رحلة بوش
حطت الطائرة التي تقل الرئيس الأمريكي (بوش) في إحدى قواعد الجيش الأمريكي في منطقة الرمادي يوم الإثنين الثالث من ايلول في جولة تفقدية قام بها مع وزيرة خارجيته ، ملتقياً بالشيخ أبي ريشة _رئيس ما يُسمى بصحوة الأنبار ..
وإذا كان من حق الرئيس الأمريكي أن يتفقد قوات بلاده المحتلة للعراق ويطلّع على سير عملياتها في العراق بإدعاء مكافحة الإرهاب وحفظ الآمن الذي غاب عن العراقيين غيبة الخدمات بأبسط صورها ، والحاجات الإنسانية بأردى مستوياتها ، بعد التخبط الذي وقعت فيه هذه القوات في إدارتها للبلد حتى وجدت نفسها في مستنقع لا تعرف سبيلاً إلى الخروج منه محتفظة بماء وجهها ، مع كثرة صيحات الديقراطيين المنادية بضرورة الإنسحاب من العراق ، في لعبة الشد والجذب مع قطب السياسة الحاكم في الولايات المتحدة (الجمهوريين) برئاسة الرئيس بوش .
وإذا اردنا أن نحسن الظن بنوايا الرئيس في مفاجته زيارة الرمادي والإلتقاء بشيوخ عشائرها وهي تخوض حملة مواجهة شرسة مع تنظيم القاعدة الذي إحتضنته المحافظة جغرافياً لترامي أطرافها وإمتداد حدودها على ثلاثة دول مجاورة للعراق كانت يشكل بعضها رافداً من عناصر القاعدة والتكفيرين خصوصاً بعد حملات الفتاوى القاضية بهدم مراقد المعصومين (عليهم السلام)
فإنه يأتي من باب الدعم للقوى السياسية والإجتماعية التي تسير بإتجاه الإدارة الأمريكية في مكافحة الإرهاب المتمثل بالقاعدة بإعتبار أنها تشكل حليفاً يمكن الإعتماد عليه في مهمة كهذه عجزت القوات الإحتلالية في حسم أمرها مدة أربع سنوات من الغزو الأمريكي للعراق .
وتحالف مثل هذا وتأييد واضح من الإدارة الأمريكية قد يبعث برسالة واضحة إلى حكومة بغداد مفادها أن الإستراتيجية الأمريكية في تسليح العشائر قد جاءت بنتائجها المرجوه وإن إعتراض السيد المالكي عليها في بداية الأمر لم يكن له من مبرر منطقي بعد ان حققت هذه الخطوة اهدافها في جعل منطقة الرمادي التي كانت تشكل التحدي الأكبر في التصدي للقوات الأمريكية كما يتقصد الإعلام ذلك وإن كانت الوقائع على الأرض العراقية تؤكد أن المقاومة حية في عموم محافظات العراق وأشرسها مواجهة في مناطق الجنوب ، لكنها لا تلاقي الدعم الإعلامي لتنعكس فيه .ومن حق الحكومة العراقية أن تتخوف من تسليح العشائر وإن كانت بتلك الحجة ، بعد أن كسبت شرعيتها من صناديق الإقتراع وبالتالي هي صاحبة السيادة والمتفردة بحمل السلاح عبر قواتها وأجهزتها الأمنية ، وإن مثل هذا التسلح قد يخلق لها مشاكل متوقعة على المدى القريب ، ابسطها أنها تمثل قوى متنامية في منطقة حساسة ذات صبغة طائفية منافسة للحكومة .
وقد يكون منشا تخوّفها أن تنامي القدرات التسليحية لهذه العشائر قد تجعلها بديلاً للأجهزة الأمنية العراقية التي يُراد تأسيسها على أسس وطنية بعيدة عن الصبغ الطائفية ، وإن معالجة الأمر بدمج أبناء العشائر بالقوات المسلحة العراقية قد تخلخل بالتوازن المطلوب بالقوات المسلحة ويذهب بالكفة بعيداً عن الإستحقاق السكاني الواقعي .
وقد يكون منشأ تخوفها من انه تمثل بوادر تاسيس قوة مناطقية شبيه بقوة البيشمركة الكردية مما يضع أسس رصينة لإنقسام محتمل للعراق على أساس جغرافي وطائفي وعسكري بعد تهيئة الأجواء النفسية والإحباطات الشعبية قبل بوادر التقسيم لتلاقي قبولاً شعبياً كحل للأزمة بدلاً من إستمرارها إلى نهاية غير مرتقبة .
إن على المتصدين للعملية السياسية في العراق قراءة هذه الزيارة جيداً وإستخلاًص العبر منها فقد تكون آية شاء الله ان يمرو منها للإعتبار والإتعاظ .
(( وكآين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون )) يوسف 105