ما أشبه اليوم بالبارحة

   عندما اتذكر بعض مواقف النظام المقبور ومشاريعه الخدمية وغيرها يقفز الى ذهني ان ما من شيء أعلن عنه الا أتى بنتائج عكسية ، ربما تكون متعمدة وربما عفوية الا انها عكسية وهذا ما يهم التذكير به ، ما ان اعلنت وسائله الرسمية الاعلامية بان الحكومة تنوي او تدرس المشروع الفلاني ، فان الامور تأخذ بالسير خلاف هدف المشروع فاذا ما قررت مثلاً اعطاء تسعيرة محدودة لطبقة البيض وفرضت بعض القرارات الصارمة لتلزم المواطنين بالالتزام بالتسعيرة الجديدة ، ولكن السعر اخذ بالارتفاع واكثر ما يلفت هو ان ارتفاعه غالباً ما كان في فترات قلة الطلب على البيض اوقات الصيف الحارة مخالفاً في ذلك قاعدة العرض والطلب عند الاقتصاديين .

      وكذا لو اقر مجلس ما كان يسمى ( مجلس الثورة ) مرسوماً جمهورياً يقضي بانشاء شبكة طرق حديثة لتسهيل عملية النقل وتخفيف الزحام المروري ، فان النتيجة بالعكس تماماً فلا المشروع ينفذ ولا التخفيف يحصل وهكذا – يعرفها كل من تابع الشأن العراقي السابق .

      والنتيجة المستحصلة من هذه الصور الحياتية ، هي ان المراد الجدي للحكومة هو النتيجة الحاصلة لا النتيجة المقررة فكان لها ما تريد .

      فهل لهذه الحالة شبه في حالتنا الان ؟ لنأخذ الخطة الامنية – او الخطط الامنية المتتابعة تتابع الحكومات العراقية القصيرة المدى ، ابتداءً من حكومة مجلس الحكم وانتهاءً بالحكومة الحالية.

      فقد وجدتم ووجدنا ان الوضع الامني يزداد تدهوراً وتتعقد الامور صعوبة ويتبعثر الوضع انفلاتاً حتى يقترب من حافة الانفجار الذي يسبق الانهيار ولست بحاجة الى تدعيم هذه الفكرة بشواهد فان المنظر يخبرك بصدق عن حقيقة الوضع .

      فما ان تعلن الحكومة بما فيها الحالية – حكومة المالكي – عن خطة امنية لضبط الامن حتى تزداد العمليات الارهابية شراسة وقسوة فهي تمتد بشكل افقي وعمودي ، فمن انتشارها بمناطق جديدة لم تعهد اضطراباً امنياً وكانت بالامس القريب هادئة ومستقرة حتى اضحت مضطربة خطره ، ومن انتشارها عمودياً حتى وصلت الى المسؤولين في الحكومة واعضاء البرلمان .

      وهكذا ينسحب الامر عينه على معالجات الفساد الاداري حتى صرح رئيس النزاهة راضي الراضي بان الفساد الاداري و ( حواسم المال العام ) وصلت الى مديات عالية وصعبة شملت مسؤولين حكوميين تدفعهم حصانتهم الحكومية للتجاوز على الاموال العامة .

      فقد تشابهت حالة الامس مع حالة اليوم ، وصدقت مقولة ما اشبه اليوم بالبارحة فالاعلان هو الاعلان من حيث جهة صدوره حكومية ، والنتائج هي النتائج عكسية ، والمتضرر هو المتضرر – الشعب المستكين ، ويختفي المستفيد عنواناً ومعنوناً ، وان تفضلت عبرت – كما هي عند اهل المنطق – مفهوماً ومصداقاً .

      المفهوم – واضح – هو العدو – عدو الشعب العراقي أياً كان – أي – مهما كان مصداقه فان كان مصداقه سابقاً هو النظام السابق فلا يعقل ان يكون مصداقه هو الحكومة الحالية اذ لا يمكن ان تكون الحكومة المنتخبة من شعبها هي عدوه ذلك لانها لا تستفيد من عدائها للشعب بل هي من يستفيد من خدمتها له .

      ومن هذا المنطلق علينا ان نفتش من هو المستفيد من عدائه للشعب ، وعندنا محتملات نستعرضها لعلنا نصل الى اعلاها قيمة لنسمه العدو .

            اول المحتملات :- الاحتلال الظالم واستفادته بيّنة لان اثارة الوضع الامني وخلط الاوراق يجعله اللاعب الرئيسي في ترتيب طرفي المعادلة العراقية سياسياً بما يتوافق واهدافه التي اراد لها ان تتحقق من خلال خطوته هذه ، حيث تكون الحاجة ملزمة وقاضية ببقائه فترة اطول ولم يوجد لها من مبرر غير عدم قدرة القوات العراقية على ضبط الامن واستتباب الوضع كما تطبل لها ادارة الاحتلال ومع ديمومة الحاجة يبقى الى حين ترتيب اوضاع البلد بما يتوافق ومصالح الدول المحتلة وما لم تصل الى ما يتوافق ومصالحها فان بعثرة الامور جارية وانفلات الوضع مستمراً .

      ثاني المحتملات :- بقايا النظام السابق واستفادته لم تكن بذلك الوضح لان نظاماً كنظام صدام لم يعد له من مقبولية لا داخلياً ولا خارجياً ، وان فترة وجوده كنظام سياسي قد انتهت من غير رجعة وامكانية تفجير الاوضاع بهذا المستوى الخطير قد لا تسعها امكانية بقايا ذلك النظام .

      نعم قد يفعل هنا وهناك ما يثير القلق لتحقيق بعض المطالب الجزئية من قبيل رفع قانون اجتثاث البعث ، والعفو عن افراده ضمن مفردات المصالحة الوطنية ، وخلق وضع داخلي جديدقد يسمح لافراد البعث السابقين باعادة نشاطهم السياسي كما صرح بعض اعضاء البرلمان او غير ذلك من المكاسب .

      ولكنها مكاسب ترتبط بوضع الحكومة وبالتالي فان استهداف المواطنين لا يخدم مصالحهم فتبقى جهة كبيرة ُتستهدف لا تدخل في نطاق ما يستفاد منه .

      ثالث المحتملات :- التكفيريون – من المسلمين منحرفي العقيدة الذين يكفرون كل من يؤمن بمعتقداتهم ولا يتبنى سياساتهم ، ولا يمكن لهؤلاء استهداف كل الشعب او معظمه ممن لا يؤمن لهم بما يعتقدون ، ولا طاقة لهم على اثارة الوضع الامني بهذا المستوى المرعب ، نعم له دخل في المشاركة فيه ولكن استبعاده بهذا المستوى امر معقول .

      ومشاركتهم في بعثرة الوضع من ناحية ان ما يستهدفونه يخدم بشكل جلي قوات الاحتلال ممن تريد دق أسفين بين مكونات الشعب العراقي لاضاعة الحس الوطني العام وجعلهم يتشبثون بمفاهيم ضيقة لا يجنى منها الا تمزيق العراق وضياع هويته العربية والاسلامية بل والوطنية .

      وربما يكونون عاملاً رئيسياً واداة فعالة بيد قوات الاحتلال ، بل ان هناك غزلاً واضحاً بين الفريقين يتعهد الاحتلال باطلاق سراح من يلقى القبض منهم على يد قوات الامن العراقية ، وتوفير الحماية لهم من بعض المناطق بالحيلولة دون وصول افراد الامن العراقي بالقاء القبض عليهم ، بل اكثر من هذا بمشاركتهم بالكمائن التي يعملونها لقوات الشرطة والجيش كما حصل في التاجي لافراد الشرطة من النجف قبل فترة شهرين راح ضحيتها اكثر من ثمانين شخصاً ، والقصة معروفة .

      في مقابل تعهد التكفيريين بإذكاء نار الفتنة الطائفية والاصرار على استهداف طائفة وحماية اخرى وهذا ما يطبل له الاحتلال ، يتضح ذلك من خلال تصريح بعض عناصر التكفيريين من القاعدة كما يعلن عنها في وسائل الاعلام .

      الا ان هذه لا يمكن لها الاستمرار لان التكفيريين سيجدون انفسهم بعد حين في مواجهة قوات الاحتلال للقضاء عليهم .

        رابع المحتملات – دول الجوار – واستفادتها تقضي بخلق اوضاع سياسية جديدة ترتبط بشكل وآخر ببعض دول الجوار وتتوافق معها في خط سياستها العامة ، خصوصاً في القضايا الدولية ، وهذه الاستفادة قصيرة النظر لان اثارة الاوضاع والاضرار بالشعب المسكين .

      لاجل هذا الهدف يلجئ الشعب الى الوقوف ضد هذه المخططات والتوجهات وبالتالي ستجد هذه الدول نفسها ملزمة بالانسحاب ، اذا ما ظهرت للعالم اثار تدخلهم ومشاركتهم في اثارة الوضع واحداث بلبلة فيه .

      كما ان خلق نفوذ لها بأية آلية قد يقلق اطرافاً اخرى ستعمل بالضد منها ، الامر الذي يجعلها في صف الخاسرين ضمن نطاق المصالح الدائمة للغة السياسة .

      ومن خلال هذا العرض الستعجل والسريع نرى ان الاحتلال هو من يقف خلف كل هذه المظالم والمآسي للشعب العرقي ، وهو من يقيد الحكومة لحسم الموقف وانهاء الازمة وهو من يعجّز قواتها الامنية في السيطرة على الوضع بمنع تسليحها بالشكل اللائق للوصول الى الامن والاسقرار ، مما يفهم منه بقاء الحاجة الى قوات الاحتلال كما قدمناها في المحتمل الاول