الضمان أمان
الإخوة المؤتمرون.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وتمنياتي لكم الموفقية والسداد في خدمة هذا البلد بكل شرائحه وطوائفه ضمن إطار وطني شامل يعتمد المواطنة أساساً للانجاز والعمل.
ولا يخفى على مسامعكم بأن شريحة طلبة الحوزة العلمية هي أهم الشرائح المحرومة من ابسط مقومات العيش، كمواطنين أولاً ورجال دين ثانياً.
فقد جبلت نفوس البشر على الاطمئنان والاستقرار إذا ضمنت معيشتها واتسقت أمور حياتها، فترى الفرد المضمون المعاش أو الرزق لمدة طويلة أو مستمرة، مستقر حالاً وهادئ بالاً وبالتالي فهو أكثر إبداعاً وأوفر إنتاجاً من غيره، ولا يشغل باله التفكير في كيفية توفير لقمة العيش ومتطلبات الحياة لأهله وذويه، فما دامت الأموال متوفرة والطلبات مستجابة والوضع إلى استقرار كل ذلك لأن الفرد قد ضمن ما يؤمن له حياته والآخرين معه.
والناس متفاوتة أحوالهم، وليس كلهم على هذه الشاكلة، فمنهم من لا يضمن قوت يومه وآخر قوت شهره وثالث قوت سنته، وهؤلاء قلقون على حالهم وأبناء أسرهم، ومن حقهم ذلك في معترك حياة لا يرحم، ونفوس قد سلبها تحضر العصر مفاتيح الرحمة بالآخرين فأصبح الجميع يهرولون لذواتهم ومصالحهم حصراً ولا عناية لهم بالآخرين إلا من النادرين، وهم كالكبريت الأحمر ندرة في عصرنا الحاضر.
وممن هم قلقون، شريحة مهمة وخطيرة في مجتمعنا العراقي المعاصر، ومع جلالة قدرهم وعلو كعبهم في خدمة المجتمع والدين، وإخلاصهم في مراعاة مجتمعهم وحفظه وصيانة أخلاقياته من الانحراف أو الإندراس بفعل تيار الحضارة المادية الجارف أو سوء تربية الآباء لأبنائهم أو انعدام برامج التوعية الحكومية أو التوجيهات التربوية في زرع قيم الحياة ومبادئ الأخلاق، وهم يخوضون حرباً على جبهات مختلفة، فتارة حرب على الجهل، وأخرى على الانحراف والفساد معرضين أنفسهم من جراء أداء واجبهم الشرعي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى مؤاخذات قضائية وافتراءات اجتماعية من قبل بعض جهلة الأمة، وثالث حرب على ضياع حقوق الأمة وتشرذم حالها في مواجهة غير معلنة، ورابعة مع الاحتلال، وخامسة مع ضيق الحالة المعاشية حينما طالبوا بحقوقهم كمواطنين أولاً لهم الحق في موارد دولتهم كأي مواطن آخر ضمن له الدستور حق العيش بشرف وكرامة، وكرجال دين لهم حقوقهم في أوقاف كثيرة خصصت لطلبة العلوم الدينية من قبل واقفيها وهي أفضل ضمانة اجتماعية لحياتهم التي تنتهي بالموت، وينسى ذكر الرجل حيث تبقى امرأته المسكينة تتسكع على أبواب العلماء وأبواب بيوت الخيرات وقد تعرض نفسها للمساومة من قبل بعض شياطين الإنس عندما يعرضون عليها المساعدة المذلة بشرط التمتع بها، فيقع البعض منهن في شراك هؤلاء الشياطين، وتصمد الأخريات، لعل الله يجد لها مخرجاً من أمرها. وأما أطفال المتوفى فالله وحده العالم بحال مركبهم وأين سيرسو وعلى أي شاطئ من شواطئ الحياة المعقدة وربما سيلعن بعضهم حظه العاثر لأنه ولد رجل معمم، ورجل دين، لم توفر له حياته الدينية ضمانة كافية لأبنائه.
إننا نطالب الحكومة بضرورة مراعاة هذه الشريحة المهمة من المجتمع وضمان حقوقهم في أموال بلدهم وأموال أوقافهم، أسوة ببقية طلبة العلوم التابعين للوقف السني، ونؤكد على ضرورة توفير سبل العيش الكريم لأبنائهم وعوائلهم، ليست منّة من احد، فهم مضافاً إلى حقوقهم المواطنية، لهم حقوق بالأوقاف الشيعية.
فعلى الجهات الرسمية فتح تحقيق بالحال لمعرفة الحقيقة، وقد طالبنا الوقف بذلك وما زلنا مصرين على مطالبتنا، وندعو كافة طلبتنا الأعزاء بالوقوف خلف هذه المطالبة ودعمها واستمرارها لضمان حقوقهم وعوائلهم.
ونتمنى على رجال الدين المؤثرين في دعم هذه الخطوة لطلبتنا الأعزاء وعدم الاستعجال في فتاوى غير واقعية ولا منصفة، حينما تعجل بعضهم بتحريم هذه المطالبة، ولسنا بصدد مناقشته علمياً، فإننا على يقين بأن لا مدرك له في هذه الفتاوى إلا حسابات ظنية، ظناً منه أن هذه المطالبة تمثل ارتباط بالجهة الرسمية، وهذا ما لا نقبله نحن قبله ولا نريده، وإنما كانت مطالبة الطلبة الذين خوّلوا مكتبنا تقديم طلباتهم للوقف الشيعي لموقوفات وقفت فوائدها حصراً على طلبة الحوزة وهي كثيرة باعتقادها وعلى الوقف الشيعي توضيحها بكل مصداقية وشفافية (كما يحلو للبعض أن يعبر) وأن يبين مقاديرها وكيفية صرفها، أو موارد هذا الصرف وهل هو الطلبة الأعزاء أو مورد آخر لا حجة له في صرفها عليه فهو محجوج بصرفها عليهم ولا بجدية بعض التصرفات حينما أعطى فتات منها لبعض الأشخاص وقد وزعها منّةً منه على بعض الطلبة وبمبلغ استحيي من ذكره فإنه لا يساوي ما يبذله الطالب من ماء وجهه لغرض الحصول عليه.
إن مسؤولية العلماء تجاه طلبتهم كثيرة فهم أجنحة عملها ووسائل إعلامها، وحلقة الوصل بينها وبين جمهورها أو مقلديها، وهم من يؤكدون وجودها ويمتنّون عملها ويديرون نظام عملها، وكل ذلك يشكل حقوقاً لهم على علمائهم ينبغي مراعاتها وتأكيد مطالبتهم بحقوقهم المالية في الوقف الشيعي، وإهمال هذه الحقوق وتجاوز مطالبتهم بها غير مقبول وليس له مبرر معقول.
ونحن مع كل خطوة جادة لرفع شعار الخدمة بغض النظر عن الفوز وبالنعمة نعمة المناصب والاستغلال ألوظيفي ويتوقع لكيانكم الرسالي أن يخطو بهذا الاتجاه فإنه شعار الفوز والنجاح.
نتمنى عليكم الخدمة أولاً وآخراً للجميع.. وشكراً.
قاسم الطائي
16/ جمادي2/1433 هـ