اخف من دبيب النمل
تعج الحياة الاجتماعية والتعاملات الجارية في وقتنا الحاضر بمحرمات عديدة وهي من جهة عدم التنبه لها أو الالتفات إليها خفيفة، واخف من دبيب النمل على الصخرة الصماء لتشبيه حال عدم الإحساس بها والتأثر بسببها، وها هي بعض هذه المحرمات:
المحرم الأول: هو اخذ الموظف الحكومي بعض الأموال على انجاز أو الإسراع في انجاز بعض معاملات المراجعين من الموظفين، ووجه حرمة هذا الأخذ ينبغي أن تكون واضحة، لأنه يتقاضى راتباً شهرياً من الدولة وتمام أوقات عمله مملوكة لها بعد أن استحق الراتب عليها وعليه أداء مسؤولياته وواجبه بدون مقابل من قبل المواطن لأنه اخذ مقابله من الدولة. وما دام قد أخذه من الدولة فمقابله وهو وقته وعمله فيها مملوك إليها، لا له ليأخذ في مقابله مالاً من الناس، ولتقريب الحرمة بمثال واضح، تخيل أن عامل بناء يعمل في بيتك ثم عرض له شخص يعمل ضمن اختصاصه كأن ينقل بعض المواد من مكان لآخر، فلم يفعل إلا بمال مقابله يأخذه على ذلك، ستقول له ليس لك الحق لأني أعطيك أجرة على عملك فما دمت أعطيك فلا حق لك بالأخذ من آخر.
المحرم الثاني: هو تقديم نوبة بعض المراجعين المرضى على البعض الآخر، لقاء مبلغ يأخذه – الفراش- على ذلك، والوجه في الحرمة هنا أن هذا الفعل يدخل في حكم الرشوة وإن لم يكن هو رشوة بالمصطلح الفقهي التي تعني اخذ المال لقاء التلاعب في وجه الحكم وفصل الخصومة وحسم الدعوى، فهذا العمل هنا ليس هو رشوة بهذا المعنى ولكن ملحق بحكم الرشوة عند بعض الفقهاء لما فيه من إعطاء الدافع ما ليس له بحق كما يعطي دافع الرشوة حكم ليس له بحق.
المحرم الثالث: بيع المشتقات النفطية التي تخصصها الدائرة لبعض المعدات من السيارات وغيرها فيستعمل السائق بعض منها ويسحب البعض الآخر ليبيعه ويأخذ ثمنه، وحرمة هذا الفعل من جهة أن السائق لم يبع ما هو ملك له لأن المشتقات النفطية مملوكة للدائرة لا له.
نعم لو حددت الدائرة الكمية المتوقعة لانجاز عمله بواسطة المعدات، وهي تعرف أن مقداراً منها سيزيد ولكنها تجعله للسائق لتشجيعه أو تكريمه، فيبيعه من قبله والاستفادة من ثمنه ليس بمحرم لأنه إجراء تشجيعي من الدائرة للسائق، ولكنه مشروط بانجاز السائق لما وكل به من مهمات الدائرة وعدم الاحتيال على عدم انجازها ليستفيد من بعض المشتقات.
المحرم الرابع: ما يأخذه بعض المسؤولين في الدائرة لقاء التعيين لبعض المواطنين كما هي العادة الجارية الآن، والحرمة هنا من جهة انه لا حق للمسؤول يقدمه للمتقدم للتعين ليأخذ في مقابله مالاً، فما دامت حاجة الدائرة لبعض الموظفين واستيفاء المتقدم للشروط فهو يستحق التعيين بلا ضم مقابل للموظف أو لغيره، نعم لو تقدم من هو مستوفي للشروط وكان عدد المتقدمين أكثر من المطلوب، تعين على الدائرة إجراء القرعة لتشخيص من يتعين بواسطتها، وممن لا يتعين، ولا يحق للموظف أن يشخص من تلقاء نفسه ويأخذ المال من المتقدم.
وأسوأ من هذا ما يأخذه الوسطاء من المال من المواطنين، فهو وسيط يأخذ في قبال وساطته مال، وحرمته من جهة ما يحرم على المسؤول أخذه.
نعم لو تعنون عمل الوسيط بعنوان متابعة المعاملة والتعجيل في تمشيتها وصوابيتها استحق اخذ الأجرة على هذا العمل خاصة إذا لم تتضمن غشاً وتزويراً للمعاملة.
المحرم الخامس: اخذ صاحب السيارة المباعة إلى آخر مبلغاً على توكيل المشتري يتراوح ما بين ورقة أو ورقتين فئة مائة دولار، هو من المحرمات لأن المشتري بشرائه السيارة قد استحق على البائع معاملة التوكيل أو التحويل بل التوكيل هو جزء من البيع استحقه المشتري بدفع مبلغ السيارة، وبالتالي فأخذه من المشتري بلا وجه حق وبدون مقابل، فهو حرام ويدخل في عنوان الرشوة حكماً لا موضوعاً كما تقدم في المحرم الثاني.
المحرم السادس: أن يعمد الوكيل من قبل آخر على شراء أو بيع بضاعة معينة، فيقوم الوكيل بشرائها بملغ معين ويقدمها للموكل بمبلغ اكبر ويأخذ الزيادة ويضعها في جيبه، وهذا الفعل وهو اخذ الزيادة محرم لأنه لا حق له به وإنما يستحق على الموكل أجرة عمله، نعم لو قال له الموكل اشتري لي بضاعة كذا بمبلغ كذا وله حق اخذ الزيادة لو اشتراها بأقل من هذا المبلغ فهو يستحق هذا الزائد، وحال البيع كذلك فيما يتعلق بالزيادة.
المحرم السابع: تحويل المقالات المحالة قبل التعاقد عليها وتحويلها إلى آخر لقاء مبلغ كبير، فإن استحقاق هذا المبلغ غير شرعي إلا إذا عمل المحوّل عملاً استحق به اخذ الزيادة، وأما أن تحوّل عليه هاتفياً مثلاً وهو بنفس اللحظة يحولها على آخر ويقبض مبلغاً فلا مبرر لأخذه بعنوان البيع أو التحويل.
المحرم الثامن: ما يأخذه موظفو المشتريات في دوائر الدولة حيث يشتري البضاعة بسعر ويدونها بالوصل بسعر آخر أعلى بكثير من سعرها المشتراة به ليستفيد الفرق، وهو محرم عليه لأنه أمين على مصلحة الدائرة والأمين لا يخون، وهو يقوم بوظيفته التي يتقاضى عليها راتباً شهرياً وعليه فلا وجه لاستحقاق الزيادة مع أن فعلها وتدوين سعر جديد بالوصل عمل محرم لأنه غش، وخيانة.
المحرم التاسع: ما يقوم به بعض المدرسين من تقصير واضح في شرح وبيان مادة الدرس لأجل الضغط على الطالب ليدخل الدروس الخصوصية والتي أصبحت سمة المدرسين في وقتنا الحاضر وقد بينا تفاصيل ذلك في كتيبنا (فقه المدرسين)، ومختصر الجواب: أن المدرس المقصر في الدرس لا يستحق الراتب الحكومي المقرر له وإنما يستحقه على تقريره الدرس بشكل جيد وواضح ولا قصور فيه ويكون الدرس الخصوصي من حيث الأجرة محرم عليه لو استغل أوقات الدوام الرسمي المملوكة للمدرسة ليعطي بها الدرس الخصوصي.
المحرم العاشر: ما يفعله بعض ضباط الوحدات العسكرية حيث يسمح بنزول المنتسبين من المراتب العسكرية ويتعاطى هو مرتباتهم، فإن هذا من المحرمات على الطرفين، على المراتب لأنه بعدم دوامه لا يستحق الراتب فإعطاء الراتب من قبل المسؤول وغض النظر عن دوامه حرام. وأخذه من قبل الضابط المسؤول حرام أيضاً.
المحرم الحادي عشر: ما يأخذه وجهاء العشائر ومشايخها عند ذهابهم إلى (فريضة) معينة في جلسة عشائرية لفصل نزاع أو اخذ دية أو غيرها من ما يعقد له عند الخصومة، حيث يشترط الوجيه مبلغاً من المال، مستفيداً من وجاهته أو نسبه (كونه سيداً) لقيام العرف العشائري على تخفيض مبلغ معين من الدية أو الفصل للوجهاء السادة، وهو بهذا يشترط مبلغاً معيناً على من يذهب معه. فهذا أيضاً من المحرمات لأنه به ضياع المعروف وغياب فعل الخير بين الناس، وهو ما عللت به الشريعة حرمة الربا في بعض الروايات.
المحرم الثاني عشر: ما يأخذه وكلاء الغذائية من دون إعطاء المادة المقررة أو تبديلها بأخرى من أردأ الأنواع وربما منتهية الصلاحية التي تسقط ماليتها لذلك. فإن ما يأخذه في هذه الحالات محرم قطعاً إما لعدم المقابل الذي يعطيه للمواطن وإما لتبديله المادة بأخرى لا مالية لها.