ادخلوا عليهم
تغزو الشاشات الفضائية العديد من المسلسلات المدبلجة باللغة العربية من دول الجوار غير العربية، كإيران وتركيا، ومن الحق أن نسأل هل عجزت دوائر الفنون العربية في تقديم مسلسلات تحكي واقعنا العربي وبلغتنا العربية العامية أو الفصحى، الجواب سيكون بالنفي، فإنها لا تعجز عن ذلك، ومن هنا نسأل لماذا تصرف ملايين الدولارات على مسلسلات أجنبية مدبلجة بلغتنا العربية وهي تغزو فضائيات قنواتنا وتحاول ربط أبنائنا بثقافات هذه الدول، ومحاكاة طريقة تعاملهم وسلوكهم العام، وهذا بالضبط هو نوع من الغزو الثقافي لبلدنا عن طريق إشباع الذهنية العامة بصور من حكايات المجتمعات الأخرى، والبعيدة في كثير من مفرداتها عن حياتنا العامة وسلوكنا الاجتماعي، ففي سلوكنا الحرمة محفوظة والشرف عزيز والسلام متفشي، والنخوة متوفرة والحياء عميم والكرم منتشر والإعانة مبذولة، والمناسبات الاجتماعية- فرحاً أو حزناً- جليلة القدر و.. و..، وكل هذه لا عين لها ولا اثر فيما نتلقفه من مسلسلات تحكي بعضها واقعاً حياتياً لا رصيد له من الواقع، فيما تحكي أخرى تاريخاً غير سليم من الدس والتشويه لجملة من حقائق التاريخ كي يلتبس الأمر على ناشئتنا في اصطياد هذه الأحداث وكأنها حقائق لا تقبل المناقشة وبالتالي يستصعب على الآباء إقناع أبنائهم بخطأ هذه الحقائق.
إننا معنيون في تحليل وقراءة هذه المسلسلات، وهل من ثمة ضرورة لاستيرادها عربياً، وهي بعيدة عن أعرافنا وثقافتنا، ثم لماذا لا نزيد ونشجع فنانينا لإنتاج العديد من المسلسلات التي تحكي واقعنا الاجتماعي بقيمه العالية والجليلة كي ندخل عليهم بقيمنا لا أن نتفرج عليهم وهم يدخلون بقيمهم علينا.
إننا ندعو فناني العرب جميعاً لتحمل مسؤولياتهم التاريخية والاجتماعية في توجيه أكثر من رسالة لمجتمعات غير عربية تبين رصيدنا الأخلاقي وقيمنا الاجتماعية الجبارة التي لم تعهدها تلك المجتمعات، بل ونستغرب منها، ولكن نستبطن احتراماً جليلاً بإزائها وتتضمن احترامها لتلك القيم وتتمنى في دخيلة أنفسهم أن يكونوا على هذه الشاكلة، وما علينا إلا استغلال هذا الشعور واستثماره في الدخول الى مجتمعاتهم من خلال إنتاج العديد من المسلسلات.
والغريب أن العديد من محلات البيع والشراء عندنا أصبحت تعرض صور وإعلانات أبطال المسلسلات الأجنبية، والأدهى اخذت بعض الجهات ترفع لافتات الترويج لها، ولم يسألوا أنفسهم هل يسمح للعراقيين رفع اللافتات والبوسترات لمسلسلاتهم في تلك البلدان.. تلك إذاً قسمةً ضيزى.
سفارة أم إمارة
غريب أمر السفارة الأمريكية في العراق، والأغرب منه صمت القوى السياسية والحكومة العراقية على هذه السفارة وبهذا الحجم الذي يعد اكبر سفارة في العالم عدةً وعدداً ومساحة، وكأنها لا لمراعاة المصالح الأمريكية في العراق خاصة بل لإدارة العالم برمته ومن قلب العاصمة بغداد، ولسنا بصدد الحديث عن مساحة الأرض المستغلة، والتي بإمكان حكومة العراق أن تعالج بها أزمة السكن في بغداد خاصة وتحد من الارتفاع الفلكي لأسعار العقارات، في كتاب مرقوم لا يمسه الفقير العراقي بل ولا علم بأن يكون له دار يسكن فيها بعد هذا الارتفاع الخرافي، وأما إيجار الأرض فسعره مضحك مخزي لنا، ولشأن بلدنا وحرمة أرضنا، ومكانة حكومتنا، حيث سُعرت بألف دينار عراقي أو اقل، وهي بمساحة أكثر من مائة دونم، وفي أرقى مناطق العاصمة بغداد.
إن هذا الصمت غير مبرر ولا يعرف له سبب واضح، وإذا كانت الصيحات قد تتعالى من بعض الجهات في خروج قوات الاحتلال فما بالها لا تتعالى لوضع السفارة الأمريكية المريب، والتي يتصرف السفير فيها بما شاء له أن يتصرف، وبما شاء له أن يلتقي بأكبر مسؤول في الدولة إن تواضع ونزل من عليائه وإلا فعلى المسؤول القدوم إلى السفارة- عفواً – الأمارة الأمريكية، والالتقاء بالسفير بعد اخذ موعد مسبق منه كما هو حاصل.
إن التخطيط الأمريكي قائم على البقاء في العراق إلى ما شاء الله، وهو يتمحور ضمن محاور عديدة، منها التواجد العسكري بدعوى الحاجة إلى التدريب والتأهيل و.. و..، وهي ما سمعناه قبل ثمان سنوات وإلى الآن لم يكتمل إعداد وتأهيل القوات العراقية، وهي لا تملك أسلحة تعبر بها عن كونها قوات لبلد كبير غير أسلحة بسيطة تقليدية لا تسمن قواتنا ولا تغنيها من الهجمات الإرهابية، وهي نغمة قديمة جديدة، وبها تتغنى القوات الأمريكية طمعاً في البقاء إلى أمد غير محدود وبطلب من الحكومة العراقية لتدخل في نطاق عنوان آخر غير عنوان الاحتلال وبالتالي ستكون الحكومة العراقية ملزمة لأمرين، تحمل مصاريف هذه القوات كما بدأت بوادر المطالبة بها من بعض أعضاء الكونغرس الذين أعلنوا بأن على الحكومة العراقية تغطية تكاليف احتلالها للعراق، وأنها- أي الحكومة- تتحمل توفير الحماية والحصانة لهذه القوات وبالتالي سيخلق بقاء هذه القوات أزمة عراقية حادة بين الحكومة ومن يرى أن بقاء هذه القوات غير مشروع وإنها قوات احتلال وإن اختلفت التوصيفات، والواجب الوطني يدفعنا لمواجهتها بكل السبل ومنها العسكرية.
إن حكومة واشنطن باقية في العراق سواءً بقواتها او بسفارتها وعدم تنبه السياسيون إلى أصل اللعبة الأمريكية في البقاء عبر إمارتها- عفواً- سفارتها هو ما يجعل نظرهم منصباً على قواتها، وهذا خلل واضح في وعي السياسيين وقصور فاضح في تعاملهم مع الاحتلال قواتاً وإمارة.
إننا نحذر الحكومة والشعب معاً من مغبة تواجد هكذا سفارة على ارض العراق في سابقة لم تشهدها العلاقات الدولية بين الدول وستعمل إمارة واشنطن الجديدة على توسيع رقعتها جغرافياً ولو بشراء الدور والأراضي العراقية المحيطة بها، بداعي تحصين المنطقة وردع الإرهاب، ولم تقف اللعبة عند هذا الحد، بل ستعمد إلى التدخل في الشؤون الداخلية تحت عنوان المشورة وتبادل وجهات النظر، وستشيع العديد من القيم الغربية البعيدة عن ادبياتنا وأخلاقياتنا تحت عنوان حقوق الإنسان وحرية التعبير وغيرها وستبدأ مشروعاً عظيماً هدفه تهجين قيم الشعب العراقي وستزرع لها عملاء في أرجاء البلد، وستهيئ الأجواء الإعلامية لبروز شخصيات مرتبطة بمشروعها، لها شأن عظيم في عالم التجارة والمال، والإعلام، وستسيطر على اقتصاد السوق وحركة التجارة في البلد والتحكم برأسمال التجارة الداخلية وسترسم خطة لاستقدام العديد من البشر من مختلف الجنسيات تحت عنوان الحاجة إلى خدماتهم في الإمارة الجديدة وستدرب هؤلاء على طريقة التعامل مع العراقيين بعد تهيئتهم للعيش ضمن الوسط العراقي، والاحتكاك بهم وتجريب بعض عاداتهم وتقاليدهم ضمن هذا الوسط.
ولهذا ولغيره، قد نفسر تواجد النوادي الليلية وحانات شرب الخمر والمراقص والملاهي في منطقة الكرادة خصيصاً دون غيرها من مناطق بغداد، في صورة إيحائية لحياة غربية مسيطرة في هذه المنطقة، ليعيش الموظف الأمريكي وهو في حماية المخابرات العالمية أجواء بلده وظروفها كي لا يشعر بالغربة والعزلة فإن مدة مكثه في العراق ستطول وربما إلى نهاية عمره إن لم يحصل على تخويل بالتبديل مع الآخرين.
إننا ومن واقع مسؤولياتنا الشرعية والأخلاقية، والوطنية والاجتماعية، نحذر من هذه الإمارة ونوجه خطابنا إلى البرلمان والحكومة لتدرس الموضوع بجدية وتضع حلولاً مناسبة لإنهاء هذه المهزلة- مهزلة السفارة- الإمارة التي يتكابر فيها السفير على العراق حكومةً وشعباً.
ونحذر من التعامل مع السفارة لكل عراقي، عملاً وبيعاً وشراءً وخدمةً واتصالاً، وأي نوع من أنواع التعامل، ونعتبرها محرمةً شرعاً ومستهجنة عرفاً.
وسنضع أوصافاً نسم بها المتعاملين مع السفارة لتمييزهم عن غيرهم من أبناء المجتمع، وسيكونوا منبوذين ومرفوضين اجتماعياً في الوسط العراقي، وعلى الجميع مقاطعتهم واستهجان عملهم وتعاملهم مع السفارة- الإمارة.
إن كنتم لا تخافون المعاد
ينقسم الناس في تعاملاتهم وعلاقاتهم مع الآخرين من خلال منظومة الحقوق والاعتبارات المحترمة عندهم بحيث يشكل الخروج عنها والتمرد عليها خروجاً عن جادة إنسانية الإنسان ومحله الاجتماعي وتقديري الاعتباري العرفي، فمنهم من يجعل الشريعة إطاره الذي يتحرك خلاله، ومنهم من يجعل الاعتبار العرفي العقلائي هو ما يتحرك داخل إطاره في علاقته الاجتماعية، ومنهم من يجعل سيرة سلف السابقين هو الإطار، وهكذا تتعدد الأطر التي يتحرك الإنسان داخلها ويكون ملزماً بقيودها وشروطها سواءً التفت إلى ذلك أو لم يلتفت فهو معاتب في حال الخروج عنها ومدان بالتجاوز عليها، ومحاسب بالتمرد عليها، ومن خلال ذلك فهو في تصرفه وعلى الدوام يعطي انطباعاً بأنه مستقيم التصرف، ومصون السلوك لا اقل يتوهم ذلك، ولذا لا يقبل الرضوخ للحق فيما لو كان عليه ويفزع إليه فيما لو كان له، {وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}النور49
والإنسان في أي موقع من مواقع الحياة، فإنه مضافاً إلى التزاماته الموقعية سواءً القانونية أو الاجتماعية ملزم بما يتخذه لنفسه من إطار يحاكم على أساسه، ومن الطبيعي إن شدة التزامه بإطاره وقوانينه يزداد مسؤولية كلما ارتفع موقعه وعلا مكانه بحيث تصبح المؤاخذة عليه اشد ومحاسبته أصعب عليه من غيره، وزلته البسيطة تعادل زلات العديد من النفوس إذ هو بحكم موقعه ومسؤوليته مراقب ومحاسب أكثر من غيره وزلته البسيطة تؤثر في العموم بخلاف زلة غيره فإنها تؤثر في الخصوص وفي نطاق ضيق جداً.
وهذا هو ما دعا الإمام الحسين عليه السلام إلفات القوم المحاربين له في أن ينضبطوا ضمن إطار أعرافهم دون شريعتهم التي خرجوا عليها ولم يلتزموا بها بخروجهم على إمامهم الحسين عليه السلام وحيث انتفت الشريعة في تأثيرها عليهم، أرجعهم إلى أعرافهم، فقال عليه السلام ((إن كنتم لا تخافون الميعاد فارجعوا إلى أعرافكم..الخ)) كل ذلك لمعرفته عليه السلام شدة حرمات هذه الأعراف وعظيم أهميتها في حياة الفرد حيث يعتبر الخروج أو التمرد عليها جرماً لا يغتفر وخطيئة لا تقبل، وسيئة لا تعذر.
وهذا مبدأ عام على الداعين توجيه خطابهم للآخرين في دائرة التزاماتهم ضمنه وفي حدوده ليعينهم على التزام الآخرين بإزائهم.
وأبناء الشعب العراقي وهم يواجهون عدواً طبيعياً قد يكون أقسى وأشرس من أعدائهم الكثيرين، الإرهاب والاحتلال ومافيات القتل وسراق المال العام وبياعي وطنية الوطن.. وهلم جرا.
ألا وهو حرارة الصيف التي وصلت إلى حد لا يصدق إلى درجة الـ(57 مئوية) أو أكثر مع انعدام شبه تام للتيار الكهربائي، إذ ساعة أو ساعتين كل 6 او8 ساعات لا اثر له في التخفيف عن اثر هذه الدرجات التي ينبغي أن نسميها الجهنمية، والشعب من جهته صابر محتسب قد قدر له أن يقع تحت طائلة هذا العذاب ليصبر او يجزع، وعلى ضوئه يقرر مصيره في أن يحكم العالم أو يكون في جيش حكمه له أو يفشل في ذلك، فهذا شأنه ونظرة إلى التقدير الإلهي واختباره لإرادة نفوس العراقيين، وسواء قلنا بنجاحهم أو فشلهم فهذا شيء آخر.
والمهم هو حكومتهم فهي إما مسلمة متدينة تخاف المعاد، فعليها الالتزام والوفاء بوعودها للشعب واحترام خطاباتها وتصريحاتها، وإما أن تكون غير ذلك، فلها أعراف تحتمي بها وتتحرك بإيحاء منها وهي تلزمها الوفاء بوعودها وانجاز أعمالها في خدمة شعبها وتوفير الطاقة كي لا تكون هي والطبيعة عليهم.
الاضطرابات مرض العصر
قد يستغرب الكثيرون من أبناء هذا العالم الضائع من الاضطرابات التي حصلت في بريطانيا وكيف واجهت الحكومة هذه الاضطرابات، وأين كانت لافتات حقوق الإنسان؟ وحرية التعبير عن الرأي، والمنع عن استخدام العنف، وقائمة طويلة عريضة تتبجح بها بريطانيا ومن على شاكلتها من الدول التي تتفاخر بتسميتها بلدان ديمقراطية، التي طالما صرخت على حقوق الإنسان في البلدان الإسلامية، ودول ما كان يسمى بالعالم الثالث، حينما تحصل بعض الاضطرابات أو المظاهرات أو التمردات، وحينما تلجأ حكومات هذه الدول للتعامل مع هذه الحالات بوسائل مقبولة وقد تصل إلى حد استخدام بسيط للقوة للحد من الضرر ولمنع الانفلات الأمني الذي قد يطرأ على الساحة السياسية والاجتماعية ويحرق الأخضر قبل اليابس، كما حصل في بعض البلدان على ما في إيران والآن في سوريا، ونحن لسنا مع استخدام القوة ضد المتظاهرين في أية بقعة من الأرض، ولكن تحايل هذه الدول وكيفية تعاطيها مع أزمات الآخرين، فهي تشدد النكير على استخدام العنف والتعاطي مع المسألة بالحكمة والحوار ولنا أن نسألها أين هذا الحوار؟ وأين نكرانكم لاستخدام القوة؟ فالقوة قد استخدمتموها مع المتظاهرين ولم تتعاطوا مع المسألة بالحوار والحكمة؟!
الأمر الذي يكشف كما نبهنا مراراً على دجل هؤلاء وازدواجية معاييرهم في التعامل السياسي، والكل يخضع لعنصر المصلحة، فأينما وجدت المصلحة الوطنية لهذه البلدان كان التعامل مع الأزمة على أساسها وعلى مقدار ما تحققه من مكاسب سياسية واقتصادية، وأما جوانبها الإنسانية فتاتي بالمرتبة الثانية- إن أتت!- أو قد لا تأتي وليس لها اعتبار بالمرة كما في تعاملهم مع العراق واحتلاله بل وتدميره وإنهاء كل مؤسساته ودعائم دولته، في نظرية ما سمته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (الفوضى الخلاّقة) أي التي نحن نخلقها لمصالحنا.
ومن هنا فإن النظر إلى تعامل هؤلاء مع ما يحصل في بقاع الأرض يجب أن يؤخذ بعين الريبة والشك، بل والدجل والاحتيال، وأن لا يكون له من الوزن الذي يتحسس منه الآخرون.
هذا من الجانب السياسي وبشكل مبسط، وأما من الجانب الاعتباري- جانب اخذ العبرة- فإن الظلم في كل بقاع الأرض هو الأمر المستهجن المرفوض الذي يفجر الغضب ويصنع الأزمة، بل قد يفجر الثورة، وإذا صُبر عليه لفترة فإن ذلك قد يكون لتحين الفرصة، وتفعيل الأزمة ضمن معطيات قد تحصل في أية لحظة، الأمر الذي يعني أن فتيل الاضطرابات سيستمر في عموم الأرض، وفي أية بقعة يوجد بها ظلم، وتستعبد كرامة الإنسان وتسحق حريته تحت إطار من الديمقراطية المزيفة.
كما ويستفاد ما يطبل له العالم اليوم من نشر الديمقراطية، وأنها الحل الأمثل للشعوب، ها هي أقدم ديمقراطية في الأرض قد فجرت على نفسها لقماً من ظلم واضطهاد للعديد من البشر الذين يعيشون في إطار نظامها الديمقراطي، فهلا جنبت أقدم ديمقراطية نفسها من الاضطرابات؟!
والأدهى أن رئيس وزرائها سيقوم باستدعاء الجيش، وهدد باستخدام القوة ضد المتظاهرين، وهم من يديرون الأزمة ويصعدون الأمر في سوريا وغيرها لحسابات انقلبت عليهم، واتت على بيوتهم، {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}الحشر2.
والمتوقع أن العالم سيشهد المزيد من الاضطرابات وفي جميع بقاع الأرض ولعل القادم سيكون في قلب القوة العظمى ودولابها- الإمبراطور الأمريكي- حينما يجد العديدين من مواطنيها بأنهم مقهورون ومضطهدون، وربما لشعورهم بغرابتهم عن عنصريتهم الأم، وهو ما يشجع على تمردهم والانتصار لإنسانيتهم
هموم الشعب مع الحوزة
1) نرى اليوم أن الحوزة منشغلة بنفسها وبدأ دورها ينحسر في المجتمع ببطء شديد جداً ولا تجاري هذا العصر والتحديات التي تكتنفه إلا القليل جداً.
ج1/ الحوزة العلمية في الوقت الحاضر لم تصل الى الحد المقنع للأداء في إدارة بعض الأزمات التي تحصل في البلد كما لم تصل الى حد استيعاب متغيرات العصر ووضع الحلول المناسبة لها ومفردات الحياة تتحرك بسرعة مخيفة قد تقع الحوزة في موقف حرج لا تحسد عليه إذا لم ترتب أوراقها وتأخذ المبادرة في وضع الحلول المناسبة للعديد من المفاهيم الجديدة التي تزخر بها الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية في الوقت الحاضر ولعل السبب يعود الى استصحاب الحالة السابقة للحوزة التي كانت تتحرك في دائرة الفقه الشخصية وإن تجاوزت الى الفقه الاجتماعي أو المجتمعي قد يعرضها الى الضرر الشديد، ولكن لا عذر لها الآن وقد فتحت لها الحياة آفاق الإبداع والتطوير، بل أن كلامها مسموع حتى على مستوى القرار السياسي في البلد كما ان للحالة التبعثرية للحوزة وعدم انتظام عملها في خط متوازن مع متغيرات الحياة شكل سبباً آخر في عدم أخذها زمام المبادرة.
2) التأثير السياسي والحزبي بدأ واضحاً على سير الحوزة العلمية مما جعلها تتعاطى مع الموضوع وتكون محدودة في بعض الأحيان وأحياناً مصلحة الحزب تقفز على مصلحة الحوزة ويوجد شواهد كثيرة.
ج2/ عندما تُدخِل الحوزة نفسها في عمق العمل السياسي وتصبح كمفرده من مفردات السياسة فإن قيمتها الحضارية وأهميتها الاجتماعية في مهب الريح لأنها بهذا ستفقد صورتها ووسطيتها في التعامل مع شؤون الحياة، وقد يكون دخولها المعترك السياسي انجراراً لها من بعض الكتل السياسية التي وجدت نفسها بحاجة ماسة لتدعيم موقفها ودورها الاجتماعي من خلال الارتباط بالحوزة، والحصول على بركات تأييدها، ولكن على الحوزة أن تحذر من ذلك كثيراً خوفاً من توريطها في العديد من المخالفات غير المقبولة في الوسط الشعبي من قبيل دعم كتل سياسية ثبت فشلها في عملها السياسي وتحركها الوطني، أو إفقادها وقوفها على مسافة واحدها من الجميع لأنها تمثل أبوة وخيمة للجميع.
أن مسؤولية الحوزة في الوقت الحاضر أشد وأعظم بكثير من دورها وتحدياتها في الوقت السابق إذ كان عليها المحافظة على حالة الوعي الديني، والشعور الإيماني عند المرتبطين بها، وهي الآن مضافاً الى ذلك تقع عليها مسؤولية قيادة سفينة المجتمع ككل وعلى الصعيدين الديني والسياسي لتؤشر لموقعها الواقعي والقيادي التي جعلها الإمام (عليه السلام) لها في زمن الغيبة.
وأن سكوت الحوزة عن كثير من المشاكل الحاصلة في الوسط الشعبي والرسمي قد يضعها في موضع الاتهام عند العديد من الناس التي أملتَّ فيها خيراً بعد رحيل النظام الطاغوتي، وكان عليها أن تأخذ المبادرة في ترتيب أوراق البلد وأن تضع رؤية واقعية في التعامل مع الاحتلال وإيقاظ الناس على كل سيئاته وأهدافه كي لا تؤخذ الناس على معايير الإعلام الذي يجامل الاحتلال كثيراً، وكأن قداستها عند البعض منعتها عن اتخاذ الموقف الصحيح عندنا في جعل الاحتلال قلقاً من مصيره في العراق من خلال مقاطعته مثلاً أو عدم تطبيع العلاقة بشكل معمق معه.
3) لماذا لا يوجد مشروع واضح للحوزة يكون خطاً عاماً للجميع كتوحيد للكلمة وإعادة هيكلية الدراسة الحوزوية وتوزيع المدارس ورؤية الهلال وأمور كثيرة تثار في الشارع.
ج3/ لأن الرؤى مختلفة يقف وراءها خطوط متباينة، خط يريد الارتقاء بمستوى الحوزة مخلفاً الموروث خلفه، في محاولة لإعادة صياغة الدرس الحوزوي ووسائل التعليم، وربط الحوزة بالبعد الاجتماعي بكل ما يزخر فيه من قضايا ومستجدات، يحاول أن يثير من خلالها دفائن العقول ويستخرج المكنوز من عقول الحوزة في تأهيل شرعي لكل ما هو مستجد.
فيما يريد الخط الآخر إبقاء الأوضاع على شاكلتها لأنه بصراحه يتخوف من الولوج فيما هو جديد قد لا يكون مهيئاً نفسه وادواته البحثية، ووسائله لاستقبال الأوضاع الجديدة، وقد يعلل ذلك بالتشبث بما عليه السلف الصالح، ومشهور الفقهاء، بل أنه متخوف حتى من تدريس كتب جديدة بثوب جديد من الأسلوب المناسب للعصر، والمواكب لما وصل إليه بعض العلوم الحوزوية، وقد يقف وراء هذا الاتجاه أنفاس ذات أبعاد غير دينية.
وعلى هذا فالتحرك بطرح مشروع متكامل للحوزة يصطدم ودائماً يأخذ الخطين، واختلاف وجهات النظر التي ترتكز في أغلبها على الجانب الذاتي وشيء من الأنانية، بحيث يريد كل واحد أن يكون فارس ميدانها وإن على الآخرين أن يتابعوه، وهذا أمر غير مقبول، ومن هنا لا يصار إلى مشروع عام متكامل يشترك فيه الجميع وتتلاقح فيه الأفكار ويؤسس على أساسها مشروع متكامل حضاري يواكب مستجدات العصر الحاضر، ولك أن تنظر هل اتحدت الأفكار والآراء في مستجدات الواقع السياسي المعاصر، وهل وضعت الحوزة مشروعاً لعلاج الأزمة، وهل اجتمعت المرجعيات الدينية تحت أطار إسلامي موحد يضع الداء لدواء الاحتلال على أقل تقدير.
أعتقد أن الحوزة بشكل عام عليها قراءة تاريخ المعصومين (عليهم السلام) بدقة وتحليل عاليين لتقف على الشروط الموضوعية والظروف التي كان يعيشها المعصومون (عليهم السلام) ومن خلالها تباينت مواقفهم مع السلطة آنذاك أو في سعيهم لها، مثل الإمام السجاد (عليه السلام)، ومن خلال معرفة شروط وظروف كل إمام، تقف الحوزة على الموقف الصحيح والشرعي التي عليها اتخاذه وتبنيه، وبهذا ستردم هوة كبيرة بين المرجعيات، وتوجهاتهم.
10) دخول المعممين الى أروقة الحكومة والأحزاب والهيئات العامة وغيرها في السياسة مما أثر سلباً على حصانتهم الدينية وطاروا في فضاء العلمانية ويوجد منهم من يتكلم على العمامة ووصفها بتعطيل التطور.
ج10/ لا مانع من دخول المعمم عالم السياسة شريطة أن يسعى ممثلاً للمثل والقيم الإسلامية وتمثيل حالة الاستقامة والصدق في الإطار السياسي الذي تعتبر هذه المفاهيم غريبة فيه كما هو حال السياسة في وقتنا الحاضر.
وأما دخوله وتماهيه مع الجو العام السياسي بكل مفرداته ومفاهيمه المتداولة بين السياسيين فهو أمر غير مقبول إذ يذهب بالقيمة الاجتماعية المحترمة للرجل المعمم التي ترتكز في نفوس الناس إذ بمجرد دخوله في العمل السياسي واصطباغه بالصبغة السياسية، وجعلها الغالبة على صبغته الدينية يكون فقد رأس ماله الكبير في الارتكاز المذكور، والشواهد كثيرة، أذكر منها دخول الإمام الرضا وقبوله ولاية العهد رسماً لا حقيقة، ونصيحة أمير المؤمنين وإرشاده للخلفاء الثلاثة قبل خلافته، وعمل يوسف (عليه السلام)، في دائرة حكومة فرعون مصر المشرك، وقد حافظ على مكانته وتوازنه بل أثر في الوسط السياسي والاجتماعي كثيراً، وقد يكون تواجد رجل الدين في هذه المواقع بالرغم من خطورتها أفضل فرص للطاعة يقدمها الله له، فإن لم يستطع التغيير فلا أقل يمثل مظهر الاستقامة الذي بمجرد رؤية الآخرين له يدفعهم للامتناع عن التمادي في ارتكاب الباطل، والخجل من الوقوع فيه.
15) إهمال واضح للدروس من قبل الطلبة فنراه يفكر في مقدار راتبه ولا يفكر بتطوير علمه لذا لا يستقر على حال مطلقاً وأينما يجد العطاء الجيد ينتقل إليه وأما الكفاءة العلمية أصبحت حالة ثانوية ولا تأتي أُكلها.
ج15/ قد يكون للطالب بعضاً من الحق لأن متطلبات المعيشة الحالية ووسائل العيش مكلفة وباهظة والدخل الشهري لطالب العلم لا يغطي إلا جزءً بسيطاً من المتطلبات، وفي المأثور المنقول عن أهل بيت العصمة: إن النفس إذا أطمأنت لمعيشتها استقرت ..، وما دام الطالب لم يطمئن لمعيشته، فلم تستقر نفسه، وتقبل بشوق كبير على حضور الدرس ومواكبته.
ولكن طالب العلم ليس كغيره من الناس لأنه يتعامل بالمباشر مع النصوص الشرعية، ويحاول إيصالها الى الناس وهو الأولى بالتعامل معها والتصديق بمضامينها، مثل قوله تعالى ((ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)) وقول الأمير (عليه السلام) والله أن طالب العلم رزقه مضمون)) ولو تأمل أخينا الطالب في هذه وأمثالها لما دارت عجلته فيما بين المكاتب مكتفياً برواتبه التي يتقاضاها وسيفتح الله له رزقاً، ولكن المعظم وللأسف الشديد لم يصلوا حد الاطمئنان والإيمان بما في مضمون هذه الآثار المباركة.
كما لا يفوتني أن اذكر بأن عطاء بعض المكاتب لا يناسب جلالة وقدر طالب العلم عند الله ورسوله وفي المجتمع كما لا يناسب الموارد المالية التي تأتي لبعض المكاتب، وكأن في الأمر شيئاً، وهو لجعل الطالب في دوامة الحاجة ليتردد عليك، كما سمع هذا القول بعض الثقاة ونقله إلينا من بعضهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وليست الأموال أموالهم، وإنما هي أموال الإمام (عليه السلام) ومجعولة للفقراء كما يقول القرآن { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الآية 60 التوبة.
استفتاء للمرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله الوارف) حول مسلسل نور ومهند
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ الأستاذ قاسم الطائي (نصرك الله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
انتشرت في الأوساط الشعبية العراقية متابعة مسلسل مدبلج باللغة العربية يصور جزء من حياة الشعوب الأخرى المختلفة كلياُ عن عادات وتقاليد شعبنا ويعكس بعض الممارسات الاجتماعية المرفوضة عندنا من حيث العلاقة الإنسانية والمظهر الخارجي ، وقد أنتشر بطل المسلسل باسم ( مهند ) حتى ذاع صيته في معظم مناطق بغداد وبعض المحافظات وتمنت كثير من النساء اقتناء صورة مهند حتى وصلت معدلات بيع صورته إلى عدة الآف ولا زالت المبيعات تتصدر قائمة الصور المباعة ،إضافة إلى كثير من الأشياء، وقد التجأنا إلى جنابكم الكريم
لمعرفة رأي الشارع المقدس بمتابعة هذا المسلسل من على شاشات الفضائيات .
ولدكم أبو أحمد
(ألجواب )
لا بد من التنبيه على بعض الأمور قبل الإجابة عن موقف الشرع :
v الأمر الأول:- من المؤسف جداً أن تأخذ هذه المسلسلة كل هذا الاهتمام الشعبي العام ولا تأخذ مسألة البلد وما يجري فيه من عراقيل تؤدي بسفينته أن تكون مجهولة المرسى كما عبر بعض السياسيين الكبار والذي تقع مسؤولية توجيه الشباب من الأبناء والأصدقاء على الآباء والمربين بعناوينهم المختلفة من الأب ، والمدرس ، ورجل الدين ، و..
v الأمر الثاني:- إن شعوب الأرض قد وجدناها تعتز بقيمها وأعرافها وتقاليدها ، وتحاول المحافظة عليها وأن تَطلب ذلك تجاوزاً على القيم السامية التي تنادي بها من قبل حرية التعبير ، وحقوق الإنسان ، فنراها تشرع جملة قوانين ولوائح للمحافظة على تلك القيم ومنع تغييرها أو تبديلها أو التأثير عليها من قبل المهاجرين ، بل تفرض عليهم الاندماج مع المجتمعات القادمين إليها ومحاولة التكييف مع أعرافها وهذا ما نجده في المجتمعات الغريبة ، والسبب يكمن باختصار هو اعتزاز هذه الشعوب بثقافاتها وأعرافها وتعتبرها جزء من هويتها الوطنية .
v الأمر الثالث:- إن الشارع تعامل مع ما بثه من قيم وأخلاقيات إسلامية في مواطن رسالته الخاتمة بمثل ما تتعامل به المجتمعات الغربية في الأمر الثاني أعلاه وهو السابق عليها في ذلك من جملة قوانين وأحكام وإلزامات أخلاقية للحفاظ على بنية المجتمع ، وقد شدد على كثير من الممارسات التي تسيء إلى البنية الاجتماعية وتحاول الإخلال بها فضلا عن البنية الأخلاقية ، وقد جعل الفقهاء الإخلال بالنظام الاجتماعي العام من مواقع الاستناد في كثير من الأحكام .
v الأمر الرابع:- إن الكثير ممن يدعي الثقافة والانفتاح لم يعِ ما لمثل هذه المشاهد من آثار قد لا تظهر بالأمد القريب على بنية المجتمع وعلاقاته الأسرية والاجتماعية ، ولكنها حينما تظهر سيصعب على ثقافتهم وانفتاحهم معالجتها لترسخها في أعماق النفوس من غير واقية من شرع أو عقل أو عرف وما حالنا الآن إلا للتساهل الذي وقع في الميادين السابقة جرنا إلى الوضع الحالي بكل سيئاته وسلبياته . وتبقى حكمة الشارع المقدس وهمة بعض المخلصين من رجال الدين تقاوم وتنتفض في وجه هذا المد الذي يُراد له أن يُفلل العرى الدينية والأخلاقية للفرد المسلم وبالتالي سيسهل على الآخرين مد نفوذهم والسيطرة عليها وهذا المعنى يعرفه معظم أبناء الشعوب الإسلامية .
ومن هنا تبين – إن هذه المسلسلة وكل ما تحمله من حكايات وممارسات بعيدة عن قيمنا وتقاليدنا التي نعتز بها وتثير دوافع الشهوة و الاندفاع بها إلى ما لا نهاية ومن خلال لقطات الإثارة والمناظر المثيرة .
كما أن التشبع بصورة البطل الجميل وكأنه فارس الأحلام للفتاة أو البطلة العارية تقريباً وكأن ملهاة الشباب المتعطشين للممارسة الجنسية ، قد يدفع الطرفين إلى عدم الاقتناع بالزوج على غير مواصفات البطل أو البطلة فتحصل المشاكل وقد يجري ما لا يُحمد عقباه في أن يبحث كل منهما عن ضالته التي يمثلها البطل أو البطلة ، أو يحاول الشاب أو الشابة تقليد البطلين من جهة تخيلهما قدوة لهما وما يمثلانه من مستوى متطور للمظهر والجمال فيرهق نفسه وأهله في ما لا طائل فيه من الماكياج والملبس . ومن هنا نقول أن مشاهدة هذا المسلسل مضر بالنفس من جهة تنمية عوامل التحلل والتسيب والانفتاح على ما لا يُحمد عقباه ويشجع على التمرد وعلى الخروج عن العلاقة العائلية ، ومن هنا فمشاهدتها محرمة لأننا نقطع بحصول الريبة والتلذذ للأعم الأغلب من المشاهدين ،وشراء صور الممثلين معاملة سفهية وهي باطلة والأجور عليها محرمة على لأحوط . وهذا الاندفاع نحو التعلق بالبطل سرعان ما يزول ليبحث الفرد الطائش عن بطل من جديد .
موقعنا على الانترنت :www.kassimaltaai.org
بريدنا الاليكتروني: kassimaltaai.org@gmail.com
- بيـــــــــــــان
م/ الفتح الحسيني
يشعرك مشهد الزحف المليوني الكبير الذي فاق كل التوقعات والتقييمات بمظهر يوحي بعزة هذا الشعب وإخوته وقوته فقد اجتمعت أبناءه من مختلف مناطق العراق متجاوزة الحد الجغرافي والإطار الطائفي والخطوط الحمراء للإرهاب عندما وجهت ضربة قاسمة له ولأنصاره الذين استهدفوا المشاة في الإسكندرية مستخفة بالقتل بل ومستأنسة بالموت وبالشهادة لان حب الحسين ملك قلبها ونور بصرها فأصبحت لا ترى في الموت الا سعادة وتحدي الظلم والطغيان إلا تسلية ذلك انه الحسين منور القلوب و محشد الشعوب وهو يتجاوز في إمامته وقدوته إطار الطائفية بل إطار الإسلام إلى الإنسانية فهو إمام الإنسانية جميعا مهما قزم المأجورون أقلامهم بتوصيفيه إمام الشيعة .
فها هو الحسين يدافع عن جده رسول الله صل الله عليه واله الذي يساء إليه بكل وقاحة وخسة من قبل الغرب المتحضر كما يدعي لنفسه متجاوزا مشاعر وعقائد أكثر من مليار نسمة من مختلف شعوب الأرض فقد بعث برسالته لهؤلاء بان المد الإسلامي قادم لا محالة شئتم أم أبيتم .
وهي رسالة التحرير والتبشير بل والتحرير من عبودية الإنسان لأخيه الإنسان واستخفافه بإنسانيته وكرامته فقد أذيبت كل الفوارق الطبقية في مشهد الزحف الكبير وغابت بالتمام المقامات والاعتبارات فالكل متساوون وفرحون بهذه الزيارة ومتحابون ومتصافون ومتعاونون في أروع مشهد أنساني لم تشهده البشرية من قبل عندما تجاوزت إعداد الزاحفين أكثر من عشرة ملايين زائر بشهادة كاتب السطور وبدون مشاكل أمنية ولا اقتصادية ولا إدارية لأنها فطرة الإنسان اذا عادت إلى صفائها فجرت إنسانية أصحابها وأقبرت فيهم ما يعكر صفوها من حب الخير ونبذ الظلم المتمثل بالحسين عليه السلام ونهضته .
إننا ومن منطلق المسؤولية الإنسانية أولا والشرعية ثانيا والوطنية ثالثا ندعو كل العراقيين وبمختلف انتماءاتهم وألوانهم إلى هذا الفتح الكبير وسيجدوا من النتائج والثمار ما لا تصفه الكلمات ولا تحدثه المواقف وسيعلم إن هذا البلد أعظم شانا وأعمق مكانة من إن تناله أيدي السوء مهما تكالبت وتعاضدت على النيل منه
كما وإنها دعوة للسياسيين العراقيين لاستثمار المشهد واستكمال والتواصل مع الشعب وأبناءه والاحتكاك بهم بعيدا عن التصريحات الإعلامية والمساومات الكلامية في خدمة –الشعب- وسوف لن يجد السياسي إلا ما لا يتصوره من السعادة والعز فيتجدد به نشاطه وحيويته في مسعى جديد وسيعرف إن السجالات السياسية والمساومات الحزبية الا أهداف ضيقة سرعان ما تزول ويبقى الرصيد الشعبي هو الأقوى والأعصم .
ومما يؤسف له إن الخدمات الحكومية لم تكن بالمستوى اللائق لتعزز الحكومة قدرتها على ضبط الأمن واعتبارها إمام المراهنين على فشلها او عجزها ولا يضرها لو وفرت سكنا لائقا للزائرين على ابسط إشكاله بما لا يكلفها ما تعجز ميزانيتها على تغطيته ويا حبذا لو تركت بعض الأساليب الاستفزازية في التعرض للزائرين ومصادرة العصي التي يتكأ عليها الماشي مسافات طويلة لان الماشي ليس له غرض فيها إلا الاتكاء عليها .
ان هذه الأساليب وغيرها لم تغير من المشهد العراقي شيئا بقدر ما تزيد في تعقيد الأزمة وتعميق الجرح ولنتعلم من الحسين عليه السلام روح المسامحة والمصالحة حينما بكى على قاتليه لانهم سيدخلون النار بسببه .
علينا جميعا أيها السادة التفاعل من الرسل الحسينية لتأكيد أصالة شعبنا ومتانة روابطنا وقوة ممانعتنا وسر صمودنا وعندما ينادي الحسين عليه السلام فعلى الجميع إن تلبي بصوت واحد وقلب صادق لبيك يا حسين فان العز كل العز حينما نكون حسينيين وإلا لم نستطع تجميع أكثر من بضعة ألاف مواطن مع كل وسائل التغرير والتطميع والتدليس الإعلامي . - مكتب المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي أعزه الله
20 صفر 1429 هـ