اخي المعلم

أخي المعلم يا من كنت أهابه إجلالاً وإكباراً وأخاف مواجهته في الطريق أو إلتقائه في مكان عام، لانه كان أكبر من أن أملك الشجاعة لمواجهته وأسمى من أن أتكلم معه في الطريق كان قيمة لا توصف وموقعاً لا يدانى، وكان مثلاً أعلى نقتدي به ونسير على هدى تعليمه وتربيته، وكان مطاعاً لا تفضلاً منا عليه بقدر ما كان إلزاماً منا إليه، فهو يستحق كل هذا وأكثر، وكيف وهو الأب، والأخ، والصديق، والقريب، والموجه، وهو كل الروابط الخيرة والصلات الحميدة، وقد صدق الشاعر بقوله قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا .. فكما أن الرسول يعلمهم ويزكيهم .. فكذا المعلم إذا أقترنت عملية التعليم بالتربية.

   وقد جرت ظروف وملابسات، فوق القدرة والإختيار في فترة مظلمة من تاريخ العراق إنعكست على التعليم بشكل عام وقللت من قيمته ومكانته مما أفقده قدرته على التأثير والبناء وتراجعت مكانته الى الوراء، بسبب وآخر أهمها المستوى المعيشي المتدني للمعلم، وضغط العيش، وحاجة متطلبات الحياة، فكان من أمره مما لا نرجوه له، من إستغلال الوظيفة، وإبتزاز الطلاب بما يسمى بالدروس الخاصة وأصبح جل إهتمامه منصباً على تحصيل درس أو درسين يعين بها نفسه معاشياً، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، وإنما أنعكس على جديته في إعطاء المادة الدراسية في أوقات الدوام الرسمي أو حث الطلبة على إحترام أوقات الدوام لان ذلك سينعكس سلبياً على طموحه في إعطاء الدروس الخصوصية.

    ولم يكن ليعرف أن الأجر الذي يتقاضاه كمعلم، وهو وأن كان قليلاً بالقياس لمتطلبات المعيشة، ولكنه ملزم من خلاله لاداء وظيفته وتعليم طلابه بحرص وجدية.   

     وأن مقابل هذا الراتب القليل دروس جدية واحترام للوقت الرسمي وإداء لأمانة المجتمع الذي سلمه وظيفة تعليم أبنائه والتي أختارها بملء إرادته ورغبته أو نتيجة لمعدله النهائي في الإمتحانات العامة.

      ثم ما ذنب الطلبة في إجراءات تعسفية كانت الحكومة المنقبرة تلزمها المعلم، وتضيق عليه في راتبه الشهري ؟. فأن الطالب لا دخل له بقلة الراتب، وعدم وفائه بمتطلبات المعيشة المتعارفة.

      وماذا كانت النتيجة، تسيب من قبل المعلم بالنسبة للدوام، وعدم المبالاة في أن الطالب فهم الدرس أم لم يفهمه، وإستغلال الوظيفة التعليمية في أستثمارها خارجاً بالدرس الخصوصي دون الدرس الرسمي، والتحايل على الطلبة، بإيصال الأسئلة لهم وفي ذلك خيانة للأمانة، وقلة العناية في إكمال مادة الدرس أو أيصالها صحيحة الى الطالب، و…..وكلها محرمات شرعية أولاً، ومخالفات وظيفية ثانياً، وإساءات إجتماعية ثالثاً، وإرتكابات تعليمية رابعاً، والأهم منها جميعاً أنه يجر البلاد الى الخراب والدمار، فأن عمدة قيام الدول والبلدان بالعملية التربوية والتعليمية، ولا نهوض ولا تقدم لبلد بدونها.

      وحينما من الله على شعبنا بزوال الطاغوت أستبشرنا خيراً لابنائنا وبلدنا وإن مبررات التسيب التعليمي أنذلك قد ولت من غير رجعة، وأن المستوى المعاشي للمعلم قد تحسن كثيراً وإمتاز بالأفضلية الواضحة عن ما كان سابقاً، وهنا يأتي عامل الشكر لله أولاً، وللدولة ثانياً، ولقيمة الإنسان ثالثاً، لتدوم النعم ويزول الكسل والزلل، ولكننا وللأسف الشديد لم نكن نتوقع حجم الإرتكابات التي يمارسها بعض أهل التعليم وحجم الدمار الذي يقومون به للبلد ومستقبله.

     والتي  ستظهر نتائجه بالوقت القريب إذا لم تتكاتف جهود الجميع ويدرك أهل التعليم مسؤولياتهم الوطنية بإتجاه مستقبل بلدهم، وأبناءهم ، فقد طغت تصرفات أخرى على ساحة عمل المعلم، أذكر بعضها .. مع حكمه شرعياً، على تفاصيل تجدها في كتيبنا فقه المدرسين. ولكننا الآن نذكرها مختصراً. 

     الدوام مسؤولية شرعية ووطنية وأن أي تهاون أو تكاسل فيه خيانة وجناية، فليس لك الحق بترك الدوام لمجرد حاجة أو غرض شخصي، أو ممارسة عامة أو خاصة، ولا يشفع لك قيام زميل بحصصك التعليمية لانه لم يوصل المادة كإيصالك لها، والطلبة لم يتفاعلوا معه كتفاعلهم معك. وعلى المدير أن لايسمح بذلك إلا لمبررات إنسانية ، وحاجات ملحة وإلا شارك في الخيانة والجناية.

      الجدية في تفهيم الطالب وإيصال المعلومة له صحيحة وسليمة دون ضغط  أو تعنيف قد تتخذه ذريعة لالجاء الطلبة لاخذ الدرس الخصوصي منك، فأن جهدك التعليمي مملوك للمدرسة، عليك أن توفيه كاملاً للطلبة، وإلا كان أخذ الدرس الخصوصي على حساب الدرس الحكومي المملوك للجهة الرسمية ، فهنا بتقصير متعمد لاجل الدرس الخاص ، ويزداد الأمر حرمة وخيانة فيما لو كان الدرس الخصوصي في أوقات الدوام الرسمي وعلى حسابه.

     نعم من حقك الدرس الخصوصي ولكن بعد أعطاؤك حصص المدرسة أهميتها وقيمتها بنفس الدرس التي تعطيها للدرس الخصوصي، والطلاب ليس كلهم على حد سواء في الفهم والإستيعاب فمنهم من يحتاج للإعادة والتكرار ليفهم المعلومة ويستوعب الدرس.

  وأنت مستأمن على إتمام مادة الدرس أثناء العام الدراسي لان هذه المادة تقع ضمن برنامج متكامل للتعليم بمراحله المتعددة.

     وأي تقصير معناه القفز على التكامل التعليمي وتهيئة الطالب معرفياً لهضم المادة نفسها للعام القادم وبالتالي سينعكس الأمر سلبياً على فهم الطالب لهذه المادة وسيبقى يكافح مرارة تجاوزها في الإمتحانات العامة، كمادة الإنجليزي الذي يقع الطلبة فيها فريسة الرسوب للسبب المذكور آنفاً.

    وهذا من الخيانة لعموم الشعب وأبنائه المتعلمين .

   وإستغلال أوقات الدوام في أعمال حرفية كالكتابة للمعلم أوالحياكة للمعلمة ، هو سرقة للوقت المملوك للتعليم العام يجعل راتب المعلم غير نقي بل يشوبه شيء من الحرام كسبه بلا إستحقاق لانه لم يعط وقته للدرس بل أعطاه لحاجته الشخصية.

وهكذا تصطدم أخي المعلم بإرتكابات غير مقبولة لا نريدها لك ولا نريدها منك وأنت أكبر قيمة وأعلى شأناً من أن تنال منك إذا أحسنت التصرف وأحترمت عملك وأدركت قيمته الكبرى في بناء بلدك، وتقوية دعائم دولتك.

    أخي المعلم أسمعني ناصحاً كما تنصح طلابك، وأسمعني راشداً كما ترشد طلابك لطريق الخير والإستقامة، والله الموفق للسداد والهادي للرشاد.