اذا اراد المتابع لاحداث المواجهات المسلحة ما بين قوى الاحتلال والمقاومين من اهل البلد المحتل فان اوجها للشبه سيجدها في موقعين بالرغم من اختلاف القوى المحتلة والبلد المحتل ، ففي النجف ـ العراق ـ هو البلد المحتل والقوات الامريكية ، وفي غزة ـ فلسطين ـ هو البلد المحتل ، وقوات الكيان الصهيوني هو المحتلة . وقد واجهت كلتا القوتين مقاومة شرسة كل منهما في موقع من البلد الذي تحتله . وقد تثير اوجه الشبه بينهما استفسارات عديدة لايعجز المتابع من تصيدها ، واستنتاج نتائجها .
وما هي اوجه الشبه بين الحربين والصحيح الاعتدائين على النجف وغزة ؟ هي .
الوجه الاول :ـ استمرار الحربين لمدة اقصاها واحد وعشرين يوما ولم يحقق كل منهما ما استهدفه منها ، من ارضاخ المقاومين واستسلامهم كما كان يتوقعه العدوان بفعل الآلة العسكرية الجبارة مقارنة بما يملكه المقاومين .
الوجه الثاني :ـ الضغط على المقاومين من خلال استهداف المدنيين والبيوت والدوائر، لتأجيج الرأي الشعبي ودفعه باتجاه الضغط على المقاومة وقبولها عرض الاستسلام ، ولم يحصل مثل هذا الامر في الموقعين .
الوجه الثالث:ـ تكبيد القوات المحتلة خسائر كبيرة تم طويها من قبل الاحتلال حفاظا على ماء وجهه واخفاء خسائره في مواجهة غير متكافئة من حيث العدة والعدد وفي كليهما لم يسمح للاعلام المحايدان يؤدي دوره في ايصال الحقيقة الى الرأي العام المحلي او العالمي ، كي لا تصاب المؤسسة العسكرية بالخيبة والانهيار فيما لو تعرضت لضغط الرأي العام في دولها . الوجه الرابع :ـ محاصرة المقاومين في شعوبهم من خلال المؤسسات السلطوية الحاكمة وتسميتهم بالخارجين عن الصف الوطني او المسلحين في غير الدائرة الرسمية مما شكل عامل ضغط اضافي اثر بصورة واضحة على معنويات المقاومين ، ومع عدم اغفال المد الشعبي لكليهما والتأييد لطبقات شعبية كثيرة خارج دائرة تواجدهم ، فالتأييد الشعبي لمقاومي النجف من غيرها من المحافظات ولغزة من الضفة الغربية .
مع فارق امتازت به غزه هو حصولها على التأييد اكبر من نفس ابناء غزة .
الوجه الخامس :ـ كان الغرض المختفي للمواجهتين فرض سلطة الدولة التي يرضاها الاحتلال ، فسلطة عباس مقبولة في غزة وسلطة الحكومة الانتقالية كانت مقبولة في العراق ، واما فعل المقاومين فهو خارج اطار الشرعية المقررة وينبغي نزع سلاحها .
الوجه السادس :ـ تجريد المقاومة من سلاحها عبر القنوات المتاحة للاحتلال من فرض الحصار، ومداهمة مواقع الاسلحة ومصدرتها او فرض عروض مغرية لشرائها او تحشيد دولي واقليمي ،ومحلي لنزعه منها .
الوجه السابع:ـ محاولة الاساءة الى المقاومين في الموقعين من خلال جرها الويلات والدمار لشعوبها وتحميلها مسؤولية الدمار والخراب والقتل الذي افتعلته آلة الحرب الاحتلالية ، وهو نفس منطق ابن زياد وزبانيته ، من ان الحسين قد شق عصا الطاعة وفرق الجماعة وعرض اصحابه واهل بيته للقتل ، وهو من خرج عن طاعة خليفة المسلمين .
الوجه الثامن :ـ الى كل منهما توجه تهم انهما ذراع لايران في المنطقة ، وان الجهود الدولية من خلال ضغط الاحتلال الامريكي يجب ان تنصب لمعاقبة ايران ، لانها تمثل (محور الشر) كما وصفها الرئيس الذاهب بلا رجعة عن البيت الابيض في بعض كلماته .
الوجه التاسع :ـ استخدم الاحتلال بعض الاسلحة المحرمة دوليا ولكنه حيث يملك النفوذ والسيطرة على القرار الدولي لم يدان واذا صدر قرار دولي فانه بلغة خجولة تساوي بين المعتدي والمعتدى عليه ، بين قوات الاحتلال ، وبين المقاومين وتعتبرها حربا بين فريقين ، او قوتين وهي ليست كذلك .
الوجه العاشر:ـ في كلا الموقعين وقعت مبادرات للحل كان جل همها تسجيل موقف وتبرير حالة التفرج في اوقات المواجهة ، وكلها تنصب على انهاء حالة المواجهة واخضاع الامر الى السلطة الرسمية ، من دون ادانة واضحة للاحتلال والاعتداء وتبني موقف شجاع في الوقوف مع المقاومة ثم طرح المبادرة لتقع موقعها الصحيح لا ان تطرح من دون الوقوف مع جانب الحق وهذا ما حصل بالضبط للمبادرة المصرية ، وغيرها هناك ، ولمبادرات بعض الساسة هنا.
تلك عشرة كاملة من اوجه الشبه تدلل بصراحة على ان الاحتلال واحد هو امريكي ولكن بأدائين ،امريكي ، وصهيوني ، والمبادرين هو اهل الاعتدال كما توصفهم امريكا ، ونصفهم (بالحبابين) بلهجة النجف الاشرف ، والمقاومون هم المانع امام المشروع الامريكي القادم الى الشرق الاوسط .
وقد نشبه هذه الامور ما وقع في لبنان لتكتمل الصورة ، وتكون العقبات امام المشروع الشرق اوسطي هي هذه المقاومات ولابد من ارضاخها لتمريره .
وههنا ملاحظة عليك التأمل فيها جيدا . وهي ان الحرب على لبنان بل على حزب الله في الجنوب استمرت ضعف مدة المواجهتين السالفتين بالذكر . فقد استمرت لاكثر من اربعين يوما ، وسيناريوا ايقافها هو عين ما حصل في غزة . من تنازل حزمة الاهداف المقررة للحرب وعجز القوات المحتلة على خلق واقع جديد على الارض وتضعيف سلطة المقاومين ، وحراجة موقفها دوليا لارتكابها جرائم حرب ، وجرائم ضد الانسانية ، وجرائم ابادة وغيرها من محرمات القانون الدولي ، وترك مجلس الامن في نهاية شوط العدوان والحراك الدبلوماسي رديف لاجتماع مجلس الامن بعد اخذ الرخصة من ادارة بوش .
تأمل جيدا وستحصل على قرار صحيح لما يستجد من احداث ، ((ولاينبئك مثل خبير)) .