ينطلق الموالون لأهل البيت خصوصاً والمسلمون عموماً ، والمعظم منهم يترجلون مستأنسين بهذه المناسبة غير مكترثين ولا مبالين لما سيصيبهم من ظمأ ولا مخمصة في سبيل الموالاة الحسينية والموادة المحمدية في مشهد يثير فضول الكثيرين ممن لم يذوقوا طعم الموالاة ولا عرفوا حقيقة المودة ، ومن طبع الجهال ان يثيروا التشكيكات والتلبيسات حول هذه الممارسات ، ولا شأن لنا بهم ولا نلتفت الى تشكيكاتهم فانا من القوم الذين (( إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )) .

     ولكني سأخبرهم وإياكم أمراً طالما التمسوا له دليلاً للاقناع وحجة على البيان ، ان كانت لهم اعين يبصرون بها او آذان يسمعون بها …     اذا شاهدنا معظم التجمعات البشرية بمختلف المناسبات دينية كانت او دنيوية بمجالاتها المتعددة فاننا سنجد لا محالة ان إمكانيات ضخمة متوفرة فيها مدعومة من قبل جهات حكومية وربما دول أقليمية او تحالفات أممية ، مع وسائل إعلامية جبارة وأساليب اقناعية (( أساره )) من الاسر لانها تأسر الإنسان فينقاد لها من حيث لا يعي لماذا يسعى خلفها – واوضح شاهد على ما نقول هو مشهد الحج العظيم في موسمه السنوي ، فان عدد الحجاج المتوافدون الى الديار المقدسة في اقصى تعدادها لا يتجاوز الثلاثة ملايين حاج – مع كل ما قلناه من تبني العمل من قبل الحكومة والجهات الرسمية وإمكانيات الدولة السعودية – مع الالتفات الى ان الحج مأمور به شرعاً على نحو الوجوب .   وتعال معي الى المراقد الشريفة للمعصومين ( عليهم السلام ) واوضحهم مناسبة واكثرهم زيارة الحسين ( عليه السلام ) فمن عدم تبني الجهة الرسمية للأمر ، وقلة الامكانيات المتوفرة لأنها فردية ومحدودة وشدة المعاناة الجسدية والمالية للزائرين ، وانعدام الامن في وقتنا (( الثمين )) وضعف امكانيات مدينة كربلاء المقدسة قياساً بالحرم المكي او المدني الشريفين .     وصغر المدينة التي تضم جسد الحسين ( عليه السلام ) والزوار في اقل احصاء لهم يتجاوز ما عليه حجاج بيت الله الحرام مع الفارق الكبير بين الامكانيات كالفرق بين الثرى والثريا .     وان الزيارة مستحبة أكيداً عند معظم فقهاء الامامية – ومع كل هذا التقابل فعذرنا ازيد وزيارتنا أثمر وعددنا اكثر بما لا تستطيع أي جهة في العالم ان تنضم لمثل هذا العدد مهما اتسعت امكانياتها المادية وتوفر وسائلها الحضارية وهذا العالم امامك مرئي ومسموع ، هل وجدت لمثل هذا الحشد الحسيني صورة او لبركته إحدوثة .     واذا التفت الى ذلك وادرك الفرق فلك ان تسأل عن ماذا يعكس هذا ؟

     انه يعكس احقية اهل البيت وصحة الزيارة ومشروعيتها ، بل يكشف عن احقية عمل الموالين وهو ما يغتاظ منه المنافقون ، فيطالبون بآية ، وهل أوضح من هذه آية لا تكلف سوى ان تسمع عن العدد وترى الزحف المظفر لحبيبهم الحسين .

     انه الزحف الذي سيستمر رغم تكالب الاعداء وسموم الخبثاء .

     ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ )) فصلت : 53 .

     يا حبيبي يا حسين .. نور عيني يا حسين – فلا يتحمل فراقك الموالون وشيعتك المحبون اكثر من اربعين يوماً فيأتوك زحفاً يا حسين لانك بالنسبة اليهم كالرأس من الجسد حيث لم يحتمل رأسك الشريف ان يفارق بدنك الطاهر اكثر من اربعين يوماً .

     آه لو تعلم أيها الزائر ، ماذا قال عنك امامك الصادق : (( رحم الله شيعتنا كانوا أصبر منا ، قيل لم ، قال : لأنهم صبروا على شيء لا يعرفونه ونحن صبرنا على شيء نعرفه )) .

     (( فهنيئاً لك يا زائر ولا تبتئس بما كانوا يفعلون )) .

                                                                                          

                                                                                     14- صفر – 1428هـ