حول احداث كربلاء……. ما الذي يحصل فيك ياعراق ؟ وقد إنتقلت موجة الإرهاب والقتل إلى أشرف بقاعك فضلاًًًً وأعلاهن طهارة ، إلا وهي أرض كربلاء ، مفردة قد إمتزجت بها كروب كثيرة كانت ولا زالت وقد تستمر إلى إلى حين سيادة العقل وتسيده على الموقف في العراق ، فقد تاه العقل العراقي وتزلزل من جراء ما يحدث ، لأن ما حصل في كربلاء قد اربكّه وضيعت منه حساباته التي كان يلقي بعناصرها على جهات طالما ترغت بها وسائل الإعلام الرسمية وإمتلئت بها تصريحات السياسة وتأطرت بها بيانات ومواقف .
ومثل هذه العناصر التي ما إنفكت هي شماعة التعليق لكل الإرهاب الجاري في العراق لا وجود لها في أرض كربلاء ، بعد أن عرضت وسائل الإعلام الرسمية بعض تصريحات المسؤولين المحليين قبل موعد الزيارة الشعبانية بإسبوعين وإن أربعة عشر طوقاً أمنياً ضرب حول المدينة لتأمين الزيارة للمواطنين الوافدين من مختلف محافظات العراق .
واهمية الزيارة ومدلولاتها الجماهيرية ، والإسلامية ، والعقائدية بل والسياسة تفترض أتخاذ مثل هذا الإجراء ، ولكن هل صمد وحقق النتائج المرجوه منه على الأرض وهي تحكي دماءً طاهرة سالت قرب الضريح المقدس الذي أنتهكت حرمته وحرمة زائريه وحرمة الوقت الشريف الذي حددته الشريعة لها . ولكن هذه المدينة لا تزال يمتزج ترابها بالدم منذ واقعة الطف الأليمة وإلى الآن ، وإن سراً أودع فيها فيعطشها للدماء وهي على قسمين ، قسم سال لتطهيرها وتطييبها . وهو دم ابن بنت الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته وأصحابه البررة ، وقسم سال لتخريبها وتنجيسها تحت مسميات متعددة واهداف مختلفة ، ومابين القسمين صراع على الوجود وإثبات الأحقية وهي لا محالة للدم الطاهر مهما إمتدت يد الطغاة لتلوث لون ذلك الدم الطاهر بأفاعيلها وحيلها .
والغريب أن سيل الدم الذي جاء لإحياء ذكرى الولادة الميمونة لمنقذ البشرية ومصلح الإنسانية الإمام المهدي
(عجل الله فرجه الشريف) والذي يعتقده المسلمون طراً بإختلاف في بعض التفاصيل والمفروض أن إنتهاكات من هذا القبيل وفي مناسبة كهذه تدفع المسلمون للصراخ والصياح لماذا يحدث هذا في زمن كهذا وفي مكان كهذا ؟.
ثم من المسؤول بعد أن أحجمنا من دائرة المسؤولية العناصر التي طالما كانت سهام الإتهام موجهة إليها . والآن لمن توجه ؟ وقد أغلق على المواطن ومن حقه أن يتساءل عن السبب و عن المسبب ، وإن نغمة التحقيق جاري قد عفى عليها الزمن وباتت ماركة غير فعالة بعد كم هائل من التحقيقات لم يُعلن عنها ليكون المواطن على علم بها وإطلاع عليها ، أو أن المسألة مما تورطت بها جهات قد ترى الحكومة ( وهي في وضع لا تُحسد عليه ) والتحفظ من إثارتها والإعلام عنها . ولكن تحفظات الحكومة على كل ما سبق لم يُعالج مشكلة ولم يردم هوه ، بل نعتقد أن التستر على الحقيقة يضع المواطن المسكين في متاهات ظنون غير محسوبه بدقة وتهيؤات غير مظبوطة في إدانة طرف ، وتبرئة آخر تحت ضابط (كل يعمل على شاكلته) وتبقى الحقيقة ضائعة أو مغيبة على المواطن ، وربما على الحكومة نفسها .
إن مراجعة جدية وموضوعية لأحداث كربلاء قد تحسم العديد من العراقيل والأزمات المُثارة في الشارع العراقي من عدة جهات لابد من الكشف عن مستورها للمواطن ليهتدي إلى طريق تأييده لهذا الطرف أو ذاك .
وإن التستر على الجرم لايقل عن نفس الجرم ، بل الساكت على الظلم ظالم كفاعله ، والكل لا يريد أن يكون ظالماً ، وتحقيق ذلك بحاجة إلى جرعة من الشجاعة وحزمه من الإرادة . ومن دونهما لا وضع يتحسن ولا أمن يتقدم ولا بلد يستقر ، وليذكر الجميع مقولة أمير المؤمنين (عليه السلام)((من ضاق عليه العدل فالظلم أضيق)) . وتوضيحه بحسب فهمي القاصر أن في التصرف الإنساني طريقان لا ثالث لهما ، أما تصرف عدل أو سلوك ظلم ، ومن ترك الأول لحسابات تفرضها الواهمة أو المجاملة السياسية والإعتبارات الدبلوماسية فلا محالة يقع في الظلم ويصنف في صف الظلمة وهو يحسب أنه يحسن صنعاً.
إن جميع العناصر المتنفذه في كربلاء وغير المتنفذه التي تدعي لنفسها القدرة على التأثير يجب ان تخضع لتقييم موضوعي وعادل من قبل الحكومة لتدفع الرديء وتبقي الجيد وإن القانون يجب أن يعلو على الجميع وإذا كانوا كما يدعون ديمقراطيين ، فإن الحاكم عليهم هو القانون .
وكذا لو كانوا إسلاميين فإن القانون الإسلامي هو حاكمهم وهو لا يسمح لأي شخص مها كانت صفته (وإن كان النبي الأكرم ) أن يخرج عن دائرته ، قال تعالى (( ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لا خذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين )) الحاقة 44 ، 45 ، 46 ،قال تعالى ((ءأنت قلت للناس إتخذوني و أمي إلهين من دون الله )) المائدة 116
وعلى هذا فإخراج بعض من مسؤولية الحق ودائرة القانون يُعد خروجاً على الثوابت الديمقراطية المدعاة وعلى نهج الإسلام القويم الذي لم يخرج منه حتى نبي الرحمة ، وأمير الموحدين (عليهما السلام) فكيف ونحن نخرج فلان ، أو (فلتان) عن تمرير العقاب عن السيئين في هذه الجريمة البشعة معناه فيما نفهم (وقد إنتهكوا حرمة الزمان والمكان والإنسان) جريمة بشعة ورضا لكل جرائم التاريخ التي وقعت في كربلاء وإمضاءً لفعل الحزب الذي خرج على الحسين لإذلاله أو إسلاله ، وهيهات منه (عليه السلام) الذلة . ومعناه خيانة الأمة التي أمنت مستقبلها ومستقبل أطفالها عند القائمين على الحكومة ومواقعها .
وإن القانون إذا ساد كما يعتقد في أجواء من الأمان ستوفر في ربوع هذا الوطن وطن الأنبياء والتاريخ والحضارات وإن إتهام البريء بهتان عظيم ،(( ومن يكتسب خطيئةً او إثماً ثم يرم ِ به برياً فقد إحتمل بهتاناً وإثماً مبيناً)) النساء 112
وإن الحكومة لو أرادت أن تعزز ثقة الشعب بها فإن فرصة ذلك متاحة الان أكثر من أي وقت مضى بالضرب بالحديد على كل المتلاعبين بأمن البلاد مهما كانت توجهاتهم وجنسياتهم وإن مجاملتهم وغض النظر عن جرائمهم خيانة عظمى لتاريخ وتراث الشعب ، وعصيان واضح لثوابت شرعية متسالمة أهمها أن دم المسلم لايضيع هدراً .
17/ شعبان 1428