You are currently viewing نشرة النهج العدد 134

نشرة النهج العدد 134

يسألنا الناس

وإذ يقترب موعد الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات، فيكثر سؤال العامة والخاصة على مستوى المشاركة وعلى مستوى الاختيار، وقد قلنا لمعظمهم أننا سوف نسكت بعد أن أخذنا على أنفسنا عدم التدخل في الشأن السياسي الداخلي بل والخارجي ومن يطلع على صفحة المكتب يجدها خالية من أي تصريح أو تلميح لشأن سياسي داخلي كان أو خارجي، بعد أن وجدنا أن الكلمة لا يصغى لها والقول لا يعبأ به من جهة زحمة المصرحين وكثرة فضائيات المدعين، ومحاصرة أقوال المحقين وقد أتصل بنا بعض الساسة وكان يشغل منصب أعلى في هذه الدولة وقال بصريح العبارة أنكم أنظف رجل دين رأيته في حياتي، ولا أدري لعله يجامل والله العالم، فقلت له الآن عرفت ذلك وأين كنت فقال لا ….

وهذا اعتراف من سياسي مخضرم ولكن الأمر المهم هل استطاع من فتح المجال لهذا الرجل الذي وصفته بأنه أشرف وأنظف رجل دين أم أنها مجاملة المفلسين فإذا كان على هذا المستوى من الموقع السياسي ولم يأخذ بكل ما بيناه في عمليتهم السياسية وطرحناه من برامج حكومية وتوجيهات وتوصيات للقائمين عليها وسردناه في مجلات عملنا واعلامنا وهم يأخذون ثمار بساتين أقوالنا ونظرتنا ولكن لا يُرجعون الأمر الى اصحابه بل يطلقونه وهو كلامهم ونحن قابلون بذلك شريطة تطبيقه والعمل به، وأوضح مثال ما طرحناه في الدعوة للاستفتاء لتقرير مصير كردستان قلنا بأن الاستفتاء لجميع العراقيين لا لخصوص منطقة الاستفتاء وعللنا ذلك منطقياً وقد خرجت اصوات تطالب بذلك.

ولأجل اعطاء ضابطة للسؤال المتصدر في عنوان المقال نقول:

كل من لم يحترم العراق كبلد واحد وليس موحد، ولم يحترم ثرواته كما سرقتها التراخيص النفطية ولم يحترم حدود العراق ويراعي منافذه الحدودية والمائية بالخصوص، ولم يحترم انتخاب الناس له، ومن لم ير منه الا مصلحته الشخصية ولتذهب العامة الى الجحيم، وكل من لا يدري بما يدور في داخل البلد، وهو يدور –يتخِّم – في بلدان الأرض وكل من لم يحترم المرجعية ودورها لا يجوز انتخابه بل يتحمل الناخب كل أوزار المنتَخب واخطاؤه في الدنيا والاخرة.

ولست بحاجة الى ذكر أسماء من وقع في ذلك، كما لا يفوتني أن أنبه على ان كل من جامل جرائم التحالف الدولي وقتله أبنائنا في الحشد الشعبي الأبطال وقواتنا المسلحة، لا يجوز انتخابه.

الا اننا سنطرح أسماً لا نبالي بذكره والتنبيه على عدم انتخابه وهو من دمر جملة مؤسسات للدولة، كالكهرباء والتعليم وقبلها النفط بتراخيصه النفطية، التي أذكر المواطن، من جملة سرقات هذه الشركات لثروة العراق أن العراق كان يستخرج البرميل من النفط بكوادر عراقية بدولارين، وهذا الشخص أعطاها للشركات باثنين وعشرين دولاراً فهل هذا عاقل أو لا ينبغي التعامل معه.

وهي تحسب مشترياتها بأية قيمة مهما كانت عالية جداً حتى محرمات شربهم ولياليهم الحمراء بملايين الدولارات، متى صحوت ايها المواطن وأنت تبحث عن عمل تعتاش به وثروتك يديرها من لا يخاف الميعاد.

 

17 ذي القعدة 1438 

 

موضة الإلحاد

انتشرت في عموم العالم بمناطقه المختلفة والعراق جزء من هذا العموم فكرة بل (موضة) الإلحاد الذي يعني لا وجود لخالق لهذا الكون، ويثار أمام شبابنا بعض الأسئلة التي لا يجدون لها جواباً، من قبيل لِمَ خلقني الله.

وإذا علم بأني من أهل النار وخلقني فذلك يوحي بأنه سبحانه أراد معاقبتي وكان بإمكانه أن لا يخلقني وغيرها، ولكن هذين التساؤلين هما أهم ما يثار أمام الشباب، وربما مع الكبار وحيث يكون الجواب مشوش فأن السائل لا يقتنع به، هذا اذا كان السائل يريد الوصول الى الحقيقة، وهو ليس كذلك بقدر ما يريد الإثارة والتشكيك والتعنت، وقبل ان نجيب عن هذين، فلا بد من ذكر مقدمة تقول ان القناعة أمر نفسي، فإذا ما خلى الإنسان ونفسه أنه يقتنع بالجواب، وإذا ما بنى في داخله على أمر ما وهو يسأل من خلاله، فأن القناعة لم تحصل لديه لأنه لا يريدها بل يريد ما في نفسه ولو كان سؤاله تعنتاً لا تفقها وتعلماً.

ويضاف ان موضة الإلحاد سقيمة وعديمة الجدوى إلا أن تكون لغاية رمي الدين واتهامه بأنه سبب لتخلف وتأخر الأمة، وهذا بالضبط ما يريده من يقفون وراء دعوة الإلحاد وكأن التأريخ يعيد نفسه في موقع جغرافي آخر بعد الصراع المرير بين الكنيسة والسلطة في القرون الوسطى في أوربا.

والمعتقد هذا هو بالضبط المقصد من ذلك، وإلا فأن الله سبحانه في كل مكان بما في نفس الإنسان.

وفي رواية هو من عرفنّا نفسه ولولا ذلك لما عرفناه وقد فطرنا وخلقنا على التوحيد، والإشارة القرآنية واضحة ((فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)) وهذا المعنى يجده الإنسان عندما يتعرض لمخاطرة كبيرة يشعر أن حياته في معرض التلف فيجد بشكل تلقائي وغير ملتفت إليه بأن نفسه تتعلق بأمر ما ذلك الأمر هو الله المنجي والمنقذ من هذه الورطة سميه ما شئت لكنه هو الله، كما لو أخبر كابتن الطائرة بأن خلل ما فيها واحتمال سقوطها كبير، لا شك أن تجد جميع من فيها يتضرع الى السماء ويمد يده الى الفوق ويتمتم بكلمات واضحة في التوسل والاستغاثة بالموجود المطلق الذي هو الله لا يفترق الحال بين من يتصف بالالحاد ويقول بأني ملحد وبين من يتصف بالايمان وهو يؤمن بالله سبحانه.

وهنا قد توجه الصنفان الى القوة الغيبية المهيمنة على كل العالم بما فيها أنفسهم راجين منها تخليصهم من هذه الورطة، وهذا اعتراف منها بوجودها وتأثيرها فطرياً منهما، ولا تعليل لذلك الا ان الانسان مفطور عليها، وكل من يلحد ليجرب نفسه لو اعتراضه أمر ما فأرادوا اسقاطه من شاهق أو جبل أو طائرة أو ….. ولا مناص من توجه نفسه وقلبه نحو تلك القوة – الله – وقد سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الله سبحانه، فأجاب ما مضمونه إذا كنت في سفينة وقد أوشكت على الغرق فما تعلقت به نفسك فهو الله سبحانه.

لنعود الى السؤالين: الأول: فالسؤال هل يصح توجيهه للفلاح لِمَ يزرع، وهل يصح توجيهه للمحامي لِمَ تدافع ، وهكذا لكل صاحب صنعة أو صفة، والله الخالق المطلق، فهل يصح توجيه السؤال لِمَ خلقتني، كلا لا يصح وإذا كان السؤال خاطئاً ومع خطأه لا معنى لطرحه.

هذا مضافاً الى ان السؤال متى وقع إما قبل ان يخلقك أو بعده إما قبله فأنت غير موجود لتسأله، وإما بعده فأنك وجُدتَ، والسؤال لا أثر له.

وبعبارة – منطقية – الشق الأول يعبر عنه بالسالبة بانتفاء الموضوع كما لو قلت داري واسعه وأنت لا تملك داراً  ولا وجود لدار عندك، والشق الآخر يعبر عنه بتحصيل الحاصل، بمعنى ان ما هو حاصل لا أثر لتحصيله لغواً، كما لو قلت داري في النجف هي داري، فأنك لم تضف شيئاً نافعاً بهذه الجملة بعد ان كان موضوعها – المسند إليه  – موجوداً ومتحققاً أو قل متحصلاً.

والثاني: أنه رسم لك الطريق وبين لك المسير ونزل كتباً سماوية وبعث رسلاً بشرية، وفطرك على طريق، طريق الهدى وطريق الضلال وذكرَّك وأكثر من بيان الأمر لك، بأن طريق الهدى نهايته الجنة والنعيم الأبدي، وطريق الضلال نهايته النار والعذاب الابدي، فتقدم إليك بالبيان وأوضح لك السبيل، واعطاك من النعم ما لا تعد ولا تحصى، ولا فضل لك في طاعته فأن ادواتها كلها منه سبحانه تفضلاً وإمتناناً، ويسر لك الطريقين يجعلك مختاراً لأحدهما فإذا ما اخترت طريق الضلال فذلك بما قدمت يداك، وإذا اخترت طريق الهدى فذلك ما يسره لك ووفقك إليه.

وإذا كان الأمر كذلك، وقد أمررك في الدنيا لتختار ما أنت تريده وتشاؤه لنفسك فإذا ما دخلت النار، كان ذلك بسبب عملك وسوء اختيارك، وعلمه بالنتيجة لا يعني أنه يرديها ابتداءً وكان العلم علمه لضلالك ودخولك النار بل علمه كاشف عن ذلك وليس علمه.

كما ان علمه – بما هو علمه – لا يكون مبرراً للإدانة وتحمل المسؤولية ما لم تجرب وتمر في هذه الدنيا، وما ستكون عليه فأنت ملزم به، ومن دون تجريبك في هذا العالم يكون لاعتراضك وجه ولسؤالك مبرر، وإما وقد اختبرك وانزلك لهذا العالم، وبين لك الطريق، وبارادتك اخترت الضلال فذلك مسؤوليتك تتحملها بنفسك.

وهذا ما تجري عليه حتى القوانين الوضعية فأنها قبل التلبس بالجرم وارتكابه لا تتهم الإنسان، وبعده تتهمه وتدينه وهو قد اختار لنفسه هذه الإدانة وآثارها، مع انها بينت قانونها في العقوبات الجزائية لكل من يخالف أمراً أو ينتهك محرماً فعلمها بأن المجرم يعاقب، هل هو علة لعقوبته أو أنها من قررت ذلك وإذا ما وقع في الجرم ادانته، فكان لا بد من وقوعه في الجرم ليعاقب.

والحال في الانسان كذلك مع فارق بأن الله سبحانه يعلم بالاشياء قبل وقوعها وحين وقوعها، ويعبر عن هذا العلم بالعلم الفعلي الذي هو ملاك الإدانة والعقوبة، بمعنى عالم بما يقع من فعل من المكلف لا يدان فإذا ما وقع أدين.

وأعتبر بهذا المثال: لو لم يكن أبن ملجم قد قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان الله يعلم بأنه سيصدر منه ذلك، فهل يصح معاقبته على فعل لم يرتكبه، فلا يصح لأنه سيعترض على المولى سبحانه بأنه لم يصدر مني قتل الولي ولكن الله حاسبه بعد وقوع الفعل منه، فكان مداناً ومعاقباً، فقد حصل منه بالفعل قتل الأمير (عليه السلام).

وإذا لم يعجبك هذا المثال، أعتبر نفسك أباً لأبن فأنك وإن كنت تعلم بطريق ما أن أبنك سيرتكب خطأ ما ولكنك لا تستطيع معاقبته ما لم يصدر منه هذا الخطأ، فتقول له أعلم بأنك ستفعل كذا، وحينما يفعله تعاقبه على فعله هذا، وهنا علمك ليس علة لإرتكابه المخالفة ، وإنما العلة هو تصرفه واختياره، فأفهم وفقك الله ولا تكن مصداقاً للآية {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ }غافر47

 

متفرقات

1- بعض المحرمات الاجتماعية التي يغفل عنها الناس أذكر منها:

أ- رد السلام واجب وتركه محرم، والرد يكون بنفس صيغة السلام عليكم أو بالاحسن منها باضافة ورحمة الله وبركاته، وإما القاء السلام فهو مستحب لتبديد مخاوف المقابل وعليه فالرد بصيغة رحمة على أبيك، وعليكم فقط غير جائز بل في الاخير هو دعاء على المسلم كما أجاب الرسول (صلى الله عليه وآله) على بعض أهل الكتاب عندما سلم عليه بعبارة السام عليكم فأجابه وعليكم، والسام يعني الموت وهي لفظة قريبة من السلام.

ب- جلب المدعو الى وليمة من بعض الناس بعض اصحابه أو ولده، وهم غير مشمولين بالدعوة ما لم تكن هناك علامة واضحة على قبول صاحب الدعوى، وإلا كان ذلك محرماً وقد يضاف أن تناولهم للطعام غير مجوّز من قبل صاحب الدعوى.

جـ – الاطعمة المقدمة في الدعوى مباحة للضيوف، وليست ملكاً لهم ويترتب على ذلك، حرمة أخذ الاطعمة معهم مالم يحصلوا على إذن خاص من صاحب الطعام ورجل الدعوى، فما يقوم به البعض من أخذ بعض الاطعمة معهم غير جائز إلا بإذن من صاحبه أو كان على نحو التمليك، كما هو الطعام المقدم بالطائرات، فظاهره تمليك الراكب ويترتب عليه أن أخذه من قبله جائز.

د- متابعة بعض المباراة المشهورة لفرق كرة القدم، كما هو الساري عندنا في العراق عندما يلعب فريق ريال مدريد مع برشلونه، ويفضي ذلك الى مشاجرات بل ومواجهات وقتول، فهو محرم لأنه طريق الى المحرم، وإعانه عليه حيث يغتاظ مشجع الفريق الخاسر من مشجع الفريق الفائز ويدخل في لحظة غضبه الشيطان ليغويه بقتله فيرتكب جرماً تهتز منه اركان العرش فيندم ولات حين مناص وفي الأخرة عذاب شديد وخلود دائم في النار كما أخبرنا القرآن.

هذا ناهيك على أن تعلق الفرد بالفريق الذي يهواه قد يدفعه الى التعلق فيه والتطرف فيخرج عن حد الاعتدال فيقع في الافراط في حبه أو بعض زملائه وقد يترك بعض الواجبات والالتزامات الشرعية لتغليبه هواه في حب هذا الفريق على دينه والالتزامه الشرعي فيكون عليه محرماً.

بل قد يكون من أشد المحرمات الى حد الشرك بالله عندما يأخذه تطرفه الى ان يصل به الهوى الى توصيف اللاعب الفلاني بعلي (عليه السلام) أو بأحد من اللذين لم يَجُد الزمان بمثله أبداً كما نقل إلينا ذلك من بعض المحبين لنا في البصرة.

يضاف الى ذلك، الاطلاقات النارية المكثفة والتي فيها ترهيب لعامة الناس وتفريط وتبذير بالعتاد الذي نجن بأشد الحاجة اليه في مواجهة الارهاب المستشري في الشرق الاوسط، مع ما يصاحبها من السقوط على البعض فتؤدي بحياته، ويتحمل الرامي مسؤولية دمه.

إننا ننصح أن هذه اللعبة لا ينبغي أن تأخذ أزيد من حقها وقضاء وقت محدود لها، لا يؤثر عى عبادة الفرد ولا يتطرف بأزيد من ذلك فأن هذا هو بالضبط ما يريده الاستكبار العالمي؛ وعلى الاباء مراقبة ومتابعة ابنائه وتصرفاتهم ليحد من تطرفهم، وله منعهم من مشاهدتها.

 

ما بين الحاء والثاء

حرفان من الحروف الهجائية للغتنا العربية، لغة القرآن وأهل الجنة، حيث تمتاز لغتنا باختلاف المخارج الصوتية لها، فالمخرج الصوتي للحاء هو اقصى الحلق بفتح الفم أكثر من المعتاد، فيما الثاء مخرجه الصوتي ما بين اللثتين والاسنان حيث الحاجة الى جعل اللسان بين الاسنان عند التلفظ بحرف الثاء، وعلى هذا فأحدهما مقابل الآخر، فكأنهما ضدان لا يجتمعان في مورد من جهة معينة، وإذا ما طبقنا الحرفان في كلمة بحرف الحاء واستبداله بالثاء فإن المعنى سيتغير بشكل ملفت للنظر، فيشير بأحدهما بالتقدم والرقي والنمو وتحريك العجلة العملية وتفجير طاقات الانسان، ودفعه للابداع و .. لما لحرف الثاء من التقدم والبروز في مخرجه وما بين الاسنان، وخروجه ما بين الاسنان قد يرمز اليه بأنه احتفاف بما يكون حامياً وحارساً له ، لأنه يعني الابداع ولزيادة والنمو والعلم يحرس الانسان لا كالمال لأن المال يحرسه الانسان.

وهذا ما توحيه كلمة الاستثمار بضم الثاء الى كلمة الاستمار ومعناه طلب الأمارة أي العلامة فمن يطلب من آخر علامة ومنه تفهم ملأ الاستمارة للشخص المتقدم لأمر ما كطلب التعيين، فتقدم الاستمارة بها معلومات وافرة عن شخصه.

فالاستمار هو طلب المعلومة الشخصية، فإذا ما قدمها سميت استمارة وهذه الاستمارة أن ضم اليها الحاء اصبحت استحمار، أي طلب الحمارة والقيادة، واستحمر القوم صيرهم حميراً، فكانوا محامل لسعيه وفعله وافكاره ومجونه واغبياء في تعاملهم معه و ..

وهذا الفرق بين الحاء والثاء بعد أن جعلنا الحد الوسط أو مادة ضم الحرفين الاستمار طلب البيان، فإذا لحقت بها الحاء أصبحت استحمار وإذا لحقت بها الثاء اصبحت استثمار، والفرق واضح فإن الاخير يعني الزيادة والنمو وطلبهما، والاول يعني المراوحة والغباوة وطلبهما.

وهذا بالضبط ما وقع في بعض مواقع هذا البلد، فإن العديد من مواقع الاستثمار أرجعت ببركة حكومة هذا البلد الى استحمار، وبدلاً من النمو صار الاستنزاف ونقل التمر الى الغير بدلاً من مالكه الشعب.

فهل يعقل اعضاء معملين ضخمين لإنتاج السمنت واحد في السماوة وهو ينتج أفضل وأجود انواع الاسمنت في الشرق الاوسط، فقد اعطاه أهل الشأن ممن لا يخاف المعاد ولا يحسب حساباً للعيب والخجل العرفي الى شركة ايرانية وهو بالتأكيد سيتحول الى استحمار لعشرات أو مئات العاملين الذين ستسرحهم الشركة لعدم الحاجة اليهم.

ومعمل اسمنت كربلاء أعطي لشركة فرنسية وهو ينتج كميات تسد جزءً كبيراً من حاجة البلد وبنوعية جيدة، ويحقق ارباحاً توزع بعضها على المنتسبين حتى نفس المستثمر الفرنسي استغرب من هذا الاجراء.

فهل هذا استثمار يا سادة أو هو طلب استحمار؟! والامر لكم لأنه من الزيادة الى النقصان ومن الابداع الى الخذلان ومن النشاط الى الكسل ومن الحركة الى الجمود، فهنا تقهقر وتراجع فكيف تحكمون؟!

 

لماذا نرفض الحرام

في عالمنا المادي ترابط عجيب بين اسبابه ومسبباته وإن كل شيء في هذا العالم مرتبط باسباب عديدة لا يعلمها الا الله سبحانه ويقول أهل الفلسفة بأن الشيء مؤثر على كل من يرتبط بها ويتأثر بها في نظام عجيب من دون اختصاص بعالم التكوين بل يشمل عالم التشريع، فما أوجبته الشريعة كان امتثاله مؤثراً ايجاباً في عالم التكوين وترك المحرمات هو كذلك، وإن ارتكاب أي محرم يؤثر بشكل وآخر على حياة المجتمع وإن لم يكن محسوساً ولكنه مؤثر، كما تنبأ بذلك بعض آي الذكر الحكيم وجملة فقرات دعاء كميل فمن الآي  {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً }الجن16 و  {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96

ومن الدعاء ((اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم))

وهذه النصوص توضح بشكل لا يقبل التأويل بأن من آثار الذنوب إنزال النقم جمع نقمة وهي ضد النعمة، فبدلاً من تنزل النعم على المجتمع تنزل النقم وتطال الجميع لأن من الذنوب ماله من الآثار الاجتماعية المطلوب من الجميع محاصرتها وقلعها والحيلولة دون ارتكابها لأن اثرها ينجر الى الغير من دون اختصاص بالذنب خاصة ومن هنا تظهر أهمية فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأن الآمر والناهي إنما يعمل لأجل مصلحته ومصلحة المجتمع وإن الذنب لايطال اثره المذنب خاصة بل يطال الاخرين ويؤثر فيهم سلباً من النقمة وقطع الرجاء وزيادة الغلاء وغيرها من العقوبات كآثار للذنوب المرتكبة، وعلى هذا فكل من يقصر في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما يعين على خراب بلده وبالتبع خراب نفسه ومستقبله ولا مجال لدعوى الحرية الشخصية كما يتشدق بعض الجهلة في هذا الأمر لأن الذنب المرتكب لو كان أثره منحصر في دائرة مرتكبه لكان لهذا الأمر من وجه، وما دام أثر الذنب يسري الى الآخرين ويؤثر سلباً فيهم فهنا تقف حرية المذنب حيث يصطدم بحريات الآخرين، فقد ورد في الاثر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: أن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصة إذا عملت الخاصة بالمنكر سراً من غير ان تعلم العامة، فإذا عملت الخاصة بالمنكر جهاراً فلم تغير ذلك العامة أستوجب الفريقان العقوبة من الله عز وجل، والمعنى واضح بأن المجاهرة بالمنكر لابد وان يقابل بانكار العامة والا استحق الفريقان العقوبة من الله.

وإليك بعض آثار الذنوب على ما جاءت به الاخبار.

ففي صحيحة إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان أبي يقول تعوذ بالله من الذنوب التي تعجل الفناء، وتقرب الآجال وتخلي الديار، وهي قطيعة الرحم والعقوق وترك البر.

ولأن من الذنوب من تقرب الأجل فورد عنه (عليه السلام) أن الموتى بالذنوب أكثر من الموتى بالآجال.

رواية أبي مجاهد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: الذنوب التي تغير النعم البغي، والذنوب التي تورث الندم القتل، والتي تنزل النقم الظلم والتي تهتك الستور شرب الخمر، والتي تحبس الرزق الزنا والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين.

رواية صفوان بن يحيى قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام) إذا فشا اربعة ظهرت اربعة، إذا فشا الزنا ظهرت الزلزلة، وإذا فشا الجور في الحكم أحتبس القطر، وإذا أخفرت الذمة أديل أهل الشرك من أهل الاسلام، وإذا منعوا الزكاة ظهرت الحاجة.

وهذه الروايات وغيرها الكثير ترسم بأن الذنب له آثار مدمرة ما لم تكبح وتردع فأن آثارها تصل الى دمار البلد وهلاك الديار ومنه يتجلى عظمة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأنه يدافع عن نفسه وصلاح دياره.

 

كثرت عليّ الكذابة

كلمة اطلقها رسول الانسانية (صلى الله عليه وآله) في حياته وستكثر بعد مماتي على قوله (صلى الله عليه وآله) وقد اثبت النقل التأريخي صدق هذه المقالة أو هذه القراءة كما هو كذلك لأنه الصادق الامين، وهذا واضح لا شك فيه، ولكن يبقى لنا أن نتساءل ونطرح السؤال التالي، لماذا كثرت الكذابة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وستكثر بعد موته.

ولتجلية الجواب: يمكن ان نفسر ذلك، بأن حياته (صلى الله عليه وآله) كان يمثل قائداً ورسولاً ومؤسساً لدولة فتية ضمن الاطار الاسلامي، وهي صياغة جديدة لم تكن تألفها النفوس أو تتقبلها العقول ومن هنا ستأخذ في الحيلة والخديعة فتقع في الكذب فمن يكلفه (صلى الله عليه وآله) بعمل ما قد لا يتوافق مع اسسه الفكرية أو مصالحه الشخصية وربما رواسبه العصبية، وللتخلص من حراجة الموقف مع شخصه الكريم يتوسل الى ذلك باعذار لا واقع لها، والرسول (صلى الله عليه وآله) يعرفه ولكنه مبعوث رحمة للعالمين ويتعامل بالظاهر.

أو يجربه في قضية يتوقع المجرب بأنه أهل لها وقادر على اتمامها لتحصيل حظوة له مع الرسول (صلى الله عليه وآله)  فيفشل في ذلك ويكون قد كذب على الرسول بأنه يقدر ولست بحاجة الى سرد وقائع من هذا القبيل.

وهناك المنافقون الذين أخبر القرآن عنهم، والمنافق كاذب بطبيعة الحال لأنه يظهر ما لا يؤمن به ولا يعتقده فيكون كاذباً.

ومنهم من يكذب ليبين حرصه واهتمامه بالرسول ورسالته ظناً منه أنه ينال حظوة عنده، وهذا ما لا يخفى على رسول الانسانية، ولهذه وغيرها قال كثرت الكذابة عليّ في حياتي، وإما بعد مماتي فكيف نفهمها نقول ان الذين فاتتهم الفرصة في المساهمة في نصرة رسالته أو الدفاع عن قضيته أو عدم الحصول على مكاسب في حياته لموقع متميز في اطار عنوان الصحبة أو الحصول على اشارة من الرسول بحقه كما اشار بحق أمير المؤمنين (عليه السلام) في مناسبات متعددة ومختلفة زماناً ومكاناً فراح يسطر لنفسه مآثر قريبه ويسجل لشخصه مواقف قريبه بما قاله الرسول بحق من يستحق، خصوصاً إذا ملك السلطة والمال والزلفى لدى خليفة الزمان، ولا يخلو زمان من وعاظ السلاطين الذين يظنون انهم يحسنون صنعاً، فعمدت أهل النفوس المريضة من أجل فتات من حطام الدنيا بتسطير ما لا أذن سمعت ولا نفس صغت لما يقوله عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) فيقع في الكذب.

وقد تلجئه نفسه الأمارة بالسوء الى تأليف قصص واساطير له مع الرسول الكريم أو يفهم من قوله (صلى الله عليه وآله) نوع إطراء بحقه وهو ليس كذلك، كل ذلك لأن موقع المسلم أخذ يتحدد من قربه من الرسول (صلى الله عليه وآله) وقيمة المرء ومكانته تؤسسها هذه المواقف المدعاة، والتأريخ مليء بمثل هذه الاساطير.

وخصوصاً ان الفارق المكاني من الرسالة والرسول أن أمكن حفظه في زمانه (صلى الله عليه وآله) فأنه لا يمكن حفظه بعد رحيله، لأن الكل أو المعظم سيجد نفسه على مسافة متساوية مع الآخرين أياً كانوا من الرسول (صلى الله عليه وآله) وسيعطي نفسه امتيازات صحابية لم يكن ليحلم بها في زمانه، وإن الفرصة للاستفادة من هذا الموقع أصبحت متاحة لأهل المطامع الدنيوية والمصالح الشخصية، أو من كان لا يروق له أن سينفرد أهل البيت بمآثر جدهم (صلى الله عليه وآله) فأخذ يبحث عن مآثر قربية أو مشابهة لمآثرهم.

وهذا المعنى ينطبق على كل داعية حقاني ومصلح رباني وليس مختصاً بحياة الرسول الكريم، ولكن مصاديق حياته أجلى وأعلى بالتأكيد من غيره، وهذا ما وجدناه بالنسبة للشهيد الصدر واضحاً وجلياً، ونحسه عندنا في حياتنا وسيكثر بعد مماتنا.

 15 ذي القعدة 1438

 

الى الذين يقولون

أنه لا حاجة الى التقليد ولا يجب التعبد بفتوى المرجع الديني لأن الطريق مفتوح لمعرفة الحكم الشرعي من خلال بيانات المعصومين (عليهم السلام) وإذا قيل لهم بأن المعصومين (عليهم السلام) هم من ارجعوا شيعتهم في زمن الغيبة الى الفقهاء بالقول من كان صائناً لدينه حافظاً لنفسه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه، وهذا المضمون وغيره مما استند اليه الفقهاء في جواز التقليد بل في وجوبه ممن لا يتمكن من تحصيل الحكم الشرعي ببعضه أو مؤهل للاحتياط فيه ويحاولون مع بسطاء الناس بان يداهموا عقولهم بعدم جواز التقليد مشككين بما قاله الفقهاء في ادلته ويزعمون أنهم اصحاب النصرة للمذهب والدين وقد اتسعت هذه الدعوة وأخذت تسري خصوصاً في اوساطنا الشبابية الذين رصيدهم من المعرفة الدينية قليل أو دونه، وهؤلاء يكونون خامات جديدة لتلقي الدعوات، والمؤسف ان المتصدين للشأن الديني لم يتصدوا لهذه الظاهرة مع كل الامكانيات التي يملكونها من وسائل اعلامية بمستوى فضائية وموارد مالية ضخمة يتمكنون من تعبأة الكثير من المبلغين والخطباء لردع هذه الظاهرة، والتي شخصناها منذ أكثر من عشر سنوات من قراءتنا للعديد من الدعاوى المهدوية –  بابن الحسن، وجند السماء، ومن يتصل بالملكوت وغيرها العديد- وهي ترتكز على هدفين مبطنين، هما لا تقليد ولا يجب ايصال الحقوق الشرعية الى المجتهدين،  وأنه بإمكان العامي ان يوزعها على المحتاجين.

وأولى الهدفين يراد له تغييب دور القيادة الدينية والمرجعية التي هي أهم القيم الاجتماعية والدينية للمجتمع العراقي ودورها في ضبط ايقاع الشارع والحد من حركته في اتجاهات متعددة قد تؤدي الى الفوضى واللانظام واضحة وخصوصاً بعد ان رأى العالم الدور الذي يمكن ان تلعبه المرجعية الدينية في وقت الشدة والازمات بما لا تتمكن قوى الشر من السيطرة على الشارع العراقي كان أولها مرجعية الشهيد الصدر (قده) وكيف غيرت من نمط تعاطي المجتمع مع الدين والسلوك الاجتماعي، حتى اقلق قوى الاستكبار العالمي فضلاً عن الصدامي، فكانت النتيجة ان يطرز بالشهادة التي استحقها بجدارة عالية وأخرها فتوى المرجعية الدينية المتمثلة بسماحة السيد السيستاني (حفظه الله) وقبلها فتوى المرجع المهندس قاسم الطائي (دام ظله) في ما يتعلق بمحاربة الارهاب وصيانة المجتمع وتلاحم ابنائه في معركة مصيرية أبهرت العالم.

وإما الهدف الثاني: فإن عدم ايصال الموارد المالية – الحقوق الشرعية- معناه تجريد الحوزة من أهم مقومات وجودها واستقلالها عن السلطة، التي لو ارتبطت بها بدافع الحاجة المالية لأفرغت من محتواها، وكتب عليها الدوران في فلك السلطة فكانت مرجعية السلطة لا الدين والمجتمع، ومن الواضح تاريخياً ان الحوزة لولا الاستقلال المالي ما استطاعت ان تفجر كل هذه الاحداث وتصنع كل هذه الانجازات، ولبقت الناس حيرى وسكارى وما هم بسكارى لا يهتدون الى سبيل ولا يرشدون الى صواب، فهذه الحملة من الدعوات الملصقة نفسها بالامام المهدي (عجل الله فرجه) هذا هدفها ومقصدها، وإلا فالتقليد أمر فطري الكل يعمل به إذ لا يوجد انسان غير مقلد لغيره فيما لا يستطيع تحصيله بنفسه كتقليد الطبيب في العلاج والمهندس في التصميم والمحامي في الدفاع والحداد في ما هو مصنوع من الحديد والفلاح في الزراعة، بل لا يوجد في الارض من لا يقلد، ((فما لكم كيف تحكمون)) ولأي جهة تعملون والى ماذا تهدفون، وهلا انتفضتم ضد الظلم والفساد وانتهاب المال العام، وأخذتم على عاتقكم الاصرار في انهاء هذه السلوكيات المنحرفة أم أنكم أُجراء عند من لا يريد لمذهب أهل البيت من البروز والإظهار والاستطالة.