الحوار الذي أجرته صحيفة الشرق الأوسط مع سماحة الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

 

الحوار الذي أجرته صحيفة الشرق الأوسط مع سماحة الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

 

1- طرحتم فكرة توليكم لمنصب رئاسة الوزراء هل ترون قبولا في الوسط السياسي لهذا الطرح وما هو تقييمكم للعملية السياسية والحوارات الدائرة الآن؟

 

لابد أن نشير الى إن طرح المشروع لتولي رئاسة الوزراء ليس هو داخل في دائرة منافسة السياسيين في مجال عملهم بقدر ما هو بيان قدرتنا على تولي هذا المنصب ومعالجة الأزمة التي لم ير لها نهاية في الأفق القريب مما ينذر بتردي الأوضاع أكثر فأكثر، والمتحمل الوحيد هو الشعب المسكين، ومن واجبنا الشرعي أولاً والوطني ثانياً أن نساهم بما نستطيعه من حل الأزمة. فيما لو عجز السياسيون من حلها وتشكيل حكومة تأخذ على عاتقها زمام الأمور.

وما دامت الوسيلة المجعولة دستورياً لم تأت على علاج الأزمة، فلابد من التفتيش عن سبل أخرى لحلها، وما طرحناه من تولي رئاسة الوزراء غير مختص بنا، بل بإمكان كل مخلص شريف حريص على بلده، يمتلك مؤهلات علمية واجتماعية وخبروية تعينه على ذلك؛ مع إننا نسمع من السياسيين أنفسهم انه بالإمكان المصير الى مرشح تسوية ولو من خارج الكتل السياسية.

إذن هناك مبررات واقعية وسياقية تدفعنا الى هذا الطرح، لإصلاح ما يمكن إصلاحه. مدعومة بخبرتنا العملية في دوائر الدولة ومؤسساتها من وزارات كالدفاع والإسكان، وبعض الشركات الأجنبية خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ولامتلاكنا خبرات إدارية تؤهلنا لهذا المنصب، فلم يكن طرحنا له من فراغ أو للاستهلاك الإعلامي، بل كان طرحاً جدياً يفرضه واقع الأحداث، وحرص الخيّرين على البلد.

ونحن نقف على مسافة واحدة من كل العراقيين على مختلف أعراقهم وطوائفهم وأديانهم، وهذه نقطة قوة لم يمتلكها السياسيون مع التنبيه إنا لا نبغي تحصيل مكاسب سياسية أو إعلامية أو مالية، لأننا نشترط الأمور التالية:

1) قبول شعبي واسع يضم معظم أبناء الشعب ويشكل رأياً عاماً يؤيد طرحنا لنقوم بالأمر متكلين على الله وعلى دعم شعبنا، وليس من الصحيح أن نقفز على الأحداث من دون دعم شعبي واسع، والمتوقع وجود هذا الدعم.

2) قبول تخلينا عن أية اعتبارات مالية من الراتب وغيره، وأن لا نكلف الدولة ما تتكلفه مالية للرئاسات الثلاث.

3) إطلاق صلاحيات رئاسة الوزراء فيما يتعلق بتعيين وإقالة بعض الوزراء دون الرجوع الى تقييد هذه الصلاحية من خلال مرورها بالبرلمان.

المتوقع عدم تفاعل السياسيين أو قبولهم لفكرة تولينا منصب رئاسة الوزراء لاعتبارات لا موجب للخوض فيها في الوقت الحاضر، وقد يكون طرحنا معجلاً لهم على الإسراع في تشكيل الحكومة التي يريدونها غير خارجة عن دائرة كياناتهم السياسية، وإن لم تأت أُكلها على صعيد استعادة العراق مكانته وعافيته المحلية والإقليمية.

والغريب أن السيد المالكي وفي مناسبات عديدة قد صرح بشكل لا يقبل التأويل والتفسير بأن رئاسة الوزراء لا يمكن أن تقوم على أساس محاصصي، وإلا كانت مشلولة وغير فاعلة في عملية البناء والانجاز للبلد، فما دامت المحاصصة قائمة في العملية السياسية فإن الأمور ستستمر على ما هي عليه إن لم ترجع القهقرى.

والمتوقع أن طرحنا هذا سيحرك العملية السياسية الى الأمام لأنه سيشكل استفزازاً واضحاً للقائمين عليها، وإن استمرار الوضع على ما هو عليه لا يمكن قبوله شعبياً ولا فائدة ترجى من ورائه بما يؤدي الى تداعيات غير مأمونة على البلد ومستقبله، خصوصاً بعد تجربة الكهرباء وخروج الملايين من أبناء الشعب الى الشوارع مطالبين بحقوقهم في تحسين الخدمات.

فعلى السياسيين الاعتبار بهذا الحدث وأخذه بعين الاعتبار والجدية، قبل فوات الأوان وخروج المواطنين الى الشوارع فإن العراقي بطبعه قد يسكت لكن لا الى نهاية، وتجربة الانتفاضة الشعبانية ليست عن أذهاننا ببعيدة، فعلينا جميعاً توخي الحذر وعدم التمادي في هذا الفراغ.

 

2- سمعنا انك تطرحون أنفسكم لان تكونوا مرجعا دينيا للشيعة هل ترون في أنفسكم الأعلمية لتولي مثل هذا المكان وهل ستتقبل المرجعيات هذا الطرح؟

 

المرجعية لم تكن ولن تكون حكراً على أشخاص معنيين، وهي موقع استحقاقي يحصل عليه المؤهل من خلال علمه وعمله بما علمه، وهي مبدأ سيال لم يقف عند شخص معين أو أشخاص معينين إذ لم يأت إعطاءً من احد بل ساحته العلمية الحوزوية مفتوحة لكل من يجد في نفسه المؤهلية لهذا المنصب، يشعر به ويجده العامة متلبساً به فيما لو عرفوا منه ذلك ومالت إليهم نفوسهم. وعلقوا أعمالهم على ما يستبطنه ويتوصل إليه من أحكام الشريعة ضمن أدلتها المقررة عند العلماء وبالتالي فهي من حق كل احد.

فانا لم اطرح نفسي بقدر ما للناس في هذا التصدي من تأثير وتفعيل، وبقدر ما يكون العامة من الناس، واقصد المقلدين على قناعة من هذا الشخص أو ذاك، كان له أن يتحمل مسؤولية تقليدهم وإرشادهم الى معالم دينهم ودنياهم، وهذا المقدار بحمد الله موجود، والمجتمع يميل الى ما يميل إليه ممن يجد فيهم الكفاءة العلمية والقدرة التحقيقية، والأمانة والعدالة، والحرص على مصالحهم وصيانة معتقداتهم الدينية ومتابعة مشاكلهم ومحاولة حلها بما يتيسر للمجتهد أو المرجع، وتعتبر شجاعة المرجعية علامة مؤثرة في دعمه وتأييده جماهيرياً.

واعتقد أن رصيدنا من الذين يميلون ألينا بمقدار معتد به يسمح لنا للوقوف على مسؤولية المرجعية الدينية التي نمثلها، وبغض النظر عن رضا الآخرين وعدمه فإن ذلك لا يهمنا لا من قريب ولا من بعيد، بقدر ما هو المهم عندنا إننا نؤدي واجبنا من دون تقصير، بما يمليه الوازع الديني والوطني.

ثم ليعرف الجميع أن التصدي للمرجعية لم يكن في يوم من الأيام محل رضا جميع المراجع ولن يكون في يوم ما، وهذا الأمر وجداني يعرفه من يعيش أجواء الحوزة العلمية، لوجود تنافس شريف على المؤهلين اليه.

نعم، بقدر ما يكون للمرجع أعداد غفيرة من المقلدين، وأتباع ومناصرين يكون تأثيره في الساحة الاجتماعية، والأخذ برأيه في أمهات الأمور، اكبر من غيره.

وهذا مبتني بعد عدم تخصيص القيادة الإسلامية المتمثلة بالإمام المعصوم عليه السلام في زمن الغيبة، عندنا نيابة شخص بعينه أو أشخاص معنيين، بقدر ما كان خاضعاً لعنوان عام كل من يصدق عليه فللأمة مراجعته.

والعنوان العام، هو كونه من الفقهاء، الصائن لنفسه الحافظ لدينه، والمخالف لهواه المطيع لأمر مولاه، فالنتيجة التي رتبها عليه السلام هي فللعوام أن يقلدوه.

وبالتالي لا توجد مشكلة في دائرة مذهب أهل البيت للتصدي للمرجعية الدينية، واعتقد أن كثرة المراجع فيه منافع كثيرة للأمة، منها إنها تلتجئ الى من تجده حاضناً وآخذاً بمصالحها وهدايتها أكثر من غيره، وفي تاريخ المرجعية المعاصرة شواهد على ذلك عاشها الشعب العراقي.

 

3- ما هي علاقتكم بالتيار الصدري وتحديدا مع زعيمه مقتدى الصدر وهل ما حققه التيار في الانتخابات الأخيرة كان بمستوى الطموح وما الذي يمكن للتيار أن يحدثه من تغييرات في الواقع العراقي؟

 

لابد من معرفة إننا من أهم ركائز ومؤسسي التيار الصدري، كتيار فاعل ومؤثر في الوسطين الحوزوي والاجتماعي بعد شهادة السيد الأستاذ (محمد الصدر) (قدس سره). ولكن ظروف وملابسات حالت دون استمرار ذلك، ومع ذلك فإن علاقتنا جيدة ولكنها غير فاعلة للتأثير في الوسط الاجتماعي، وإن كنا طرحنا بعض المشاريع لتوحيد التيار الصدري، وما يمكن أن يتخذه من مسار في الفترة الحالية، وبيّنا وجهة نظرنا في مشاركته السياسية، وجاءت الأحداث متوافقة مع ما توقعنا.

والتيار الصدري تيار كبير وواسع وينطلق من الطبقات الشعبية الفقيرة التي غالباً ما تكون مادة للتغيير والبناء، لو أحسن التعامل معها ضمن برامج عمل واضحة، ومناهج مقررة للعمل السياسي والاجتماعي.

 

4- ما هي رؤيتكم بما يخص المحيط العربي، وهل ترى أن تكون هناك ضرورة بتطبيع العلاقات مع المحيط العربي؟

 

المحيط العربي هو العمق الجغرافي والسكاني والتاريخي لكل بلد عربي لا يمكنه التقليل من أهميته أو تجاوز مكانته عند الشعب لما يربطه مع محيطه العربي من روابط دينية وتاريخية واجتماعية وسياسية، لو أحسن القائمون على البلدان التعامل معها إنصافاً لشعوبهم وتعزيزاً لقوتهم ووحدتهم.

وإن الوطن العربي يمثل كتلة بشرية وجغرافية وسياسية تملك كل مبررات التأثير في الساحة السياسية العالمية، وعنصراً مهماً من عناصر القرار العالمي لو اصطفت أقطارها تحت مبادئ الوحدة العربية.

ومن هنا فالضرورة قاضية بتطبيع العلاقات مع الوطن العربي وإنه لا تستقيم سياسة البلد إلا بالانفتاح على محيطه العربي، وإن التفريط بهذه العلاقة يعتبر سفهاً بالعمل السياسي الناجح

 

5- طالب قبل مدة عدد من طلبة الحوزة رصد رواتب لهم من الوقوفات الشيعية، ودعم مكتبكم هذا المطلب، لكن باقي المراجع عارضوا هذا الأمر مما يعني أن عندكم ملاحظات على السياسة المالية للحوزة العلمية، وعلاقتها بالدولة، هل يمكن تفصيل هذا الأمر وتوضيحه؟

 

مطالبنا بالوقوفات الشيعية الموقوفة حصراً على طلبة الحوزة العلمية والتي يتلاعب بها رئيس ديوان الوقف الشيعي، مدعياً استثماره لها، ولم يعرف من خوله لذلك مع أن المسألة واضحة من الناحيتين الدينية والرسمية بضرورة صرفها على طلبة الحوزة، والمؤسف جداً أن هذه المؤسسات الدينية- الرسمية محتكرة لبعض الجهات الدينية والحزبية كما يشهد بذلك واقعها، وهي من ثمار المحاصصة اللعينة التي لم تجلب لبلدنا إلا الويل والخراب.

ومن الواضح أن هذا الإجراء شكل تحدياً واضحاً لبعض الجهات الدينية كما تعتقد هي مع انه لم يمثل ذلك وليس في الحسبان ذلك بقدر ما يمثل مطالبة إنسانية بحقوق هذه الشريحة من المجتمع التي طالما تقف على أبواب العلماء لتتقاضى رواتب لا تسمن ولا تغن من جوع

وكان أيضاً من حقوقها على المرجعيات الدينية أن تطالب هي بحقوقها وتتبنى ذلك بشكل معلن، من حيث أن الطلبة يمثلون عصب المرجعية الدينية، وأداة عملها وتأثيرها في الوسط الاجتماعي والسياسي.

ولو ثنيت لنا الأمور لأرغمنا رئيس الديوان ومن هو على شاكلته ممن يستغلون مناصبهم لمصالح ضيقة فردية وحزبية، على رعاية هذه الشريحة بالأساس لما لها من دور كبير ومنظم في ضبط حركة المجتمع وتوجيه أبنائه وحماية معتقداته وأخلاقه وأعرافه التي يعتز بها ويدافع من اجلها، إلا أن الأمور وللأسف الشديد ما كانت إلا مغانم وزعت على غير استحقاق، وأصبحت مرسّمة ومعلّمة بعلامة لا يمكن تخطيها إلا بمشاكل أو الصبر عليها إلا بصعوبة.