بسم الله الرحمن الرحيم
( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) (39) سورة الحـج .
مجموعة من الأسئلة والإشكالات حول مقاومة الاحتلال وبأشكالها المختلفة ومنها المقاومة العسكرية التي قام بها جيش المهدي ( وفقهم الله ) ، وقد طرحت على سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ قاسم الطائي
( لا حرم الله المؤمنين منه ) وأجاب عنها مشكوراً ، وهي كالتالي :
س / هناك من يقول نحن غير ملزمين في الوقت الراهن بوجوب الدفاع عن ممتلكات الأمة ومقدساتها بحسب الروايات المتواترة من أنه سوف يمزق الإسلام وتحتل أغلب مناطقه في آخر الزمان . ويوجد ما يعزز هذه الروايات الآن من أننا لا نستطيع فعلاً أن نقاتل هذه القوة المحتلة ، المتمثلة بأمريكا وحلفائها فلا طاقة لنا من قتالها ، ولا ينقذ هذه الأمة سوى الله تعالى وذلك بإظهار صاحب العصر والزمان (عج) فهو الذي يستطيع أن يقاتلهم وينتصر عليهم ويملئ الأرض قسطاً وعدلاً وفق التخطيط الإلهي . وحسب ما يذكره التاريخ لنا . شيخنا الأجل .. ما رأي سماحتكم بهذا الكلام؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كله من وهم ومن نسج خيال المنهزمين وإلا لكان على الشارع أن يسد باب الجهاد بقسميه ـ المهم الآن هو الدفاعي الواجب على الكل بلا حاجة إلى أذن الحاكم الشرعي . وأن يسد باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشريع مواجهة المحارب و … . وهذه الروايات كلها ضعيفة السند ولا يمكن التأسيس عليها مع أنها روايات لأخبار آخر الزمان فلا تعطي مدلولاً التزامياً بالعمل أو تركه وأنما تذكر حالة الناس وتخاذلهم عن نصرة دينهم ومعتقداتهم . وأما عدم الاستطاعة فباطل وما يمثله الفلسطينيون خير دليل على بطلانه وما أنجزته المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان أقوى دليل على فساده ، وأين هذا القول من
قوله تعالى
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) سورة محمد )) .
ومن قوله
(( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) سورة البقرة )) .
وأين هذا من انتصار رسول الإنسانية على المتكبرين من أبناء قومه والأقوام الأخرى .
وأين هذا من تأسيس الجيش الذي سيقوم به الأمام ( عجل الله فرجه ) لفتح العالم ، هل يبدأ بنفسه الشريفة أم مع خلص أصحابه وجيشه من المخلصين .. ؟
وهل نقل مقالة بني إسرائيل الذين لعنهم الله في كتابه مراراً
(( قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) سورة المائدة )) .
وهل يعلم هؤلاء بأن المقاومة أفرزت بعض النتائج لو يعلمون بها لساعدت نفوسهم ، وأنا غير ملزم ببيانها لهم فهم لا يستحقون .
س / أولاً : الأشكال الثاني المطروح على الساحة العراقية ـ حول المجاهدين للاحتلال ـ بعد أشكال عدم الشهادة هو الأشكال الثاني : أن كل مقاتل في الساحة العراقية تشوبه وتوجه نحوه إشكالات أخلاقية وانحراف في السلوك والعمل الديني فكيف يكون مجاهداً .. ؟ ولأجل هذا الأشكال فنحن لا نؤمن في الجهاد الحالي !!!
ثانياً : من يصرح بهذه الأمور فهل تجوز الصلاة خلفه . ؟
بسم الله الرحمن الرحيم:
إذا نظرنا إلى التاريخ وأحداثه في الجهاد والثورات وخصوصاً الحديثة ، نجد بالاستقراء عن المجاهدين معظمهم من هؤلاء ممن ظاهرهم الانحراف وسيرتهم بعض المحرمات ولكن هذه الموانع لا تمنع من ارتقائهم إلى أعلى الدرجات لنكران الذات والمتجارة مع الله والأعراض عن الدنيا وقتل كل مشتيهات النفس ومغريات الحياة والتي لم يستطيع المتدين الذي يقوم الليل والنهار ويتعبد لربه ويتزين بزي العلم والدين ويعتاش عليه وله موقع اجتماعي مرموق عند الناس ومكانة مقدمة على الآخرين وغيرها من المغانم التي حصل عليها بأسم الدين أن يتخلص من أنانيته وأنيته ونظره إلى نفسه وهو لم يتعبد إلا للوصول إلى حالة الفناء كما يعبرون (( أهل العرفان )) ولكنه هل وصل إلى ما وصل إليه هذا المسكين .
وإذا لم يصل فهو متأخر لم يجعل لله الحصة الكاملة في حياته كما جعلها من وصف بالانحراف ويكفي هذا المسكين أنه وصل لمرتبة من البر لم يصل إليها المتعبد .. إذ لا بر فوق الشهادة كما يقول ( فوق كل بر بر إلا الشهادة فليس فوقها بر .. بالمضمون ) مع أن السؤال يستبطن كون الشهادة مختصة بالمتقين وهو ليس بصحيح فالشهادة طريق يفتحه الله لمن يستحقه ولو كان كما وصفت إذا علم الله منه الصدق والإخلاص واعتبر بالحر الرياحي رحم الله الخميني حينما قال : أن قائدنا جميعاً هو ( لم يذكر أسمه ) الذي فجر نفسه أمام دبابة والمعروف عن السيد الخميني أنه من العارفين وقد يدعي أن طريق الجهاد لا يكون إلا بعد المرور بتهذيب النفس وهو فاسد من وجوه .
الأول : ما ذكر قبل قليل من عدم اختصاص الجهاد بالمتقين بل هو طريق يفتحه الله للمخلصين ممن وجدفي نفوسهم الاستعداد للتضحية والبذل في سبيل الحفاظ على بيضة الإسلام وحرماته ومقدساته وأرواح معتنقيه من أن تنتهك أو تهان .
الوجه الثاني : أنما ذكره غير عملي إذ أن طريق تهذيب النفس مفتوح وطويل وقد يصل إلى مراتب عالية منه طيلة حياة الفرد إذا لم يتورط فيه مع أنه ضيق الأثر إذ لا يتعدى في أغلب أفراده دائرته الشخصية وهذا بخلاف طريق الجهاد فأنه يحتاج إلا لحظة صدق مع الله واستعداد للتضحية وأثره أوسع غالباً من أثر الأول .
الوجه الثالث : قد نسي المدعي أنه لو صح ما قال لكان ذلك لم يتخط منهج رسول الله . الذي قال ( قضيتم الجهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر ) ويقصد بالجهاد الأكبر تهذيب النفس وفي كلامه إشارة للوجهين المتقدمين .
الوجه الرابع : أن هذه الدعوة قريبة من دعوة أعداء الدين والمستعمرين والمستكبرين الداعية إلى فصل الدين عن السياسة وانزواء الفرد المسلم في زوايا بيته يتعبد ويترك الأمور الاجتماعية وحياة الناس يعبث فيها من قبل لآخرين
ثانياً : كل من يستهزء ويسخر من هؤلاء الأبطال وينبزهم بألقاب بذيئة وسيئة لا تجوز الصلاة خلفه .
س / يُحمّل البعض المجاهدين ذنب القتل والدمار البيئي الذي حل بالبلاد ، كرد فعل على دفاع وحرب القوات المحتلة ، وجزاكم الله خير جزاء المحسنين .
بسم الله الرحمن الرحيم:
هذه مغالطة واضحة ـ إذ من حق المعتدى عليه أن يدافع عن نفسه بالطريقة التي يحرز بها رد الاعتداء ، لأنه أنما يستعمل حقه الذي تقره كل الأعراف والقوانين والشرائع وما يحصل من جراء استعماله للحق المشروع له فيتحمله المعتدي ولو لا الاعتداء لما حصل الدفاع .
ثم إذا كان الاعتداء ظلم والدفاع حق مشروع ، فهل يحمل ما هو حق نتائج ما هو ظلم فما لكم كيف تحكمون
هذا إذا قلنا بأن المدافع هو المباشر للدمار والخراب ـ وأما إذا كان المباشر لكل ذلك هو المحتل فتحميله المسؤولية كان أوضح مما سبق .
لأنه في حال كونه مسبباً والمدافع مباشراً كان السبب أقوى فتلحقه المسؤولية القانونية والأخلاقية لما حصل ، وأن كان العكس كما هو حاصل بالفعل باعتبار كونه مباشراً لهذا الدمار والخراب والمدافع مسبباً كما يتصوره المستشكل كان المباشر أقوى فتحميله المسؤولية في محله ، وهذا مبحوث في علم الفقه بالنسبة إلى الضمان .
وأعتقد أن كل هذا ناشيء من الانهزام والشعور بالضعف وعدم القدرة عن الدفاع عن الوطن والمال والمقدسات ، ألم يحصل دمار وخراب في مناطق متعددة من البلد ولا أثر للمقاومة فيها ، وهل كانت المقاومة هي السبب لما حصل من انتهاكات ـ سودت تاريخ الشعوب التي تدعي التحضر والتفوق ـ في سجن أبي غريب .
ولا يفوتني بأن أذكر أن المادة ( 51 ) من ميثاق الأمم المتحدة تنص على :
(( إذا وقع هجوم مسلح على إحدى الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة ، فأن أيا من مقررات هذا الميثاق لا تمس حقها الذاتي ـ المشروع في الدفاع عن النفس بصورة فردية أو جماعية يقصد بصورة طلب المساعدة من الدول الأخرى لتشترك معها في رد العدوان )) . انتهى موضع الحاجة ، وفيه غنى وكفاية بالرغم أن الدفاع عن النفس أصل لا يختلف عليه اثنان .