( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (110) سورة آل عمران ) صدق الله العظيم .
فانتشرت آفاقكم اصقاع الارض ورسمت ملامح حضارة غيرت وجه الارض ومسار التاريخ كل ذلك لاعتصامكم بحبل الله المتين ، وعدم اختلافكم الذي به ذهاب ريحكم وتشتت شملكم واستضعاف حالكم وحينما تركتم الحبل على الغارب وانتشرت بينكم الإحن وخلفتم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وراء ظهوركم استبد بكم الاعداء وتكالبت عليكم الامم تكالب الأكله على القصعة ، حتى صارت امور يشيب منها الصغير ويهرم الكبير ويكون الضرب بالسيف اهون على المؤمن من اكله درهماً من حلال .
وكان سر قوتكم في تنوع اجتماعكم واختلاف شعبكم وتعدد طوائفكم وتكثر قومياتكم ، وهو ما يريده اعدائكم ان يكون وتر العزف على تشرذمكم واختلافكم فنفثوا سمومهم وسط مجتمعكم وعزل طوائفكم ، ليسهل عليهم تمرير مشروعهم واستباحة بلدكم ، وقد تابعهم من لاحظ له في الدين ولا حريجة له في الخلق ولا شرف له في انتماء ، وقد نسي الجميع من الاعداء والمغرر بهم ان شعبكم قد مرت عليه فترات اسوأ من ما هي حاصلة الآن من فتنة طائفية مقيتة حصدت ارواح العديد من الابرياء من الفريقين ولكن سمو اخلاق اسلافكم وبعد نظرهم قد افشل مخططات اعدائكم.
واليك النص الآتي المنقول في الكامل لابن الاثير ج8 ص53 – ما نصه في حوادث سنة 442هـ .. وفيها مُنع اهل الكرخ من النّوح وفعل ما جري عادتهم بفعله يوم عاشوراء ، فلم يقبلوا وفعلوا ذلك ، فجرى بينهم وبين السنة فتنة عظيمة قُتل فيها وجرح كثير من الناس ، ولم ينفصل الشر بينهم حتى عبر الاتراك وخربوا حاميتهم فكفوا حينئذ .
ثم شرع اهل الكرخ في بناء سور على الكرخ فلما رآهم السنة من القلاّئين ومن يجري مجراهم شرعوا في بناء سور على سوق القلاّئين ، واخرج الطائفتان في العمارة مالاً جليلاً وجرت بينهم فتن كثيرة ، وبطلت الاسواق وزاد الشر حتى انتقل كثير من الجانب الغربي الى الجانب الشرقي فاقاموا به .
وتقدم الخليفة الى محمد بن النسوي بالعبور واصلاح الحال وكشف الشر ، فسمع اهل الجانب الغربي ذلك فاجتمع اهل السنة والشيعة على المنع منه ، واذنّوا في القلائين وغيرها بـ(حي على خير العمل) وأذنّوا في الكرخ ( الصلاة خير من النوم ) واظهروا الترحم على الصحابة فبطل عبوره .
وجاء في كتاب المنتظم ج15 ص325 في بيان حوادث سنة 442هـ .. ما نصه – انه ندب ابو محمد النسوي للعبور لضبط البلد ، ثم اجتمع العامة من اهل الكرخ والقلائين وباب الشعير وباب البصرة على كلمة واحدة في انه متى عبر ابن النسوي احرقوا اسواقهم وانصرفوا عن البلد ، فصار اهل الكرخ الى باب نهر القلائين ، فصلوا فيه واذنّوا في المشهد ( حي على خير العمل ) واهل القلائين بالعتيقة والمسجد بالبزاّزين بـ( الصلاة خير من النوم ) واختلطوا واصطلحوا وخرجوا الى زيارة المشهدين مشهد علي والحسين .
وفي ( النجوم الزاهرة ) في ملوك مصر والقاهرة ج5 ص49 لحوادث سنة 442هـ – مانصه – فيها كان من العجائب انه وقع الصلح بين اهل السنة والرافضة ( الشيعة ) وصارت كلمتهم واحدة ، وسبب ذلك ، ان ابا محمد النسوي ولي شرطة بغداد وكان فاتكاً فاتفقوا على انه متى رحل اليهم قتلوه ، واجتمعوا وتحالفوا وأذّن بباب البصرة بـ( حي على خير العمل ) وقرئ في الكرخ فضائل الصحابة ( اقول كان الكرخ مكاناً للشيعة وباب البصرة مكاناً للسنة ) ومضى اهل السنة والشيعة الى مقابر قريش فعدّ ذلك من العجائب ، فان الفتنة كانت قائمة والدماء تسكب والملوك والخلفاء يعجزون عن ردهم حتى ولي هذا الشرطة فتصالحوا على هذا الامر اليسير ) .
هكذا هم اسلافكم قد تجاوزا كل خلافاتهم مصطلحين ، والصلح خير ، وفوتوا الفرصة على من يريد التدخل بينهم ، ولستم باقل منهم شأناً ودونهم حكمة ، وقد جربكم من لاحظ له في معرفة اصالتكم فكنتم ناراً حامية عليه .
وها هو بلدكم تطحنه الحروب وتأكله نار الفتنة ويستباح به دماء ابنائكم ويتفرج عدوكم عليكم حتى اصبحتم مثله لغيركم وساحة لصراعات اعدائكم ، فعودوا يرحمكم الله الى رشدكم وانبذوا خلافاتكم واعلموا ان الله معكم اذا كنتم معه ، وانه ناصركم وهازم اعدائكم بشرطها وشروطها ، ومن شروطها ادانتكم وبراءتكم لاعمال القتل والارهاب التي تجري بين ابناء البلد الواحد ووعيكم بما يراد لكم من وراء هذه الاعمال وانزعوا عن انفسكم ثوب الشيطان ولباس السلطان واعمروا قلوبكم بجنود الرحمن ، لتتعاونوا على البر والتقوى وليكن شعاركم قوله تعالى ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) سورة البقرة ) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
12 – رجب – 1427هـ