الإمام الكاظم-موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) -الإمام السابع من أئمة الهدى(عليهم السلام).ولد في السابع من صفر عام 128هجرية في منطقة تسمى الأبواء وهو مكان ما بين مكة والمدينة وفيه قبر آمنة بنت وهب أم النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) ولعل الإمام الكاظم هو ثالث أولاد الإمام الصادق أو رابعهم وأكبرهم عبد الله الأفطح وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يكنى به .بقي مع أبيه ما يقارب العشرين عاماً أدرك عهد الأمويين في حالة الإحتضار وهو طفل صغير وشاهد وفود العلماء وطلاب العلم من جميع الأمصار قد إزدحموا على أبيه في المدينة بقي الإمام مع أبيه عشرين عاماً خمسة منها في عهد الأمويين وأربع سنوات ونصف في عهد عبد الله بن محمد الملقب بالسفاح وتسع سنين وأشهر في ملك المنصور الدوانيقي حيث كانت شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) .وعاش بعد أبيه خمسة وثلاثين عاماً مدة إمامته قضى منها مع المنصور عشراً ومع ولده محمد الملقب بالمهدي عشر سنين ، ومع ولده موسى الهادي سنة واحدة ومع أخيه هارون الرشيد نحو خمسة عشر عاماً كانت وفاته بالسم في حبسه بواسطة السندي بن شاهك آمير السجن خلال شهر رجب من سنة 183 للهجرة على المشهور بين الرواة إشتهر الإمام بلقب الكاظم ، وكان يلقب آنذاك بالصالح والصابر والأمين ويعرف بالعبد الصالح وسمي الكاظم لأنه كظم الغيظ وصبر على الأذى وقيل أنه سمي بذلك لأنه كان إذا بلغه عن أحد سوء بعث إليه بمال يغنيه.
وقفة مع حياة الإمام موسى الكاظم عليه السلام
التأمل في حياة المعصومين عموماً يرشد إلى أنهم صلوات الله وسلامه عليهم قد أعطوا الحياة صورها المتعددة فيما هو السلوك الصحيح والتصرف المستقيم فكانت حياتهم المباركة إنعكاساً واضحاً لأفضل صور التصرف في مواجهة الأحداث المختلفة والظروف المتبانية وقد غطت هذه التصرفات كلما يكون مرشداً للإنسان نحو التصرف الصحيح في الظروف المختلفة حتى غدت هذه التصرفات مجموع حياتهم الباركة تبياناً لكل شيء بإعتبار كونهم عدل الكتاب الكريم الذي هو تبيان لكل شيء .وإذا كانت حياتهم بكل حركاتها وأقوالها وأفعالها تبياناً لكل شيء فهم المرجع في الأمور والأسوة والقدوة فيما هو الصحيح من المواجهة للأحداث والظروف الحياتية المتباينة بحيث يأخذ الإنسان منها ما يعزز موقفه في أحيان المواجهة والصمود وما يسدد خطاه في إختيار الفعل المناسب وما يقوي موقعه في إنتقاء الصواب من الرأي والإسترشاد إلى الصحيح من القول.
وقد ساعدت ظروف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يكون التمثيل العملي لإسوته وقدوته على آتم صورتها فكان صورة واضحة لتمثيل الأخلاق والسلوكيات والإلتزاميات العرفية والمواقف السياسية والقيادية، صورة لا تعادله صورة لا يختلف عليها إثنان من المسلمين فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) أسوة وقدوة لجميع المسلمين قال تعالى ) ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر( فقد أعطى الحياة قيمتها الحقة ومثلها الرائع، وقد سار المعصومون (عليهم السلام) على نهجه وطريقته في الحياة إلا أن ظروفهم كانت مختلفة مع ظروفه مما إستلزم أن يكون تمثيلهم للإسوة والقدوة بالنسبة إلى صور الحياة المختلفة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مقيداً بظروفهم الخاصة ، فمثلاً لم تسعف ظروف أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشروع بتربية الأمة وتحصينها وفق مبادئ الشرع القويم نظراً لإنشغاله بالحروب الداخلية مع الناكثين والقاسطين والمارقين والتي أخذت كل وقت خلافته تقريباً على ما هو واضح من النقل التاريخي لسيرته المباركة ، فهو (سلام الله عليه) لم يستطع تمثيل هذا الجانب من الحياة عملياً وإن مثله بخطبه وكلماته ، فكان يملك السلطة كما كان الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنه لم يكن مبسوط اليد على جميع شؤون البلاد لتمرد الكثيرين عليه بينما لم يكن الرسول (صلى الله عليه وآله) قد واجه تمرداً بعد إستتباب الأمر له وبسط يده على بلاد المسلمين .
والإمام الحسن(عليه السلام) مع إستلامه للسلطة المتمثلة بالخلافة لكنه لم يستطع أن يمثل الدور في صورة الخليفة المطاع لتمرد الجميع إلا ثلة من المخلصين عليه وهكذا لو إستعرضنا حياة المعصومين (عليهم السلام) .
والحديث عن الإمام الكاظم (عليه السلام) له طابع خاص لما مثلته حياة الإمام المباركة بكل فصولها من أهمية عظيمة لإعطاء قيمة واضحة للتضحية والتصدي للطغاة والظلمة ولقوة التأثير على المحبين والموالين وسرعة إستجابتهم لتعاليم الإمام (عليه السلام)وإطاعتهم المطلقة له بعد حملة المطاردة والمراقبة الشديدتين للإمام وإحصائها بشكل دقيق مما حدى بالإمام أن يبتعد عن الطبقات الشعبية إلا للخُلصّ منهم، وقد تربت الأمة من محبي أهل البيت على طريقة حفظ السر وكتمان أخبار المعصوم (عليه السلام) عن السلطة لما يمثله من خطورة على مواقعها ومصالحها في إستغلال جهل الناس في فرض سيطرتها عليهم والقيام بأعمالها من دون معارض أو ممانع والإمام بهذا قد هيء الأمة بشكل تدريجي لتقبل فكرة غياب الإمام(عليه السلام) عنها والإتصال بها عبر قنوات ضيقة من الأفراد الخُلصّ الذين لا يوشون بالإمام والتدليل على مكانه مهما إقتضى الأمر من تضحية وصمود وتحمل للألم والعذاب.
وفي حياة الإمام عدة محطات للتوقف عندها والإستفادة منها في حياتنا كموالين لأهل البيت (عليهم السلام) …أذكر منها إثنين فقط:
المحطة الأولى:- طريقة نجاتهه من بطش المنصور العباسي بطريقة ذكية للإمام الصادق (عليه السلام) حينما بعث المنصور لواليه على المدينة بعد إستشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) أن أقتل وصي جعفر بن محمد فما كان من الإمام(عليه السلام) إلا أن كتب في وصيته –أنه أوصى لخمسة-منهم المنصور وواليه وزوجته حميدة أم الإمام الكاظم (عليه السلام) والإمام الكاظم (عليه السلام) وولده الآخر عبد الله وما إن أرسل الوالي للخليفة بأنه أوصى لخمسة قال المنصور –ما إلى قتل هؤلاء من سبيل- وبهذه الطريقة نجى الإمام (عليه السلام) من القتل الذي أضمره المنصور للإمام(عليه السلام) ويمكن أن نتسفيد منها إستفادات أذكر منها:-
1.نجاح الإمام الصادق (عليه السلام) في إنجاء ولده الكاظم بهذه الطريق المسماة (بالإيهام الإثباتي) أي يوهم الآخر و هو هنا المنصور بأن الوصي إما الكاظم أو هو أو غيرهما وما دام لم يتعين بالخصوص فلا مجال لقتله إذ كما يحتمل أن يكون الكاظم هو الوصي يحتمل أن يكون المنصور وهو لا يقتل نفسه بطبيعة الحال ولا يسوغ له قتل غيره لأنه من الترجيح بلا مرجح لايُعذر فيما لو أقدم إلى قتل أحدهم.
2.انتقاد الإمام (عليه السلام) للمنصور وظلمه بحيث جعله من ضمن من نوى قتلهم وكأنه يقول له أنت أحق بالقتل ممن نويت قتله وبذلك طبق الإمام (عليه السلام) –أفضل الطاعات والقربات وهي كلمة حق أمام سلطان جائر وأقصد هنا الإمام الصادق (عليه السلام) لا الكاظم مع إن الكاظم قد طبقها أمام الرشيد العباسي في مناسبات عديدة مذكورة في كتب السير والتاريخ.
3.إن الإمام (عليه السلام) قد أعطى المنصور ما يبتغيه لنفسه وإنه موضع إهتمام وإحترام الإمام (عليه السلام) ليخفف من تشنجه وغضبه بإتجاه الإمام أو وصيه الحقيقي الذي خفي أمره على المنصور فكان إدراجه كأحد الأوصياء معززاً لغرور المنصور وأنه محل لثقة الإمام الذي تحترمه كل الأمة بلا إستثناء ، والطغاة دائماً يرتاحون لكلمات الإطراء والمديح من الآخرين وخصوصاً من أهل الجاه والشهرة ممن يمثلون الخط المعارض لهم.
4.أنها طريقة ذكية لتعليم الموالين طرق التخلص من بطش الحكام الظلمة وإدانتهم أو إهدائهم إلى ما يطلبون بعد تعميم الأمر وتوسعة دائرة الطلب على أكثر من فرد منهم من لم يكن بالإمكان إدانتهم والتخلص منهم لكونهم من الملأ المستكبرين أو أعوان الظالمين ، ومن أمثلته قول المتهم أن معه شخص إسمه قاسم ومن أعوان الظلم من أسمه قاسم وآخرين منهم المطلوب وهناك إستفادات آخرى .هذا كله بالنسبة إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وأما بالنسبة إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) فنفهم منها:
أولاً:أنه مطلوب من قبل الخلافة العباسية قبل أن يباشر عمله كإمام للأمة ويمارسها إجتماعياً لإنتقائه بشيعته ومحبيه وإعطائه التوجيهات اللازمة التي تقوي علاقتهم بالإمام (عليه السلام) وتربيهم على طريقة خاصة في التعالم معه ومع السلطات ولم يصدر من الإمام بعد ما يثير هذه السلطات أو يحسسها بموقع وأهمية الإمام (عليه السلام) وهو في هذه الحالة يشبه إلى حد ما حفيده الإمام المهدي (عج) حينما طُلب بشدة من قبل الخلافة العباسية بعد وفاة أبيه الحسن العسكري (عليه السلام) مباشراً .
ثانياً:أن هذا يستدعي مزيداً من الحرص والحذر من قبل الإمام (عليه السلام) في تعامله مع الناس وإشارته إلى نفسه بأنه هو ولي الأمر بعد أبيه الإمام الصادق (عليه السلام) حتى بلغ من الأمر أن يخفي إسمه صراحةً على معظم الموالين إلا القلة ممن يتوسم بهم المحافظة على السر وعدم البوح به ولو للموالين للإمام وقد إستدعى الأمر أن لا يصرح بإسم الإمام الكاظم صرحةً فقد سمي بالعبد الصالح والأمين والصالح والصابر لأجل إخفاء إسمه صراحةً وهو بهذا يشبه إلى حد ما حفيده الإمام المهدي(عج) بأن يُطلب من الموالين إخفاء إسمه وعدم جواز البوح به لأنه السيف كما تذكر بعض المرويات .
ثالثاً:إن الإمام (عليه السلام) بعد تسلمه الإمامة لم يكن بإستطاعته توسيع عمله الإجتماعي والإتصال بالطبقات الشعبية الموالية فأخذ في شطر كبير في حياته أن يلازم البيت ولا يتصل بأحد إلا نادراً مما جعل الخلافة العباسية تغض النظر عنه وإن كانت تحتمل إمامته لأنه لم يباشر العمل الإحتماعي ويستقطب الناس حوله بشكل واضح يشكل خطراً على الخلافة مما مكنه من أن يعيش فترة المنصور الدوانيقي المتبقية بعد وفاة أبيه وهي بحدود العشر سنوات بالرغم من قساوة المنصور العباسي إلى درجةٍ لم يلحقه أحدٌ من الخلفاء العباسيين ومن أكثر الأمور دلالةً على سوء سريرته و حقده على أهل البيت العلوي حديث الخزانة التي سلم مفاتيحها إلى زوجة إبنه المهدي وأوصاها بأن لا تفتحها إلا بعد وفاته وبحضور خليفته . وفي الخزانة أكثر من مئة قتيل من العلويين وإلى جانب كل واحد منهم رقعة بإسمه ونسبه ولم تكن تعلم بذلك لا هي ولا زوجها ولا أحد من الناس وظنت أنه يوصيها ويؤكد عليها بالكتمان إلا لأن فيها من الأموال والمجوهرات والتحف ما لا يقدر بثمن قال: ناقل الخبر ولم أجد تفسيراً للإحتفاظ بتلك الجثث وتسليمها إلى خليفته في الساعات الأوائل من إستيلائه على السلطة إلا أنه أراد أن يشجعه على إختيار إسلوب العنف والقسوة على العلويين وكل من يشكل بنظرهم خطراً على عروشهم ووجودهم إنتهى ماذكره السيد هاشم معروف الحسني.
المحطة الثانية:-الملاحظ أن في زيارة الشيعة للإمام الكاظم في ذكرى إستشهاده تواجداً أكبر بكثير من زيارتهم للإمام الجواد (عليهما السلام) بنفس الذكرى ، مع إن كلاهما إمام معصوم مفترض الطاعة ولا فرق بين طاعة أحدهما عن الآخر، والواجب الإعتقاد بإمامة كل إمام من الأئمة الإثني عشر كما هو أحد الإصول العقائدية عندهم بحيث لا يكون إمامياً من لم يعتقد بما نقص عن هذا العدد كما لو لم يعتقد بإمامة التسعة من أبناء الحسين (عليه السلام) أو لم يعتقد بإمامة الإمام المهدي (عليه السلام) فالمطلوب هو الإعتقاد والإيمان بإمامة كل واحد منهم (عليهم السلام) ومنهم الكاظم والجواد (عليهما السلام) ونفس الشيء تجده بزيارة سامراء للإمام الهادي (عليه السلام) حيث الكثرة من الزائرين إلى درجة التي لا تصلها زيارة الحسن العسكري (عليه السلام) فما هو الوجه في هذا الإختلاف ؟ يمكن أن يكون الوجه في هذه الزيادة هو شدة الظلم وحجم الإضطهاد الذي قاساه الإمام الكاظم(عليه السلام) مقارنة مع ما وقع على الجواد (عليه السلام) ونحن جميعاً نعرف بأن المظلوم متعاطفٌ معه وفي القلوب له ميل ويزداد هذا التعاطف والميل إذا كان المظلوم على حق وأي حق كان الإمام الكاظم(عليه السلام) عليه ، إنه حق الله في أرضه ، حق شرعيته ، حق أوليائه ليقودوا المجتمع الإنساني نحو كدحه إلى الله وتربيته وإصلاحه لما فيه خيره الدنيوي والآخروي.وطبيعة الناس آنهم متعاطفون مع المظلوم فإذا كان مثل الإمام الكاظم (عليه السلام) مظلوماً فيكون تعاطفهم معه بدرجة أكبر وبتفاعل أكثر ومقالة الزعيم الهندي غاندي – تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر- ناضرةٌ إلى هذه الجهة لميل القلوب وتعاطفها مع قضيتة لكونه مظلوماً وبالتالي سيتقوى من هذا الإلتفاف الجماهيري والميل القلبي إليه ويصبح قادراً على مواجهة المستعمر الإنكليزي وقد إنتصر بالفعل لأن القائد يحتاج إلى القاعدة التي تدعمه وتعي قضيته التي هي قضيتها فتناصره فيها وترفع من درجة صموده وتحديه للظالم والإمام الكاظم (عليه السلام) لازال في أذهان محبيه وشيعته مظلوماً مهضوماً قد ذاق أنواع الظلم والعذاب من سلاطين زمانه حتى إنتهى به الحال إلى قتله بالسم بعد إن وجدوا تأثيره واضحاً على نفوس الآخرين وباعثاً لهم على الأمل في العودة إلى صف الإنسانية النظيف بعد أن فتح لهم باب التوبة والرجوع إلى الله وهذا المعنى لازال مرتكزاً في الذهنية العامة والوجدان العام للأمة وهو يحركها للزيارة لتعبير عن تعاطفها وتلاحمها مع إمامها وتعلن رفضها لكل الظلم الذي وقع عليه لتتربى على رفض كل ظلم يقع على الإنسانية من قبل المستكبرين والطغاة وأهل السلطة والجاه.وبهذا يكون الإمام هو المنتصر على أعدائه الذين ظلموه لأنه بقي في وجدان الأمة محترماً مقَدراً تدين له الملايين بالحب ليتزودوا من آفاق حياته التي قضاها في خدمة القضية الإنسانية في التربية والإصلاح وتحريره من قيود الظلم والإستعباد ولئن لم تسعفه الظروف التي عاشها ولشدة التضييق عليه وقلة المخلصين آنذاك في تربية الأمة وإصلاح شأنها فقد إستطاع بفضل بركة مرقده وطهارة جسده المبارك أن يتحول إلى مركز إستقطاب الملايين من مختلف البلدان ليتزودوا من هذه الروح الطاهرة وهذا التيار الثوري والصوت المدوي في أسماع الظالمين أينما كانوا في بقاع الأرض وهو بهذا يشبه إلى حد ما جده الإمام الحسين(عليه السلام). الوجود المبارك للمعصومين (عليهم السلام) لم ينته بنهاية حياتهم الدنيوية بل بقي بعد مماتهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.ويمكن أن يكون الوجه هو زيادة زمان إمامتة الكاظم على زمان إمامة الجواد (عليه السلام) هذه الزيادة التي جعلت الإمام الكاظم(عليه السلام)معروفاً عند العامة من المسلمين ساعده على ذلك طريقة تعامله مع السلطات آنذاك وتحديه لها في بعض المواقف التي تعبر عن شجاعة خاصة أثارت الإحساس لدى الآخرين بأن السكوت عن الظلم لا يؤخر في الحياة شيئاً والتصدي له لا يقلل منها شيئاً والأيام التي تمر على الظالم هي نفسها تمر على المظلوم وسيواجه الإثنان يوماً توزن فيه الأعمال فيتلقى الظالم جزاء ظلمه العذاب ويُبشر المظلوم بثواب الآخرة ورضوانه.
جاء في تاريخ بغداد للخطيب أن موسى بن جعفر(عليه السلام) بعث من الحبس برسالة إلى الرشيد يقول فيها : لن ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك معه يوم من الرخاء ونمضي معاً إلى يوم ليس له إنقضاء لا يخسر فيه إلا المبطلون ومثل هذه الكلمة أمام الطغيان كفيلة بأن تجعل الإمام الكاظم (عليه السلام) في المقام الأول من حديث الناس وإصرارهم وبالخصوص مع تلك الإجواء القاتمة والتي لا تعرف للأفواه فيها كلمة كتلك التي أطلقها إمامنا الكاظم حيث تبعث فيهم الأمل في إمكانية مواجهة الطغاة والتعبير عن إنسانيتهم التي صادرتها الدولة آنذاك فكانت كلمة الإمام متنفساً لهم للتعبير ولو على مستوى ضيق من المخاطبين ممن يتحرز عن عيون السلاطين ومنافقيهم وأثر مثل هذه الكلمة فيما لو وصلت إلى الناس معروف ومشهود يضع الإمام في ذاكرة الأمة وجدانها .
وقد يكون الوجه هو مكان قبر الإمام الجواد (عليه السلام) حيث قبر جده الإمام الكاظم (عليه السلام) مما يجعل الزائر للمرقد الشريف مركزاً على الإمام الكاظم أكثر من تركيزه على الإمام الجواد بإعتبار بعض الأعراف المتداولة عندنا من إن الإنسان إذا دخل على بيت فيهم كبير للعائلة كالجد أو على دائرة وقد إجتمع أعضاؤها في مكان واحد أو على ديوان عشيرته فإنه أول ما يبدأ بالسلام على الكبير أي على الجد أو مدير الدائرة أو شيخ العشيرة وقد لا يلتفت إلى الآخرين الموجودين مع الكبير كالإبن أو الحفيد أو الموظفين الآخرين دون درجة المدير أو أفراد العشيرة بما فيهم إبن الشيخ أو كبار القوم أما لإنشغاله بالكبير إلى الدرجة التي تجعله غافلاً عن البقية أو عن إبداء السلام لهم أو عن تأخير السلام عليهم فيلحقهم بالسلام بعد أن يسلم على الكبير ولو تفرقت أماكنهم لأمكنه أن يبدأ بغير الكبير سناً أو الكبير وظيفةً ولكن وجودهم بمكان واحد ألزمه أدب التعارف والزيارة أن يبدأ بالكبير فالكبير يكون الأكثر إلتفاتاً إليه من غيره ونفس الشيء يمكن تطبيقه على مفردات الزيارة للمعصومَين (عليهما السلام) حيث يُقدم السلام والتحية على الإمام الجد الكاظم (عليه السلام) ثم على الإمام الجواد (عليه السلام) وقد يكتفي الزائر بزيارة الإمام الكاظم في ذكرى إستشهاده ويجعلها زيارة للإمامين بدلاً من قيامه بزيارة آخرى للإمام الجواد(عليه السلام) في مناسبة زيارته ومن هنا نرى قلة الزائرين في زيارة إستشهاد الإمام الجواد
قاسم الطائي