الوهم الذي يراد له أن يكون حقيقة

يدور في فلك وسائل الأعلام وأذهان الساسة الأمريكيين ومن يدور في فلك إعلامهم وتصريحاتهم أن انسحاب القوات المحتلة سيعرض البلد الى حرب أهلية طائفية مما يجعل المطالبة بانسحاب هذه القوات تصطدم بهذه الفكرة وتتراجع عن المطالبة وبالتالي سيكون وجود هذه القوات مبرراً بشكل منطقي ومقنعاً للكثيرين الذين يتفاعلون مع هذه المقولة وكأنها أمر واقع وحقيقة لا تزول إلا بتواجد هذه القوات على ارض الرافدين، ارض الأنبياء والأوصياء، ارض التاريخ والحضارات، بل هي ارض الإنسان أينما كان وفي أي مقطع من التاريخ عاش، وبهذا فهي تملك أهمية عظيمة في نظر ساسة الغرب. ليس من السهل رفع اليد عنها والابتعاد عن جغرافيتها، بعد كل الجهد والخسائر التي تكبدتها القوات الغازية في الأفراد والمعدات، والتخصيصات المالية الباهضة لشن هذه الحرب، فأصبح من الضروري بمكان خلق مبرر موضوعي لبقائها مدة أطول بعد أن استنزفت مبررات بقائها من التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل وإسقاط نظام صدام وإنشاء نظام – ديمقراطي في العراق – وكلها قد تحققت على الظاهر.

      فلم البقاء ؟

      سيجيبك سماسرة السياسة بأنه ما لم تكتمل بناء القوات المسلحة العراقية لم تكن قادرة على حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار. ولكنهم لم يجيبوا كيف تكتمل والتسليح لا زال بأقدم معدات الحرب وابسطها، لا تتعدى – الكلاشنكوف – وبعض بدلات الوقاية، وقد ندم الاحتلال حينما جهز أفراد الشرطة والحرس الوطني بقاذفات ثم سحبها عنهم، فمتى يكمل هذا البناء وانتم لم تضعوا لبنات بنائه.

      وسيجيبك آخرون تلسنوا من خلال متابعتهم لوسائل الأعلام المشبوهة أو الغربية بان النسيج الطائفي العراقي يحفز على قيام الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي بعد أن قفزت أحدى الطائفتين الكبيرتين الى واجهة السلطة وانحسرت أو اندحرت الأخرى بعد التمتع بالسلطة فترة طويلة امتدت منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة.

      وقد نسي هؤلاء كما نسي أسلافهم بان التركيبة العراقية لا يمكن أن تؤدي الى قطع الوصال فيما بينها وسوقها الى الحرب الداخلية، ذلك لامتداد هذا النسيج في العمق التاريخي للبلد مما يشكا مانعاً تاريخياً وتراثياً في الحيلولة دون وقوع ما يرجوه الأعداء كما أن الانتماء الى الولاء الديني بغض النظر عن المذهب مانع آخر لاشتراك الجميع في حرمة دم المسلم وماله وعرضه على أخيه المسلم، يضاف الى ذلك تقارب وامتزاج أبناء البلد وعيشهم في منطقة واحدة متجاورة البيوت متعارفة النفوس يصل احدها الأخر، يحضر مناسباته ويعزيه في أحزانه ويشاركه في أفراحه بل ويتزوج بعضهم من البعض الأخر في تمازج عائلي يمنع التفكيك ويعرقل الاحتراب، على أن شيئاً مما يتوهمه أعداء البلد لم يحصل بعد انتهاء الحرب مباشرة بل لم يسجل التاريخ حادثة من هذا القبيل إلا بعد أن رأى أعداء شعبنا أن هذا النسيج متماسك الى درجة قوية ويحتاج الى نفس ووقت طويلين لحلحلة بنيته، مع انه في ذلك الآن لم تكن هناك من دولة ولا مؤسسات أمنية بعد أن حلها الحاكم المدني آنذاك.

       وإذا أضيف الى كل هذه العصم المانعة من الانفلات الأحكام الشرعية التي ركزت على البعد الاجتماعي في الكثير من الحالات العبادية كصلاة الجمعة والجماعة والمناسبات الدينية المشتركة كولادة سيد الكائنات ) صلى الله عليه واله ( وغيرها وكلها حواضن لاحتواء أبناء الإسلام وصهر فوارقهم المذهبية وعصبياتهم الطائفية وقد خاف تجربتها التي قادها سيدنا السيد الشهيد الصدر ) قده ( خلال حكم الطاغية صدام، وعرف عمق نتائجها فقد أطاحت بالنفس الطائفي الذي كان عليه النظام.

      وإذا تجاوزنا هذه جميعاً فنسأل هل العراق هو البلد الوحيد ذو التركيبة الطائفية والعرقية، أو انه بلد كغيره من بلدان الأرض، فان كلها أو جلها على هذه الشاكلة، يكفي أمريكا نموذجاً، بل خليطاً من أمم وشعوب كثيرة اجتمعت تحت العلم الأمريكي، فلماذا التهويل باتجاه بلدنا العزيز.

      ) كبُرت كَلِمَةٌ تَخرُجُ من أفواههم أن يقولوا إلا كَذِبا (