زيارة عرفة

ما هي فلسفة زيارة عرفة ولماذا للامام الحسين عليه السلام ولماذا تعادل من الاجر ما هو مذكور الشيء الكثير وكيف يمكن اقناع العامة في ذلك. فضلا عن الخاصة ومن الممكن ان يطرح نفس السؤال على بعض الزيارات مثل زيارة النصف من شعبان المعظم ولكم الاجر والثواب .

بسمه تعالى:- لقد حدد الامام الحسين u هدفه حين خروجه من المدينة في طريقه الى الكوفة بقوله عليه السلام (ما خرجت اشرا ولا بطرا وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله (صلى الله عليه واله) .

وهذا الهدف هو هدف السماء الذي جاء الانبياء والمصلحون لتحقيقه وانجازه على طول تاريخ البشرية ، واذا كان هدف السماء وقد مثله الحسين u وهو الامام المعصوم المفترض الطاعة ، كان تمثيله له حجة على الخلق ، فهم مدعوون لانجازه كتكليف شرعي مطلوب في كل زمان ومكان.

والناس بفعل انشغالهم بالدنيا وملذاتها وآلامها وما اختلطت به مما يشغل البال ويؤدي الى الغفلة ، ومنها الغفلة عن هذا الامر الضروري الاصلاح كان من الضروري لانجاز هذا الامتثال التنبيه عليه ورفع الغفلة عنه وليس افضل من التذكير بمن خط طريقه وابتدأ مشروعه وسيلة لذلك ، فكانت الزيارة للحسين u وقد تزامنت رحلته لاداء فريضة الحج ، والوقوف بعرفة وقراءته الدعاء المعروف ذا المضامين العالية الذي يقرأه معظم الزوار في يوم عرفة لاستدرار امداد السماء والارتباط بها طلبا للعون والنصر .

ولا اقل التشبه بالحسين u والحصول على ثواب هذا العمل ، لان من احب عمل قوم كان معهم ، والزائر محب لعمل الحسين u فهو معه . واذا كان معه لا شعوريا لاحتمال عدم التفاته الى ذلك ، او شعوريا كان ذلك باعثاً له على التأسي بالحسين u واستهداف هدفه.

ومن هنا اصبحت الزيارة وسيلة تربوية للناس على طلب الاصلاح في امة الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) .

والارتباط بالحسين او غيره من المعصومين بالزيارة يعزز تحريك القوى الخيرة والمعاني السامية في النفوس واخلاق المعصومين وان لم يصل المعظم من الزائرين لهذا المستوى يبقى افتراض السائل لماذا الحسين دون غيره؟ فقد يكون لجملة من الخصوصيات عنده u دون غيره ، وتقدم انه u كان على جبل عرفات من هذا اليوم يدعو بالدعاء المعروف .

منها لانفراد الحسين بقضيته المعروفة والتي لا مثيل لها في تاريخ البشرية فقد فجر بثورته مناطق الخوف التي امتلكت الانسان  في ظروف القسوة والبطش وحقق دواعي الخروج على الظلم في صراعه الطويل مع العدل الانساني، وقد انتج خروجه الميمون ثورات وحركات ضد الطغاة والمستكبرين، معروفة لمن له ادنى اطلاع على التاريخ الاسلامي، وقد تسببت جميعها بكونها امتداد لثورة الحسين، وشعاراتها “يا لثارات الحسين”.

ومنها انه ورد عنه (صلى الله عليه واله) انا من حسين وحسين مني وكل ما كان للحسين فهو لرسول الله (صلى الله عليه واله) ، أي انه لا خصوصية للحسين الا كونه امتداد للرسالة وابقاءًً لها، وهذا الابقاء متعدد المظاهر اوضح مظاهره الزيارات المخصوصة ، ومنها زيارة عرفات.

ومنها- غلبة جانب المأساة على الحسين ، والمعروف المحسوس عند الكل ان جانب الحزن والاسى اكثر تأثيرا والتقاء وحشداً للناس وتعبئتهم من جانب الفرح والسرور وواقع بعض الزيارات يشهد لذلك ، فزيارته يوم عاشوراء غير زيارته من يوم مولده الشريف من حيث كثرة الزائرين واجتماعهم وقد بررت كثرة زيارة الكاظم من يوم استشهاده عن كثرة زيارة الجواد (عليهما السلام) بذلك ، مع وحدة المرقد والمكان والمكانة.

ومنها- اشعار المسلمين باهمية الدين وان أي استحقاق بالتضحية ، قليل بحقه ولو كان المضحي ريحانة رسول الله (صلى الله عليه واله) واهل بيته واصحابه ، هذه التضحية التي تصغر امامها كل التضحيات التي بها يبقى الدين  فاعلا ومؤثرا في حركة البشرية وتربيتها ، واذا وعى الفرد المسلم هذه التضحية هانت عليه نفسه وما يتعلق بها في سبيل نصرة الدين مهما كلف الامر وبهذا يمثل الحسين الضمانة للاستمرار بالحياة الاسلامية على الخط الاسلامي مستقبلاً.

وهذا المتقدم ينطبق على الزيارات الاخرى من حيث كونها للحسين خاصة وارتباطها باحداث اسلامية مهمة تعزز ارتباط المسلم بتاريخه الاسلامي وبهويته وتؤطره باطار خاص متسم  بالتشيع لاهل البيت (عليهم السلام).

واما كثرة الثواب- فقد تقدم في البداية الاشارة الى ذلك ، واضيف هنا ان الامور المهمة التي يريد الشارع التأكيد عليها لاهميتها في ما يستهدفه من الخلق ومن التشريع وان كان الهدف غائبا عن الاذهان العامة ، ولكنه بالتأكيد هدف سامي جدا تحتاج البشرية من اجل الوصول اليه لمرات وتربية طويلة جدا ، وذات ممارسات عبادية متعددة ،منها الزيارات.

ولاجل حث الناس على الامتثال فيما هو لصالحهم ، مع كونه صعبا على النفس البشرية او على اعداء الانسانية، من الظلمة والطواغيت ، استعمل الشارع لحكمته ومعرفته بالطبيعة البشرية اسلوب التطميع بالثواب العظيم والجزاء الجميل على هذا الفعل مع كونه لمصلحة الفرد والمجتمع، وكلما كان الثواب اعظم كان الباعث للامتثال اكبر ، وكأن المسألة عرضا ما بين الرب وعبده، بلا حاجة له سبحانه بذلك الا سوق عباده له ما يصلحهم ويعزز اصلاح حالهم. والعاقل يضحي بتعب بسيط لاجل ثواب عظيم لا يعلمه الا الله . ولا يترك مثل هذه الفرصة تفوته، وبهذا وغيره يربي الله خلقه ويوصلهم الى الهدف والغاية من خلقهم. (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(الذريات:56) .ذي الحجة 1424هـ