القمسيون بين الحلية والحرمة

القمسيون او العمولة التي تقدمها الشركات المتعاقَد معها للمتعاقِد ، والتي يقال انه عرف قائم عند التعامل مع الشركات العالمية وغيرها بأن تقدم مبلغا معينا من المال لمن تعاقد او ساهم في توقيع عقد معها يدرعليها ارباحا ، وأنها من باب تشجيع التعامل معها تعطي مبلغا الى موقع العقد او من هيئ لها العقد مع بعض الجهات المشترية او المستوردة ، وغالبا ما تكون حكومية ، وهذا هو موضوع كلامنا ، فان الكلام حول الموظف الحكومي الذي يتعاقد مع بعض الشركات العالمية او مصانع اجنبية لتوريد بضاعة الى البلد والجهة المستفيدة هي من يعمل لها هذا الموظف . فهل المبلغ التي تعطيه الشركة له ، حلال عليه يتملكه ويدخل في ملكه او ليس بحلال عليه فلا يتملكه ، وانما تتملكه الجهة المتعين فيها والتي يعمل لها ؟.

    على الاول : قد يقال بانها نوع من الجعالة تجعلها الشركة لمن يوقع عقدا معها تستفيد منه ارباحا ،وكأن لسان حالها يقول ، كل من جلب ليَّ عقدا له مبلغ من المال يساوي كذا من نسبة العقد ، وهذا جائز لا اشكال عليه . فيدخل في ملك الآخذ ويكون عليه حلالاً.

    وعلى الثاني : فان المتعاقد بما انه لايملك حق التعقد بعنوانه الشخصي ، وانما يملكه بتمليك الدائرة له فيكون الحق للدائرة لا له فهي التي تستحق الجعل لا هو. لانه لو تجرد من كونه ممثلا للدائرة او مسؤولا عنها وفيها لما امكنه ايقاع العقد مع الشركة او كونه مؤهلا للتعاقد معها ،فعقده كلا عقد والا بضم صفة كونه يتحدث بعنوانه الوظيفي لا الشخصي ولا يكون استحقاقه للجعل الا بالعنوان الوظيفي المملوك للدائرة .

    والاقرب هو الثاني لا الاول . على ان الاول يواجه مشكلة كون العقد عمل مشترك يقوم به جملة من الافراد لا المتعاقد لوحده ، فمن بعض الافراد المخططين ،وبعض المحاسبين وبعض الاقتصاديين ، و… واذا اشترك الجميع في عمل استحق كل واحد منهم من الجعل بنسبة ما قام به من العمل ، مما يجعل تملك جميع مال القمسيون للشخص المسؤول الاول كالوزير او المدير العام غير صحيح لتعلق حق الغير به من الموظفين المشتركين بالعقد وانجازه مه الشركة .

   وهذا لا سبيل له ، لان الواقع الخارجي يكذبه ، بل لم يلتفت الى ذلك على تقدير صحة الوجه الاول، وهو مستبعد كما تبين.

   ومن هنا فان الاسلم للدائرة والموظفين ان يدخل مبلغ القمسيون في خزينة الوزارة او الدائرة ويقسم على منتسبيها كل بحسب درجته الوظيفية ، وموقعه في الدائرة وان كان الاحوط ارجاعه الى خزينة الدولة وجعله من الاموال العامة باعتبارين :

   الاول منهما: ان ايقاع العقد يقع ضمن تخطيط مدروس للدولة في هذه المؤسسة او الوزارة ولولا هذا التخطيط اوالتخويل لما امكن للدائرة من توقيع العقد واتمامه فالامر بالتوقيع يرجع للدولة كمؤسسة للجميع من الافراد .

    الثاني منهما : ان معظم الوظائف المهمة انما حصلت لإصحابها عبر البوابة الانتخابية وتصويت الشعب لصالح هذا الشخص او ذاك ، وبالتالي فان صلاحية التوقيع انما هو تخويل من قبل الناس لهذا الوزير او المدير ، ولولا هذا التخويل لما امكنه ايقاع العقد .

     وعلى ما تقدم فان القمسيون لا يستحقه المبِرم للعقد وان كان في قمة هرم الوزارة او الدائرة ، بل هو متعلق حق الجميع ولا يشفع للآخذ انه هدية من الشركة كاجراء تعارف عندها ، فان المحذور المتقدم يعود كما هو اذ لو لم تكن مديرا او مسؤولا لما وهبتك الشركة قمسيونها . ويضاف الى ذلك إن الشخص الموقع للعقد سوف لا يهتم بنوعية وجودة المستورد بعد تعلق همه بتوقيع العقد والحصول على العمولة ( القمسيون) مما يسبب تلف موارد مالية طائلة من خزينة البلد . كما ستضطره الرغبة في الحصول على القمسيون بغض النظر عن كثير من المتجاوزين من المواطنين الذين يسيئون إستخدام الوظيفة ويربكون عمل الدائرة . وهذان أثران سيئان لو جرت العادة بلا رقيب أو حسيب .