ماذا يقصد ؟

تصريح وزير المالية بإن العراق ينوي الإقتراض من صندوق النقد الدولي مبلغاً قدره سبعة مليارت دولار لتغطية العجز بالميزانية ، بعد الهبوط الحاد لاسعار النفط  العالمية ، مما شكل تراجعاً حاداً لواردات النفط والموارد المالية التي يعتبر النفط المصدر الرئيس لها في العراق .

     وبغض النظر  عن توقيت هذا التصريح إذ ربما يكون توقيته في هذا الوقت بالذات لاعتبارات سياسية لا حاجة لعرض قرائتها وبيان مشهدها ، ولكنما نكتفي بتحليل هذا التصريح من وجه النظر الإقتصادية الصرفة .

     فإن الإقتراض من صندوق النقد الدولي لا يعني إلا ربط العراق بشروط وقيود هذا الصندوق الذي يدار من الدول العالمية والتي تدير عملية النقد والمال في العالم ، ومن الطبيعي فإن الإقتراض منها سيخضع لجملة إعتبارات أهمها ربط المقترض بقائمة من الشروط والقيود التي تسمح للصندوق بالتدخل والتلاعب في توجيه العملية الإقتصادية في البلد مما ينعكس سلباً على إداء الحكومة وإنجاز برامجها الإقتصادية ، وبالتبع السياسية ، وسيحدد حركة الحكومة بإتجاه الإنفاق الحكومي مما سيخلق أزمة حادة في البلد فيما بين الحكومة والشعب ، الذي إنتخبها وأوصلها الى رئاسة الحكومة ، وإستأمنها على تحقيق متطابات الحياة المعيشية المتعارفه ومنها مجانية التعليم ، والصحة ، والحماية الإجتماعية ، وزيادة  أسعار النفط مشتقاته كما حصل بالأعوام السابقة ورفع الإنفاق الحكومي على قطاعات إجتماعية كبيرة .

     وإذا كانت واردات النفط العراقية على ضوء الأسعار الحالية لا تفي بمتطلبات الموازنة العامة ، فأنه من الضروري أن يطلعنا المسؤولون الحكوميون على الواردات الضخمة للعراق في السنة السابقة حينما كان سعر النفط ثلاثة أضعاف سعره الحالي مما يعني فائضاً نقدياً كبيراً جداً ، قد حدده الوزير قبل ذلك بـ43 ملياراً ، بالإمكان أستخدام بعضه تدويراً لسد النقص الحاصل بالموازنة العامة الحكومية ، ومن ثم لا حاجة للإقتراض من المؤسسات المالية التي تعمل لمصالح الدول الكبرى ، على ما شهد تاريخ هذه المؤسسات .

    ثم أين مصادر الطاقة الأخرى الذي ينبغي على الحكومة تنشيطها لتساهم بشكل فاعل في الموارد المالية والتي أهم نصيب فيها السياحة الدينية وفي هذا الوقت بالذات ، ناهيك عن تنشيط الزراعة وإعادة روح الحياة لزراعة العراق وتنظيم السياسة المائية ، فتنشيط قطاعات صناعية أخرى لتشكل بديلاً عن الإستيراد الذي يستنزف موارد مالية ضخمة تثقل كاهل الميزانية العامة .. .

    ونحن الآن في السنة السادسة بعد سقوط النظام الدكتاتورية ، والمفروض أن البلد قد أستعاد جزءً كبيراً من عافيته وخصوصاً في إعادة اللحمة الوطنية ، وإعادة الأمن .

    وأن الحكومة مطالبة بمحاسبة المفسدين والسراق للمال العام ورفع الحصانة أياً كان منهم فأن المال العام لا يخضع لصلاحيات المسؤول الحكومي ولا الذي فوقه ، فأنه من ممتلكات عموم الشعب ، ومن حقه حصراً أن يعفو وأن كان ذلك فرضاً بعيداً .

     إن معالجة الإنفاق الحكومي دون معالجة الأسباب لهذا العجز الحكومي المالي أمر غير منطقي ولا يخدم البلد من الناحيتين الأقتصادية والسياسية ، وان الإستمرار في سياسة الإقتراض ، مع عدم المبرر لها ، ناهيك عن إستنزاف نسبة عالية من مصادر الدخل الوطني تذهب كرواتب للسلطات الثلاثة في البلد ، فقد قدرنا رواتب أعضاء مجلس النواب مع أعضاء الرئاسة ، ورئاسة الوزراء من دون ذكر  المستشارين الذين لايعرف عددهم بالضبط ، والوزراء مع وكلائهم ، بدون الإمتيازات الممنوحة لهم من مبالغ كبيرة لاعضاء المجلس لشراء قطع أراضي ، والسيارات الضخمة ، والإيفادات وغيرها فبلغت أكثر من ثلاث مليارات دولار ، ولو أضيف لها مبالغ قطع الأراضي ، والسيارات الفخمة ، وأعضاء مجالس المحافظات والمحافظين مع نوابهم ، هذا كله بإستثناء منطقة كردستان ، وهي دولة بداخل دولة . لبلغت المبالغ الى أكثر من خمسة مليارات دولار ، كان بالإمكان تقليلها الى النصف على أقل تقدير وتوفير ما يعادل  2,5 مليار دولار بدلاً من طلب الصدقة على أبواب صندوق النقد الدولي.

   ولو أضيف المحاسبة الجادة للمختلسين والمتلاعبين بالمال العام ، ربما يتوفر أكثر من عشرة مليارات دولار تضاف راجعةً الى الخزينة الوطنية .

   أن القفز على معالجة الأسباب الحقيقية للعجز ومحاولة علاجه من الإقتراض يزيد في المشاكل البلد ويؤخر تعافيه الى مدة طويلة لا يعلمها إلا الله . وبالتالي سيكون إندفاعنا للعلاج إرجاعاً للتراجع وتكريساً للمشاكل .