سأقبل أيديهم

ما تقوم به المقاومة اللبنانية الإسلامية البطلة يفوق حد التصور الساذج لتجار السياسة والقافزين على مواقعها ممن يعزف على وتر اللغة الغربية – او ما يسمى العالم المتحضر ، واسميه العالم الأعور .

      انما خاب تصورهم بعد ان وضعوا انفسهم في نطاق الحسابات المغلوطة لمفهومي القوة والضعف اللذيَن سلطت بعض الضوء عليهما في سلسلة التبصر ، الحسابات التي تدخل في انغام عالم المادة حبيسة ومرهونة لقوانينه ، متناسية من لا يعزب عنه من ذرة في السموات والارضين ، وحينما تنساه او تغفل عنه تصبح نتائجها مغلوطة ومحكومة لمقادير المادة وارادتها وما تحمله من تقنية وتطويع بيد البشر فتسّلم مسبقاً بان من يملك سلاحاً اقوى واكثر تطوراً سينتصر بالمواجهة لا محالة ، وينسحب هذا الحكم على المواقف الحكومية والرسمية للدول لارتكاز هذا الحكم في انفاسها السياسية فتراها تميل لتبني مواقف الدول الكبرى من حيث القوة المادية ، والصغرى من حيث الامداد الالهي كما اسميها .

      وقد تراهن على حسم الجولة واعطاء نتيجة المواجهة ، وتصف الصغار في نظرهم بالمغامرين ، ابتعاداً عن مفهوم المقاومين الذي يرفضه الكبار ويعاقبون على من يطلقه او يرتضيه تسمية لمن يقف بوجه الكبار .

      وبقت هذه اللغة سارية عقوداً طويلة من الزمن حتى بات التفكير لمجرده ضرباً من الجنون ولعباً بالنار بالنسبة للصغار في مفهومهم اذا ما حاولوا خوض تجربة مواجهة مع كل مبررات الحق التي معهم واصطفاف كل عوامل الباطل مع خصومهم .

      واذ عاش العالم بهذه الظلمة سنين طوال حتى لاح له نور كشف لهم تلك الظلمة الا هو نور المقاومة الاسلامية البطلة التي خرقت حسابات الماديين واهل الزيغ والضلال وأتباع الشر والعدوان وقلبت رأساً على عقب قواعد اللعبة واساليب المواجهة مع الكبار ، فقد اعلنت بوضوح ان القوة المادية مهما عظمت فهي صغيرة امام القوة المعنوية والروحية التي يستمدها المقاتلون من ايمانهم بالله والتضرع له بان يفرغ عليهم الصبر ويثبت اقدامهم وينصرهم على القوم الظالمين ، وحقائق ارض المواجهة في جنوب لبنان اكبر شاهد على ذلك ، واليوم هو التاسع للمواجهة ، وهي تسطر ملاحم بطولية عجزت معظم الجيوش العربية ، بل اكبرها على تسطيرها او المحافظة عليها مدة اطول بل سرعان ما تقهقرت امام ضربات العدو الجوية وآلته العسكرية كما حصل في مواجهة عام 1973م على الجبهة المصرية .

       كما إن القضية الحقانية هي اقوى من القضية الباطلة مهما تعاظمت قوة الأخيرة مادياً ، لان الباطل زهوق وزائف لا يلبث ان يزول .

      واذا اردنا ان نفرق بين هذه المواجهة والمواجهات العربية السابقة مع الكيان الصهيوني فان الفارق الذي سنضع عليه النقاط كبير جداً يتعزز به ما ذكرته آنفاً من ان القوة ليست متحضرة بالمادية والا لسارت النتائج على وتيرة واحدة ..

1-  انها المواجهة الاولى التي تطال بعض الاليات الكبيرة للكيان الصهيوني بالتدمير او التعطيل كما حصل للبارجة التي احرقت امام السواحل البيروتية بفضل ضربات صواريخ المقاومة ، ولم يحصل مثل هذا الفعل البطولي في المواجهات العربية اليهودية ، وان دمرت مصر في حرب الاستنزاف بعد الـ (67) باخرة حربية .

2-  انها المرة الاولى التي يعيش الشعب اليهودي حالة الخوف والقلق ، ويشعر بقوة الردع والموازنة حتى بالرعب بين الطرفين ، اقصد الشعبين ، وقد اعتاد شعبهم على التفوق والنصر السريع الذي يضمن تعزيز قناعة اليهود بالعيش في كيانهم .

3-  انها اطول مواجهة مباشرة بين طرفي النزاع ، ولا اسميه العربي الان بل اللبناني ، بل المقاومة الاسلامية لحزب الله – والكيان الصهيوني مما يدلل على عجز قوة الجيش الذي لا يقهر عن حسم المعركة لصالحه بمدة قصيرة يكون قد راهن عليها .

4-  انها المواجهة الاولى الذي يصطف المجتمع الدولي بكل دوله ومؤسساته الدولية ومنظماته العالمية مع الكيان الصهيوني ، ولم يحصل هذا الامر وبهذا الشكل السافر والمعلن في المواجهات السابقة باستثناء الموقف الامريكي المنحاز دائماً ، وان امتاز في هذه بالمشاركة بشكل فعلي ومعلن عبر توفير الغطاء السياسي ، والحيلولة دون استصدار قرار لمجلس الامن يوقف القتال وتحشيد المجتمع الدولي ، وبعض الدول العربية الصديقة لتخطئة المقاومة واعطاء المبرر للهجوم اليهودي على لبنان ، ويمكن القول بان الولايات المتحدة هي طرف الحرب مع حزب الله وبآلة يهودية .

5-  انها المرة الاولى التي تقف معظم الدول العربية منحازة للكيان الصهيوني ، وان احسنا الظن متفرجة ، باستثناء بعض الدول القليلة التي لا ترقى مواقفها الى مستوى الحق العربي واواصر الاخوة والاسلام ، ومعظمها كانت مع المواجهين العرب للكيان الصهيوني .

6-  التعاطف الاسلامي من الدول مع القضية العربية في السابق ولم نجد له من اثر في هذه المواجهة الا في جانب قليل منها .

7-  انها المرة الاولى التي لا تملك المواجهة العربي سلاحاً للطيران او مقاومة للطائرات مع الكيان الصهيوني وان كان دون المستوى التطوري للسلاح الجوي اليهودي ، ولكنه يؤثر نوع تأثير ويوفر للقوة الارضية بعض الدفاعات والامدادات في عملها .

8-  انها المرة الاولى التي لم يستطع الطيران اليهودي من حسم المعركة لصالحه كما حصل في الـ (67) وربما الـ (73) بعد عمليه الالتفاف حول الجيش المصري .

9-  انها المرة الاولى التي تصل النيران العربية اراضي يهودية ومدن متعددة وبوتيرة تصاعدية بالرغم من الفارق الكبير ما بين اسلحتها واسلحة العدو .

        10- انها فاقت المقاومة في فلسطين من جهة انعدام التعاطف العربي معها ووجوده مع المقاومة الفلسطينية مما يؤشر ازدواجية التعامل العربي في قضيتين هما واحدة بالاصل ، والسبب يكمن وراء الانفاس الطائفية لبعض الدول العربية .

       11- انها المرة الاولى التي تقف جهة او قوة غير رسمية عربية امام آلة الحرب اليهودية وتحقق ما لم تحققه القوى الرسمية مجتمعة او متفرقة في الصراعات السابقة .

12-  الفارق النوعي للاسلحة اليهودية المستخدمة في هذه المواجهة كبير مقارنة مع الاسلحة التي استخدمتها في مواجهات سابقة ، ولم يشفع لها هذا الفارق في احراز نصر يذكر بل توازن ملحوظ ان لم نقل في هزيمة مذلة .

        13- انها المنازلة الوحيدة التي ستحرر لبنان بشكل صحيح يملك ارادته واستقلاله من ان تؤسر للاخرين ، وسيكون قوة اقليمه في المنطقة تفرض رؤيتها في القضايا المختصة بالشرق الاوسط .

          14- قد تكون المرة الاولى التي ستتضمن حلاً شاملاً كاملاً يخالف المرات السابقة في كون الحل ناقصاً ومبتوراً ليخضع لمساومات وتفسيرات متعددة تبقي المشكلة قائمةً ومستحكمة يتحكم فيها العدو الصهيوني ، ويخضعها لتغييرات وتحريفات لا تبقي أي اثر لاصل الحل .

          15- انها المرة الاولى التي تكون المعركة على جبهة واحدة لا غير بعد تنحي المواجهة مع الفلسطينيين عن عنوان الجبهة .

          16- الاخيرة بحسب القراءة المذكورة إن هذه المواجهة لم تكن بين طرفين من دولتين او طرف لدولة وطرف لدول اخرى كما هو حال المواجهات القتالية بل هي في حقيقتها حرب بين حزب الله المتمثل بالمؤمنين المجاهدين المقاومين ، وبين حزب الشيطان المتمثل بالمجتمع الدولي ، ومجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة والدول العربية ، والإسلامية إلا ما ندر ، وشعوب المنطقة ومنظمات عالمية وإنسانية بل ورجال دين من الدول العربية على ما يخبرك به فتوى بعض فقهاء السلاطين على بعض المواقع الاليكترونية ….

      فهل عرفت السبب حتى يبطل العجب في تصدير المقالة بهذا العنوان وهل اقتنعت ان المقاومين يستحقون تقبيل الايدي ، منهم المذكورون على المظنون في قوله تعالى ( عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5) سورة الإسراء ) .

 

23 – ج2 – 1427هـ