اللهم شتت شملهم

المُشخص للأحداث التي جرت في لبنان في مواجهات النجف الأشرف قبل عامين مع قوات الإحتلال الأمريكي مدعومة بالقوات الحكومية و مُقارنة ما بينها وبين الأحداث الجارية الآن في جنوب لبنان مع الكيان الصهيوني الغاصب سيكشف أن الأداء واحد والطريقة متماثلة وكذلك السلاح وطريقة إستخدامه .

    تبدأ المقارنة من التوصيف الميليشيات المسلحة و إن أية عملية سياسية يُراد لها الإستقرار ذات صياغة ديمقراطية تقف بالضد مع الميليشيات المسلحة و إن أحدهما لا يتوافق مع الآخر ، فأما العملية الديمقراطية التي يُراد إحياؤها وإتمامها ، وأما التضحية بها لأجل الميليشيات – طبعاً على طبق تسميتهم – وإلا فهي مقاومة مشروعة وحقانية  وإتخذت صيغة الفرز إصدار قرار رسمي لتبرير النزع ففي لبنان قرار مجلس الأمن 1559،وفي العراق قرار الحكومة أنذاك بإيحاء من المحتلين فكانت تُطلق كلماتً أنه لا يُمكن تأسيس دولة يسودها القانون مع الميليشيات ، التي تُمثل دولة في بطن دولة ، وحيث لم يُستجاب لبنود  قرار النزع حصلت المواجهات ، في النجف وفي لبنان لإعادة ترتيب الأوضاع وفق النظرة الأمريكية ، إحتلالاً في العراق ، ونفوذاً في لبنان إلى درجة التأثير على دائرة القرار الحكومي .

    الموقف الرسمي في لبنان والعراق واحد هو نزع سلاح المقاومة امر ضروري لبناء دولة ديمقراطية قوية ، ففي كلا البلدين على الحكومة بسط سيطرتها وإنهاء المظاهر المسلحة مع فارق هو أن بعض الشخصيات الحكومية اللبنانية مع المقاومة  مساهمة في دعمها وتقوية معنوياتها ، وهذا ما لم يحصل بالعراق بالمطلق مما ولد عقدة كبيرة مزجت المقاومة بالإرهاب فصارت محرمة رسمياً وربما شعبياً لقلة الوعي العام وتأثير الإعلام على مواقف المجتمع .

    لم تكن لمقاومة النجف من إعلام موجه يبين وجهة نظرها أو يعرض عملياتها الميدانية أو يعكس حجم الدمار والخراب التي فعلته آلة الحرب الأمريكية مع عدم التكافؤ بين الآلتين وبساطتها عند مقاومة النجف ، مما عرض المقاومة لتشويه واضح من خلال إجهزة الإعلام الرسمية والعربية عاجزة عن متابعة الحدث واستقصاء سيره للمنع المعلن من قبل القوات الأمريكية ، وإغلاق الحكومة العراقية مكتب قناة الجزيرة الفضائية في بغداد .

    وقد ولد حجب الحقيقة شعوراً بإلاحباط عند الناس والموالين وإحساساً بالهزيمة عند المقربين ، مسبباً ضغطاً شعبياً كبيراً على المقاومين بوصفهم تورطوا وورطوا البلد بمواجهة غير مضمونة ومجازفة غير محسوبة ، مما زاد في قوة الضغط والتأثير على نفسيات المقاتلين .

    وكانت مقاومة الجنوب اللبناني أوفر حظاً لما تملكه من قناة خاصة بها – وهي قناة المنار- مع تفاعل القنوات الفضائية الآخرى ونقلها للأحداث أولاً بأول ، فكانت المقاومة ذات خطاب سياسي وإعلامي موجه ومدروس ينمُ عن خبرة ودراية بأهمية الوسيلة الإعلامية وعظيم أثرها على نتائج الحرب .

    والمنع الذي حصل للفضائيات في متابعة أحداث النجف حصل لها في متابعة ما يحصل داخل الكيان الصهيوني فكان ثمة تعتيم على الأحداث في كلا الموقعين ، ومبرره المعقول هو إخفاء الحقيقة عن حجم الخسائر التي تكبدتها القوات المحتلة في الموقعين ولو شاء القدر وعُرضت خسائر الجيش الأمريكي في النجف لغيرت كثيرٌ من الحقائق وصححت الكثير من الآراء ، وقد تحقق إنجازاً لم يسبق له مثيل وإن كان تحقيقه حاصلاً بدرجة أقل عرضت بعضه في مناسبات سابقة .

    والموقف الشعبي ، فإن الشعب اللبناني بمختلف طوائفه وإتجاهاته مع المقاومة إلا بعض الشذوذ الذين لا يقفون مع التيار والمد الشعبي العارم المساند للمقاومة وزعيمها حسن نصر الله .

    والشعب العراقي مردد ما بين معارض للمقاومة ويعتبرها عملاً جنونياً لا يخدم مصالح العراق ويُفضي إلى دمار شديد وتمادى بعضهم حينما وصف المجاهدين بأنهم قتلى وليسوا بشهداء مما شكل عقبة كبيرة أمام المقاومين وضعف معنوياتهم لولا المد والرد الصاعق الذي اصدره كاتب هذه السطور بانهم افضل الشهداء .

    لكن في كلا البلدين يعتبرون المقاومة عملاً انفرادياً لم يأخذ رأي حكومته ، ومعقوليته ممكنة في لبنان واما في العراق فغير معقول .

    في كلا البلدين راهن العدو على عزل المقاومة واستعداء الشعب لها لما سببته من دمار وخراب عظيمين تعمده العدو لخلق حاجز نفسي ما بين المقاومة والشعب وقد نجح الى حد ما في النجف ، وفشل فشلاً ذريعاً في لبنان .

    كما وراهن على جعل المقاومة عملاً يمثل طائفة من البلد لا تساعده على كسب الصفة الوطنية التي من خلالها تتعزز قناعة الجمهور بالمقاومة ، وبعبارات الساحة انه حاصص المقاومة وجعلها خروجاً على الشرعية الوطنية المتمثلة بالحكومة ، مستعملاً كعادته عبارات استعمال العنف او الارهاب او التمرد او غيرها من عبارات الادانة في نظر الاحتلال .

    التيارات والكتل السياسية تباينت مواقفها في البلدين ، ففي حين حثت الكتل السياسية الاحتلال على انهاء المقاومة في النجف وتصفية رموزها بشهادة الحاكم برايمر ، وقد دون ذلك في مذكراته المطبوعة الآن وهي جديرة بالمطالعة ، لترى من امرهم عجباً .

    في حين وقفت الكيانات السياسية والقوى العاملة في لبنان مع المقاومة بما تملكه من قدرات وامكانيات متاحة ، ومن لم يقف معها ، فلم يعمل ضدها او يتآمر عليها .

    الآن هو اليوم التاسع عشر من الاعتداء على لبنان ولم تحقق الآلة العسكرية الصهيونية نصراً يذكر على الارض بل تكبدت خسائر عظيمة في المواجهات البرية ، ولم يشفع لهم زجهم لواء غولاني في المعارك البرية فقد ولى هارباً من هول المقاومين الشرفاء الذين اعادوا للامة مجدها وصنعوا تاريخ عودها الى اعتلاء ناصية القيادة العالمية .

    وفي النجف لم يحصد الاحتلال الامريكي بكل جبروته نصراً يذكر فقد صمد المقاومين امامه لمدة اطول من مدة غزو العراق بكامله ، صمدوا بمساحة لا تتجاوز ( الكيلومترين المربعة ) لمدة واحداً وعشرين يوماً ، وقد تكبد خلالها خسائر جسيمة لم يكن بالامكان الاعلان عنها لتهديده الصحفيين من تغطية الاحداث ، ولم يكن بامكان المقاتلين من تسجيل او تصوير خسائر العدو لكنها كبيرة بكل تأكيد يخبرك عنها المقاتلون أنفسهم .

    وفي الموقعين استعملت القوة الجوية بشكل مكثف لقطع التواصل بين المقاتلين واعاقة طرق المرور وحركة العجلات للامداد والمساعدات ، كما وعطلت خطوط الاتصالات لتفكيك عمل المقاومة وبعثرته مما يضطر البعض منهم الى الاجتهاد في الموقف بعيداً عن القيادة .

    وقد حصد القصف الجوي ارواح العديد من الابرياء المساكين ، والدعوى هي الدعوى تحصن المقاتلين في هذه الاماكن او اخبار كاذبة عن وجود بعض افرادهم ، واذا اشتد الموقف حراجة وظهرت الازمة ، فان اسفاً ما يصدر عن بعض المسؤولين لهذه الجريمة ، طبعاً غير المتعمدة في نظرهم .

    مع التذكير ان العدو قد استخدم اسلحة محرمة دولياً ، من القنابل العنقودية والانشطارية في الموقعين معاً ، بل قد نجزم بان الاداء واستخدام القوة وطريقة الاستخدام يكاد يكون واحداً مما يؤكد وحدة العدو وان اختلفت تسميته هنا وهناك .

    عززت هذه المواجهات قناعة العالمين العربي والإسلامي ، وبعض دول العالم الثالث بإمكانية مواجهة قوى الإستكبار العالمي وإلحاق الهزيمة بها ، وإن كانت القناعة أكبر في مواجهات لبنان لما سطرته المقاومة من ملاحم عجزت الجيوش العربية بكل أعدادها وعدتها من أن تحقق بعضه مع حفظ الفارق من حيث العدة والتنظيم والاعداد والدعم .

    وفي كليهما كانت المواجهات أطول مما خاضته الجيوش العربية مع الكيان الصهيوني في حروبه معنا خلال القرن الماضي ، كما وأن كليهما يمثلان النص القراني للمؤمنين (( رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) سورة البقرة )) .

    فالإيمان ثم الصبر والصمود هم عماد صناعة النصر ، وهي بمجموعها تُعادل أو تتفوق على آلة العدو العسكرية مهما عظُمت ، وإذا أردت التأكد من الحقيقة فسأل المقاومين أنفسهم .

    وقد تفرج العالم في كلتا المنازلتين على ما يجري ولم يحرك ضميره لوقف العدوان والضغط على أصحاب الآلة العسكرية ليتوقفوا في إستهتارهم بحياة الأبرياء وخروجهم على قواعد وقوانين الحرب وضرورة الإلتزام بها ، ولم يجرؤ واحد منهم على التأسف أو التحزن على ما حصل بالنجف وإن بدى من البعض مثل هذا الأمر في أحداث لبنان ، وصاحب القرار الوحيد لوقف الإعتداء هو الإدارة الأمريكية وهي المحارب في الموقعين ولكن بأداء وتنفيذ صهيوني في لبنان ، وأمريكي في العراق.

    ولم يكن المجتمع الدولي وحده عاجزاً بل المنظات الدولية التي أُنشأت أساساً لحفظ السلم والآمن العالميين وإيقاف الإعتداءات وحماية أرواح الأبرياء وضبط النزاعات بما لا تخرج إلى المواجهة وحلها بالطرق الدبلوماسية ، هذه المنظمات كمجلس الآمن وهيئة الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي ، والجامعة العربية ، ومنظمة العمل الإسلامي كلها مشلولة لا تقدر على فعل أي شيء .

     ومن هنا نقترح على الدول العربية والإسلامية بالخصوص ، الإنسحاب من هذه المظمات لعجزها أولاً ولكونها أداة بيد الإدارة الأمريكية ثانياً بحيث أصبحت تتوجه بإتجاهات السياسة الأمريكية وتخدم مصالحها ، يكفيك مناشدة كل دول الأرض بما فيها ما تُسمى العظمى بوقف فوري لإطلاق النار ، ولم يأبه بمطالبها لأن إدارة  بوش لا تريد ذلك إلا في الوقت الذي تحدده بما يخدم تحقق مكاسب سياسية تتوافق مع مشروعها المسمى بالشرق الأوسط الجديد .

   هذه المنظمات اصبح الإستمرار في الإنضمام إليها تقوية لمحور الشر والإستكبار و إعانته  على ظلم البلاد والعباد من خلالها في إصدار القرارات المجحفة والمنع من بعضها المحقة كقرار وقف اطلاق النار في لبنان .

    كما وإن الزحف على مواقع السيادة فيها أمر متعذر لهذه الدول بل مستحيل عادة في ظل الظروف الدولية الراهنة .

    وعليه فالأولى الإنسحاب منها وتضعيف مشروعيتها والمحاولة لإنشاء منظمات مستقلة وفق أسس العدل والمساواة ، للضغط على إصلاح تلك  المنظمات والتخفيف من إحتكارها من قبل الدول العظمى – أمريكا – خصوصاً ، أو جعل بديل يكون حلاً للدول المنظمة إليها ، وهي غير ملزمة بالمنظمات الآخرى المحتكرة لخلق معادلة توازن نوعاً ما مع منظمات العالم الغربي وإستثمارها لمصالحة خاصة حتى بدت وكأنها منظمات قد إختزلت كل إرادات الشعوب وقراراتها وقوانينها لصالح الغول الأمريكي .

    فالبقاء فيها لا يخدم مصالح هذه الدول بل يضرها ويقوي جانب الكفة الأمريكية ، والغربية وقد يدفعها إلى مزيد من الظلم والاستبداد على شعوب الأرض.

    ولدينا شاهد تاريخي على قوة الإستقلال وأثره  في موازنة القوى ، هو ضرب الدنانير والدراهم الإسلامية في زمن عبد الملك بن مروان بإشارة من الإمام السجاد (عليه السلام) أو الباقر ( عليه السلام) عندما ضغط إمبراطور الروم عليه بالإساءة إلى الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وإله وسلم) لأن العملة كانت تُضرب في الروم وتُنقل إلى بلاد الإسلام ، وقد نجحت الخطة وتخلصت الدولة الإسلامية من َضغط الروم .

                                                                                 4 – رجب – 1427هـ