كثيراً هم المنادون بالفيدرالية ومعظمهم يقع في دائرة التيارات السياسية والكتل الفاعلة في الساحة العراقية الآن والتي قام عليها تشكيل مجلس الحكم المنحل ، ومعظم هذه الكتل تبين من خلال أدائها وممارستها للعلاجات السياسية التي مثلتها خلال فترة السنتين والنصف الماضية ، إنها لا تملك رصيداً شعبياً قوياً يحقق لها مكاسب مضمونة على صعيد الانتخابات العامة للبلد فيما لو تبدلت مسار تشكيل السلطة وأصبحت بالمباشر لا بالطريقة المعمول بها الآن – عبر الجمعية الوطنية – .
كما أنها ومن واقع تجارب أبناء البلد معها تم رصد تراجع واضح حتى لسجلات التاريخ الذي يعتز به الشعب العراقي للبعض منها ، بعد أن تبدد الأمل الذي كان معقوداً عليها في بناء عراق مستقر وآمن ، سيسعى من أول خطواته إلى جلاء القوات المحتلة من بلدنا وينطلق من خطاب وطني عام يستوعب العراقيين جميعاً بدلاً من اختصاره على فئة أو قومية أو طائفة كما شاهده الآن من خلال الوسائل الإعلامية .
ويريد من بعد هذه الكتل عن النفسية الشعبية للجمهور أن معظم من فارق البلد منذ أكثر من عقدين من الزمن – ومعظمهم معذور من ذلك – وليست هذه إلا حقيقة لا مؤاخذة عليهم وقد خلقت هذه المفارقة حاجزاً نفسياً بينهم وبين الشعب زاد في علو ، ضعف الأداء وتراجع الهمم وتصغير التصريحات حتى غدت حبراً على ورق .
وعلى خلفية شعورهم النفسي الذي خلقه تصديهم للنظام ، فقد تولد لديهم إحساس بأحقية تمثيل الشعب المغلوب على أمره من قبل نظام الاستبداد الصدامي ، والمؤسف أن هذا الإحساس قد تجاوز الرغبة الشعبية وصادرها عندما انطلق هؤلاء في مؤتمرات لندن ، وشقلاوه إلى ترسيم العملية السياسية فيما بعد صدام ، وكان مما اتفقوا عليه الفيدرالية ، وربما ابعد منها حق تقرير المصير لمنطقة كردستان وكركوك ومصادر الثروة و …… الأمر الذي يبرر الآن بمطالب الأكثر وذات السقف العالي متذرعين بأنهم متفقون على ذلك ، وقد نسي جميعهم أن الشعب العراقي وحده هو صاحب القرار في هذه القضايا الحساسة – وعندما أقول الشعب ، اقصد العرب والأكراد لان القضايا مشتركة ، وحلها من طرف واحد أو إقرارها لا يلبسه الصفة القانونية مع اشتراك الغير .
والأمر المنطقي أن هذه الترسيمات – السياسية – غير ملزمة للشعب العراقي ولا تمثل إلا وجهة نظر أصحابها ممن خلق لنفسه إحساساً بأحقية التمثيل والحديث نيابة عن الجميع .
ومثل هذه الأمور لا ينبغي أن تقع مورد خلاف في مسودة الدستور لما مر بأنها لا تمثل الصفة القانونية والملزمة للشعب ، وعليه يصار في أمرها إلى اخذ رأي الشعب قبل تدوينها في المسودة .
ونتيجة لما سبق تعتبر الفيدرالية بنظر هؤلاء هي المَخلَص الوحيد للخروج من ورطة الأفول عن الساحة السياسية ظناً منهم أن في الأقاليم موضعاً لقدمهم وتحقيقاً لأحلامهم التي تبددت على ساحة العراق الموحدة ، والبقاء في الدائرة السياسية على صعيد الفيدرالية للأقاليم مهما يكن فهو أفضل من الانكفاء والانزواء في دائرة النسيان ، وهو أمر لا يروق للكثيرين منهم مع تعلقهم بأمجاد تاريخية لم يكتب لها النجاح على صعيد الحاضر .