مفاهيم حسينية – مفهوم الذكر – الحلقة الثانية
بقلم المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله )
ومن هنا نفهم أهمية تأكيد المعصومين (عليهم السلام) على ذكرهم وذكر مصابهم والترغيب فيه بمثل ما ذكرته الروايات من الثواب الجزيل والأجر العظيم.
إذن التأكيد على ذكرهم وعدم الغفلة عنهم أو النسيان لهم كان أجراءً شرعياً من قبل المعصومين لكل محاولات امحاء ذكرهم ونسيان أمرهم التي ابتدأت من زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) والى الآن كما هو الشاهد في حياتنا المعاصرة من محاولات التقليل من شأنهم أو مساواتهم بغيرهم أو تغييب دورهم في حياة المسلمين أو غيرها من المحاولات فجاء تأكيد الأئمة وتكرارهم على ذكرهم في مقابل هذه المحاولات هذا من جانب.
ومن جانب آخر إن ذكرهم، يعني استحضار صورتهم أو الحفاظ عليها وهذا المعنى يعطي ان استحضارهم في ذهن المسلم هو نحو حضور لهم في ساحته النفسية ومشاعره الوجدانية، وكأنه يعيش عصرهم ويستفيد من بركات وجودهم، ولما لم يسعفه الزمن حيث جاء به في زمان غير زمانهم بعد رحيل صورهم من هذه الدنيا، كان الاستحضار لصورهم أو الحفظ لها في مشاعرهم هو ما يعزز فيهم عامل الإيمان وعناصره ويقوي ذلك عندهم باعتبارهم ذكر له كي لا يغفل أو لا ينسى ما يذكرونه به وهو الله سبحانه فيبقى على ذكر لهم الذي يعني ذكر الله سبحانه.
وبعبارة: بقاء الرابطة الإيمانية بين المسلم وبينهم من خلال استحضار صورهم وحفظ مواقعهم في نفس المسلم كل ذلك من خلال ذكرهم أو التذكير بهم أو التذاكر لمواقفهم وضرورة الارتباط بهم وقد قال أهل اللغة على ما تقدم بأن الذكر هو وسيلة الارتباط وعلامته الغفلة عما سواه بل ونسيانه، فإذا ما أكد الذكر أو ذكرهم عند الموالين كان ذلك غفلة ونسياناً لغيرهم، فلا يبقى لغيرهم من اعتبار واستحضار إلا من جهة ترابط الأحداث وتداخلها بحيث يمر ذكرهم على غيرهم، وبهذا – أي بالغفلة والنسيان عما سواهم – يتحقق ما تنبأت به الحوراء من عدم بلوغ يزيد أمرهم ولو على مستوى الذكر واستحضار الصورة، فأنه أتفه من أن يذكر عند الموالين، وإذا ما ذكر لترابط الأحداث وتأثيراتها كان ذلك للعن والاستنكار على ما فعله بالذرية الطاهرة.
ومن جانب ثالث: إن ذكرهم (صلوات الله عليهم) وبالخصوص مظلومياتهم وبالأخص مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) وبيان ما لاقاه من القسوة والاضطهاد والتنكيل والتقتيل بمثل المشاهد التي حصلت في واقعة الطف، يكون مدعاة للتعاطف معهم واستمالة لأفئدة الخلق إليهم وذلك يدفع الإنسان الى طلب معرفتهم للوقوف على تلك الفجائع والمظالم ومن ثم التعرف على مكانتهم وعظيم خطرهم والتعرف على أسباب التنكيل بهم وتقتيلهم وما أرتكب في حقهم من أعمال وحشية لا تدع الإنسان أياً كان إلا ان يتعاطف معهم ويبكي لما حصل لهم من غيرهم، والتذكير بهم بهذا النحو يدفع الإنسان الى التحري عن حقيقة دعواهم وصدقية مسعاهم، وبذلك تتعزز مواقعهم في نفوس الخلق، وهذا بالضبط ما نشاهده في شعيرة الزيارة الأربعينية من استمالة الناس الى السعي بالمشاركة بهذه التظاهرة العالمية ونيل شرف المساهمة فيها بعد ان تدفعهم غريزة معرفة هذا الشخص الذي جمع كل هذه الملايين وما يمثله في المنظومة الإسلامية من قيادة استحقت كل هذا الاهتمام مع تمادي الأزمنة وتباعد الأوقات وبهذا العدد من البشر على اختلاف جنسياتهم وقومياتهم.
إذن التذكير بهم مدعاة للتعاطف معهم والتعرف عليهم حتى يبقى الإسلام ببقاء ذكراهم وتصدق أيضاً مقولة الحوراء المتقدمة