تشكل الثورة المطهرة الحسينية معيارا حقيقيا وواقعيا لكل ثورات ونهضات الإصلاح الاجتماعي وبطلها الحسين . هو القدوة والأسوة لصناع هذه النهضات . بل يعتبر رجال الثورة الحسينية أسوة لكل رجالات الثورات على طول التاريخ لما تمثله الثورة وقائدها ورجالها من قيم سامقة لا تدانى في سماء الإنسانية تجاوزت بها حدودها الزمانية والمكانية لتكتسب على الدوام دروسا للعبرة والاستعانة .
فمن الدروس التي نسقيها من قائدها الإمام الحسين عليه السلام :
الدرس الأول / انه تعامل مع أصحابه من منطق النصح والأمانة والصدق . فقد حدد لهم سبب المواجهة وان القوم لا يريدون غيره ولو ظفروا به لاكتفوا , وان ذهابنا لا يكون إلا إلى الموت الذي خطّ على ولد آدم فلم يمنيهم الإمام (عليه السلام) بأماني عريضة من النصر والكسب والغنيمة التي تدفع المعظم لخوض لجج الحرب وكان بمنتهى الصراحة والصدق مع من جاء معه . فلم يستعمل أساليب الإغراء والتطميع والدعوة المعسولة وهو بهذا الأسلوب قد ملك قلوب من بقي معه وآثر الموت رغبة ومحبة له بل واستئناسا به لا وحشة منه وفي لحظة قد خيرهم الرحيل واتخاذ الليل جملا مطرقا إلى الأرض كي لا تقع عيناه على أعينهم فيأخذهم الخجل منه أو يعرضهم للحرج الذي يجعلهم يتصرفون لا عن قناعة بالمضي معه . وأراد بذلك أن يخلص عملهم من شوائب الأمراض والدوافع الأخرى إلا دافع الأمر بالمعروف ومواجهة الفساد والاستهتار وفي سبيل الله .
الدرس الثاني / انه لم يستهدف إلا ما يرضي الله سبحانه وتعالى فقد خلّص نفسه من الذاتية والمنافع الشخصية فكان هدفه مقدسا ومطهرا من شوائب الدنيا حتى في العيش فيها مع الظالمين الذي جعل الموت في ظرف كهذا سعادة ما بعدها سعادة فقال قولته الشهيرة ( فأني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما ) وإذا استهدف الثائر الموت فأنه سيخيف عدوه مهما تترس بالأسلحة والمعدات وهذا أمر مجرب ومعروف .
الدرس الثالث / انه فتّت مقولة الأمر الواقع الدارجة والرائجة السوق في إعلام وتصريحات البعض في عصرنا الحاضر وان فقدان ميزان القوى يعرض المحاولة للفشل والقائمين عليها للهلاك . ولا يستعبر هذا المنطق عند أهل المبادئ العالية والمقاصد السامية والأهداف المقدسة من أمثال الحسين وأهل بيته انطلاقا واستهداءاً بالقرآن ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله ) ولو طبقنا نحن هذا المنطق مستفيدين من المعطي الحسيني ومستهدين بالآية المباركة لما صار امرنا إلى ضعف وهوان .
الدرس الرابع / انه كان داعيا إلى الدرجة القصوى لما ستؤول إليه الأمور بعد المأساة ومستوعبا للأهداف الأموية التي عبر عنها جدهم أبو سفيان ( تلقفوها يا بني أمية ) وعندما يكون على مستوى عال من الوعي فأنه يحاول ارفاد الناس بشيء منه وإبعادهم عن حاله لجهل المعشعشة فيهم والتي استغلها سراق الخلافة لتمرير سياساتهم والإبقاء على مواقعهم مستغلين جهل الناس وسذاجتهم , فكان على القائد بيان تاريخهم الأسود وحقدهم الدفين ليرفع حجب الرؤية عن بصائر الناس . لان في قراءة تاريخ القوم تنبيه للنفوس وإيقاظ للعقول من أن تستغل . فعرف بيزيد وأبيه وجده وإنهم لا يمثلون أي قيمة من جانب الإنسانية المطلوبة في قيادة الأمة والمجتمع وإسعافهم بالعطاء والتطور. وما نحن فيه كذلك لان تاريخ الدول المحتلة اسود لا ينتج خيرا أبدا .