You are currently viewing نشرة النهج العدد 164

نشرة النهج العدد 164

حوار مع سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي حول

الإدارة الوظيفية ومقومات النجاح

(اجراها السيد حسين الحسيني)

السؤال الأول: الإدارة منصب الصدارة في دائرة ما أو مشروع، ويتم اختيار الشخص المدير ضمن ضوابط معينة مستندة إما على ضوء الاختصاص الناتج من التحصيل الدراسي للكليات المتخصصة، أو من خلال اكتساب الشخص للخبرة الإدارية من خلال التجربة والممارسة في شؤون الدائرة وارتقائه في السلم الوظيفي إلى أن يصل إلى منصب المدير.

فما هو بنظركم أفضل هذين الطريقين للحصول على المدير الناجح؟ أم انه لابد من اجتماع الأمرين معاً فيه؟ ولماذا؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

الأفضل هو اجتماع الأمرين معاً، إذ التحصيل الدراسي يعطي التصور الصحيح لانجاز المشروع ضمن الأسس العلمية والإدارية التي كسبها الشخص في دراسته، ولكنها تبقى نظرية قد تصطدم في الواقع بكثير من العقبات التي لم يلتفت إليها خلال الدراسة لأن الدراسة تدرّس الظواهر العامة تاركةً التفاصيل لقدرة الدارس عند مواجهة الحياة، وهنا يأتي دور الخبرة وسعة التجربة، التي فيها علم مستأنف كما يقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حيث تزداد مخيلة الشخص وتصوره للإدارة الناجحة من خلال التجربة الطويلة وبالتالي فإن احدهما مكمل للآخر، إذ التجربة تعطي بعداً أعمق للدراسة والدراسة تعطي فهماً جديداً للتجربة، فضمهما معاً ينتج الإدارة الناجحة، ويمكن أن نتأس إن لم نقل نستدل على ذلك بقوله تعالى وتقدس ((إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)) القصص26، فالقوة يكسبها الفرد من خلال الدرس والتحصيل ليتحرك على هدى من العلم والمعرفة، والأمانة يصونها من خلال تجربته الطويلة وتعلمه في مدرسة الحياة الطويلة حيث يزداد الإنسان كياسة ورصانة مع الخبرة وهما مفتاحا الأمانة.

السؤال الثاني: ما هي الصفات الأخرى بنظركم غير الخبرة في مجال العمل، الواجب توفرها في العنصر الإداري ليحقق نجاحاً في ميدانه؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

من عناصر النجاح الإرادة القوية في اتخاذ القرار الصائب منضمة إلى استشارة الآخرين ليشاركوا في آرائهم وأفكارهم وبه يخلق جواً من الألفة والمحبة النافعة في مجال العمل كفريق واحد يريد كل منهم خدمة العمل والمشروع من خلال أفكاره، وبه يضمن المستشير مشاركتهم معه، ويحس الجميع بأن نجاح العمل نجاحهم جميعاً وفشله فشلهم جميعاً (( من شاور الرجال شاركهم في عقولهم)).

النظام في العمل، فإن انتظام العمل معناه استثمار كل طاقة في محلها ووقتها وضمن مجالها فلا تتزاحم القدرات وتتمانع معرقلة سير العمل، ومحدثة إشكالية واضحة للمشتغلين، حيث يعتمد كل واحد منهم على الآخر والآخر عليه والنتيجة انه لا تقدم في العمل، وقد ورد عن الأمير عليه السلام (( الله الله في نظم أموركم)) وقسمه عليه السلام ما كان إلا لأجل أهمية وخطورة النظام في مجال العمل والإنتاج والتطور والإبداع.

واستخدام عنصر الثواب والعقاب وإن كان الأخير يفضل أن لا تلجأ إليه الإدارة إلا بعد نفاذ كل السبل لأن اثر العقاب سيئ على فريق الإدارة وعملها.

ومتابعة أحدث التطورات والدراسات في مجال الإدارة والإشراف للاستفادة من هذه الدراسات ومواكبة التطورات كي لا تكون الإدارة تتحرك بإيحاء من زمان غير زمانها.

واعتقد أن تستخدم الإدارة عنصر الاستفزاز للكادر العامل معها لتفجير طاقاتهم في الإبداع والبناء على أن لا يكون إلا في مجال الخير والمنافسة الشريفة في ميدان العمل.. هذه أهم عناصر الإدارة الناجحة.

السؤال الثالث: هل إن القرارات الصادرة من إدارة العمل ملزمة على الموظف، ومخالفتها توقعه في المحذور الشرعي، أم إن مخالفتها تقصير بحق الإدارة فقط ولا يترتب عليها محذور شرعي؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

نعم القرارات الصادرة من قبل الادارة ملزمة للموظف، وينبغي عليه احترامها، إذ المؤمنون عند شروطهم، ولكنه لا يوجب محذوراً شرعياً بعنوان الحرمة بل إن مخالفتها تقصير بما التزم به الموظف عند العمل مع الإدارة ويحق للإدارة معالجة هذا التقصير وفق ما تراه مناسباً ومانعاً عن الاستمرار فيه وفق الضوابط واللوائح المعمول بها في الدائرة والتي اطلع عليها الموظف والتزم بمضمونها.

السؤال الرابع: هل يحق للموظف معرفة أسباب ودواعي صدور أي قرار من إدارة العمل أم إن عليه التنفيذ فقط؟ وعلى فرض أحقيته فهل يحق له الامتناع عن التنفيذ لو علم أن القرار الإداري يعارض الثوابت الشرعية التي يؤمن بها الموظف أم لا؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

بل من حقه أن يعلم أسباب ودواعي صدور القرار من الإدارة الا فيما يتعلق ببعض الاسرار التي تعرّض الادارة للاهتزاز لو انكشفت، وإلا مع عدم معرفته كيف يتسنى له أن ينفذه، وله الامتناع عن التنفيذ فيما لو كان القرار مخالفاً للثوابت الشرعية باعتبار أن شرط الله قبل شرطكم، وأن الله لا يطاع من حيث يعصى، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

السؤال الخامس: إذا دار الأمر بين أن يلتزم الإداري أو الموظف المكلف بعمل ما بما وضعته الدائرة من قانون أو آلية عمل وبين أن يلجأ لطريقة خاصة من ابتكاره تحقق له نتائج أفضل، فهل يحق له الاعتماد على طريقته والإعراض عن القانون الموضوع من قبل الدائرة، سواءً أمن المحاسبة على تركه هذا أم لم يأمن، مع تحقيقه نتائج أفضل؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

من الواضح أن مصلحة الدائرة في تحقيق نتائج أفضل وعليه ما يبتكره الموظف من طريقة تحقق النتائج الأفضل لا يلاقي اعتراضاً من قبل الدائرة ولا معنى لمنعه من الابتكار بحجة وجود قانون إداري وضعته الدائرة فإن ذلك أمر غير معقول، نعم لو فرض جدلاً وجود صرامة في تطبيق ما وضعته الدائرة من قانون وهو يتعارض أو يمنع الموظف المبدع من إبداعه، كما لو كانت الدائرة حكومية تعيش حالة بيروقراطية قاتلة، فعلى الموظف الالتزام بالقانون لالتزامه هو باحترامه عند تقدمه للتوظف فيها، أو يصار إلى تبديل القانون من قبل الدائرة أو تعديله بما لا يتعارض مع الابتكار المفروض للموظف، لأن المفروض أن الدائرة تعمل لهدف ما والابتكار المفروض يخدم ذلك الهدف إلا إذا كانت الإدارة غير ناشطة ولا فاعلة في الإبداع والتطوير.

السؤال السادس: لو علم الإداري أن احد الموظفين أو المختصين في ضمن دائرته لا يملك الكفاءة والخبرة التي تحقق للدائرة انجاز أعمالها بشكل مقبول وصحيح فهل تترتب عليه تبعات أو ظلامات فيما إذا اخبر الجهات المسؤولة عن هذا الموظف واتخذت إجراءات بنقله أو عزله مما يؤدي إلى الإضرار به وبحاله المادي مع انه لا يملك الكفاءة كما قلنا؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

الإضرار بموظف بدعوى عدم كفاءته في انجاز عمله من مسؤولية الدائرة التي قبلت تعيين هذا الموظف وعليها تطوير أدائه وقدراته بما يجعله ينجز عمله بشكل صحيح ويقول، وأما إخبار الدائرة عن هذا الموظف لتتخذ إجراءات بنقله أو فصله إضرار به وهو غير جائز، كما ورد لا ضرر ولا إضرار، وتقع مسؤولية عدم كفاءته أو تطويرها على الدائرة نفسها وإدارتها.

السؤال السابع: غالباً ما تختار الدوائر الوظيفية العناصر التي تشغل مناصب إدارية على وفق مقياس القِدم أو طول مدة التوظيف لهذا الشخص في هذه الدائرة وتفضله على غيره وإن كان هذا الغير ممن يملك الكفاءة والخبرة في ميدان الإنتاج والتميز فيه، كل ما هنالك انه لا يملك رصيداً كافياً من سنين الخدمة، :كيف تقرأون الآثار المترتبة على ذلك وما هو نظركم؟ وهل أن التقييم بقياس عدد سنين الخدمة أو بالناتج الذي يقدمه الموظف أم بكلاهما؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

المقياس هو النتائج التي يقدمها الموظف، نعم لسنين الخبرة مدخلية في إنتاجه وكفاءته في انجاز عمله وفق الضوابط والمواصفات المطلوبة، وعلى الدائرة الاستفادة من كل الخبرات والعناصر القادرة على تطوير عملها وانجازه بشكله الصحيح وإن لم يكن ممن خدم في الدوائر فترة طويلة، إذ رب خبير يكون كلّاً على دائرته ورب جديد يكون عوناً وظهيراً لدائرته، ويبقى المقياس ما ذكرناه في الجواب الأول ((إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)) القصص26.

السؤال الثامن: كيف تفسرون كلمة (وظيفة) و(موظف) وماذا تعني بنظركم؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

الوظيفة في اللغة على ما يذكره في المنجد هي ما يعيّن من عمل أو طعام ورزق وغير ذلك، وتأتي بمعنى العهد والشرط وقد تستعمل بمعنى المنصب والخدمة.. المنجد مادة وظف.

وعلى هذا فهي تعطي معنى الإجارة حيث يعيّن للرجل عمل معين من قبله ويعيّن له رزق معين، ففي مقابل عمله يعين له مال معين، وهي ملزمة للطرفين فالموظف هو الأجير والوظيفة هي الإجارة، فكأنما عيّن للموظف عمل يؤديه لقاء مبلغ من المال يتقاضاه.

السؤال التاسع: نجد أن اغلب الدوائر والمؤسسات تعمل وفق منهج ونظام وضعي معين، ولا يخفى إن مثل هذه المناهج تحمل الكثير من الثغرات التي تفسح المجال للكثيرين في استغلالها لمصالحهم الشخصية من دون أن يقعوا في إدانة فقرة من فقرات القانون القضائي الوضعي، فهل يجوز لهم التصرف بهذا النحو وإن كان المتصرف مأمون الطلب من القضاء الوضعي؟ أم انه لابد من مراعاة عدم الوقوع بالتقصير في جانب التكليف الشرعي أولاً؟ أرجو الإشارة لهذا الجانب.

بسم الله الرحمن الرحيم:-

لا يخلو أي قانون وضعي من ثغرات لأنه من صنع ووضع البشر غير المحيط بكل ما يدخل في تحقيق هدفه وغايته حينما وضع القانون لأجل تحقيقها، وأما استغلال هذه الثغرات لمصالحهم الخاصة، خلاف عقد التوظيف (الإجارة) الذي يعمل بموجبه الموظف لصالح من وظفه وهو هنا الدائرة، حتى وإن كان الموظف مأمون الطلب، فهو غير جائز وعليه مراعاة عدم التقصير الذي يلزمه به عقد الإجارة.

والواجب الوفاء به طبقاً لقوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)) المائدة1، بل يتعين على الموظف تنبيه الدائرة على ما وجده من ثغرات في القانون صوناً للأمانة التي تحملها بتوظفه في الدائرة.

السؤال العاشر: كيف توجهون الإداريين في التعامل مع المعلومات التي ينقلها لهم بعض الموظفين على البعض الآخر سواء كان ذلك نقلاً للحقيقة أم محاولة للإيقاع بهم؟ وما هي نصيحتكم لمثل هؤلاء الموظفين الناقلين؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

على المسؤول أن يستمع إليهم ولكن ليس له أن يرتب أثراً على إخبارهم خصوصاً إذا اخبره المخبَر عنه انه لم يقصر أو لم يقع منه ما نقله الآخرون عنه، لما ورد ما مضمونه فصدقه وكذبهم فيما لو كان ثقة مأموناً عن الكذب.

نعم لو ثبت بالأدلة والقرائن تقصيره في عمله وصحة النقل عنه، فعليه نصحه وإرشاده أولاً إلى تقصيره حفاظاً على مصلحة الدائرة التي التزم المسؤول الحفاظ عليها.

وعلى المخبرين إيقاعاً لزميلهم أن يتقوا الله في الإيقاع به، فإنها جريرة كبيرة وموبقة عظيمة يتحملون تبعاته القانونية وقبلها الشرعي بل والعشائرية أيضاً، وقد وجد في موروثنا الشرعي ما يتضمن (( انه لا يدخل الجنة نمام)).

السؤال الحادي عشر: ما هو حكم الراتب أو العطاء الذي يتقاضاه الموظف مقابل وظيفته عند وجود التقصير في أداء عمله أو عدم التزامه بالدوام المقرر عليه، حتى على فرض اتفاقه مع زملائه في أن يستغلوا مكانه في فترة غيابه دون علم الدولة أو صاحب المشروع؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

الموظف ملزم شرعاً بلزوم الوفاء بالعقد وكذا قانوناً، ومعنى إلزامه أن الوقت المخصص للدوام مملوك للجهة المستأجرة (الدائرة) وأي تقصير فيه معناه أن ما يقابله من المال يأخذه بلا مقابل وهو محرم عليه، ومجرد اتفاقه مع زملاءه الملزمين مثله بمملوكية وقتهم ودوامهم للدائرة لا يعفيه عن المسؤولية، بل لا يعفيهم فيما لو حصل تقصير بعملهم من جراء اشتغالهم نيابة عنه.

نعم لو أذن له صاحب المشروع أو المسؤول الحكومي بذلك في نطاق ما جُعل له من صلاحيات جاز ذلك.

السؤال الثاني عشر هل يحق للإداري معاقبة الموظف المقصر بأداء عمله بعقوبة قطع الراتب، وهل يترتب عليه اثر ذلك في حالة:

أ – وجود التقصير واقعاً عند الموظف واستناد العقوبة على قانون موضوع لذلك وفي ضمن الحدود المقررة فيه؟

ب- نفس الفرض مع تجاوز العقوبة حد المقرر لها في القانون الموضوع؟

ج- عدم وجود قانون للعقوبات مع وجود التقصير من قبل الموظف؟

د- عدم وجود التقصير من الموظف بل استند الإداري إلى شهادات غير صحيحة على فرض وجود القانون وعدم وجوده؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

أ- لا اثر يترتب على الإداري فيما لو طبق القانون الوضعي واستحقاق الموظف للعقوبة بسبب تقصيره.

ب- يعتبر ظالماً للموظف في تجاوز حد العقوبة ويضمن ما يترتب من ضمان على هذه الزيادة.

ج- عليه تنبيه الموظف مرة وأخرى وإرشاده إلى انه سيعرض نفسه للعقوبة ثم إذا لم يرتدع الموظف واستمر في تقصيره فله عقوبته ولو من باب ردعه عن التقصير المنكر.

د- نفس الجواب (ب) حيث يعتبر ظالماً له وعليه تحمل تبعات ذلك سواءً وجد القانون أو لم يوجد ما دام الموظف لم يقصر في عمله.

السؤال الثالث عشر: لو اتخذ الإداري قراراً على موظف ما، ولم يكن القرار في محله بل كان مجحفاً وأدى ذلك إلى الإضرار بالموظف فهل يتحمل الإداري تلك الإضرار ولو على المدى البعيد كحرمانه من حق التقاعد وما شابه ذلك أم لا؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

نفس الجواب السابق (د).

السؤال الرابع عشر: لو كان الإداري مجحفاً في تعامله مع الموظفين أو سوء إدارته للدائرة ولم يجدوا حلاً إلا بتقديم شكوى عليه لدى السلطات المسؤولة، ولكن شكواهم تدفعه إلى إلحاق الضرر بهم أو حرمانهم من المخصصات أو الوظيفة فما هو الحل بنظركم؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

بإمكان الإنسان ومن حقه أن يدفع الظلم عن نفسه أو قد يدفع الإضرار بنفسه وعليه استخدام الطرق المتعارفة والمقبولة مع التدرج فيها من الأخف إلى الأشد، فإذا لم يرتدع إلا بتقديم شكوى ضده فليكن من باب الانحصار وعدم ارتداع المسؤول إلا بذلك، ويوازن بين تداعيات الشكوى من حرمانه وبين منع إجحاف الإداري بحقه، فلو أدت الشكوى إلى ما ذكر من الإضرار به امتنع عنها.

السؤال الخامس عشر: لو أدت سياسة الإداري إلى خسارة مادية للدائرة فهل يجب عليه شرعاً تعويضها من ماله الخاص؟ على فرض مطالبة الدائرة أو عدم مطالبتها بذلك؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

قلنا فيما سبق أن الموظف إدارياً كان أم غيره أجير عند الدائرة، وهو أمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، وحيث يكون مقصراً أو متعدياً بسياسته فهو ضامن للدائرة وإن لم يكن فلا ضمان إذ قد يكون اتبع منهج الدائرة وسياستها وأدت إلى الخسارة فلا معنى لتحميله مسؤولية ذلك، ولكن تحمله للخسارة يتوقف على مطالبة الدائرة، وأما مع عدم مطالبتها فلا معنى لتحمله التعويض إذ يرجع إلى الإبراء لذمته مما تعلق بها من حق للدائرة، فيما لو كانت هناك صلاحيات أو تعليمات للإدارة في ذلك، كرئيس الدائرة أو رئيس مجلس إدارتها.

 

 

القسم الثاني

استخدام العمالة الأجنبية للعمل في العراق

السؤال الأول حسب نظركم الشرعي هل يحق للساسة والمسؤولين عن تنظيم العمل في العراق أن يتعاقدوا مع العمال الأجانب مع وجود نفس الاختصاصات وبنفس الكفاءة عند أبناء الشعب العراقي؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

لا يحق لهم مع وجود نفس الأيدي العاملة وبنفس الاختصاصات والكفاءات، وإلا كان إجحافاً بحق العراقيين وحقهم في العمل المكفول لهم قانوناً، بل يتعين تقديم العمالة المحلية لتنشيط الحرف والصناعات ولاستثمار طاقات أبناء البلد وفتح اكبر عدد من فرص العمل لهم للوقوف على آخر ما توصل إليه العلم فيما يدخل في تطوير أدوات العمل وإدارته، والوصول بالبلد إلى الاكتفاء بأبنائه بدلاً من الآخرين الأجانب، مع استنزافهم لموارد مالية كبيرة تذهب لدولهم، العراق بأمس الحاجة إليها لدعم قطاعات عديدة أهمها قطاع الخدمات والزراعة.

السؤال الثاني: ما هو الدافع بنظركم الذي يدفع الحكومة لتفعيل مثل هذه الخطوة في الوقت الحاضر مع إننا نعلم أنها كانت موجودة في عقد الثمانينيات إبان الحكم البعثي الذي اشغل أبناء الشعب بحرب مع إيران أدى إلى قلة الكفاءة المحلية، ومع عدم وجود مثل هذا المبرر في الوقت الحاضر؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

ربما المبرر دعوى الانفتاح على العالم الخارجي، وانخفاض أسعار استئجارها في مقابل الأيدي العاملة العراقية، وربما بعض مجالات العمل مما لا يشتغل بها العراقيون إما لدناءتها أو استحقارها من قبل الآخرين، وربما لدعوى انفتاح العمل في العراق على كل الأصعدة بما لا تسعه الأيدي العراقية وهي دعوى يكذبها الواقع، وربما الاستفادة المالية من هذا الاستقدام.

المهم على الدولة أن تضع الضوابط والقوانين التي تأخذ بنظر الاعتبار بتفضيل العمالة العراقية وتقديمها على الأجنبية، والحفاظ على خيرات أبناء البلد في المجالات المختلفة التي تزول مع تقديم الأجانب، مع ما يصاحب هذا الاستخدام من منهجين كثير من الأعراف والتصرفات بما لا يناسب أعراف العراقيين وقوانينهم الأخلاقية التي تحصن نسيجهم من التفكك، مع عدم الإغماض عن أن هؤلاء المستقدمين لا يحملون هم البلد ومصالحه بقدر ما يهمهم مصالحهم الشخصية وتوفيرها بأية وسيلة ممكنة.

نعم مع وضع ضوابط ومقررات لعملهم بما لا يؤثر سلباً على النسيج وفرص العمل للعراقيين، وفي حدود معقولة من الفرص لا مطلقاً، فقد تكون الحاجة إليهم ضرورية للبناء والإعمار.

السؤال الثالث: ذكروا أن المادة (27) من قانون العمل لسنة (1987) هي التي وضعت ضوابط استقدام اليد العاملة الأجنبية، وأن وزارة العمل أصدرت تصريحات متعددة بعدم منحها أي إجازة عمل داخل العراق لأي أجنبي حسب ما ذكروا، والسؤال هو:

1- لماذا لم تشمل هذه المادة بالتعديل أو التغيير تبعاً لتغير القانون الأساس لعمل الوزارات الوارد في الدستور الجديد باعتباره ناظراً إلى الحال الجديد الذي يمر به البلد واختلافه عن سابقه؟

2- إذا لم تمنح الإجازات للعمال الأجانب بشكل رسمي وفي المقابل نجد الكثير منهم موجودون في العراق بشكل كبير فمن الذي أعطاهم الترخيص وألا يُعد هذا خروجاً على القانون ولابد من محاسبة المقصر، فما حكم عملهم من الناحية الشرعية وكيف يمكن التعامل معهم؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

1) هذا السؤال يوجه إلى المسؤولين عن سياسة البلد وخصوصاً الاقتصادية، مع الأخذ بنظر الاعتبار انه ليس كل تغيير يناسب الحالة الجديدة المختلفة عن سابقتها.

والذي افهمه أن العراقيين إلى الآن لم يكونوا مستقلين في إرادتهم لإدارة شؤون بلدهم ما دام الاحتلال الأمريكي قائماً في العراق، وتدخلات بعض دول الجوار ونفوذها مستمراً، فقد يكون قرار التغيير يتقاطع مع مصالحهم وأهدافهم في العراق ومن ثم لابد من الوقوف للحيلولة عن تشريعه.

2) الذي أعطاهم الترخيص هو من استقدمهم بعد أن لم يجد من القانون ما يمنعه وما عنده من النفوذ ما يحميه وأن خالف الضوابط والقرارات، ومن يحاسب مثل هذا التنفذ ومن يطبق عليه القانون، وهو فوق القانون، وأما عملهم فلا بأس به من الناحية الشرعية إلا إذا أدى إلى زيادة البطالة العراقية وحرمان أبنائه من فرص عمل لهم، فهم أولى ببلدهم وخدمته.

السؤال الرابع: قد يبرر الكثير ممن يستقدم العمال الأجانب بدل العراقيين بأن العمال العراقيين لا يتوفر فيهم عنصر الثقة والإخلاص في عملهم أولاً، وأنهم يعملون لحساب جهات وتكتلات قد تتعارض مع ما يؤمن به صاحب العمل أو المشروع مما يضطره إلى استقدام العمل الأجانب دفعاً للمشاكل وتجنباً للخلل في العمل مضافاً إلى انه- أي صاحب العمل- يحافظ على سرية تفاصيل مشروعه وبخطوته هذه يحول دون تسرب أي معلومات عن مراحل العمل الجارية في المشروع فيما لو استقدم العمال الأجانب، فما هو برأيكم سبب ذلك ومن المسؤول عنه وهل يحق له ذلك؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

هذا ليس سبباً كافياً للاستقدام وحاجة العراقيين للعمل في بلدهم ضرورية، ويمكن لصاحب العمل أن يحرز عنصر الثقة ما بينه وبينهم وينمي فيهم خصلة الإخلاص والتفاني في حب العمل والجدية فيه وذلك يعتمد على أسلوب تعامله معهم والتي من وسائله تقدير عملهم وتشجيعهم عليه وإن كان فيه بعض أوجه النقص ليشعر العامل بأهميته وقدرته على تطوير عمله رغبة للإبداع واحترام كلام المسؤول، وما التبرير بكونهم يعملون لصالح جهات أو تكتلات فهذه حالة طارئة وستزول إن شاء الله تعالى، مع أنها ولو صحت فنسبة تمثيلها للعمالة لا تتجاوز نسبة ضئيلة مقارنة مع النسبة العاطلة عن العمل من غير المنضمين إلى تكتلات سياسية، ويمكن لصاحب المشروع إشعار عامليه بأن وظيفتهم تتوقف على الحفاظ على أسراره وخطورة تسريبها في سوق تشتد فيه عوامل التنافس.

السؤال الخامس: هل أن انخفاض الأجر الذي يتقاضاه العامل الأجنبي عن الأجر الذي يتقاضاه العامل العراقي الذي هو ابن البلد مسوغ مقبول لتفضيل الأجنبي على العراقي في العمل داخل العراق؟

بسم الله الرحمن الرحيم:-

ذكرنا في جواب سابق أن هذا مبرر شخصي، وأما بالنظر العام فهو غير مقبول مع الالتفات إلى مئات الملايين إن لم يكن مليارات تخرج خارج البلد إلى دول العمال الأجانب ومثل هذه الأموال مردوداتها الاقتصادية هائلة فيما لو استثمرت بالعراق.