عنوان كبير يحمل شهادة دكتور والظاهر منها أنه دكتور في العلوم الإسلامية وهو يصرخ بأعلى صوته متباكياً على إنتشار مذهب (الشيعة) في الأوساط السنية ، وموصفاً التشيع بالتشيع الإيراني وأنه ذو دوافع سياسية ، كمقدمة لدوافع عقدية ، وإن طرق إنتشاره ملتوية بإستخدام المال لدعوة الناس لإعتناق المذهب – ثم ختم قوله أن هذه الظاهرة خطيرة ، وأن أهل السنة هم الأغلبية المطلقة. وسنسلّم معه بوصفه بالدكتور من باب الجدل بالتي هي أحسن التي أوصانا القرآن بها .
وقبل رد ما سرده نقدم بعض النقاط من باب التمهيد :ـ
النقطة الأولى :ـ إن المسألة متجذرة في التاريخ الإسلامي وقد كانت على طول التاريخ منذ رحيل الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) إلى الآن موضع رد وجدل يدور بين تصحيح بعض السلوكيات لمجرد التصاحب ولو بالزمان القصير مع حياة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وأن لقاءً واحداً قد يوصَف الشخص بسببه بالصحبة وهي العاصمة في نظر الدكتور للمعاصر له .
والبحث في هذه النقطة قليل الجدوى وأنها طرأت على سطح التأريخ بفعل الأسلوب الأموي الذي أبتدعه معاوية لتبرير كل مظالمه التي كفّره لأجلها بعض علماء العامة المنصفين – ولو كانت الصحبة تعني الكرامة والمنزلة الرفيعة ، بل والعصمة بدرجة لكان صاحبيّ يوسف (عليه السلام) كذلك ، والقرآن يدفعها وهم دائماً يطلبون الدليل القرآني .
النقطة الثانية :ـ إن أهل الطائفة أياً كانت لا يمكن تركيب رأي البعض منهم على المجموع ، فإذا ظهر قول من بعض علماء هذا المذهب أو ذاك فأنه لا يعني أن رأي أهل ذلك المذهب كله ، وإلا خالفنا القرآن في نصه ((لاتزر وازرة وزر أخرى)) ـ الآية164 الأنعام ـ .
النقطة الثالثة :ـ إن طائفة الشيعة لا تسلّم بأن كل الأحاديث بما في الكتب المعتبرة الأربعة أنها صحيحة بخلاف أهل العامة فأنهم يقولون صحيح البخاري ومسلم .. إلى ستة ، أي أن كل ماورد فيها صحيح بلا مناقشة ومعنى ذلك عصمة هذه الكتب في ما تنقله من أحاديث ، أي صحة صدورها مع إختلاف آخر أن نهاية سلسلة سند أحاديثهم إلى بعض الصحابة غالباً وإنتهاء سند أحاديث الشيعة إلى المعصوم النبي (صلى الله عليه وآله)أو الإمام (عليه السلام) .
النقطة الرابعة :ـ أعتقد أن من له أدنى معرفة بالتاريخ يكشف لا محالة أن التشيع تمحور كإتجاه في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) لقوله لعلي (أنت وشيعتك في الجنة) مضموناً فإطلاق اللفظ كان في زمانه (صلى الله عليه وآله) ثم تمركز في عاصمة الخلافة بالكوفة . وأنتشر منه إلى أصقاع الأرض ، ومنها إيران ، وعليه فالتشيع لا يوصف بالإيراني أو غيره وإلا لوصف التسنن كذلك ، فتسنن مصري وتسنن سعودي .. وهكذا ، حفاظاً على روح التسنن ومن هنا فإن التوصيف منشأه دوافع أخرى ، خرجت من فم الدكتور من حيث لا يشعر .
النقطة الخامسة :ـ إن الخلاف بين الشيعة وغيرهم جذري في بعض أصوله وفروعه ، ولكن نقاط الإشتراك والوفاق كبيرة وجليلة ، وهي تغطي كل مساحة الإسلام إلا في بعض ما ذكر . ونحن لا نقفز على وجود هذا الخلاف ولكننا لا نثيره في هذا الوقت الذي فيه يتحرك العالم ليتلاحم بين شعوبه وأممه مع إختلافها الجذري في كل شيء إلا بشريعة قد غطت مساحتها يد التحريف .
وبعد هذه النقاط التمهيدية ننظر في كلام الدكتور ، على فرض أن رسالة الدكتوراه تعطي صاحبها موقعاً متميزاً في قبول كلامه ، وطرحه ، شريطة أن تكون الشهادة معززة بإطار ثقافي واسع وخلق إجتماعي نبيل وأقصد بالخلق الإجتماعي هو التعامل مع المكونات الأخرى من منظار معرفي فقط ، وليس من منظار تعصبي مقيت ، الذي يفسد أكثر مما يصلح ، والعالم في هلع شديد يشد بعضه بعضاً ليواجه أزماته بقوة وحسم ، وهذا مؤسف جداً أن يكون غير المسلمين على وعي من قضية الوحدة والتواحد ، وأن نكون نحن المسلمون على وعي من التربص ببعضنا البعض تعصباً وحقداً ، والقرآن يصرح (( يا أيها الذين آمنوا أصبروا وصابروا ورابطوا وأتقوا الله لعلكم تفلحون )) ـ الآية200آل عمران ـ .
التباكي على مذهب التشيع … كان الأولى بالدكتور أن يتباكى على إنتشار القيم الغربية في المجتمعات الإسلامية التي تعني تغريب هذه المجتمعات وسلخها عن هويتها الإسلامية وإبتعادها عن تاريخها وحضارتها وأما أن يتباكى على إنتشار التشيع في الأوساط السنية ، فإن ذلك يستبطن الإساءة للمذهبين معاً ، فمذهب التشيع بنظره غير صحيح وإلا لو كان صحيحاً فلا معنى للتباكي على إنتشاره ، ومذهبه ضعيف في نظره لا يملك الحجة الداحضة والقوية والإرتكاز الصلب في نفوس معتنقيه ليمنع من إنتشار مذهب التشيع .
ومع النظر الى النقطة الأولى سيظهر خلل معلوماته في الجذر التاريخي للتشيع وأنه ضارب في العمق ومنذ حياة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وأنه عربي خالص لا يمكن توصيفه بعصبية أو بقومية مهما كانت فضلاً عن تأخر دخولها في الإسلام وتدينها بمذهب التشيع ، فوصف التشيع بالإيراني غير صحيح لا تاريخياً ولا جغرافياً .
وأما كونه ذو دوافع سياسية ، فإن الحوار القائم بين المسلمين أفراداً وجماعات وهو ذو طوابع متعددة تارة يأخذ طابع الجدل والمماراة ، وكل مقتنع بما عنده ويكيل التهم إلى الآخر ، وأخرى يأخذ طابع الجدل بالتي هي أحسن ، وبيان موضع الحق في المسألة كما حصل بين فريقين من علماء الطائفتين في مصر وغيرها ، ومع هذا الحراك والجدل قد يتحول بعض السنة إلى الشيعة وقد يحصل العكس ، وكلما كان الأداء متقارباً للطرح الإسلامي وكانت النتائج جيدة على صعيد العمل الإجتماعي والسياسي كان إقناع صاحب المذهب أقوى وتأثيره أعمق ، وربما هذا ما حصل بالضبط في مسألة الإنتشار فبعد النجاحات التي حققها مذهب التشيع في إيران الإسلام عالياً وتأكيد قوته في مواجهة الظلم والطغيان وإحترامه للإنسان مع الإختلاف في المذهب بل والشريعة ، وتأسيسه دولة إسلامية في العصر الحديث وإنجازه إنتصاراً على الصهاينة بعد عجز كل جيوش العرب والمسلمين في حروب طاحنة من إلحاق الهزيمة بهم ، فهذه وغيرها قد تعزز من القناعات وتزيد من قوة التأثر وترفع نسبة التأثير .
وأما إن طرق إنتشاره ملتوية فهي دعوة يكذبها الواقع ويدفعها الوجدان لأنه على طول التأريخ لم يستخدم مثل هذه الوسائل وإذا أستخدمت فهي تستخدم لتتميم ضعف صاحب الدعوى وسوء حجته .
وإما من كانت حجته قوية ، وموقفه صلب من معتقده ومذهبه ، وإنه مهما تعرض لضغوط نفسية أو أمنية أو إرهابية لمجرد تلبسه بهذا المذهب فهو في غنى عن إستخدام المال لنشر دعوته ، هذا إذا كانت هناك فعلاً دعوة لنشر المذهب ، وأننا نعتقد أنه لا توجد مثل هذه الدعوى بقدر ما يوجد ناس يتدينون بمذهب التشيع وعلى مستوى عالٍ من الوعي الديني ، والعمق الفكري مصحوباً بأخلاق مميزة فإن إقناعهم للآخرين إنما يكون بالممارسة السلوكية الحسنةالتي يستشعرها منهم الآخرون فيحاولون تقليدهم ومتابعتهم وإقتناص هوية مذهبهم ، بلا حاجة لدعوة علنية يردفها المال .
وعلى الدكتور أن يدلنا بشكل قاطع عن مثل هذه الدعوات وأين حصلت ومن يدعمها ومن يهيء لها بالرغم من أن موقع إنتشارها سني المذهب وهو حكومة وشعباً يمنع ذلك أو على الأقل لا يسمح بها ويعرقلها وإذا لم يكتف بهذا وذاك فيوجه إدانة للقائمين عليها، كما وجه كلام الدكتور إدانته للمذهب عموماً .
وإما كونها ظاهرة خطيرة فليست كذلك إلا على منطق قرآني مرفوض (( إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)) ـ الآية23 الزخرف ـ . من ذم من يقلد الأسلاف لمجرد كونهم أسلاف قد كانت لهم ظروفهم وملابساتهم في إتخاذ موقف معين أو التمذهب لمذهب ما .
ٍ أو يعتمد على مذهب الكثرة ، وقد غالطه القرآن بقوله ((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة )) ـ الآية249 البقرة ـ . (( قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده )) ـ 249 البقرة ـ .
بل الخطورة يا دكتور هو أن تصر على ما ليس مدعوماً بقوة الحجة ودعامة البرهان ويكون إصرارك تعصباً لاغير والأولى أن تتعصب للإسلام فهو فوق المذهب .
هذه الصرخات أولى أن توجه لنصرة المظلومين من المسلمين في غزة والعراق وأفغانستان وباكستان والبوسنة والهرسك وغيرها .
9/جمادي1 /1430هـ / 5/ 5 / 2009