You are currently viewing استفتاء سماحة الشيخ حول الكثرة والقلة

استفتاء سماحة الشيخ حول الكثرة والقلة

سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

 

يقع الإنسان في أحيان كثيرة أسيراً للأجواء العامة والتي تتبنى مواقف معينة إزاء حدثٍ ما، ويغلب عليها كثرة المتصدين لها لأنها تمثل الحق في اتخاذ الموقف أو تقييمه ولو لم تكن حقاً لما انحاز لها كثيرون ودافعوا عنها، أي جعلوا الكثرة معياراً للحق والعدل والصواب.

فهل الكثرة كذلك، والقلة على الجانب الآخر من الباطل والظلم والخطأ، أو أن الأمر ليس كذلك.

وقضية أخرى: هي أن الشخص الذي يُتخذ قائداً مؤهلاً للإتـّباع وله أتباع كثيرون غالباً ما تجعل تصرفاته معياراً للحق وتصرفات غيره على العكس، أي به يقاس الحق وبه يكون، فهل الأمر كذلك أو ليس كذلك.. جزاكم الله خيراً

الشيخ علي الشمري    

7 – رمضان – 1431      

بسمه تعالى:-

 

لم تكن الكثرة في يوم من الأيام مناطاً للحق إلا نادراً، بعد صراع مرير وقاسي اضطر المعظم للارتماء بأحضان دعوة القلة، ورفع راياتها كما حصل بدعوة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله. والقلة لم تكن مناطاً للباطل، نعم هناك دعوات تطفو على سطح الساحة الاجتماعية الإسلامية قد تكون كذلك كدعوة اليماني والحسني، وجند السماء مثلاً في زماننا هذا، ولكنهم أو معظمهم وقعوا في الخلط حينما اشتبه عليهم الحق بالباطل، فطلبوا الباطل بظن انه الحق، مع انهم قد طلبوا الحق باعتقادهم.

والقرآن في جملة من نصوصه يؤكد على إن القلة أو الكثرة ليس هي المعيار للحق، والحق أمر ثابت، ولكنه صعب المنال أو الممارسة ((وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)) المؤمنون70، ((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)) البقرة249.

نعم الناس البسطاء يقرأون الأمور بظواهرها، فما دام الظاهر يقرأ بأن القوة مع الكثرة وأيضاً الحق مع الكثرة هكذا يتوهمون، فينقادون لصاحب الكثرة ظناً منهم أن الحق معه. وهؤلاء ينظرون إلى الحق من خلال الرجال، مع أن الحق ينظر إليه ويقيّم الآخرون على أساسه، ولذا قيل يقاس الرجال بالحق، ولا يقاس الحق بالرجال، أو ورد اعرف الرجال بالحق، وانظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال.

ثم لقلة وعي الأتباع والأنصار وعدم قدرتها على التمييز ما بين الحق والباطل أو لتعلق مصالحها فإنها لا تنظر إلى تصرفات المتبوع إلا كونها حقاً ولو مكابرة حفاظاً على مصالحهم المتعلقة به، وهذا حال كثير من العناوين الاجتماعية.

والمعيار الذي نعطيه لحقانية تصرف شخص، هو استقراء كل أقواله وأفعاله ووضعها في ميدان التجربة، وهل وافقت الواقع أو تصيّدت الحل أو عالجت مشكلة أو كانت ثابتة ومبدأية، أو هي متقلبة متغيرة مائلة حيث تميل الرياح.

وما عليك إلا استقراء بعض الآيات لتعرف أن الكثرة مذمومة والقلة ممدوحة.

{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }الأنعام116، وفي مقابلها ((وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)) سبأ13.

{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25 ((وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ)) هود40.

إن الحق له سبيل واحد يسلكه العارف العالم، وهو قليل. والباطل طرقه متكثرة يسلكها الأكثرون.

 

 

قاسم الطائي