يجد المتابع للشأن العراقي وفعاليات تشكيل الحكومة ودوائرها ومؤسساتها يجد أعادة الهيكلية الوظيفية لهذه الدوائر تقع ضمن حسابات الانتماء للكيان أو الفئة أو العرق بحيث تؤَسس على نمط جديد يجعل الانتماء للكيان هو الأساس وأما الانتماء الى الوطن والاحتكام الى الكفاءة بل والنزاهة فلا، وليس هذا أمراً تصورياً إختراعياً بل هو واقع يحسه ويلمسه جميع العراقيين فما أن تذهب الى الوزارة الفلانية أو المؤسسة الكذائية، فستفاجىء بان كادرها لا يضم إلا من الكيان السياسي التي كانت الوزارة من حصته، وكأن المسألة من مختصاته ولا تمثل هيكلية دولة قائمة لا ثبات فيها لكادر ولا بقاء فيها لعنصر وإذا كانت هي اليوم من حصة العنوان الكذائي فهي غداً ستكون لغيره غالباً، وسيسعى هذا الغير الى برمجة كادرها على مقاييس ما يراه مناسباً ضمن الانتماء الذي يدين به، وسوف نجد أن كل أو جل الكادر يتبدل بعد أن يصل السابق الى الحد الأدنى من الخبرة المطلوبة والمكتسبة من خلال ممارسته للعمل ـ والحال عينه سينطبق على الجديد لجديدٍ ثالث وهكذا دواليك ـ وسنصل الى النتيجة التي مفادها البيت الشعري: ـ
متى يكمل البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
وستكون دوائر الدولة مجرد هياكل لا بنية قائمة لا حياة فيها ولا نشاط لان أفراد الكادر سيضعون تنحيهم عن مناصبهم في نهاية الجولة وسيسعون الى تقديم المصلحة الشخصية على مصلحة البلد وسيتجاوزون بالتأكيد ـ إلا من عصم الله ـ على ممتلكات الدولة ومواردها بحجة ضمان مستقبلهم…..
والأسوأ من هذا إن المتقدم المسكين لطلب التعيين عليه أن يقدم مستمسكات الانتماء الى تشكيلة الكيان السياسي الحائز على هذه الوزارة أو المؤسسة مما يعني تسييساً لدوائر الدولة ومؤسساتها، وهو عين ما فعله النظام المقبور من طلب شهادة حسن السيرة والسلوك والانتماء الى حزب البعث لتعزيز الثقة وزيادة الاطمئنان بالتوظيف.
وقد نسي أصحاب السيادة الآن شعاراتهم التي رفعوها بان العراق وطن الجميع بلا مائز أو تفريق وما رفضوه بالأمس وقعوا فيه اليوم، (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)، وينطبق عليهم المثل القائل (كالمستجير من الرمضاء بالنار) لان تقسيم الوزارات والمؤسسات على الكتل السياسية هو لعب بالنار، نار تقسيم البلد وتجزئته وعرقلة عمل مؤسساته. وما كانت هذه العرقلة ولا الأشراف على التجزئة والمحاصصة عند الاحتكام الى الحزب الواحد سوى قتل روح الإبداع والتطور.
وإذا تصفحت القرآن المجيد وجدته ينطق بالحق ويرسم لنا صورة الواقع الحالي ببيان بليغ وأدب رفيع وكلام منيع، قال الله تعالى (( كلما دخلت أمة لعنت أختها)).
ولا نرجو إلا أن الصورة التي كنا نرسمها لمن اعتلوا مناصب في الدولة صور الأشخاص والأحزاب التي نذرت نفسها لخدمت الوطن والدين أن تبقى ماثلة في أذهاننا ومتفاعلة مع مشاكلنا ذلك لأننا أخلصنا لهم الود والاحترام فليخلصوا لنا الود والاحترام بإبقاء الصورة نفسها والحيلولة دون تبدلها الى صور لا نعرف مسمياتها إلا ذكريات كنا نأمل أن لا تزول وراء زحمة التدافعات على المصالح وتحصيل المواقع.