الأفضل العراقيون أم الملائكة
ما يتعرض له الشعب العراقي من شدة وضيق بسبب الأوضاع المتردية والظروف القاسية التي خلفتها أكثر من علة من علل التردي والتقهقر، كالاحتلال، والأزمة السياسية الحالية، وكثرة المشاكل وتعقيدها، وفوضوية العمل، وارتجال المشاريع غير ذي الجدوى الاقتصادية والخدمية، وخاتمة عللها المحاصصة اللعينة التي يراد إلباسها ثوب ما يسميه البعض الذي أفلس من المقاعد البرلمانية الى حد بعيد بـ( الشراكة الوطنية)، المصطلح الذي طرحناه قبل خمسة سنوات بالتقريب، ولكن لا حياة لمن تنادي.
وعلى هذا فما يواجهه العراقيون يعد خارج عن المألوف والمتعارف في أفقر دول الأرض قاطبة، كما يشاهد في وسائل الإعلام المرئية، ومن هذا وذاك يبدو السؤال المطروح في عنوانه غير مستغرب، لأن التحمل والصبر على قساوة من الأمور وتعقيد من الظروف ينقل العراقيون الى مصاف الملائكة بل أفضل، من جهة تضمّن المخلوق الإنساني شهوات ومثبطات تدفعه الى الضجر والاعتراض وتجعله يتصرف بمنطق الحيوانية والبهيمية عندما تستولي على عقله ووجدانه وتصرفاته هذه القوى، ولكنه بالعقل والصبر والإيمان بالله، وأنه مع الصابرين المحتسبين، يضاهي ملائكته إن لم يكن أفضل منها مرتبة ومقاماً عند رب العالمين، مع ملاحظة أن الملائكة عقل بلا شهوة، وقد قالوا في الفلسفة والعرفان أن بدءها وحشرها واحد أي أنها لا تتغير في سيرتها الوجودية بخلاف الإنسان فإن بدءه غير حشره وأنه يتكامل بحركة (جوهرية) الى مراتب وجودية عالية قد يتفوق بعض البشر فيها على مرتبة الملائكة.
ولكن هذا الجانب المتقدم من علاقة العراقي بربه ورضاه بقدره وقدرته، لا يعني بالمرة رضاه بما يقع عليه من ظلم واضطهاد، فإن ذلك جانب وهذا جانب ولا ينبغي الخلط بينهما فالرضا بما قضاه الله وقدره لا يلازم رضاه بالظلم والتجاوز على حقوقه وإنسانيته بل وعلى حقه في حياة كريمة يشعر فيها بإنسانيته ويشارك بها غيره من شعوب الأرض.
فإن النظر في علاقة العراقي مع الله غير النظر في علاقته مع القائمين على شأنه من أهل السلطة والسياسة، بل والوجاهة الدينية والاجتماعية، فإن الصبر على تردي الخدمات وانعدام الاستقرار، وضياع الحقوق المدنية وما كفله الدستور العراقي للمواطن يعتبر شعوراً بالرضا بالمقسوم مع ترديه وضحالته، وشيمة العراقيون تأبى ذلك، بل وترفضه إلا أن رفضها له يأخذ صور متعددة من الامتعاض تارة، والاعتراض أخرى، والخروج ثالثة كما حصل في ملحمة الكهرباء السابقة التي ألجأت المسؤولين على الإنصات لطلبات الجمهور وتحقيق شيئاً من تحسين الوضع الخدمي الكهربائي، والذي استقر لحين ثم اخذ الآن بالتقهقر والرجوع الى وضعه السابق، وكأن الدرس لم يهضم، والخروج لم يأت أُكله.
ومن هنا قد يبدأ العراقيون بالتفتيش عن مخرج يختلف كلياً عن ردود الفعل السابقة المتقدم ذكرها، وحينها قد تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن العراق.