها وعليه شواهد تاريخية لا حاجة لعرضها الآن وذلك لوجود المبارك لحياته الدنيوية قد انقطع لموته عن امة الإسلام المتأخرة عنه ولكنها إن أرادت الاستنارة بنوره عليها إبقاء ذكراه حاضرة عندها نبراساً تقتدي وتهتدي به تأخذ منه ما يعينها في شؤون حياتها ومختلف أمورها من حركته الرسالية وتضحياته ما تخفف به عنها فقد تواجده معها وهي بالذكرى تحيا معه عظمة ورسالة من خلال إثارة إحياء ذكراه.
وقد يعوض ما وصلت إليه الأمة من عمق فكري وعملي لشخصيته المباركة لم تكن للأمة المعاصرة له مثل هذا العمق والثراء الفكري إلا اليسير فقدها لوجوده المبارك ومعاصرته لها.
ولإحياء الذكرى إظهار لموقعية الحق وعلوه على الباطل الذي ما انفك يرمزه من طواغيت ومستكبرين وظلمة إخفاؤه وتلبيسه على الأمة وتعميته بمزج كثير من صور الباطل وأبطال الانحراف كرجال للحق ساروا على الطريق المستقيم فأضاعوا على الأمة نبراس هدايتها وعروة اهتدائها ((والحق أحق أن يتبع)) وتضحيات العظماء باقية في ديننا في أعناق الأمة حتى تتحقق الأهداف التي من اجلها قدموا كل تلك التضحيات.
ولإحياء الذكرى إحداث أخرى اكتفي بهذا المقدار منها.
قاسم الطائي
13 ذي الحجة 1423هـ
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مسألة ظهور قيام الإمام الحجة (عجل الله فرجه) هل هي في هذه النشأة أو في عالم آخر لابد من معرفة ان الإمام الحجة في هذه الارض أو ينتظر في مكان آخر، جملة من محققي الإمامية يقولون هو (عجل الله فرجه) طوى الزمان وطوى المراتب الكمالية ووصل بسفينته الخاصة ووصل الى تلك النشأة وينتظر البشرية ان تأتي اليه .. وعليه تكون كامل نظرية الانتظار المفهوم أننا منتظرين حتى يظهر في عالمنا تبين أنه يقول ألي ألي تعالوا يعني هو الذي ينتظر وليس كما هو متعارف الناس تنتظر الإمام (عجل الله فرجه)..
ملاحظة: هذا الكلام ذكره السيد الحيدري..
فما هو رأيكم الشريف؟
الشيخ
محمد الجبوري
27 شعبان 1444
بسم الله الرحمن الرحيم
الظاهر ان حركة الإمام لا تختلف عن حركة الانبياء وهي ارسالهم الى الناس لينتشلوهم من الظلمات الى النور ولم تكن في حركتهم ان يرتقي الناس سلم الكمال فيصلوا الى مقام النبوة، وإذا كان الأمر كذلك فلا يحتاج الى النبوة لإنتفاء الحاجة اليها.
وعليه فالنظرية المشار إليها بعيدة عن السياق العام للهداية البشرية وليست عليها شواهد كثيرة، وإذا نظرنا الى دعاء الفرج والذي منه (حتى تسكنه أرضك طوعاً) فأن (حتى) لنهاية الغاية المنتهي اليها وان ما قبل الغاية أدنى منها، ولم تقل النظرية الى عالم ما قبل عالم الحياة الدنيا بل تقول الى ما بعد الحياة الدنيا، وهذا مؤشر لا تساعد عليه النظرية.
مع ان هذه النظرية تواجه ان الذين يصلون الى الإمام ولقائه في العالم الأخر (الأولى) هم قلة من البشر والباقي غير متمكنين من الوصول الى عالمه أو غير مؤهلين فيناسب انهم ينتظرون الامام لا الامام ينتظِرهم، والتعليمات الدينية على امكانية امتثالها لكافة البشر وليس لشريحه دون أخرى.
ثم ماذا يفعل بالكم الهائل من الروايات التي تشير الى وظيفة المكلف بانتظار الامام (عجل الله فرجه) والتأكيد على مبدأ الانتظار وممارسة وجدانياً ومعايشته نفسياً حتى يصبح مرتكزاً في النفوس، والروايات التي تفسر بخفاء العنوان بحيث هو متواجد بين الناس لكن لا يعرفونه، أو خفاء الشخص، وهذا لا أثر له لو كان الإمام (عجل الله فرجه) في عالم فوق الدنيا لأنه بالتأكيد لا يرى، والروايات التي تقول أحرسه وأمنعه من الوصول اليه بسوء وغيرها كثير، وليس بأظهر من آيات القرآن ((وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)) وغيرها..
هذا ويمكن ايقاع التصالح بين نظرية المشهور والنظرية المذكورة، ويمكن للإمام ان يمارس الوظيفتين في آن واحد هنا في الارض وهناك في الأولى، فهو مُنتَظر ومُنتِظر، ولا محذور في ذلك لأن له السيطرة على عالم الإمكان بتقدير الله له، وكيف يكون مسيطراً ما لم يكن موجوداً في العالمين أو في أي مكان آخر.
قاسم الطائي
29 شعبان 1444