اجتمعت في يوم واحد من التاريخ العراقي الحاضر ثلاث مناسبات مع اختلافها في أسباب نشوئها والغاية من بقائها ، ومقدار تفاعل المجتمع معها ، ولكن اختلافها لا يمنع ولا يشكل عائقاً منطقياً في عدم اجتماعها وربما كان الاجتماع هو الاصوب في نظر العقل والعقلاء والعرف والنبلاء – اقصد نبلاء القيم والأخلاق – .
وها هي المناسبات الثلاثة : أربعينية الإمام الحسين عليه السلام u ) وتمثل اكبر زيارة لمحبي أهل البيت عليه السلام عليهم السلام ) لمرقد سبط رسول الله عليه السلام صلى الله عليه واله ) الحسين عليه السلام u ) الشهيد ، قتيل العبرات .
والمشهد الجماهيري في هذه الزيارة بالذات لم تألفه الشيعة منذ زمان بل لم تألفه شعوب الأرض في أقدس مناسباتها ، والسبب الوحيد لهذا الاستقطاب الجماهيري المنقطع النظير هو صاحب الذكرى الإمام الحسين عليه السلام u ) الذي ترجم التاريخ الإنساني بكل مفاصله وأطواره ، صراعاً بين الحق والعدل والخير والإحسان و ….. وبين الباطل والظلم والشر والاعتداء و ….. فاستولى على القلوب وألهب العواطف والصدور لوعة على مقتله فكانت ذكرى تتجدد كل حين تجدداً تزداد فيه سمواً وسعةً .
فهل كان إحياؤها على المستوى المطلوب والمنتج .. كلا بصراحة وبدون تردد اذ لم ترفع شعارات تدلل على الاهداف الحسينية والغايات الشرعية التي من اجلها طالبت الشريعة احياءها ، وعلى اقل التقادير برفع شعار دفع الاحتلال وادانة الارهاب ، ونصرة الامام الهادي والعسكري عليه السلام عليهما السلام ) وحث الموالين على التعجيل باعمارهما او ارسال رسالة واضحة للحكومة للتعجيل بذلك فهذه قضيا ملحة كانت .
المناسبة ظرفاً مناسباً لتفعيلها وتحريكها والا لم تحصل فرصة اخرى مواتية لها .
والشيء الغريب ، ولا شيء غريب في هذا الزمان البائس هو ان الجهات الدينية او الرسمية المؤثرة في دائرة القرار الشعبي لم توجه الجماهير بهذا الاتجاه ولم تحثهم عليها ، واقتصر اثرها على مجرد احياء الذكرى لذاتها .
ربما لتعقيد الامور وبعثرتها كانت هي السبب في عدم التوجيه الشعبي ، ومع صحة هذه القراءة للواقع العراقي وان تحريكاً بهذا الاتجاه سوف يزيد في الطين بله ، فان رفع شعارات مطالبة الاحتلال وقواتها بالالتزام بالاعراف والقوانين الدولية واحترام ارواح الناس وممتلكاتهم وحماية مصالحهم ومحاسبة المتجاوز وتحريك القضية عبر الامم المتحدة ومجلس الامن لايقاف كثير من الارتكابات الاحتلالية وشيوعها القتل للابرياء بلا مبرر وبدم بارد واعلام العالم ما ترتكبه هذه القوات بحق الشعب امر ضروري ومطلوب ويعبر عن اتزان في التصرف وحكمة في الفعل كما يحلو للبعض التعبير .
اختلفت الاقوال في قذيفة استهدفت القبة المذهبة الحسينية في يوم الاثنين المصادف 19 صفر او عليه السلام 20 ) صفر ، فمن قائل بانها قذيفة هاون ساعد على اطلاقها بعض العملاء ممن اعطوا الاحداثيات لبعض الارهابيين ، ومن قائل بانها قذيفة صاروخية اطلقت من الجو من خلال طائرات الهالكوبتر الامريكية والتي كانت تتحرك على جانبي الطريق العام ذهاباً وأياباً ، فقد رصد احد المشاة المؤمنين الطائرتين حال اطلاقهما صاروخين ، وفي نفس الوقت الذي اعلن عند اذاعة خبر الانفجار والصحيح هو الثاني قطعاً وان كان الاول لا يخلو من صحة .
والسؤال المطروح في هذه الذكرى التي اسس لها المعصومون عليه السلام عليهم السلام ) وحثوا شيعتهم على احيائها مهما كانت الصعاب وغلّت التضحيات – هو ان هذه الممارسة الشعائرية تؤدى لذاتها او لما وراءها وهو مما اراده المعصومون عليه السلام عليهم السلام ) .
الذي اراه انها تؤدى لذاتها من دون تفاعل جماهيري مع ما ورائها وهو الاهداف والغايات التي اريد ان تتحقق في خضم هذه الممارسة العبادية .
فعندما نتعاطف مع الحسين عليه السلام u ) على اساس عاطفي صرف شيء وعندما نتعاطف معه على اساس عقائدي وحركي واصلاحي وتغييري وثوري شيء اخر ، والذي اراده الشارع هو الثاني قطعاً جاعلاً الاول مقدمة اقناعية للثاني واستمالة تلبية وعاطفية له باعتبار سعة تأثير العاطفة وشمولية أثرها لكافة مستويات الناس .
ولكن هل طبقنا المراد ام اكتفينا بالاعتياد ، وما حصل الثاني متناسين المناسبة الثانية وهي – احتلال العراق من قبل القوى الغربية ومن يكابر في التسمية ويحبذ جعلها تحرير او مساعدة فيكذبه واقع الحال وصدق المفهوم من الوجهة السياسية فليرجع لقاموس المصطلحات السياسية .
وهي مناسبة تأبى عقول البشر قبل قلوبهم قبولها او السكوت عنها والأَمَر الرضوخ اليها كحالة انقاذية لفترة سوداء وكأن القدر لشعب كالعراق ان يبدل الاسوأ بالاسوأ والظالم بالمستبد .
واذا اختلطت الاوراق وضاعت مفردات السياسية واستحكم الاعلام بتغيير الرأي ونسيان الواقع فان ذكرى الاربعينية لا تعرف الخلط والنقر بمفردات السياسة وعندها الباطل باطل والظلم هو الظلم ، نفس الظلم الذي وقف بوجهه الامام عليه السلام u ) وقدم كل تلك التضحيات التي يقف العالم اليوم وفي كل يوم اجلالاً واكباراً لها من اجل قيم انسانية نبيلة واخرى مرفوضة – صدع بها جهاراً – هيهات منا الذلة – واي ذلة اعظم من احتلال البلد ومصادرة حريته وارادته .
لقد قطعنا وتين المناسبة الاربعينية عندما تناسينا معبريتها عن رفض كل ما هو ظلم واعظم الظلم الاستبداد والاحتلال .
ولو تذكرنا الاثنين لأحرزنا الامرين ، التعاطف وهو المقدمة والتفاعل وهو النتيجة ولأصبحنا انصار الحسين عليه السلام u ) وممثلين نهج الحسين عليه السلام u ) .
واما وقد نسينا التفاعل وبكينا للتعاطف ، فلست ادري اعلى الحسين عليه السلام u ) بكينا او على انفسنا وسوء تقديرنا اقمنا تعازينا .
وبالامتزاج سنحقق احياء المناسبة الثالثة وهي عيد نوروز والذي يعتبر عيداً للعراقيين جميعاً وان اختص بالاكراد منهم ، عيداً اذا شعرنا بأهمية موقفنا وجدارة مولاتنا للامام الحسين عليه السلام u ) عندما نكون على الخط الصحيح الذي رسمه الامام عليه السلام u ) لمحبيه ومواليه من بعده وغاية سرور الانسان يحصل اذا ادى ما عليه من واجب النصرة وحق الطاعة وجاهد في سبيل ما خطط له الحسين عليه السلام u ) لتبقى كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى .
وحيث قصرنا فلم يحتفل بهذه المناسبة – كعيد – كما ينبغي للاعياد ان يحتفل بها لان العيد يعني الجائزة التي يكسبها الفرد عندما يحقق نصراً على الظلم ظلم نفسه الامارة او ظلم شيطانه المريد الذي يريد اغوائه او ظلم الطواغيت التي تريد استعباده وامتصاص خيراته ومصادرة كرامته واللعب بمصيره وتحطيم ارادته وقتل حريته واستلاب استقلاله وضياع دينه وهو ما ضحى من اجله الحسين عليه السلام u ) .