في النص القرآني : ( رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) سورة البقرة ) .
دلالات واضحة على تحقيق النصر من خلال افراغ الصبر وتثبيت الاقدام – أي الصبر والاصرار على تحقيق النصر دون الالتفات الى امكانية الخصم وحجم قدراته عدةً وعدداً . وهذه القاعدة القرآنية قد طبقت بشكلها الصحيح في مقاومة الجنوب اللبناني ، فهناك صبر على تحمل مشاق الحرب مهما كلفت وهناك اصرار على المواجهة بتثبيت الاقدام فتحقق لهم النصر . والذي يمكن فهمه بأمور لم تحصل فيما سبق من حيث النتيجة كما لم تحصل من حيث حجم المواجهة كما بيناه في بيان سابق – عنوناه بـ ( سأقبل أيديهم ) .
الاول – انها المواجهة الوحيدة التي تلتزم بها الدولة العبرية بقرار مجلس الامن وتسعى جاهدة سياسياً واعلامياً لتطبيق بنوده والاسراع في انجازه وهي كانت تماطل في كل قراراته الشرعية الدولية والى الان لم تنفذ كثيراً من بنود قرارات سابقة تتعلق بصراعها مع العرب ، فسبحان من هو مغير الاحوال وكفى به نصراً ارغام الخصم على قبول القرارات والانصياع لها ولبنان بهذا تقدم خدمة للعرب وللشرعية الدولية لم تستطع مداراة أو خجلاً أو تقصيراً أو مصلحة من إلجائها لقبولها .
الثاني – انها أدت وللمرة الاولى بتفكيك الجبهة الداخلية اليهودية وتعريض الحكومة لتساؤلات عديدة عليها ان تقدم الاجوبة عنها امام الرأي العام لكيانها بعد ان تعودت في السابق ان تخرج منتصرة وبمدة قليلة وبدعم شعبي كبير يعزز ثقة الشعب بحكومته وقدرتها على التفوق العسكري والحاق الهزيمة بالعرب .
بينما في الجانب اللبناني ادت الى رص الصف الوطني وتمتين الجبهة الداخلية وتوحيد الشعب اللبناني بمختلف الوانه وتعدده حول الحكومة والمقاومة في آن واحد وقطعت الطريق على مراهنات العدو واخرين على تضعيف الحكومة وانهيار الدولة وزرع الفتنة الداخلية ، وخرجت الحكومة موحدة الكلمة ومُجمِعَةً على الاتفاق مما عزز ثقة الشعب بها ، على العكس في المواجهات السابقة حيث تخرج البلدان العربية منكسرة والحكومات ضعيفة تحاول الابتعاد عن السلطة لتبرير فشلها من المواجهة كما حصل بطلب الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر استقالته وتنحيه من الرئاسة بعد نكسة الخامس من حزيران عام 1967م ، مع انضمام دول عربية اخرى معها في المواجهة مع الكيان الصهيوني ولم تصمد لا جيشاً ولا حكومة .
الثالث – المرة الاولى في تاريخ الصراع العربي اليهودي يقف الطرف العربي مفاوضاً بحق وتتحقق مفهوم المفاوضة بين الطرفين – لأن باب المفاعلة يتطلب فاعليَن متساوييَن في الاعتبار والتقدير ، اما في السابق فكان الجانب العربي ضعيفاً تملأ عليه شروط واملاءات الواقع العسكري المنجز وهو يفعلها بخضوع وتذلل ومع ذلك يسمونها مفاوضات وهي ليست كذلك ، لأن فاعلها الكيان الصهيوني ومفعولها العرب .
ومن الآن سيكون لبنان طرفاً قوياً في معادلة الشرق الاوسط وسيحسب له الحساب في ترتيب اوضاعه أو تغيير خارطته السياسية .
الرابع – نوعية الجماهير العربية والاسلامية ان المعادلة العسكرية لا تتوقف على الآلة العسكرية وقدرتها على التدمير وانه بالامكان هزيمة الدول الكبرى عسكرياً اذا توفر عاملان اشارت اليهما الآية المتقدمة هما ، الصبر: تحمل مشاق الحرب ، والثبات والصمود على الاستمرار .
وبهذين العاملين ستكافئ القوى العسكرية للطرفين وسيهزم طرف الباطل منهما ، بالرغم من عدم توزيع قدراته العسكرية على اكثر من جبهة مما يضعف مواجهته على جبهة ما ، ويمكن تطبيقه كمبدأ عام في فلسطين ، والعراق ، وقد يدخل السودان فيه اذا تمادت القوى الكبرى في التدخل بشؤونه .
الخامس – اذاقة الشعب اليهودي مرارة الحرب وآلامها واثارها النفسية بشكل لم يحصل لها من قبل بعد ان تعودت في جيشها حسم المعركة بعيداً عن مناطق سكانها وبأيام قليلة لا تترك أثراً واضحاً على النفسية العامة لليهود ، وبعد ان طالت صواريخ حزب الله عمق الاراضي الفلسطينية المحتلة ، ذاق شعبهم قساوة الحرب وعمق مرارتها مما سيغير الطبيعة العدوانية لهذا الكيان في المستقبل وسيضغط الشارع على حكومته لانهاء كل خلافاتها مع العرب واعادة الحقوق المغصوبة.
السادس – ان أية مقاومة في العالم تتحرك بحرية وقدرة ولها امكانية مرنة ما دامت خارج اطار الرسمية الحكومية فاذا ما دخلت داخل هذا الاطار احتكمت بأحكامه وتقيدت بتوجهاته ومفردات سياسته مما يفقدها حريتها المطلوبة في المناورة والمناوشة وفي اتخاذ القرار المناسب وفي المرونة في المعركة وتوجيه خيوطها ، ومنه نفهم اصرار المجتمع الدولي على عدم الخروج عن شرعية الدولة وضرورة بسط نفوذها أي تقييد حركة مقاومة رجالها .
وما دعاوى تفكيك المليشيات في الدول المحتلة الا ويدخل من هذا الاطار ، ولو كانت نفس الحكومة مقاومة فرضاً لما طلب ذلك ولطولب بزوالها وعدم شرعيتها.
السابع – يفهم ان المقاومة حاجة نفسية اخلاقية انسانية تطلبها الفطرة ويدفع اليها الضمير الانساني الحر وتعززها حرية الانسان ، واستقلاله في ادارة شؤونه ، وبالتالي فهي لا تخضع لحسابات السياسيين ورجال السطلة التي غالباً ما تجد ان المقاومة ليست الا اداة سياسية بيدها تلوح بها وقت الشدة والازمات ولم تفهم كونها حاجة انسانية يجب تغطيتها اذا ظهرت عوامل بروزها وظهورها على الساحة الاجتماعية والسياسية .
ومن هنا فان السلطة مع المقاومة ذرتان لا تجتمعان والعقلاء يجمعون بينهما باعطاء كل ذي حق حقها ، والجمع ان تدرك الحكومة ان المقاومة سند لها في تحقيق مكاسب سياسية والدخول في مفاوضات واقعية تنطلق من حقيقة مفهوم المفاوضة ، وانهاء الاخلال وتضعيف المقاومة سيجعلها الطرف الاضعف في التفاوض ويجعلها منفعلة لا فاعلة .
وان تدرك المقاومة ان احترام الحكومة وعدم المساس بعملها سيعزز وطنيتها ودورها في حماية المقاومة وعدم توصيفها بالارهاب وبالتالي تتعزز قناعة الشعب بها وكفى بهما رصيداً معيناً لعملها ، ويشهد لهذا المعنى ان الشعوب التي تحررت من جور الاحتلال لم تحصل على حريتها سياسة السلطة بل بسلاح المقاومة ، وهذا التاريخ شاهد امامنا .
( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلَُ (42) سورة الروم ) .
22 – رجب – 1427هـ