عرضت وسائل الاعلام المرئية شريط الفيديو الذي يظهر فيه ابو مصعب الزرقاوي متحدياً الادارة الامريكية وقواتها في العراق ، وقد اعلنت وسائل الاعلام التي عرضت الشريط ان خطته وحسب استقراء الجيش الامريكي في العراق تقتضي بنفس ما قلته في الخطة الامنية قبل اكثر من اسبوعين من نشر هذه الصور ، من ان الامر يراد به تمزيق النسيج الاجتماعي وعزل المناطق ذات الطائفة الواحدة عن المناطق ذات الطائفة الاخرى ، فيجري التهجير القسري من بعضها الى البعض الاخر في خطوة لتهيئة ارضية سكانية وجغرافية لتمزيق وتجزئة العراق ، وربما تحت اطار فيدرالي كان هو العنصر الاساسي من عناصر المشروع الامريكي الذي يراد انجازه في العراق .
وحيث ألتقت الرؤية التي طرحها الاعلام منسوبة للزرقاوي وهي نفس ما شخصّته للوضع الذي يسير عليه العراق وهو محتل ، يمكن استنتاج ما يلي :
1- ان تعليق الامر على شخصية لا يعرف حقيقتها او وجودها مثل الزرقاوي وكأنه من إبداعاته وافكاره لتنحى القوات المحتلة بنفسها بعيداً عن التهمة والتقصير في اداء عملها وتحمل مسؤولياتها القانونية التي الزمت نفسها بها من خلال الطلب من مجلس الامن لاعتبارها قوات أحتلال مقيدة بقوانين دولية تجعلها مسؤولة عن الامن ، فكان لا بد لها من رمي الكرة في ملعب الزرقاوي وعرض شريط الفيديو في هذا الوقت بالذات يؤكد تورطها في هذه الاعمال بعد ان وصلت الى حافة الخطر الشديد ، وتحت انظار العالم الذي بدا يعي اللعبة الامريكية فيما تسميه مكافحة الارهاب .
2- ان اعطاء طابع الحقيقة الى شخص له قدرات خارقة على مستوى خلخلة الوضع الامني واستهداف الجيش الامريكي والامن العراقية ، والمدنيين العزل ، يعطي مبرراً منطقياً لهذه القوات في ان تماطل ببقائها داخل العراق وان أي مشروع ستقرره الحكومة العراقية المنتخبة سوف يصطدم بهذه الحقيقة المسماة – الزرقاوي – اذ من غير المنطقي ان القوات الامريكية بكل تقنياتها واسلحتها المتطورة واتصالاتها الجبارة وهي عاجزة عن الامساك به ، فالقوات العراقية اعجز بطبيعة الحال .. وهذا ما يجعل الامن القومي الامريكي في خطر كما تحاول الادارة تصدير هذه المقولة فيما لو انسحبت من العراق ولم تقض على الزرقاوي او تنظيم القاعدة .
3- ان ترسيم هذه الشخصية واعطائها كل هذه القدرات والقابليات التي لا تتهيئ لمعظم اجهزة المخابرات العالمية الا لبعض الدول يعطي امكانية قوية لتعبيد الطريق نحو احتقان طائفي بغيض قد يوصل الامر الى الاحتراب الداخلي والفتنة بعد عرض التهديدات ضمن الخطة الزرقاوية المدعاة من تهجير الشيعة والضغط عليهم بكل الوسائل الممكنة لتهجيرهم من المناطق السنية ، وكذلك نقل الحرب الى داخل التجمعات الشيعية الكبيرة وتجنيبها المناطق السنية .
ويدحض هذا الامر قيام قوات الاحتلال في منطقة ابي غريب قبل مدة وبعد احداث سامراء بحث اهالي المنطقة من اجل استهداف الشيعة ، بقولهم ( على الشيعة ) والناقل من اهالي المنطقة ومن الطائفة السنية .
4- اشغال الحكومة العراقية المقبلة بمشاكل من هذا النحو وارباك عملها وقطع الفرصة امامها لتنظر ببقاء القوات المحتلة عندما يتعرض لها ( البرلمان ) الجمعية الوطنية ويطلب منها كما هو المتوقع ان تتخذ موقعاً محدداً وواضحاً من بقاء هذه القوات او جدولة بقائها ، وبالتالي سيضعها امام احدى عقبتين :
الاولى – عقبة الشعب الذي انتخبها ووثق بها اذا وافقت على بقاء هذه القوات .
الثانية – عقبة قوات الاحتلال بالتلويح امامها بالزرقاوي وامثاله وطلب الرحيل غير واقعي مع وجود ارهابيين ، كانت ولا زالت الادارة تخوض حرباً معهم .
5- خلق مبرر موضوعي لاقناع الرأي العام الامريكي ، والرسمي المعارض لسياسة البقاء داخل العراق بعد ان سقطت كل المبررات الاخرى ومنها انشاء قوات عراقية قادرة ومتميزة وارساء قواعد الديمقراطية وسقوط اكذوبة التفتيش عن اسلحة الدمار ومحاكمة رؤوس النظام السابق … مما يعطي حكومة بوش مجال للمناورة والدفاع عن صميم سياستها واهدافها في العراق خاصة والشرق الاوسط عامة .
وكل هذه الاستنتاجات ليست عصية على الفهم الرسمي والشعبي ولكنها عصية عن التصريح بها والتعرض لها بشجاعة وقوة .
وها هنا قد انطبق قولي السابق في بعض المقالات ، ( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) سورة غافر ) .
9 – ربيع2 – 1427هـ