فأخذتهم العزة بالإثم

 من خلال قراءتي ومطالعتي لما يجري في الساحة العالمية من احداث، وما فيها من قوى ، تأكد لدي ان ما يسمونه بالدول الكبرى غالباً ان لم يكن دائماً تتحرك وفق منظور القوة تعني الحق ، والضعف يعني الباطل او الخطأ ، كما وتبين انها في تعاملها مع الدول الاخرى الاقل شأناً من خلال عمليه غزو او احتلال ، بل حتى من خلال عملية دعم لبعض الانظمة المستبدة والظالمةبحق شعوبها ، تبين ان تتعامل في ضمن نطاقين .

      الأول – انها تقدم على خطوة كهذه ضمن مشروع معد سلفاً تريد اتمامه في الدولة المحتلة وتحاول بما تملكه من امكانيات اعلامية وسياسية وعسكرية اتمامه ، والاعداد لخلقه واقناع الاخرين به سواءً كانت شعوب البلدان المحتلة ام الشعوب الاخرى على حد سواء ، وهو يصطبغ بصبغة بناء البلد وتطويعه وفق مفاهيم القيم الغربية السائدة عندهم ، على ان يكون البناء خاضعاً لحساباتهم خاصة دون حسابات الشعوب والا يعتبر المشروع غير مكتمل وبحاجة الى تعديل .

      الثاني – انه في حالة فشل المشروع او عرقلته من قبل الشعب المحتل او عدم توافقه مع رغبتهم واهدافهم فان النتيجة ستكون تدمير هذا البلد تدميراً تاماً وبمختلف الوسائل والاساليب ، وقد نسمي هذا سياسة الارض المحروقة ، وقد اتبعتها بعض دول الاستكبار العالمي ونظام صدام المخلوع في انتفاضة شعبان عام 1991م .

      وهدفها اما تركيع الشعب ومعاقبته واما تعقيد الامر على من يفكر في تولي السلطة عليه ، ان يفكر الف مرة قبل ان يقدم على خطوة تولي السلطة او يقع في اسر طلب العون منهم فترجع الكرة لهم .

      الا ان الامرين يختلفان في جانب مهم مع اتفاقهم في التخريب للبلد هو ان الاول تخريب – تغريب – للقيم والاعراف والاخلاق بل وللدين احياناً ، محاولة منهم لصياغة الانسان في هذه الدول على وفق منظورهم الغربي وقيم مجتمعاتهم .

      والثاني تخريب مادي للحياة ومرافقها ومؤسسات الدول وابنيتها لخلق كم كبير من المشاكل المنتظرة ويبقى للشعب الخيار في الامرين ، على ان يعي ان التخريب الاول صعب الاصلاح ومعقد البناء بعد التطور الهائل في آلات الاعلام المعروفة الان ومدى تأثيرها على سلوك الشعوب وآدابها .

      والثاني ، سهل الاصلاح والاعمار ويتسهل اكثر اذا لوحظ انه يوفر مجالات استثمار وانعاش لكثير من الشركات العالمية واقتصاديات الدول الاخرى من خلال توفر فرص تعاقدية لهذه الشركات .

      ومن الشواهد على ذلك – الاحتلال الامريكي لفيتنام في نهاية الستينات من القرن الماضي ولم تستطع الولايات المتحدة من اتمام مشروعها ومبرر دخولها لذلك البلد فماذا كانت النتيجة – دمار شامل للبلد وارواح ازهقت قدرت باربعة ملايين شخص ، ودولة على ركام التدمير الهائل لكل ما هو فوق الارض .

      وكذا احتلالها للعراق في هذا الوقت بالذات ، وبعد سقوط كل الشعارات التي اقدمت بها من نشر الحرية والديمقراطية وبناء عراق مستقل آمن وقوي ، لم نجد الا الدمار والخراب وغياب الامن وشيوع الفوضى والاستبداد بالرأي لاجهزة الاعلام واحتكارها لخيار واحد ممثل بالجهة الرسمية ، واستشراد الفساد وانتهاب المال العام وكل ما هو سيء ومفسد .

      قد يقول قائل أياً كانت صفته ، محللاً أو صحفياً أو سياسياً ان ما تقوله لم يحصل في مثل اليابان والمانيا مع احتلالهما من قبل امريكا .

      فنقول – ان كلا البلدين دمرا تدميراً تاماً من الناحية المادية ، بعد خوضهما حرباً خاسرة مع امريكا وحلفائها لاجل السيطرة وبسط النفوذ .

      وتدميراً معنوياً لانصهارهما في الاطار الغربي بما يحمله من افكار وسلوكيات لا زالت محملة عليهم الى الان بما افقدهما هويتهما القومية ومواقفهما السياسية الخاصة وتراثهما الانساني والحضاري الخاص بهما وسيأتي اليوم الذي ستتمردان على النهج الامريكي بعد تنامي الشعور الوطني والهوية القومية ذات الخصوصية المختلفة عن النهج الامريكي.

      والذين يمثلون بهذين النموذجين ينقصهم الوعي وتخونهم الفطنة ، وان العنصر الاسلامي – العربي لا يتحمل قيم غربية عليه وان قبلها مؤقتاً لحسابات خاطئة ستكشف الايام زيفها وزوال بريقها ، وهي مشبعه بشعور التبعية المذل والاستتباع المخزي حتى في اتخاذ موقف يعزز قيمها العربية والاسلامية مع اقرب الدول منها عروبة واسلاماً.

      وعليك بادراك النتيجة ، وسلوك طريق الهداية ، والله من وراء القصد .

23- ج2 – 1427هـ