تنزيل العلم العراقي من قبل رئيس الاقليم الكردي وفي هذا الوقت بالذات والحكومة المركزية كانت قد طرحت لمشروعها للمصالحة الوطنية ، وهي جادة في كسب التأييد الدولي والاقليمي والشعبي لمشروعها الذي سيحقق في حال نجاحه ، استتباب الامن واعادة الاستقرار وبسط نفوذ الدولة وهيبة السلطة ، يأتي قرار رئيس الاقليم ليضع الحكومة في أتون أزمة جديدة وارباك آخر وهي بعد لم تحسم أمر المصالحة ولم تنته دوامة العنف في البلاد ، ويضع هيبتها ونفوذها على المحك ، لأن التجاوز على مثل هذا الاجراء سيعكس بلا شك هزالة وهشاشة الحكومة المركزية ويعرض ما نادت به من شعارات وتبنته من مواقف الى الاهتزاز وعدم الجدية ، من المحافظة على وحدة العراق واستقلاله ويؤكد المخاوف الحقيقية للوطنيين العراقيين على وحدة العراق من خلال طرح الفيدرالية في هذا الوقت بالذات والبلد لم يستعد عافيته ولا تتحقق له العافية إلا بتقوية المركز وبسط نفوذ الدولة على كامل تراب العراق .
ان الحكومة بكافة سلطاتها مسؤولة امام الدستور والشعب لمعالجة هذا الاجراء وحسمه وعدم القبول بتمييع القضية أو تمريرها بشكل عابر فان مثل هذا الاجراء لو لم يعالج ضمن الاطار القانوني والرغبة الشعبية العامة فانه سيفقد الحكومة مصداقيتها وسيفتح لها مشاكل عديدة ستأتي من هنا وهناك بدعوى الحق الفيدرالي المقرر بالدستور ، هذا الحق الذي لم يكتمل النصاب على تقريره بشكل دائم بين ابناء الشعب العراقي والنخب السياسية المشاركة في السلطة .
وعلى الحكومة ان تفرض سيطرتها على كامل التراب العراقي في ضمن احترام خصوصيات المناطق وثوابتها المقررة دستورياً وليس شيئاً أعلى من الدستور الذي قررته الدولة .
ان التجاوز عن مثل هذا القرار الذي يمثل جس نبض لردود الافعال الرسمية أو الشعبية ومعرفة مدى تأثيرها أو ثقلها على عدم تمرير مثل هذا القرار ، سيشكل في المستقبل بوابة لقرارات أخرى أخطر منه بكثير وليس من المستبعد ان يكون ذلك تمهيداً لقرار أنفصال الاقليم عن العراق .
بعد ان تترتب كافة مستلزمات الفصل من تشكيل هيئة الدولة ومؤسساتها وممثيليتها الدبلوماسية في اقطار العالم ، وكل ذلك يجري تحت اطار ( الفيدرالية ) وتحت مسمع ومرأى من الدستور المقرر الذي نص بوضوح على وحدة العراق ارضاً وشعباً وعدم المساس بهذه الوحدة ، وقد غاب عنه ان يثبت الضمانات التي تلزم جميع الاطراف ممن ينادون بالفيدرالية – لمكاسب سياسية شخصية لا اساس لها بالمصلحة الوطنية العليا للبلد من ناحية عدم الانفصال وتشكيل كيان كونفدرالي ينفصل رويداً رويداً عن المركز ويشتت الوحدة العراقية ويمزق البلد الى دويلات ضعيفة غير قادرة على حماية نفسها ورعاية مصالحها إلا بالاحتماء ضمن نفوذ دول أخرى قد تجد في العراق مغنماً مناسباً في هذا الوقت بالذات ، وان الفرصة مواتية الآن لتوسيع نفوذها وخلق كيانات ضعيفة تشدها الحاجة الى عون الآخرين .
أن مبدأ الفيدرالية قد يكون مقبولاً ولكن بعد حين ، بعد ان تبسط الحكومة المركزية سيطرتها على كل مناطق العراق وتفرض وجودها وتكون المناطق محكومة لها بالفعل لا بالشكل كما عليه الحال في الوقت الحاضر واية محاولة لتمرير هذا المبدأ أو تكريسه ستكون حتماً على حساب حكومة المركز ووحدة الدولة .
فعلى جميع الاطراف ان يرجئوا العمل به الى مدة ، يصار فيها الى تثقيف شعبي عن هذا المبدأ وبيان ما له وما عليه ، ليكون الشعب على وعي تام به فيقرره او يرفضه انطلاقاً من وعيه به ، واما الآن حيث لا يدرك المعظم ما هي الفيدرالية وماذا تعني فان القضية لا تعدو ان تكون سباقاً لاستغلال الوقت والوضع في تحقيق اكبر مكاسب ممكنة فئوية أو عرقية أو طائفية على حساب مصلحة البلد ووحدة ترابه .
ان اكثر ما يلفت ان الشخصيات السياسية والكتل البرلمانية تتصرف وكأنها غير معنية بهذا الامر وتبدو مجاملاتها واضحة للطرف الكردي الذي علل انزال العلم بانه علم الانفال وقد غاب عنه انه العلم الذي سام النظام السابق كل العراقيين سوء العذاب والارهاب وكانت حصة الوسط والجنوب اكبر بكثير مما نال الاكراد ، وعليه يكون تعليق الاجراء على هذا الامر عليل وغير منطقي كما لا يبرر سكوت الفرقاء الاخرين عن مثل هذا الاجراء إلا سعياً وراء سياسة ( شيلني وشيلك ) المصرية .
وعند تبريره لهذا الاجراء في خطاب امام برلمان كردستان ، يتوقف السامع عند كلمة قالها – وهي حق ولكن تطبيقها له مطلوب وتطبيقها عليه غير مقبول ، ألا وهي قوله لماذا لهم حق في بغداد وليس لنا حق فيها ألسنا عراقيين .
مع ان هذه الكلمة غير صادقة لأن حقه في بغداد محفوظ من خلال المشاركة الواسعة في حكومة المركز والسلطة التشريعية وغيرها .. لكن لو قلبنا الامر وقلنا ألسنا عراقيين فلنا حق في كردستان كما لكم حق – فأين هذا الحق وانت تتصرف في المنطقة وكأنها مُلكٌ صرف لكم دون سواكم من العراقيين يشهد لهذا منعكم استعمال اللغة العربية على واجهات الابنية الحكومية وبعض الدوائر وانزالكم أخيراً العلم العراقي ، فأين حق الاخرين في كردستانكم وحقكم موجود في بغدادنا!! .
( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) سورة النــور ) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) سورة النــور )
11/شعبان/1427هــــ