تقرير لجنة الكونكرس الامريكي بشأن الوضع في العراق يتضمن وجوهاً متعددة لا تتمحور حول المبرر الذي من اجله تشكلت اللجنة الا وهو الوضع في العراق بقدر ما يتمحور حول السياسة الامريكية والنتائج التي وصلت اليها في العراق ويستطرد منها الى الشرق الاوسط مع تضمينه العلاقة اللا ودية مع ايران وسوريا عبر القناة العراقية ، ثم يغوص في مشكلة الشرق الاوسط ويرجع الى القرارات الدولية القديمة التي وقفت الادارة الامريكية عائقاً على الدوام من اجل انجازها وانها مشكلة الشرق الاوسط وحل القضية الفلسطينية ، فكان التقرير يطرح معالجات الحل متأخراً كثيراً ولكنه ايجابي بدرجة معقولة ضمن المنظور السياسي والدولي القائم ، ثم يغوص في معالجات جزئية لبعض الاجهزة الامنية العراقية ، تأهيلاً وتسليحاً منعته الادارة عن هذه الاجهزة طوال الاربع سنين السابقة لعدم ثقتها بالعراقيين من افراد الاجهزة الامنية ثم يختم في اكثر من خمسة عشر فقرة بتأكيد الدور الامريكي في العراق وكأن ادارته تبقى واقعاً منبثقة من دائرة الكونكرس والحكومة الامريكيين .
وهو بمجمله لا يعطي حلولاً واقعية تنبع من اصل المشكلة لتمارس من خلال متابعتها خطوط الحل ، بل هو يأتي من فوق وقفزاً على الاوضاع الآلية وما آلت اليه ، ولو نفذ الى جذور المشكلة لكانت توصياته اقرب الى الواقعية واضمن للحل ، فالتقرير يتجنب مبررات الغزو الامريكي للعراق التي رفعتها الادارة الامريكية من التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل وضرورة تدميرها ومن اسقاط النظام الدكتاتوري الذي بات وجوده يهدد الامن والسلم العالميين ويقلق المصالح الامريكية في المنطقة والعالم .
وقد سقطت هذه المبررات التي اعطت لغزوها مشروعية من وجهة نظرها ليصبح وجودها ثقيلاً على العراق وامريكا معاً بل ومكلفاً اذ شجع هذا الوجود مع تراجع ادارة هذه القوات في تحقيق ادنى متطلبات الحياة للشعب العراقي واداء مهماتها الانسانية والقانونية الموكولة بها النفَس والشعور الوطني ان يعود بسرعة الى واجهة الاحداث وقد استغلته بعض الجماعات ممن عزفت على وتر المقاومة في استهداف هذه القوات وتكبيدها خسائر في الارواح والمعدات لم تضعها في الحسبان وانشق على اثرها الشارع العراقي ما بين مؤيد ومعارض وثالث ساكت ، وغالباً ما كان المؤيد ممن ازيح عن ساحة القرار السياسي او المكانة الوظيفية العالية او الوجاهة السلطوية فيما كان المعارض قد ركب موجة العهد الجديد وراح يتابع الخطوات البنائية للبلد على اساس العملية الديمقراطية فيما بقيت طائفة كبيرة من الشعب لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ، وقد وسعت الطائفة الاولى دائرة استهدافها لتشكيلات الحكومة الجديدة من افراد الشرطة والجيش واصبح ترامي التهم وتبادل الاتهامات ما بين المؤيدين ( للمقاومة او الارهاب ) وما بين المعارضين يصل الى حد التخوين والعمالة ، وعلى اثر هذه التداعيات استقطب كل طرف افراد طائفته فأنشق نسيج المجتمع العراقي في مواجهة معلنة ما بين الطائفتين لم تقتصر على السياسيين بل انعكست على المواطنين .
فوجدت قوات الاحتلال ضالتها في توجيه المعركة معها الى معركة العراقيين أنفسهم مستغلة ضعف الحس الوطني وتنامي الشعور الطائفي المقيت ، وقد احصيت عدة عمليات تهجير او تقتيل كانت هذه القوات من ورائها ، كما ان تعمدها عدم تسليح الجيش والشرطة العراقيين جعلهما هدفاً سهلاً للاصطياد من قبل المؤيدين ، وقد اضاف تحصيصها مناطق بغداد ما بين الجهازين توتراً جديداً بدى واضح البصمات في علاج مناطق التوتر البغدادية .
كما ان تقييد الحكومة المنتخبة وتضييق صلاحياتها الامنية في حركة الوحدات الامنية عقّد الموقف اكثر وباتت الحكومة عاجزة امام انظار الشعب الذي انتخبها ووقعت اللائمة على المؤسسة الدينية التي الزمت المواطنين بضرورة انتخاب هذه القائمة أو تلك فازدادت الهوة واتسعت الشقة ما بين المواطن والمؤسسة الدينية او السياسية التي اثقل اعلامها اسماع المواطن بضرورة التصدي للانتخاب والذهاب لصناديق الاقتراع .
وقد تعمد التقرير تناسي انسحاب القوات او جدولته موحياً بذلك ان المشكلة هي في اتمام المشروع المنطلق من العراق في شرق اوسط جديد ظهرت تباشير الاعلان عنه في مواجهة المقاومة الاسلامية اللبنانية مع الكيان الصهيوني .
كما ان التقرير لم يشر الى مواطن الخلل وتشخيص الداء في اداء القوات الامريكية في العراق اذ ان ذلك يلجئه الى تضمين التقرير لمعالجات الوضع والذي نعتقده انه لا بد من تشكيل لجان خاصة من الكونكرس تراقب اداء القوات المسلحة التي تورطت بعمليات ارهابية كبيرة وعديدة لم تخف حتى عن اعين السياسيين واصحاب العملية السياسية فضلاً عن الشارع والرأي العام الذي ما انفك يصرح بإدانة هذه القوات وتحميلها كل هذه النتائج السيئة .
والمشروع يستبطن استغاثة امريكية لدول العالم بضرورة اشتراكها معه في ازمة العراق وتحملها جزءً من اعباء تشكيل النظام الدولي الجديد ، يتضح ذلك من خلال فقرات المقدمة وهو بذلك يشير الى فشله في العراق من طرف خفي ويستنجد أصدقاءه ويمهد بوضوح لتدخلات اقليمية ودولية جديدة في العراق من خلال تشكيل المجموعة الدولية .
ومعظم معالجاته للملف العراقي لا يتضمن ما هو جديد انما هي كلمات قد اطلقها ساسة عراقيون ورجال ادارة امريكان في المدة المنصرمة من عمر الاحتلال من بناء القوات المسلحة وتسليم الملف الامني ودعم الحكومة دولياً واقليمياً و ……
وقد اعطى بعلم او بدونه اهمية الدور الايراني والسوري كثير عناية وان الطريق الوحيد هو فتح حوار معهما لانهاء العنف بالعراق ، وهو بذلك يوجه ادانة لهما في هذا الملف وقبولهما في فك رموزه وتجميد خطوطه ، وقد المح الى ضرورة التنازل الايراني في هذا المجال بالضغط عليها عبر قناة الملف النووي الايراني .
وقد تضمن الملف بعض النقاط الايجابية في اعطاء الحكومة صلاحيات اوسع وفتح المجال لها في تنمية قدراتها التسليحية وتقوية موقعه الاقليمي والعربي ومحاولة اعادته الى لعب دور اكبر في منطقة الشرق الاوسط في نطاق الدوائر الامريكية والمصالح الستراتيجية لها في المنطقة .
واشارته لحسم الصراع العربي – اليهودي بالرجوع الى القوانين الدولية الخاصة بالصراع وقد اغفل الرجوع اليها فيما يختص بالشأن العراقي وتحديد علاقته بهذا البلد .
وعموماً التقرير اما انه تعمد تعمية القضية العراقية في ملفات عديدة قد لا تكون مترابطة الا فيما تخص السياسة الامريكية لاجل عدم اعطاء تعهدات قطعية في هذا الشأن ، واما انه دلل على تخبط السياسة الامريكية وعلى ضحالة العقلية السياسية لرجال الكونكرس الامريكي بالرغم من عمق الخبرة التي يملكها رئيس اللجنة بيكر الذي قاد حملة البيت الابيض الخارجية ابان الحرب الخليجية الثانية وسماحه للطيران العراقي في ضرب الانتفاضة العراقية واعادة عافية النظام بوصاية اقليمية واضحة من قبل دول الجوار .
واما انه يدلل على صراع الادارات بالنسبة لمؤسسات الادارة الامريكية من الدفاع والخارجية وجهاز المخابرات في صراعها الواضح الخطوط في الساحة العراقية .
وهذه المحاولة هي حالة انعكاس للعراك السياسي القائم في ادارة البيت الابيض والكونكرس الامريكي لتحسين اداء هذه الادارة التي امست تتخبط في مستنقع العراق ، وليس هو محاولة جادة واقعية لمعالجة الملف العراقي وانهاء ازمة البلد حتى بات السياسيين العراقيين في مهب رياح التغيير القادم .
21 – ذي القعدة – 1427هـ