تصريح أم تلويح
تناقلت وسائل الإعلام التصريح الذي أدلى به الرئيس الإيراني أحمد نجاد بشأن العراق وأنه بالإمكان ملء الفراغ السياسي الذي تخلفه القوات الأمريكية فيما إذا إنسحبت من العراق …
وإذا أُريد لهذا التصريح أن يحلل بشكل موضوعي من خلال قراءة مفرداته وما تنطوي عليه خلفيات الفاظه ، فإننا سنجد عدة عقبات معترضة على هذا التحليل وأي تحليل آخر يمكنه أن يفصل ما أجمله الرئيس الإيراني في تصريحه بشأن العراق ، مع الأخذ بنظر الإعتبار عدم تعليق الحكومة العراقية أو طلبها تفسير ما أطلقه الرئيس الإيراني من جهة أنه يمثل تدخلاً في شؤون الدولة العراقية الذي يعتبر في عرف السياسة أمراً مرفوضاً فإن للشعوب خصوصياتها فيما يتعلق بشؤونها الداخلية وهي محرمة على الغير ومحترمة في حد نفسها في علاقات الدول.. مما جعل موقف الحكومة العراقية التي آثرت لسبب ما عدم التعليق عليه ، في موقف لا تُحسد عليه وهي تواجه عدة مشاكل وأزمات في أكثر من صعيد ، والذين يتربصون بها الدوائر من نفس المشاركين في العملية السياسية ومن خارجها ينتظرون فرصة من هذا القبيل لرمي الحكومة بالضعف وعدم القدرة على إدارة شؤون البلاد وعجزها عن أداء واجباتها الدستورية وإحترامها الضوابط الوطنية في عدم السماح لأية جهة أو دولة أجنبية التدخل في شؤون البلاد وإطلاق التصريحات الحساسة التي تؤشر بوضوح تجاوز مقام الحكومة العراقية ، ووظيفتها في إدارة البلاد ،ومما يلفت نظر المتابع للتصريح الإيراني أنه يأتي في ظرف تدور الدوائر حول مصير الحكومة العراقية وما يجري في أروقة البيت الأبيض من قرار منتظر بعد التقرير الذي سيقدمه قائد القوات الأمريكية في تقييمه للوضع في العراق ومكانة الإستراتيجية الأمريكية في النجاح و الفشل وما أُثير من ضجة إعلامية وتصريحات من هنا وهناك فيما ينتظر مصير حكومة المالكي على رأس السلطة .
وبهذا يكون التصريح الإيراني مكملاً لسلسلة تصريحات مطلقة من الداخل أو الخارج حول مصيرها وما يُتوقع لها من بقاء لا تساعد عليه القرآءة الإيرانية من خلال تصريح رئيسها ، وإلا فلا معنى أننا بإلامكان أن نسد الفراغ السياسي في العراق ؟.
وقد يُقرأ هذا التصريح بأنه نهاية عهد للوجود الأمريكي في العراق ساعدت عليه جملة عوامل منها حجم الخسائر التي يتكبدها الجيش الأمريكي في العراق ، ومنها تحيط الإدارة الأمريكية في إدارة هذه الحرب . والتساؤل المُُثار حولها في الكونكرس ما بين قطبي السياسة الأمريكية ، ومدى نجاح المشروع الأمريكي في العراق ، وستفتح هذه النهاية المجال واسعاً أمام الجارة إيران في لعب دوراً اكبر في دائرة السايسة العراقية .
أو أنه ياتي في إطار وسائل الضغط الذي يمارسه الطرف الإيراني على الإدارة الأمريكية فيما جهودها الرامية لإنهاء الملف النووي الإيراني ومحاصرة إيران وفرض المزيد من العقوبات الدولية عليها .
وقد لا يكون من المُستبعد في تصفح مفردات هذا التصريح أن نجد نغمة من القدرة على إمكانية مد الذراع الإيراني إلى أبعد نقطة في سلم السياسة العراقية وقمة هرمها ، تعويلاًعلى المشتركات المتعددة بين الشعبين العراقي والإيراني الذي تّعول عليه الحكومة الإيرانية ومن خلال عدة قنوات لها سعياً للمحافظة على مصالحها تارة وإٍستباقاً لترتيب أوضاع قد تُفاجئ به الحكومة الإيرانية وهي محتملة بعد التقرير الذي سيُقدم للكونكرس الأمريكي .
وعلى كل فالخيار صاحبه الوحيد وسيده الفريد هو الشعب العراقي وإن كان فيما يراه من هذا التصريح وسكوت حكومته على التعليق عليه يذكره بالمثل الشعبي (ضيعّت الدرب ياهو اليدليني) .