قبلاتُ أم لبنات

القبلة بل القبلات التي طبعها الرئيس العراقي على خدود الوزيرة الأمريكية – كونداليزارايس – هل هي تعبير عن ود مفعم بالامتنان للإدارة الأمريكية لما قامت به من إسقاط النظام العراقي السابق ووصول السيد طلباني إلى رئاسة الجمهورية العراقية ، هذا الامتنان قد تجاوز حدود التعبير المعمول بها والذي يصون الاعراف العامة الثابتة للبلد الذي يحكمه الرئيس العراقي والذي يستقبح هذه الفعلة بين غير المحارم ولو لم يستقبحها فانه يستهجن مثل هذا الفعل لانه يمثل تجاوزاً على اعراف الشعب وتقاليد البلد .

      ولست بحاجة الى ان اذكر القائد العراقي المنفتح بان هذا الفعل فيه مخالفة دستورية واضحة فقد نصت احدى فقرات الدستور الدائم انه لا يجوز تشريع فيه مخالفة لثوابت الاسلام او تقاليد البلد ، ومثل هذا الفعل الذي هو تشريع عملي من قبل الرئيس مخالف اكيداً لثوابت الإسلام الذي يحرم مصافحة المرأة الأجنبية فضلاً عن تقبيلها مضافاً الى حرمته العرفية في اطار ثوابت وتقاليد الشعب المسلم الذي يجب ان يراعي الرئيس قبل غيره هذه الثوابت بعد تعهده بالمحافظة على وحدة العراق وشعبه ومن الواضح ان هذه الوحدة تنطلق من المحافظة على ثوابت هذا البلد واعرافه وتعاليم دينه فاذا تم تجاوز هذه الاعراف فدعوى المحافظة على الوحدة في مهب الريح .

      وقد نسي او تناسى السيد الرئيس انه يمثل كل العراقيين بمختلف اطيافهم وقناعاتهم ولا يعني الممثلية الا المحافظة على تقاليد واعراف من يمثلهم وان لم يكن مقتنعاً بها ، فان قناعته كشخص شيء واحترامه للشعب الذي اختاره وانتخبه شيء اخر ولا يمكن ان يخلط بين الامرين .

      ولا ينقضي عجبي من ان البرلمان العراقي لم يحرك شفة في نقد هذا التصرف وتنبيه الرئيس العراقي على مثل هذه المخالفة الدستورية ، الشرعية ، العرفية الواضحة .

      والاكثر عجباً ان المؤسسة الدينية لم تنبس ببنت شفة لنقد هذه الفعلة  التي يراد لها ان تكون عرفاً جارياً لكل مسؤول عراقي وان كان بظاهره يمثل الاسلام .

      نأمل من السيد الرئيس ان يراعي ثوابت شعبه وقيمه واعرافه العامة واحكام دينه الحنيف ، بعيداً عن قناعاته الشخصية والتزاماته الفردية فانها من مختصاته وهو حر فيها وليس من حقنا نقده فيها ما دامت لم تلامس مشاعر الشعب وتقاليد ابنائه .

      او ان هذا التصرف هو تعبير صادق عن حبابية القيادة العراقية وامتثالها للقيم الامريكية التي ما انفكت الادارة الامريكية جاهدة في نشرها في بلدان الارض ، وافقت قيم شعوبها او خالفت المهم ان النموذج الامريكي يجب ان يكرس على ارض العراق وان يكون هذا البلد الممثل برئيسه قد حاز السبق في ميدان تحقيق النموذج الامريكي ، وان ادى ذلك الى التضحية بكل القيم الحضارية والاخلاقية والاجتماعية التي اعتز بها الشعب العراقي مئات السنين .

      ومن دون ان يبدي الشعب الممثل برئيسه اية ممانعة لهيمنة النموذج الامريكي وتكريسه على صعيد الحياة الاجتماعية العراقية ، وبالتالي فان كل اعمالنا وما قمنا به الى الان لم يكن وليد الدافع الذاتي للحرص على بناء البلد من خلال الانطلاق من قيمنا الحضارية وثقافتنا الاسلامية او القومية بقدر ما كان انطلاقاً من خلال النموذج الامريكي وقيم المجتمع الغربي الذي اختار العراق من بين الشعوب العربية الاسلامية ليكون نموذجاً لاختبار قدرته على التكيف في الواقع العراقي .

      وتبقى جهود كل الخيرين من ابناء هذا البلد ممن وقفوا بوجه التسلط الاجنبي قديماً وحديثاً مضحين بكل غالٍ ونفيس من اجل صيانة الهوية العراقية واللحمة الاجتماعية والقيمة الحضارية والاخلاقية مركونة في ارشيف التاريخ قد نبذها ابناء اليوم مخلفين آثارها وراء ظهورهم سعياً وراء النموذج الامريكي ، وسيكون حال هذا البلد المبتلى مصداق لقوله تعالى حكاية عن صاحب الجنة : ( فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ) سورة الكهف: 42

22 رمضان 1427