اعتقال قوات الاحتلال البريطانية لمجموعة من ضباط الشرطة العراقية – الشؤون – في يوم الجمعة المصادف الثالث من رمضان 1426هـ فيه أكثر من دلالة نستعرضها للتقديم أمام من يرون الأمور بشكل مقلوب ويحاولون على الدوام تبرير الواقع الاحتلالي بما ينسجم مع مشروع المحتلين أنفسهم .
الدلالة الأولى :- إن السيادة المزعومة التي حصل عليها العراق بعد تشكيل حكومة منتخبة من قبل الجمعية الوطنية المنتخبة مجرد سراب لا واقع له إلا في مخيلة البعض ووسائل الإعلام الرسمية أو شبه الرسمية التي أجادت في تحويل هذا السراب المنكشف بفعل الممارسات الاستفزازية لقوات الاحتلال إلى حقيقة ) يحسبها الضمآن ماءً ( حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً .
وأين هذه السيادة وهي لم تُسلَّم حتى لأجهزة السلطة نفسها التي يراد بنائها لحفظ الأمن واستقرار البلد والمفروض أنها تمثل سيادة الدولة وهيبة وجودها التي مرّغت في تراب الغطرسة الاحتلالية .
الدلالة الثانية :- أن أجهزة الشرطة وقوى الأمن الأخرى ستجد نفسها بعد الحادث وربما قبله حينما أطلق إرهابيان بريطانيان النار على تجمع لهم وقتل شرطياً وجرح آخرين ولم يؤخذ لهم بحقهم وضاع دم المسكين هدراً ، مع أن قاعدة الإسلام المتفق عليها – أن لا يذهب دم امرئ مسلم هدراً – ستجد نفسها بلا سقف يحميها لا من السلطة ولا من الشعب الذي تنظر طائفة منه إلى هذه الأجهزة كأهداف لا تفرق بينها وبين الاحتلال ، مما يؤدي بها إلى التفكير الجدي بالانسحاب من هذه الأجهزة والتخلي عنها ، وهذا الأمر يرجعنا إلى الفوضى وغياب القانون وسلطة تنفيذه ، وربما هذا هو مراد أعداء البلد مهما كانت مسمياتهم .
الدلالة الثالثة :- أن تجربة جهاز الشرطة في البصرة قد صحح أفكار غير مستقيمة تنبعث من نفوس مريضة ، بضرورة استهداف جهاز الشرطة وانه مانع عن الوصول إلى الاحتلال أو غيرها من التبريرات التي لا تجد لها مسوغاً لا شرعياً ولا عرفياً ولا إنسانياً ، وكان الأجدر بمن ينتمي إلى دعوى المقاومة أن يراهن على الحس الوطني لأفراد هذا الجهاز ويعتبر بمواقفه في البصرة وكيفية تصديه لقوات الاحتلال المعتدية ، وتحمله المسؤولية في مكافحة الجريمة وان حصلت من الاحتلال واتخاذه موقف الحياد لحظة حصول مواجهات مع قوات الاحتلال ، وان إشعارهم بأهمية وجودهم سيعزز بما لا يقبل الشك من وطنيتهم وتفاعلهم مع المشاعر الوطنية ، وألا سيجد هذا الجهاز وغيره نفسه مرتمياً بأحضان الاحتلال لإحساسه بأنه الوحيد الذي يوفر له غطاء الحماية من الإدانة والاستهداف .
الدلالة الرابعة :- عدم تفاعل الحكومة مع الحدث أو الاهتمام به وإثارته على سبيل تعزيز قناعة الجمهور بهذه الحكومة التي جاء بها الشعب ممثلةً عنه لتدير شؤونه بما يصون وحدته وكرامته وأمنه التي صادر منها الاحتلال الثاني ولا يبعد الثالث كذلك .
وعدم الاكتراث هذا يضع الشعب أمام مسؤولياته التاريخية بالمطالبة الجدية بحقوقه عبر آليات أكثر فاعلية كالعصيان المدني العام ، والقيام بمظاهرات جماهيرية عامة ترفع شعار العراق بلد الجميع والله المستعان .