You are currently viewing نشرة النهج العدد  151

نشرة النهج العدد 151

              مشروع أمام أبناء الصدر      

الوضع الذي آل إليه مصير الخط الصدر وما يمثله من دور فعال وعظيم في أحداث الساحتين السياسية والحوزوية يدعو الى التأمل والوقوف بحزم أمام كل التصرفات الانفعالية والارتجالية لبعض المنتمين ، التي وضعت هذا الخط أمام مفترق طرق بين الاستمرار على نهج المولى المقدس الذي أوصى مراراً وتكراراً بالمحافظة على الحوزة وقيمتها الحضارية في تربية المجتمع على طاعة الله ونهج أهل البيت ( عليهم السلام ) وعندما كان يصرح بالرجوع الى الحوزة فإنما يقصد من يكون مؤهلاً علماً أي فقهاً وعملاً أي موقفاً واضحاً وثابتاً لا يتأرجح ويميل حيث تميل الرياح .

      وحرصاً على الحيلولة دون أنجرار الخط الى نتائج قد لا تنفع معها الرتق ولا يؤثر بها النصح ، تعجل بعض المخلصين والمؤسسين لهذا الخط والذين وقفوا مع مرجعية المولى المقدس قبل بروزه وبعد ظهوره بل وبعد استشهاده حريصين ومدافعين على نهجه .

      واستجابة لدعوات الخيرين للملمة الشمل وإعادة اللحمة والأخوة الى وضعها السابق أبان فترة ما بين استشهاد المولى المقدس وسقوط الطاغية حينها كانت الأمور متسقة والأوضاع مرتبة أكد فيها الخط أصالته وقيمته العلمية والعملية على صعيد العمل الاجتماعي والحوزوي.

      تعجل بعض المؤمنين بطرح المشروع التالي ليقطع العذر أمام من يقول ولا يفعل ويصرح ولا يعمل بل ولا يتقدم خطوة الى تحصين الخط بلم الشمل ، وهذا المشروع أمام الجميع من يقبله ومن لم يقبله عليهم جميعاً تقديم المبررات الكافية أمام الجمهور الصدري المتعطش الى مثل هذا الإجراء الرحماني والذي سيفجر الساحة العراقية ويلهبها حماسة .

      يطرح المشروع وفق التصور الآتي :

 1-  إلغاء الخصوصيات الشخصية الحوزوية بمعنى ، إلغاء انعكاسها على واقع العمل الاجتماعي والسياسي للتيار الصدري – بمعنى أن يتخلى الأقطاب الثلاثة عن مسمياتهم الحوزوية بعيداً عن هذا الجانب ، ويحتفظوا بها لأنفسهم في الدائرة الحوزوية فقط .

2-  العمل تحت العنوان الجامع الذي يتشرف بانتسابه الجميع ، وهو عنوان التيار الصدري ، ولا يداخله أي عنوان آخر ، ويعلن ذلك على الملأ .

3-  عدم السماح لتدخل أية شخصية حوزوية تدعي انها من التيار وان كانت قريبة من احد الاقطاب ، مهما كان وزنها – لتبقى الأطراف بعيدة عن تأثيرات ما يسمى بالحاشية .

4-  يعقد مؤتمر عام لاقطاب التيار مع بعض الشخصيات الدينية المهمة الاخرى والشخصيات السياسية – الوطنية المؤثرة للاعلان عن نفسه والشروع بمرحلة العمل الوحدوي المشترك ، ضمن الثوابت الشرعية والاطر الوطنية .

5-  يفتح المجال لشخصيات التيار من غير الاقطاب ان تعمل تحت مشورته وعنوانه ، شريطة استقلالها عن اية جهة وطنية او اجنبية وان كان بصورة الدعم المالي والمعنوي ، ويعتبر هذا الشرط رئيسي لإخلاص وطنية الشخص ورجوعه الى حاضنهِ التيار الاصل الذي اسسه الشهيد الاول وبرّزه الشهيد الثاني ( قدس سرهما ) واستمر على منواله الأقطاب الثلاثة ( الشيخ الطائي ، والشيخ اليعقوبي ، والسيد مقتدى الصدر ) ، وان اختلفت طرق أدائهم لمهمة تكملة المشوار ولكنها واضحة المعالم على صعيد الاجتماع والسياسة .

6-  يعتبر هذا الكيان الراجع هو الممثل الشرعي لكل من كان يقلد الشهيد الصدر والى الآن ، بل لكل العراقيين على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم ، وتخرج قراراته ، بإعلان رسمي بموافقة جميع الأقطاب الثلاثة ليشعر الثلاثة بمسؤوليتهم الشرعية والاجتماعية في اتخاذه .

7-  ينظم التيار باقطابه الثلاثة خطاباً سياسياً موحداً يعلن عنه اسبوعياً في صلوات الجمعة المقامة في المحافظات يتبنى وجهة نظر التيار في عموم القضايا التي حدثت خلال اسبوع أو اكثر .

8-  يتبنى التيار خطاباً واضحاً يتمحور حول اخراج الاحتلال وتحصيل الاستقلال والسيادة الحقيقيين عبر الطرق التي يتفق عليها الاقطاب الثلاثة ضرورة عدم مقاطعتها مع توجهات الكتل السياسية الاخرى ، ممن اخذت طريقة العملية السياسية ، لان الكل يستهدف هدفاً واحداً معلناً هو تحرير العراق .

9-  يشكل التيار بخطاب اعلامي واضح وسيلة ضغط على كل المشاريع والخطط التي تستهدف تمزيق العراق وتفكيك وحدته الوطنية وتعريض دولته للتشتت تحت أية مسميات.

10-  ينسق التيار تبنيه للقضايا العامة مع المرجعيات الدينية الاخرى ، بشرط عدم انطوائه تحت رأيها مهما كان اذا لم يكن ضمن الثوابت المدونة اعلاه كل ذلك احتراماً لموقع المرجعية واكباراً لدورها وتعزيزاً لموقعها جماهيرياً .

11- يسعى التيار لضم بعض الشخصيات الحوزوية التي تعلن انتمائها للتيار الصدري الحق بعيداً عن مسمياتها الشخصية ، الخاصة اذا رغبت في ذلك ، واحتكمت الى مقرراته وثوابته المدونة اعلاه .

      وفي حالة رفضها ينسق معها خدمة لمصلحة الدين والوطن .

12- تخضع السياسات السابقة لكل قطب للاعادة والدراسة كي تقرر من قبل الجميع وتكون ممثلة لآرائهم مجتمعين .

13- ترسم السياسة الخارجية للتيار عبر ممثليه وفق الاسس التالية :

      أ- احترام خصوصية الشعب العراقي وعدم التدخل في شؤونه الا في حدود مساعدة الشعب العراقي واعانته على انهاء الاحتلال .

      ب- كسب احترام وثقة شعوب المنطقة لمنهج التيار والذي يقوم على اساس احترام الخصوصية لكل شعب في ما يخصه في شأن سياسي أو غيره .

      ج- كسب اعتراف حكومات هذه الشعوب باعتبار التيار الوطني الصدري ممثلاً حقيقياً للشعب العراقي بالتنسيق مع بقية المرجعيات السياسية والدينية .

      د- تخضع مساعدات الدولة للتيار لضابطة عدم جعل المساعدة مبرراً للتدخل في شؤون التيار والبلد وتنطلق المساعدة في حاجتها الإنساني فقط ، كي لا تخضع لمساومات مستقبلية او تدخّل في شؤونه او ورقة ضغط للتشهير به او تسقيطه اجتماعياً ، ويتخلص من كل هذه التداعيات المحتملة باعلان الامر فيما يتعلق بالمساعدة .

14- احترام الدم العراقي مهما كان انتماء الشخص وخصوصياته ويعتبر انتهاكه جريمة لا يمكن تجاوز العقوبة عليها الا لاستثناءات منطقية ، تصب في الصالح العام ولا تثير حفيظة الآخرين ، كما ويعتبر المال العام حراماً على كل من تسول له نفسه اخضاعه للغنيمة والثراء ، ويحاول التيار بعد تركيز اركانه واثبات موقعيته في استرجاع الاموال العامة المنتهبة بطرق غير شرعية وتعريض افرادها للمحاكمة الشعبية والقانونية بعد الاعذار والانذار والنصيحة والتذكير ، لان المهم هو ارجاع هذا المال الى عامة الشعب .

15- ضرورة المحافظة على عدم اثارة ما يثير النزعة الطائفية ويهيئ الاجواء لاحتقان طائفي مقيت قد ينعكس سلباً على مكانة التيار او نهجه الوطني او على وحدة العراق وأمنه .

16- الالتقاء بالمرجعيات السياسية من الطائفة الاسلامية الاخرى لوضع معالجة سريعه لحالات التهجير القسري للمواطنين من اجل خلقه حالة جاهزة لقبول اوضاع سياسية تدمر البلد وتذهب بموقعه ووحدته .

      وضرورة علاج ، مرقد العسكريين ( عليهما السلام ) بسرعة ممكنة لدفن مبرر الاستعداء الطائفي الذي تفجر بعد الحادثة ، وقطع الطريق على اعداء البلد .

17- قبول الشخصيات في العمل ضمن ثوابت هذا التيار يخضع لمعيار جديد يقوم على اساس :

      – السمعة الجيدة في السنوات الثلاثة السابقة .

      – قبول الاقطاب الثلاثة مجتمعين لاية شخصية مهما كان قربها التي تدعيه من التيار .

      – مواجهة كل من يتمرد على خط التيار بقرار واضح يعلن امام الملأ ليشكل وسيلة ردع لكل من يريد تمزيق التيار بدوافع شخصية وانانية .

      – فتح المجال على مصراعيه لمن يريد العمل ضمن هذا الاطار من ابناء التيار ممن أخطأوا سابقاً شريطة اعلانهم خطأهم وتعهدهم على عدم العودة اليه والتزامهم بضوابط التيار المقررة من الاقطاب لان المهم هو لملمة شمل هذا التيار وتقويته بأبنائه وافراده وان أخطأوا فيما سبق .

      يستثنى من الخطأ :

–  الثراء غير الطبيعي الا بعد اخضاعه للتقنين وارجاع الاموال الى مصادرها الام .

   18- تقترح تسمية التيار – بعد تنحية جانبه الحوزوي بالتيار الوطني الصدري لتعزيز قناعة الآخرين للانضمام اليه وان كانوا من طوائف أخرى كما اسس له الشهيد الثاني ( قدس سره ) ودعا اليه الشهيد الاول فالكل أخوة مطلباً وحقيقةً .

  19- يضع مجموعة من الخبراء الاداريين ممن يريدون الاخلاص لوطنهم ، النظام الاداري لعمل التيار ، ويعمل به بعد المصادقة عليه من اقطابه .

  20- ينطلق عمل التيار من الشارع بل من بيوت الناس المستضعفين ممن لا يجدون لهم راعياً وحامياً لمصالحهم والمطالبة بحقوقهم لفقرهم او لضعفهم الاجتماعي او لعدم احتمائهم بكيان سياسي او بتيار عشائري او غيره ، ليشعر الجميع افراداً وجماعات ان التيار جاء لخدمتهم ومن اجلهم ، من خلال المطالبة بحقوقهم والدفاع عن قضاياهم ومواجهة المسؤولين في تمشية معاملاتهم ، وغيرها ليجد الجميع ان التيار هو الراعي لهم والعطوف عليهم .

  21- يتبنى التيار مشروعاً وطنياً عاماً انطلاقاً من مقولة الرسول الكريم ( صلى الله عليه واله ) من دخل بيت ابي سفيان فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن ليشمل العفو كل افراد النظام الصدامي السابق الا المتلطخة ايديهم بدماء العراقيين لتهيئة الارضية المناسبة لوفاق وطني، تعايشي سلمي ولنفتح ابواب الحياة امام من أخطأ وندم ، والله هو التواب الرحيم ، فكيف لا نكون نحن كذلك على ان يتعهد المذنب بتصحيح الاخطاء السابقة ومصالحة من ارتكب الجرم بحقهم ليعفو عنه أولاً ، او يتنازلوا عن حقوقهم او يعرضوه للقضاء .

 

                                                              والحمد لله رب العالمين

                                                                                                                                  قاسم الطائي

                                                                                                                                 كتب بتاريخ       

                                                                                                                        28 – جمادي1 – 1427

 

 

          الصدر الثاني— ميزان التقويم

التحفيز الكبير الذي فجرت بركاته الثورة الإسلامية في إيران, والخسارة العظيمة للإسلاميين في كل مكان والعراقيين منهم بشهادة الصدر الأول (قده) أوقع الحركات الإسلامية العراقية بين ناريين,  نار التصدي والإصرار على انتصار الإسلام كما انتصرت في إيران, وبين نار الانزواء والتراجع بعد فقدهم المثل والرمز لعملهم وحركاتهم, بين التسامي لمزيد من التضحية والفداء وفاء للإسلام والرمز الذي كان يحثهم على التعلق بالإسلام وانتهاج سبيله وبين التقوقع والتراجع لإعادة الحسابات في ميزان المواجهة مع الطاغوت وتبني مشروعاً واضحاً لإسقاطه لما يمثله من عقبة في طريق حكم الإسلام على العباد والبلاد.  

وبين الأمرين وقعوا في تجاذبات ومتاهات عديدة تعقدت إمكانية تقييم كل واحد من هذه الحركات ومصداقية تمثيلها للإسلام والعراقيين, وقد تعثرت مسيرتها نظراً لانجرارها وراء الاستغراق في الجدل والتنظير وطرح الأفكار والنظريات التي ظلت غريبة عن الواقع مما جردها من قوة تأثيرها على تحريك مشاعر الجماهير وثقتهم في تمثيلها وقيادتها, وانعكست أثاره على برنامج العلاقة فيما بينها فهرعت تكيل الضربات على غيرها متوهمة أن الحق معها,  والخير في الاستمرار بنهجها.   ولكن تبقى الحاجة ماثلة لتقييم هذه الحركات ومدى جديتها في الاستمرار على أهدافها المعلنة وشعاراتها المرفوعة.  

والتقييم المطلوب هو ما كان منطلقاً من نفس أو حركة, لا خلاف بين الفرقاء على نزاهتها وإخلاصها بعد أن ترجمت أفكارها أعمالاً وإقداماً لنصرة المظلومين والدفاع عن المحرومين في ظرف لا يعرف للرحمة سبيلاً ولا إلى العفو طريقاً, وهو الظرف الذي توزن فيه نوايا المخلصين وحسن نيات المتصدين,  ولم تكن الحركات الإسلامية والوطنية في هذا الوضوح بالنسبة لفترة الصدر الأول ليتضح مقدار قربها وبعدها عن خطه التضحوي وصموده البطولي ليتعرف الجماهير من خلالها على سلامة نهجها واستقامة حركتها.  

فبقت الأمور رتيبة وتتابعت الأحداث وحصلت العديد من الأزمات وكان التشانج والتباعد قد امتد جذوره وظهرت على الأرض سيقانه, والغريب في كل هذه الأوضاع اتفاقهم على القيمة الصدرية للشهيد الأول وسموها حتى راحوا جميعاً يتبارون بالانتساب إليها والتفرع على أغصانها, وهم يريدون الاستقواء بها على غيرهم والاستحصال على تفوق بالقيمة عليهم.

وهنا بزغ فجر الشهيد الثاني حيث فجر بركان الثورة تحت إقدام الظالمين وطواغيت العصر فأمسى تياراً جماهيرياً قد عاب بعض من غرتهم الحياة الدنيا بتدني وعيه السياسي وضحالة ثقافته,  وقد فاتهم أن العبرة بصدق النية واخلاص التوجه وشيء من الشجاعة والاستعداد للتضحية وهو ما زرعه الشهيد الثاني في صدور محبيه ومقلديه بعد أن وجدوا فيه المثل الأعلى لهذه المعاني والأسوة الحسنة في تعزيز قيمة الفرد المسلم على الأرض  .

 

 

                     في الذاكرة

تمر علينا ذكرى المأساة القاسية على قلوب العراقيين جميعاً ذكرى نهاية الأمل والعارف المستعرف والفقيه المحقق حامل مشعل الحرية فقد واجه شر البرية وشمر ساعد الجد في نصرة القضية، قضية شعب مظلوم مهضوم واستعد للمواجهة مع تعدد الخصوم واستعادة أمجاد الأجداد والقادة الأفذاذ الذين كافحوا الفساد ونشروا لواء الخير للعباد وقدموا لنا التضحيات ما تعجز عنه سائر الأفراد فكان أسوة لكل من استشعر بإنسانيته وحمل الهم إلا منه وجاهد من اجل نشر رسالته. تعميقاً للخير على أبناء بلدته وأهل ملته انه من أبطال الدوحة المحمدية الذي اخذ على عاتقه أن يستنهض الهمم الخامدة والنفوس المنكسرة ويستحيي القدرات المختفية ويحنن على القلوب بحسن أبوته ويستغفر للمذنب الطريد ليرجع إلى فطرته وسعة موهبته ويزرع الأمل في ارض بلدته ويحول دون وقوع العباد في اليأس من رحمة ربه وإذ نستذكر هذه الشخصية الربانية والنفس الزكية وما سطرته من مفاخر في صفحات تأريخ هذا الشعب المجاهد وهذه الأمة الصبورة فنتعلم منها عناصر الاستعداد لمواجهة التحديات وتنشيط الهمة للبناء والإصلاح والدفاع عن الدين والمقدسات واستهداف رضا الله في العمل ونبذ المقاصد الطبقية في الفعل والتركيز على عنصر القوة وامتلاك ناصية الأمور ألا وهو كوننا على الحق ومن كان الحق دليله كان النصر قريبه والفلاح ختامه.  

إن الجهد والجهاد العظيم الذي قدمه شهيدنا الغالي وما خلفه لنا من تراث علمي وفكري وجهادي يستدعي منا وقفه في هذا الطريق وتدفعنا إلى تصعيد الهمة والصدق في العمل وانجاز المشروع العظيم الذي سعى بكل ما أوتي من قدرة موظفاً جميع طاقات الأمة ومحشداً إمكانياتها في سبيل انجازه وإتمامه إلا أن يد الطغيان قد أوقفت وعطلت مشروعه بعد أن صادرت حياته المباركة لتنتقل إلى ربها راضية مرضية, مخلفاً ورائه امة منكسرة قد أحبط الأعداء أملها في أن تعيش حرة كريمة,  لقد كان رضوان الله تعالى عليه عطوفاً رحيماً بأمته كما كان جده المصــــــــطفى (صلى الله عليه وآله) قال تعالى (لقـــد جاءكم رســــول من أنفسكم…)

لتظل هذه الفكرة خالدة توقظ فيها الصحوة وتدفع الغفلة وتزرع في نفوسنا منابت القدرة وتحرك فينا النخوة والغيرة علـــى الدين والوطن.                 

والحمد لله رب العالمين

 

                   لوعة الفراق

من نفائس مواقف العلماء التي تشهد لهم بالشجاعة والتصدي للطغيان وتكشف عن سمو صفاتهم المطلوبة في قيادة المسيرة الإنسانية نحو غد أفضل و(هي كلمة حق أمام سلطان جائر) وهي من أعظم الطاعات والقربات,  تلك هي الكلمة التي كتبها الشيخ الطائي بعد استشهاد السيد الصدر ونجليه (قده) وتشرفت مجلة الكوثر آنذاك بنشرها والتي كان يرعاها الشيخ ويقدم لها لتقف على قدميها وتنشر كلمتها.  

وقد كانت كلمة صادقة من قلبه المفعم باللوعة والأسى على رحيل أستاذه الكبير ومربيه الجليل، فصدقت فيما قالت, وبكت فيما حكت ولم تكن من قبيل المزايدات على استثمار العلاقة بينه وبين أستاذه, ولا من قبيل الاستقواء بالانتساب إليه,  وإنما كانت مؤشر حق على عمق علاقته بأستاذه وشدة تأثيرها على نفسه ورأيه فيه,  تلك العلاقة التي لم يتاجر بها الشيخ ولم يستغلها لتلاعب عواطف الجمهور,  بعد أن أكدت الحقائق والوقائع انه الأخلص من طلابه على الإطلاق والمستمر على نهجه, يشهد عليها القاصي والداني.

واليك عزيزي القارئ المقالة بعينها وقد نشرت في مجلة الكوثر في العدد (1) السنة الرابعة 18 ذي الحجة 1419 هجري/الموافق 5/نيسان 1999بعد شهادته مباشرة والأمور على حافة من الانفجار ولم يتردد في نشرها وكانت بعنوان

 (كسر القلم).

((انقطع القلم عن سيل الكتابة الجارف والنبع الرائف لا لأنه انكسر كما عبر صاحب الكفاية (قده)، لأنَ قلمنا لن يُكسر بعون الله ولكن اليد التي بعثت فيه روح الحركة والتدوين قد نالتها يد الغدر والحقد والبغضاء على الإنسانية والدين فأخمدت حركتها بعد عطاء بلغ عشرات السنين طبعت فيه على صفحات الورق أفكاراً خالدة وعلوماً جامعة وأساليب متنوعة مبتكرة ألقت ظلالها على قلوب وعقول الناس على مختلف مستوياتهم وأذواقهم وثقافتهم,  إنه يخاطب الكبير والصغير والمرأة وكل منهم يعي ما يسمع ويرشد بما يقرأ ويأنس بما يتذوق وكأن المتكلم هو نفسه وعقله وروحه لأنه ينقذ إلى كل ملكات النفس روحاً وعقلاً وقلباً وحساً لا يعرف هذا ينبغي وذاك لا ينبغي ولكل سؤال جواب ولكل شبهة حل ولكل لغز فك والقديم بالٍ والجديد مبتكر.

مطر غزير على البلاد والعباد اخضرت به أرواح الناس بعد يبسها وانفتحت به عقول العباد بعد غلقها وانشرحت نفوس البلاد بعد حزنها ويأسها,  فكان لغتهم التي يتحدثون بها وعقولهم التي يفكرون بها ونفوسهم التي يتحابون بها.  

كان (قده) وسيلته الإخلاص وتعبيره الحب ومنهجه الحق وثقته الإله دون العباد وسجيته التقوى وشعاره الإسلام ومنارة ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).

كان وحيد دهره وفريد أمره غريب زمانه وأعوانه وأنصاره لا تغرًه كثرة الأنصار ولا يوحشه تكالب الأعداء ولا تطريه الكلمة.   رسم خطاً لنفسه وطريقاً إلى ربه، حمله ثقيل وهمته أثقل ومسؤوليته كبيرة وتجاراته اكبر وآثاره أثمر وأياديه وفيرة وعطاياه جزية، زق العلم منذ نعومة إظفاره وحاز من العلوم ما رفعه عن أقرانه. عبر زمانه وفاق نظرائه وكلل خطاه بنهاية مشرقة وخاتمة رائعة حتى بكته الغرباء قبل الأقرباء والأعداء قبل الأصدقاء.  

نفسه طويل بطول ما بعث في الحياة من أمل ورسم في التاريخ من آثر. قلب يستوعب الأعداء والفسقة والفجرة قبل الأصدقاء. رحيما بناسه كريما بإخوانه سباقاً لقضاء حوائجهم لا يرد سائلاً ولا يكسر خاطراً ولا يعبأ بالكوارث ولا تحركه العواصف كالطود الشامخ.  

حارت فيه قلوب المؤمنين وتعجبت لأفعاله عقول الآخرين لا يستقر على حال ولا يرسو على قرار,  بعيد الخطى كثير الرؤى. وسعت ثقافته طبقات الناس طراً. هفت إليه قلوب غير مسلمة وأرعدت إليه قلوب قاسية مسلمة.

لله دره وعلى الله آجره ولا عزاء إليه ولا وحشه لديه بل الوحشة لنا,  والتعزية إلينا إذ كان فينا فلم نفهمه وبادر إلينا فلم نجبه وتطاولت عليه ألسن الناس,  وتهجمت عليه شرذمة يدعون أنهم أهل دين وتقوى فغظ صابراً وعلى الله محتسباً,  واليه مشتاقاً. كان يردد كثيراً في درسه الشريف عبارته المشهورة ( إذا بقيت الحياة ولكنها لن تبقى بالأبدان بل هي معنوية خالدة مادامت في النفوس رحمة وتقوى وخير وصلاح تقيم الفكر والقلم والدين والخلق).  

لقد جمع من الصفات مالم يجمعه جمع,  وحاز من الخيرات مالم تحزه مجموعة حتى استوت نفسه على الجود لا مثيل له في عصره ولا بديل له في أمره, وعلى الله تؤول الأمور وعليه التوكل في شدتها والدهور, وإنا لله وإنا إليه راجعون.  

في الثالث من ذي القعدة من عام ألف وأربعمائة وتسعة عشر للهجرة ليلاً مابين السابعة والثامنة دج الظلام وانكسر الناقوس وخسف القمر وابتلعت العقار بالأثر, وا ضيعتاه بعدك يا صقر, بل يا من حفر في النفوس أعمقاً لأثر ولا حول ولا قوة إلا بمن أدار الدهر ولا يزال ولم يزل عزيز مقتدر. هذا قليل يا بحر كتبه احد أبناءك البررة.

 

             بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة آية الله الشيخ قاسم الطائي ( دام ظله )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

      بعد أن ظهرت صورة السيد المولى محمد الصدر ( قده ) في الماء ورأته أعين كثيرة ، قام البعض بالتشكيك والاستهزاء فما هو تفسيركم لهذه الظاهرة . وما هو ردكم الشريف على المستهزئين .

     سددكم الله للعمل الصالح ونسألكم الدعاء.

 

 

                                                                                                    جمع من المؤمنين

                                                                                                                أهالي البصرة

                                                                                                           3 / ج2 / 1426هـ                 

 

 

بسمه تعالى :-   الذي اعتقده أن هذا دفاع عن السيد الشهيد ( قده ) الذي ظلمه الاقربون قبل غيرهم والحوزويون قبل الآخرين وما من مدافع عن ظلامته وأحقية منهجه فاقتضت حكمة الباري أن تتصدى للدفاع عنه وظهوره في الماء لتأكيد طهارته وبراءته عما الصق به من تهم باطلة لا زالت البعض منها إلى الآن .

      كما وان الماء يعني الحياة والحركة والديمومة ، وان خطه مستمر ودائم يفهمه من يملكون العلم والعمل والإخلاص يعرفون من خلال التزامهم في ساحة العمل والحوزة .

 

                                                                                                                                       قاسم الطائي

                                                                                                                                  5 / ج2 / 1426هـ