الشراكة الحكومية
يطلق مفهوم الشراكة الحكومية في ساحة الصراع السياسي على تشكيل الحكومة بعد الانتخابات وقد سمعه معظم العراقيين، حتى إن بعض المنادين لتطبيق هذا المفهوم ليسوا من العراقيين كالملك السعودي الذي دعا العراقيين للمشاركة في الحكومة، وهو بهذا ينصح بما لا يفعله هو ولا نظامه المحتكَر عليه وعائلته حصراً ويُحرِّم طرق مشروع المشاركة أو المداولة للسلطة بل المعتقد إن الملك السعودي شخصياً لم يدرك ماذا تعني المشاركة، كغيره من معظم العراقيين، وربما السياسيين منهم من لا يكون هذا المفهوم واضحاً عنده.
وقد يدعى انه رديف مشروع المشاركة الوطنية، بإحلال الحكومية بديلاً عن الوطنية وهذه الدعوى باطلة، لأن الشراكة الوطنية أمر واقعي قائم على اشتراك الجميع بهذا البلد المسمى العراق، فما دمت عراقياً وغيرك كذلك وهكذا الى آخر مواطن عراقي، فهم شركاء في هذا الوطن بحيث يستحيل على أي منهم أن ينزع صفة الوطنية عن الآخر إلا إذا خان وطنه وباع بلده للأجنبي، وما دام الجميع شركاء في هذا الوطن، فمن حقهم الاشتراك بالحكومة.
وهذا الاشتراك الأخير منتج من قبل مشاركة الجميع في الانتخابات ممن حدد القانون الانتخابي مشاركته فيها ويبقى الآخرون مشاركين بتبع مشاركة مشاركيهم من آبائهم وإخوانهم وأقاربهم في الانتخابات. وهذا لا يعني مشاركة في تأسيس منظومة الحكومة التي تقود البلد وترسم سياساته الداخلية والخارجية، حتى للمرشحين أنفسهم إلا لخصوص من إعطائهم الجهور أصواتهم، وأما من لم يعطهم صوته فلا حق له، إذ مبدأ هذا الحق ترشيح الناس له وحيث لا ترشيح ولا أصوات فلا حق له.
ويتفرع عليه أن مشاركة من ليس له حق المشاركة تجاوز واضح وتعد صارخ على حق الفرد في الانتخاب والتصويت، لأن صوته قد ذهب لا الى غاية، وإنما كان مجرد دغدغة مشاعر الإحساس بالمشاركة الانتخابية الصورية وهي لا تسمن ولا تغينه من رفع من صوّت له.
ويتفرع عليه انه ما فرض عملية انتخابية ليس بعملية انتخابية إلا لترميم صورة مشوهة لدعوى ديمقراطية أرادت إرادة الاحتلال تكريسها في العراق.
ومن منطق الشعور بالقوة عندهم فإنها يجب أن تنتج من يريدون، وتنتهي الى ما يتصورون ويخططون، وإلا فهي ديمقراطية مصطنعة وليس واقعية نابعة من أصوات الناس، ومع صحة آليات إنتاجها وعدم الخدشة في بعض فعالياتها التف حول نتائجها بدعوى المشاركة الحكومية أو الشراكة الحكومية، وإن لم تصح آليات إنتاجها بنظرهم، شوهوا صورتها وأحدثوا أزمات خانقة حولها، ولا نعدم لهذا مثالاً بل أمثلة، أصدقها حماس وما تحملت وزر فوزها.
والمنادون بالشراكة هم من لم يوجه إليهم أمر تشكيل الحكومة فيخافوا على عناوينهم الفوت من (كعكة الحكومة) كما يعبر بعض الممتعظين من الحكومة، وأما الفائزون فهم مصرون على حقهم الدستوري في أمر تشكيلها وإن كانت تخرج تصريحات مجاملة من بعضهم إرضاء لمشاعر الغير، والأجدر إرضاء جمهور المواطنين.
فالشراكة التفاف على الوضع الانتخابي والإطاحة به، ومع الشراكة والإصرار عليها ينبغي إلغائها وتوفير متطلباتها وتداعياتها في حراك وصراع سياسي قد يفجر الوضع في أية لحظة.
ثم كيف يستقر هذا البلد مع إبهام هذا المفهوم، ولو تجاوزنا عن إبهامه وفهمناه كما يفهم عرفاً معنى الشراكة، وإن الفائزون من الكتل الكبيرة وهو أيضا مفهوم مجمل فهل من يحصل على (40) مقعداً هو فائز كالحاصل على (90) مقعداً أو هو إرادة حصر العملية السياسية بالكتل الكبيرة والقديمة والتي أسست مجلس الحكم المقبور الذي يقود للمحاصصة وما خلفت والتي يراد إعادة إنتاجها تحت عنوان الشراكة.
الناس يدركون من واقع تجاربهم الحياتية أن الأمر إذا تعدد فيه الشركاء اخطر أمره وتردد قرار أصحابه، وفي ذلك مفسدة، أية مفسدة، فأنت تتصرف بكل حرية بما تملك أو بما ترأس، وتتقلص حرية تصرفك مع مشاركة آخر، وهكذا تستمر في تقلصها حتى تعجز عن اتخاذ أي قرار مع كثرة الشركاء، وهذا المعنى مع وضوحه عرفاً فقد أشار إليه النص القرآني بشكل جلي {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }الزمر29.
وهذا أيضا غير معمول به في الدول المستقرة سياسياً والتي تداول السلطة كل مدة مع فريق آخر يصطف فيما يسمونه معارضة، ومنه تعرف تقليص دور المشاركين كتلاً أو أحزابا في العملية الانتخابية لهذه البلدان.
ويكفيك سوء ومفسدة هذا المفهوم أن من نادى به وحث العراقيين المشاركين في العملية السياسية عليه هو الشخص الذي قدم مشروع تقسيم العراق منذ مدة على أساس طائفي وعرقي أو مناطقي، وهو المدخول (بايدن) نائب الرئيس الأمريكي، وهو ثاني شخص يتبنى قضية العراق لإيصالها الى نهاية مسارها المرسوم لها بعد (زلماي) الذي حذرنا المسؤولين من الالتقاء به وعن خبث تدخله في الشأن العراقي، وتفي نفس الرسالة إليهم للتحذير من (بايدن) اللاعب الجديد القديم في الملف العراقي.
إن المتفاعلين مع هذا المفهوم المجمل والذي لم يعط تحديداً واضحاً لمفهوم سياسي يراد له أن يتفعل في الواقع السياسي، فهل هو المحاصصة اللعينة؟ أو هو شيء آخر.. وما هو هذا الشيء الآخر؟
ثم من له حق إعطاء هذا المفهوم حداً وتعريفاً، هل هو المحكمة الدستورية، وهل هذا من صلاحياتها، أو أن صلاحياتها فض النزاعات الدستورية، وهذا ليس نزاعاً؟ أو المخول بالتحديد هو الحكومة العراقية، وكيف سترسم حدود هذا المفهوم؟ ونحن نعلم أن السيد المالكي ومنذ مدة قد أيد طرحنا أو قال ما قلنا بضرورة أن تكون الانتخابات ضمن المنهج الرئاسي لتشكيل الحكومة لا البرلماني المعمول به الآن.
ثم ما هي الأسس التي ستعتمدها الحكومة في تحديده، وهل هي أسس شراكة وطنية أو محاصصة سياسية فيعود المحذور بخفي حنين، لم ير نور التحديد والتعريف ليضع المواطن العراقي عليه ويكون على وعي منه، وعلى ضوئه سينتخب من يتبناه أو يرفضه.
كل هذه الأسئلة وغيرها في الطريق ولا من مجيب.
ومع إجماله فإن المتصارعين سيضعون له تحديداً كل على ما يتناغم مع مصالحه وأهدافه وطموحاته السياسية، ويبقى الصراع على ما هو عليه. وسيدرك الجميع ضرورة حده وتعريفه بعد فوات الأوان عندما يصرخ لسان حال البعض {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً }الفرقان28