تستحق أكثر من الشكر

تستحق أكثر من الشكر

مرة أخرى يدفعنا رئيس الوزراء التركي ـ أردوغان ـ إلى تقديم الشكر والامتنان لمواقفه الشجاعة والرجولية، باستحقاق عالي التقدير، لأن ما طرحه من ورقة عمل في مؤتمر الأمن النووي المنعقد في واشنطن باختراع عدو وهمي مصطنع في الخيال الأمريكي . ألا وهو وصول الأسلحة النووية إلى الإرهابيين، وهو يذكرنا المثل الدائر عندنا، حدّث العاقل بما لا يعقل فإن عقله فهو ليس بعاقل على طريقة ما يسميه المناطقة بالقياس الاستثنائي، فإن تقنية السلاح النووي التي تجهد دول بكل إمكانياتها للحصول على جزء بسيط من تقنيتها وهي تبذل في سبيله أموالاً طائلة ترهق ميزانياتها وتجند لها كل إمكانياتها الإدارية والأمنية ومخابراتها، كل هذا مصحوباً بالابتزاز السياسي من الدول القوية الكبرى وعلى رأسها أمريكا وروسيا ، من أجل الحصول على تقنية تسمح لها بالاستخدامات السلمية للطاقة في مجال الكهرباء وأخيراً تصاب بالفشل وترجع تجر أذيال الخيبة والخزي، وليست محاولات ليبيا ببعيدة عنا، ومع ضخامة إمكانيات الدول وهي عاجزة عن الوصول إلى قدرات نووية فكيف بمنظمات إرهابية تتحرك في الظلام، وينتشر أفراداً متشردين، ومطاردين من الدول وقوانينها، ليتخوف منها الرئيس أوباما الذي بشر العالم بعهد جديد للسياسة الأمريكية ومعالجتها للأزمات العالمية، وها هو يسير على خطى سلفه بوش الذي ثوّر معركة الإرهاب العالمية فاحتل بحجتها دول وأسقط حكومات، وسار بالبشرية على شفا حرب مدمرة قد تسير بالعالم أجمع إذا ما اضطربت حسابات المعادلة الأمريكية الغربية.

وهي تتغافل عن ترسانة الأسلحة النووية اليهودية، وتهديدها للخطر  للأمن والسلم العربي والإسلامي والعالمي، وتغض النظر عن علم وعمد عنها متجاهلة بذلك مشاعر المسلمين، والعرب بالخصوص من التهديد الصهيوني المستمر والابتزاز السياسي المتكرر، وهي بذلك تزرع بوادر أزمة عالمية جديدة بطلها الحالي هو الرئيس أوباما.

ولو كانت داعية للأمن والسلم العالمي، لكان عليها لتأكيد مصداقيتها أن تتحرك لجعل العالم ومنطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي، وتخلق منظومة عالمية جديدة لمواجهة الإرهاب العالمي المصطنع..

والمخجل في أمر المؤتمر الموقف العربي المتمثل بمصر والتي لم يتضمن خطاب وزير خارجيتها إشارة لا من بعيد ولا من قريب الى الترسانة الصهيونية، وخطرها الماثل أمام العالم، وقد يكون حسبانه لها قدراً مقدوراً وواقعاً مرسوماً لا مجال للاحتكاك به أو التحدث عنه، وهو بلغة أهل الأصول الفقهية، خارج تخصصاً عن مؤتمر يدعو الى طمأنت العالم ورص إمكانياته لمواجهة الخطر النووي للجماعات الإرهابية، وبذلك يؤكد تراجع خطط الأمن القومي العربي، والمصري وتردي إدارته بما يخدم المنطقة العربية، والأمن المصري، وهو قد أشار في مناسبات سابقة الى خطر البرنامج النووي الإيراني، وهو في طور الإنشاء والشروع في زيادة التخصيب، وإيران لا تهدد أمنه القومي الذي خلفته وراء ظهورهم سياساتهم الخاطئة وتقييماتهم التابعة للتقييم الغربي الأمريكي.

وفي ظل هذا الصمت – صمت أهل القبور كما عبر سيدنا الأستاذ الشهيد (قده) – يخرج المارد التركي رجل المواقف، وهو ممتلئ رجولة وبطولة ليقّدم ورقة عمل للمؤتمر حول الترسانة اليهودية من الأسلحة النووية، وكأنه قد تقمص الدور العربي الذي بات خجولاً وضعيفاً لا يرمي بكلمة إلا على أشقائه العرب أو جيرانه المسلمين، أو أن الضعف العربي تأّمل برغبة عالية أن يؤدي عنه أوردغان دور الكلمة الحق أمام السلطان الجائر والجبروت الأمريكي، فراح يلقي وزير خارجية مصر كلمة الخجولة التي لا تتضمن أية إشارة الى الصهاينة.

وبهذا أستحق منا هذا الرجل عرفان الشكر وتقدير الأمر، كما شكرناه في موقفه السابق عندما خرج من المنصة معترضاً المجاملة للرئيس الصهيوني، وهو موقف لم يصنعه عربي في أوج الغرور العربي بالقوة حينما كان يرفض المبادرات اليهودية أو العالمية للسلام وهو الآن يتوسل لقبول المبادرة العربية للسلام من الكيان الصهيوني.

وهو قد ترجم أعظم عمل لم يقدم عليه إلا أبطال في التاريخ الإنساني والإسلامي (كلمة حق أمام سلطان جائر)، وترجم أيضا بأنه للمسلم المسؤول، فمن لم يهتم بأمور المسلمين ليس بمسلم.