لا يعدم الصبور الظفر

 تملك كلمات المعصومين ( عليهم السلام ) خزيناً دلالياً كبيراً ومتشعباً فهي صالحة للاستشهاد في كل أوان وزمان فلا يحدها زمان ولا يقيدها مكان ، واذا سألت عن السبب الذي يجعل كلماتهم كل هذه الضخامة الدلالية المتجددة ، كان هو أنهم لا يتحدثون بحدودهم المكانية والزمانية بل تجاوزوها الى ازمنة متمادية في عمق المستقبل مع التقائها مضموناً مع الفطرة الانسانية الثابتة والحاجة النفسية الغروزة ، مما اعطى لكلماتهم سمواً وتفوقاً ألحت الاخرين الى الاستشهاد بها في مواضع عديدة كلما دعت الحاجة الى تدعيم وجهة نظرهم او تصويب ارائهم فهي الدستور الذي يستبطن الحقيقة ويسعى الى الخير والعدل والمساواة .

      ولقد تصفحت كلمة امير المؤمنين ( عليه السلام ) الخالدة ( لا يعدم الصبور الظفر وان طال به الزمن ) فوجدتها صادقة صدق اليقين ماثلة لكل ذي عينين ، فهي صادقة في الشؤون الشخصية للبشر وفي المجالات الاجتماعية لنشاطاتهم ، ولمساراتهم السياسية في حكومة بلدانهم .

      ومن شؤونهم الشخصية فقد وجدت ان ما من شخص صبر على عمل مارسه او مشروع ابتدأه او منهجية اتبعها الا نجح وفظفر في نهاية المطاف وبعد مدة من الزمان ، فصاحب المحل جرت اموره الى خير وتوسعت تجارته وازدادت ارباحه بعد ان كانت شحيحه في بداية عمله الى حد العدم او دونه في احيان عديدة ، ولكن ما ان صبر ظفر فصدقت المقولة وازدادت وثاقة .

      وممارس المقاولات الانشائية قد وصلت احواله الى شركات انشائية كبيرة واعمال وفيرة .

      ومن انتهج الخطابة عملاً فقد فاز شهرة وثروة ، وهكذا بشرطها وشروطها ، شرطها الصبر وشروطها الصمود والثبات والا سوف لن يصل الى الظفر الموعود ، وهكذا بامكانك ملاحظة مصاديقها في مجالات الحياة المتعددة .

      واذا اردنا ان نتعمق اكثر في فهم الكلمة ، فان الصبر يقوي الارادة ويزيد العزم والاصرار وهو مفتاح النجاح ، لان المصر يعزم دائماً على الظفر وان تعثر في محاولاته فليست كل التجارب تحظى بالنجاح بل قد تصاب بالفشل الذي لا يؤثر على عزم المصر للوصول الى الظفر ، واما اذا انتكس الفرد حالة الفشل واشعر نفسه الاحباط والفشل وتباطئ في اقدامه وتراجع في اصراره فقد اضاع الامل وقطع الصبر بالكسل .

      ولقد وجدت بعض امم الارض وشعوبها اذا اصرت وصبرت على مساعيها في الخير والوصول الى الاهداف ، وصلت لا محالة ولو بعد حين ، فالامة اليهودية مع كونها مشتتة في اصقاع الارض وبلدانها قد وصلت الى هدفها وظفرها حينما صبرت واصرت على انشاء وطن لها ، وها هي وصلت لما تريد ، ولكنها تخشى من تعاديهم او يعادونها بحق ، لانها غاصبة – عندما تشعر منهم الصبر والاصرار فهي تحاول جادة وتسعى عاتية لتكسير صبرهم وتمزيق اصرارهم ، ذلك ان تجربتها اخبرتها انه لا مستحيل مع الاصرار ولا نجاح الا مع الصبر والاستمرار ، فهي تخاف من يصر على تهديدها او يتهيأ لمواجهتا او يصرح ضدها او يقف في مواجهة معها لان هذه الامور مواطن للصبر الذي يأتي بالظفر .

      وكذا وجدنا ولمسنا نفس الشيء مع صبر بعض مراجع الدين واصرارهم على نيل اهدافهم والظفر برغباتهم عند صبرهم واستمرار صمودهم ، فمن السيد الخميني ( قده ) مؤسس جمهورية ايران الاسلامية الذي استطاع ان يؤكد ويترجم مقولته بان الاسلام له القدرة على الحكم وقد فعل الى الشهيد الصدر الاول الذي برهن على قدرة المرجعية الدينية ان تدافع عن نظام الاسلام امام انظمة العالم ، الى الشهيد الصدر الثاني الذي اعاد للاسلام بهجته وتفاعله مع البشر ، فحقق بصبره واصراره ما عجزت عنه قدرات امم من البشر .

      وقد قيل في الحكمة – الصمود يصنع النصر – ولا يبتعد الصمود كثيراً عن الصبر ، كما ان النصر هو الظفر ، وعليه فالكلمة مستوحاة من كلام الأمير المتقدم .

      ويمكن تطبيق هذا المبدأ حتى للامم التي تواجه اخطاراً وتهديدات ، كسوريا ، وايران وغيرهما من الدول فان شيئاً من الصبر وقليلاً من الصمود يصنع النصر ولا يعدم الظفر .

      والتراجع مخذله ومذلة وضعف ارادة وخور قوة واستقواءً للعدو ، واحياءً للظلم ، واستمراراً للجبن ، واستخفافاً بالنفس ، واستيراداً للحكم واستعداءً للعدل ، واسترزاقاً للغير ، واتباعاً للرأي ، واسترضاءً للشر ، واستنزالاً للقحط واستضاعة للثروة ، وانتهاباً للكرامة و …………………… .

      ويمكن تدعيم قيمة هذه الكلمة الخالدة بقوله تعالى (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) سورة النساء) .

      وقوله تعالى ( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) سورة البقرة ) .

      وقوله تعالى (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17) سورة لقمان) .

      وقوله تعالى ( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) سورة آل عمران ) .

      وقوله تعالى ( وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) سورة آل عمران ) .

      وغيرها كثير والله يحب المحسنين .

 

4 – ربيع2 – 1427هـ