التداعي الخطير الذي حصل بعد الجريمة العظيمة التي استهدفت الإنسانية في تاريخها والأديان في معتقداتها والأعراف في قيمها ، من خلال تفجير مرقد الإمامين الهمامين العسكريين في سامراء (عليهما السلام ) . قد جعل الجميع في موقع المسؤولية التأريخية والوطنية ، ووضع الكل في موضع الاتهام والمتاجرة بالبلد من أجل مكاسب سياسية ضيقة أو ترتيب أوضاع معينة قد تخدم فئة دون أخرى بعيداً عن مصلحة العراق العظيم .
ولأجل وضع النقاط على الحروف وأحياء مبادرة وطنية عامة للملمة الشمل وتنفيس الاحتقان الطائفي المقيت وبلورة مسودة مشروع وطني كبير يلتزم به الجميع ويتعاهدون على المضي على هداه وإنجاز بنوده والوصول من خلاله الى حماية وحدة العراق وتأريخه . نقترح المبادىء التالية كميثاق شراكة لتحقيق ما ذكر ـ ويتضمن الميثاق :
1ـ الإسراع باعادة المرقد الشريف الذي فجر الازمة واحدث الخلل وباسرع وقت ممكن لتفوت على الاعداء ما رسموه لتمزيق البلد واشعال فتيل أزمة ، ويشترك كل من الوقف الشيعي والسني في بناءه وبمدة قياسية لا تزيد عن شهر ليرجع الى وضعه المعماري وبافضل صورة ويصار الى انجاز ذلك بتكليف من الحكومة العراقية ، وانبثاق لجنة متابعة من الجمعية الوطنية تشمل كل الكتل الكبيرة المشاركة ، وممثلين عن المرجعيات الدينية .
وتتولى هيئة خاصة ادارة المرقد بعد انجازه تنبثق من الوقفين وتؤيد من المرجعية وجعل يوم 23/ محرم من كل عام يوم ادانة للجريمة لتبقى شاهدةً على خسة الفاعلين وعدائهم للانسانية .
2- الاسراع باعمار ما خرب من المساجد والحسينيات وتعويض المتضررين واعطاء ديات للمسلمين الذين سقطوا في الفتنة ، تدفع من قبل الخزينة الوطنية ويرجع في تحديدها الى الاصول الفقهية لكل طائفة ، كي لا يضيع دم امرئ مسلم هدراً .
3- منع استعمال الالفاظ التوصيفية بالطائفية ، كلفظ السنة او الشيعة او الكرد ويكتفى بلفظ المواطن ، العراقي ، ويصار الى اصدار قرار يمنع تداول واستعمال هذه التوصيفات التي تثبت النفس الطائفي وتؤطر له ، ويشمل المنع وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة مع فرض قيود على بث الفضائيات التي تؤكد على هذه الاوصاف وتزيد من استعمالها في نقلها اخبار العراق.
4- حماية المناطق المشتركة من اعمال طائفية مقيتة تطهيرية ، كتهجير الشيعة من مناطق السنة والعكس وارجاع كل العوائل التي حصل لها ذلك وتضمن سلامتهم من قبل السلطات المحلية للمحافظة او القضاء والحكومة المركزية ، ويتعهد شيوخ العشائر ورجال الدين بضمان سلامتهم وتوفير الحماية لهم ومحاربة استعدائهم وترويعهم ، ويحاسب من يدعو لذلك او يحرض عليه او يقوم به .
وتشكيل لجان من افراد الحكومة او الجمعية الوطنية ، لمتابعة ذلك ومراقبته شهرياً او نصف شهرياً ومحاسبة المقصرين .
5- التزام رجال الدين المسلمين باقامة صلاة جمعة موحدة ، وخصوصاً في المناطق المشتركة ، تؤدى بشكل تناوبي اقامة ومكاناً – أي مرة يقيمها رجل من هذه الطائفة واخرى رجل من تلك الطائفة ، ومرة في جامع لهذه واخرى في جامع لتلك على الخلاف – أي يقيمها رجل دين من هذه الطائفة بجامع تلك .. وهكذا لزيادة الالفة والوئام والود .
وتستصدر فتوى شرعية تجمع الفريقين تحرم اعمال القتل والسلب والنهب للابرياء من العراقيين مهما كان انتماؤهم الطائفي او العرقي او الديني ، توقع من قبل رجال دين مشهورين لهم اهلية الفتوى ، وتشير الى عدم التعرض لمعتقدات الاخرين نقداً وتشهيراً .
6- اتخاذ موقف واضح من الاحتلال – اما خروجه من تلقاء نفسه ، يتعهده في وقت معين – واما جدولة خروجه من قبل الحكومة واما اخراجه بوسيلة يتفق عليها الجميع .
مع اعتبار السفير الامريكي الحالي شخص غير مرغوب فيه لاثارته النعرة الطائفية وتدخله في الشؤون الداخلية للبلد وفضوله في كثير من القضايا الوطنية .
واعتبار من يلوذ به او يستمد العون منه ، خارجاً عن الاطار الوطني ولا يمثل النزاهة الوطنية المطلوبة .
7- يلتزم جميع المشاركين في الحكومة بالابتعاد عن ممارسات محاصصية في التوظيف والتعيين ، تبتعد عن الكفاءة والنزاهة وتقيد التعيين بالولاء فقط ، مما يعني حصرها للتعيين بالافراد الموالين لها دون غيرهم كما هو المشاهد الان وللاسف الشديد ، وفي ذلك مضافاً الى تمزيق لعمل الحكومة التي هي كل واحد لجميع العراقيين بعيداً عن انتماءاتهم ، والا لوقع الجميع بممارسات النظام السابق في التعيين المنحصر بالانتماء الحزبي .
فانها تخلق مناخاً مناسباً لترامي التهم بين القوى السياسية واجهزة الدولة مما يعرض البلد لخطر المواجهة وخلط الاوراق ، وبعثرة الامور التي يراد لها الاستقرار ، وعلى الجميع ان يفهم ان تمرير بعض التصرفات عبر الوسائل الاعلامية يشجع على الاحتقان الطائفي ويفتح الباب امام تحالفات اقليمية او دولية مع بعض الجهات تزيد في الازمة تعقيداً .
8- العمل الجاد على تقويض نفوذ الدول المجاورة في الشأن العراقي والحيلولة دون مشاركة من يشتبه بارتباطهم بعلاقات شخصية مع دول الجوار وغيرها واحترام الخصوصية العراقية والسعي لتأكيدها في العلاقات مع هذه الدول .
9- ان لا يحدث أي شخص بصفة كونه ممثلاً عن الشعب فان ذلك ليس له ولا من حقه الا بقدر ما يمثل من مساحة اجتماعية ، وحجمه التمثيلي ، ويكون التمثيل عن المجموعة عبر تشكيل لجنة وطنية عامة تأخذ على عاتقها ذلك وتحدد الاطر والضوابط التي ينبغي ان تتحرك من خلالها وهي ( اللجنة ) نعم المرجعيات الدينية – مطلقاً – مما لها وجود اجتماعي وجماهيري ، والكتل السياسية المعروفة بنضالها ضد الطغيان والشخصيات الاجتماعية ذات الجاه الكبير كرؤساء العشائر والنخب والكوادر العلمية ذات الخبرة الطويلة والسمعة الطيبة والتاريخ النظيف ، ولا بأس بضم مجموعة من شرائح المجتمع منها ، وتعلن اللجنة ان كل تصريح خارج اطارها لا يمثل وجهة نظر الشارع العراقي والارادة الوطنية .
10- فتح صفحة المسامحة للذين تورطوا باعمال مخالفة للقانون وارتكبوا بعض الاخطاء بحق الشعب العراقي من حيث الانتماء للبعث او اختلاس المال العام – باستثناء من تجرأوا على ارواح الناس وتلطخت ايديهم بدماء الابرياء فان الامر يستدعي محاكمتهم ومحاسبتهم بسرعة كي لا يشكل وجودهم محلاً للتجاذب بين العراقيين ، ومن تورطوا باعمال ارهابية في الفترة المنصرمة التي استهدفت ارواح الناس وممتلكاتهم – وليكن شعارنا متأسياً بالسيرة النبوية المباركة والتي اعلنها فور دخوله مكة فاتحاً بنصر الله تعالى ( من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ومن اغلق عليه بابه فهو آمن … ) .
11- الكفالة الاجتماعية لعوائل الذين سقطوا في الاعمال الارهابية خلال الثلاث سنين الماضية من خلال سن قانون خاص يتضمن رعاية عوائلهم ويوفر لهم ظروف معاشية اسوة ببقية العوائل العراقية ، ويخفف عن معاناتهم واحساسهم بالظلم الذي لحق بهم ، ويكون شاملاً لجميع العراقيين ممن طالهم الارهاب .
12- ان تراعي الحكومة مشاعر العراقيين وطريقة تعاملهم مع الاحتلال ، فتصدر تشريعاً توافق عليه الجمعية الوطنية ، يلغي كل القرارات التي سنها الحاكم المدني – برايمر – واهمها عدم مطالبة القوات الاحتلالية قانونياً للجرائم التي يرتكبها افرادها بحق الشعب العراقي وممتلكاته وبأثر رجعي يحملها مسؤولية كل الذي حصل من ارتكابات من هذا القبيل ، وتوقف اعمالها الترويعية على الطرق التي تتحرك فيها هذه القوات وان لا تعط لنفسها الحق في استغلال الطريق او ارعاب المارين .
والافضل للقوات الحكومية لتؤمن عدم تعرضها للعمليات العسكرية ان لا تتدخل فيما لو حصلت مواجهات ما بين الاحتلال والمسلحين من المقاومين وتتخذ طريق الحياد فان مشاركتها مع قوات الاحتلال يضعها في صفهم فتستهدف كما يستهدفون وبالتالي تفقد مشروعيتها واحترام الشعب لها ، وينبغي احترام من يتخذ المقاومة طريقاً لطرد الاحتلال كما يحترم خيار العملية السياسية ، وان يكون مطاردة الارهاب عمل الحكومة فقط .
13- تراعى الثوابت الوطنية للشعب من خلال عمل الحكومة والبرلمان ، فلا يجوز ابرام اية معاهدة او اتفاق مع المؤسسات المالية العالمية والمنظمات الدولية او الدول الاخرى الا بموافقة واضحة وصريحة من البرلمان وبعد دراسة المعاهدة او الاتفاق دراسة وافية تضع نصب اعينها بقاء القرار العراقي مستقلاً بعيداً عن تأثيرات هذه المؤسسات وتدخلها في القرار الحكومي – بالنسبة للجانب الاقتصادي والسياسي – والا ستصادر الارادة العراقية وتصبح مرتهنة بتوجهات هذه المؤسسات – ولن يكون هناك أي تقدم وبناء اذا لم يتخلص العراق من تدخلات هذه الجهات .
وتعتبر الاتفاقيات السابقة غير ملزمة للحكومة الدائمة او تعاد على وفق ضوابط المصلحة الوطنية العليا للبلد – واهمها استقلاله في دائرة القرار الحكومي .
14- التجنب عن سوء الفهم لتصرف الحكومة من قبل بعض الجهات ورميها بالطائفية عندما تعالج حالة تمرد او ارهاب او قتل جماعي او تطهير عرقي في بعض المناطق وكأن المدان هو الحكومة لا الارهاب ومن يموله وبهذا توصف الحكومة بأنها طائفية مع انها تؤدي واجبها الوطني في حفظ الامن ومطاردة الارهاب وعلى الجميع ان يفهم ذلك كي لا يحصل تصعيد وترامي للتهم يربك عملها ، ويدخل ضمن عمل الحكومة اعطاء تعريف واضح ومحدود للارهاب كي لا يحصل لبس او خلط .
15- توسع دائرة المشاركة في مؤتمر المصالحة ( المشاركة او الشراكة ) الوطنية المزمع انعقاده في بغداد في شهر آذار ، فلا تقتصر المشاركة على الذين شاركوا بالعملية السياسية وبعض الكتل السياسية الاخرى ، وان أي تغييب للقوى والشخصيات الوطنية والواقفة بوجه الظلم والطغيان سيؤدي حتماً الى عدم مشروعية ما سيسفر عن ذلك المؤتمر وستعتبر نتائجه غير ملزمة للقوى والشخصيات غير المشاركة ، وليعلم الجميع ان الكل شركاء في هذا البلد والتجاوز على حقوق الشريك يعني العودة الى الوراء والوقوف عند الماضي .
واذ نضع هذه القراءة وتصوراتها امام كل العراقيين بلا استثناء منطلقين من حقيقة ثابتة لا نختلف عليها وهي ان كلنا عراقيين نجتمع في هذا البلد وننتمي اليه ، وحقه علينا ان نعيد له مكانته الدولية وسمعته العالمية ونتجاوز عن مصالحنا الضيقة من الذاتية والفئوية والحزبية والطائفية والعرقية والدينية ، نضع هذه انطلاقا من واقع مسؤولياتنا الوطنية والشرعية التي تحتم علينا ان نعمل بهمة الغيارى والمخلصين عملاً لا قولاً .
نرجو من الجميع ملاحظتها بعين التقييم والاهتمام ليتوصل الجميع الى حل يرضي الجميع تحت محفز ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ (105) سورة التوبة ) .
والحمد لله رب العالمين .. والسلام على اهل بلدي اجمعين .