لماذا الحسين؟
قد يخطر في بال الكثيرين هذا التساؤل وهو لماذا الحسين (عليه السلام) يكون محلاً للقصد ومن أماكن بعيدة لا تمنعهم الموانع ولا تصدهم مقاصد السوء من أهل السوء والمتمثل في وقتنا الحاضر، بالصنيعة الأمريكية – داعش – الذين ما انفكوا يتصيدون الاساءة بل وقد يستهدفوا كما تقوله عقولهم العفنة أنهاء الزيارة وجعلها في خبر كان وقد خاب فألهم وخسر سعيهم وسيصلون ناراً.
وللإجابة عن التساؤل سيكون جوابنا من جهة ما للحسين من صفات إلهية لا يتصف بها الا جدة وأبوه وأمه وأخوة، وهي:
1- الرحمة العامة والتي يحتاج اليها جميع البشر بل جميع المخلوقات، وقد بينها القرآن الكريم لرسوله العظيم بالقول {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}الأنبياء/107وحيث يكون مرقده الشريف محلاً لها كان القصد عاماً ومن مختلف اصقاع الارض، كما نبه الفقيه منذ مدة وهذه الرحمة يلمسها الزائرون بوجدانهم ويشعرون بها بقلوبهم ويحسونها بمشاعرهم الا من انقلب اعلاه أسفله وكأن أمره فرطاً.
2- الرحمة الخاصة، وهي للمؤمنين خاصة ممن يوالي أهل البيت (عليهم السلام) ويتبرأ من اعدائهم بل من يوالي من والاهم ويعادي من عاداهم، وقد بينها القرآن صفه لرسوله ((عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)) والرأفة هي الرحمة الشديدة، أو أشد الرحمة كما عليه أهل اللغة، ومن عطف الرحمة على الرأفة تشتد الرحمة أكثر، وهي مقصد الجميع أما المؤمنين فواضح وإما غيرهم فهم في قصد دائم لأشد الرحمة ولو بالالتحاق بالمؤمنين، بعد ان يعوا بأن الرأفة والرحمة مختصة بهم، دون سواهم فتكون مقصداً لهم كما هي للمؤمنين، مع فارق ان المؤمن لا يحتاج لأن يكون مؤمناً الا بزيادة ايمانه بخلاف غيره فهو يحتاج أولاً ان يكون مؤمناً لينالها، وإذا كانت صفة للرسول (صلى الله عليه وآله) فهي صفة للحسين وراثة.
وهل من عاقل في الأرض لا يريد الرحمة ويسعى لينالها؟!
3- طلب المغفرة، عن طريق الاستغفار بما يحتاجه الكل فمن ثقلت موازينه بالسيئات يحتاج الى المغفرة، كما ان من خفت موازينه منها يحتاج الى المغفرة ليفيض منها الى ذويه وارحامه كما ورد في الاخبار بأن من استغفر ولا ذنب له يكون استغفاره لوالديه .. الخ ومن الواضح ان القرآن يقول للرسول (صلى الله عليه وآله) {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}الأنفال/33 وإذا ارتفع الشق الأول برحيله (صلى الله عليه وآله) بقي الثاني، ولذا لا نجد الكوارث المدمرة تصيب العراق، لوجود الاستغفار في بقاع اذن الله فيها ان ترفع ويذكر فيها اسمه، ومرقد الحسين (عليه السلام) منها، ومن اشرفها ومراقد المعصومين (عليهم السلام) وهو من الاماكن التي يحب الله ان يذكر فيها ويدعى فيها، كما ورد في بعض الاخبار.
والناس عموماً يجدون في انفسهم التقصير بارتكاب ما لا ينبغي ان يرتكب، وحينئذ تكون هنا حاجة للعودة الى الصفاء الروحي والنقاء الذي اضطرب بسبب الذنوب والمعاصي، وذلك بطلب المغفرة من الله من الداعي بقعة طاهرة مقدسة كالحرم الحسيني.
كما ان الاستغفار مدعاة للرزق وزيادته {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً *يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً}نوح/11 والزائر مستغفر لأن بزيارته راجع الى ربه وتائب اليه.
4- طلب الحاجات: وللإنسان في حياته العديد من الحاجات التي تتوق نفسه الى قضائها والحصول عليها بما لا تساعده الاسباب الطبيعية لقضائها أو لا تعينه قدراته الانسانية للوصول إليها فهو بحاجة الى ما وراء هذه الاسباب، مسببها ومسبب كل ذي سبب، وهو الله سبحانه وتعالى، القائل في كتابه العزيز {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً }الجن/16 وحينما يكون المقصد المرقد الشريف يعني ان استقامة ما حصلت للإنسان ووضع قدمه نحو طريق الهداية والرشاد، كما ان الزيارة نحو من التقوى التي يأتيها الزائر وهي سبب لإدرار الخير.
5- التعليم: حاجة ضرورية لكل عاقل يطلب بفطرته العلم الذي هو كمال لنفسه ورقي لها فيما إذا استعمله في طريق الخير لا في طريق البغي والعدوان، وقد لا يحتمل العلم المطلوب تعلمه لكنه مطلب يقصده الطالب كما في قصة موسى والخضر (عليهما السلام) {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً}الكهف/66 والحسين مدرسة بكل معنى الكلمة وقصده طلباً للتعلم منه، فأنه رسم طريقاً للنصر لم يسبقه نبي مرسل فضلاً عن غيره، فقد جعل الشهادة فتحاً، ((ومن لم يلحق بنا لم يدرك الفتح)) وها هي آثار فتحه ظاهرة للعيان لا يمكن لأية قوة في الارض إخفاؤها أو تغييبها كما يفعل الظالمون، ومعظم الناس تريد النصر في حياتها بل وبعد مماتها لا أقل لطلب الخلود والذكر الحسن كما هي حال أهل الدنيا، والمجيء يذكرهم بصورة عن صنع هذا الفتح ليتعلموا منه ما ينجح به طلبتهم.
وللكلام بقية قد تطول وإنما اختصرنا لأظهار الفكرة والتنبيه عليها، والله من وراء القصد ..
قاسم الطائي
20 صفر الخير 1439
قبس من ثورة الحسين
ان استلهام الدروس الحسينية من قبل المسلمين في العراق وغيره هو من حرك واقع التظاهر للمطالبة بالحقوق ورفض الظلم ومكافحة الفساد والاستغلال والاستتار بالمناصب والأموال الحكومية وهو ما وحد صفوف المواطنين وحدد هويتهم في تظاهراتهم التي انطلقت في مناطق العراق المتعددة، وهي وإن كانت ذات جذور قديمة كانت شرارتها الأولى في تظاهرات التحرير عام 2010 بل وقبلها حينما دعونا إليها بعد تعرض القوات الأمنية لمتظاهرين سقطوا في البصرة كانوا يطالبون بتحسين خدمات الكهرباء وهي فوق أغنى احتياطي نفطي في العالم، إلا ان شرارة النفس الحسيني ووهج ثوراته هو من دفع المحتجين الى التظاهر وألهب حماسهم، وها هو الحسين يفرض نفسه بقوة في توحيد الصف العراقي وإقبار محاولات فرقته وتمزيقه تحت عناوين طائفية بغيضة أو عرقية غير سديدة وكان العراق هو البلد الوحيد ممن تعددت طوائفه واعرافه بل هي متعددة ومتنوعة في كل شعوب الأرض وبأرقام عالية وهم يعيشون بسلام واحترام واطمئنان وتآلف وتآخي.
كما ان الحسين قد فرض بقوة دفعه ان تكون الشعارات المرفوعة هادفه وبعيده عن الطائفية والتخريب، وقد التفت بعض رجال الدين المتقين الى ضرورة الحيطة والحذر في انتاج طائفية وفتنة جديدة تحرق الأخضر واليابس فرفضوا الشعارات الممزقة ورفعوا الشعارات الموحدة بين ابناء بلد واحد تعايش منذ آلاف السنين فكانوا بحق رجال دين يعتمد عليهم في الأزمات والاحداث الحرجة، وكانوا بحق أهل انصاف واعتدال.
ان رفع رايات الإمام الحسين (عليه السلام) في الرمادي والموصل وتكريت وغيرها دليل واضح على عمق العلاقة واخويتها بين ابناء الشعب العراقي ومتانة اصالتها الى درجة تعجز كل محاولات الاعداء ان تنال منها أو تحرف اتجاهها.
وها هو الحسين يعيد انتاج الطاقة البشرية في خدمة مصالحها ويعبأ امكانياتها في مواجهة الفساد والظلم، ويؤكد جدية ثورته وبعدها الاسلامي العالمي وأنه امام كل المظلومين وثورة على كل الظالمين مهما تلونت هوياتهم وصورهم فالظلم هو الظلم.
لقد حددنا من قبل اطار التظاهرات – بالسلمية – وعدم المساس بالنظام العام، والمطالبة بشكل حضاري بالحقوق، ورفض المواجهة مع السلطة واحترام المال العام والخاص وحرمة تلفه وضرورة تعويضه، وتحريم مواجهة المتظاهرين بالنار والرصاص من قبل السلطة وها هي وبحمد الله تعود من جديد فارضة نفسها بعد ان وصفها ضعفاء النفوس بانها تميل الى الجانب الآخر وما على المنصفين الا ان يطلعوا على ما سطرناه في بيانات ليعرفوا ويطلعوا على الحقيقة التي شوهتها السلطة والاعلام على حد سواء.
نحمد الله ونشكره على ان حقق ما دعونا إليه ولو بعد حين انطلاقاً مما التزمنا به من مقولة مولانا (لا يعدم الصبور الظفر وان طال به الزمن).
قاسم الطائي
21/ صفر الخير 1434
النجف الأشرف
رسالتي الى الخطيب الحسيني
اعز الله مقامك وابان فضلك ورفع قدرك لارتباطك بسيد الشهداء الحسين (عليه السلام) ولذا وصفت بالخطيب الحسيني فأخذت من الوصف ما رفع قدرك.
رسالتك مهمة وخطيرة فأن الخطاب المباشر مع الجمهور هو أحسن وأسمى الخطاب، وقد ورد عن إمامنا الصادق (عليه السلام) ما مضمونه ((لو وددت ان لي على كل جلل واعظاً)) وهذا يعني ان بيدك توجيه المخاطب وغيره بما تعرضه من افكار وآراء منظومة من قيم حسينية وأقوال معصوميه عليك ان تتثبت من صحتها قبل عرضها، وعن متانة مضمونها قبل اسماعها فأن وعي الناس وثقافتهم قد ارتفع عما كان في السابق فأصبحت شديدة المزاج حادة الطباع في ما يعرض عليها من مادة خطابية، ولتكن مادة خطابك بيان فلسفة المحرمات واثارها في الدنيا قبل الآخرة في مشهد يرسمه مقطع من دعاء كميل اللهم أغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء .. الخ
وذكر بعض المحرمات التي يرسمها مرتكبوها بعناوين أخرى فالسرقة عندهم هي مجهول المالك والزنا هو المتعة، والكذب هو التورية والخيانة هي الوطنية و …
وبيان بعض المحرمات الخفية عن الجمهور كعدم رد السلام وأخذ تسلسل آخر بدون رخصة منه، والربا ببيع الدولار بالآجل.
ومن المهم ترك الاسترسال في نقد الحالة السياسية العامة فأنها معروفة للجمهور ولا تضيف شيئاً لمعلوماتهم، وأنه يكفي في اصلاح الوضع ان يصلح الناس شؤونهم، ويستقيموا على الطريقة.
فإن الاصلاح الحسيني ينطلق من اصلاح الناس انفسهم طبقاً للقانون كيف ما تكونوا يولى عليكم، والله ولي المؤمنين وناصر عباده المخلصين، هنيئاً لكم هذه الخدمة الحسينية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم عبد الله الفقيه
قاسم الطائي
22 ذي الحجة 1442
تنبيهات حسينية
التنبيه الأول: ليعلم أهل التعازي الحسينية من أهل المواكب والمجالس والتكيات، بأن أي مال متبرع به اليكم يجب صرفه في خدمة الحسين وشعائره لا يجوز أخذ شيئاً منه بل لا يجوز تأخير صرفه، خصوصاً في الزيارة الاربعينية المباركة فأنه أعطي اليكم كطريق لزوار الحسين فلا تقصروا في ذلك جزاكم الله خيراً.
التنبيه الثاني: لا يصح تفضيل أو محاباة بعض الزائرين على بعض مهما كانت صفتهم وإن كانوا مراجع دين، فأن العامل المشترك بين الجميع هو زيارة الامام الحسين (عليه السلام) ولا يفرق فيه بين العالم والجاهل، وبين القريب والبعيد، فتفضيل الأول دون الثاني بالأكل أو المكان لا يرضي الإمام الحسين (عليه السلام) كما ساوى هو (عليه السلام) حينما وضع خده على جون الاسود وعلى أبنه علي الأكبر (عليه السلام).
التنبيه الثالث: لا ينبغي ان يوظف الموكب لشخصية معينة ويكون اداة للدعاية عنه والاعلان اليه، وإنما الموكب حسيني وهو للحسين خاصة لا لأي أحد غيره، فرفع صورة فلان يجعله منحازاً الى صاحب الصورة ومبتعداً عن الصفة الحسينية وقد يخلق تعليق الصورة مشاكل لأن الزائرين مختلفو الاهواء والاتجاهات وبعضهم لا يرضى بهذا الفعل ويمتعض منه مما يوقع صاحب الموكب بالاحراج.
التنبيه الرابع: عدم التبذير والاسراف في الطعام ورمي الزائد منه في مناطق القمامة وفيه اهانة للنعمة وعدم شكرها وهو أمر محرم قطعاً ويمكن ان يكون البديل هو ادخار الطعام واعطاءه للحيوانات ولو بعد حين، أو ايصاله بلا تأخير للعوائل الفقيرة والمعدمة التي يمن الله عليها والامام الحسين بأن تأكل أكله لم تتذوقها منذ مدة لضعف الحال وانعدتم المصدر، هذا إذا لم يمكن وضع الطعام في ثلاجات أو مجمدات لليوم التالي واستخدامه مجدداً.
التنبيه الخامس: ان لا يستنكف صاحب التعزية أو الموكب من تقديم أي خدمة وإن كانت بسيطة فأنها أفضل من العدم وهي مسجلة عند إمامنا الحسين (عليه السلام) لمن اخلص النية والدافع لخدمة الإمام واحياء ذكراه ما يفرح اهل البيت وزينب بالخصوص لما قالته ليزيد والله لا تمحو ذكرنا.
التنبيه السادس: البدء في كل عمل بالبسملة والصلاة على محمد وآل محمد كي لا يكون أبتر يوم القيامة، وتطرح فيه البركة والعافية إذا كان طعاماً وشراباً وان تقرأ الفاتحة والتوحيد عشرة مرات حين خروج صاحب الموكب من داره الى موكبه ويقول عند خروجه من الدار بعد قراءة التوحيد عشرة مرات بأسم الله أخرج وبأسم الله أرجع فأنه يرجع معافى سالماً بأذن الله. وهذا العمل لكل من يخرج من داره الى أمر ما يمكنه فعله.
أخوكم
قاسم الطائي
6 محرم 1443
رسالته الى/ أخوتي شعراء ورواديد المصاب الحسين
سلام من الله عليكم ومن حبيبه الحسين (عليه السلام) يا اصحاب الصرخة الصادقة والكلمة المعبرة وممثلي مشهد الحسين حرقة ولوعة وحرارة أنتم أفضل من يمثل النهضة الحسينية ويشد الناس اليها وبكلماتكم المعبرة واصواتكم الشجية وحناجركم الصادقة بذكر امامنا الحسين وأهل بيته بما يزيد في عاطفة الارتباط بهم والتذكير بحدثهم والإمتزاج روحاً وقلباً وضميراً.
أنتم والله ابطال المشهد وزعماء المنبر ورواد المجلس وأنتم من تحركون عوامل العاطفة في نفوس الموالين، بل والمخالفين احياناً مما يدفعهم ضميرهم ان كان به حياة الى الاعتقاد الحق والارتباط بأهل البيت (عليهم السلام) وهذا من أهم منجزات أدائكم الرائع الذي تنقل فيه المستمع الى اجواء عاشوراء وما جرى فيها من ظلم وحيف وقتل لأهل بيت النبوة (عليهم السلام) كما يدفع ذوي الضمائر الحية الى العاطفة الجياشة وهي أول مراتب الارتباط بالمعصومين.
جُزيتم خيراً من أهل بيت النبوة وموضع الرئاسة وأبان الله فضلكم وأكبر موقعكم حشركم مع الحسين (عليه السلام) وفي ذلك نعمة ما بعدها نعمة ان تكون مع من كنت تنصره وتدافع عنه وهناك هو الناصر لك والمعين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم
عبد الله الفقيه قاسم الطائي
1 محرم 1443
الشهادة الحسينية
الشهادة مفهوم عرفي يعرفه الناس وهو المقتول في سبيل الله في مواجهته مع الظالمين أو المغتال من قبلهم بعد ان عجزوا عن مواجهته في ساحة القتال، وإن كنا نعتقد ان اثر الشهادة في المواجهة اكبر وتأثيرها اعمق في النفوس من القسم الثاني، وهذا الفرق لا حاجة الى قيام البرهان عليه بعد الوجدان، فإن النفوس تتفاعل مع الشهيد المواجه اكثر مما تتفاعل مع الشهيد غير المواجه، ولعله على نحو الاحتمال ان المواجه يتعامل مع الموت وهو ما يقع عليه بخلاف غير المواجه فإنه مما يقع عليه الموت والاول اكثر استنفاراً للنفس لتقليده ومحاكاته، بل أنِسها بأن تكون مثله ولو قلبياً على الاقل، والثاني لا معنى لتقليده او محاكاته فإنه مما وقع عليه الموت وإن كان في طريق تحديه يعلم او يقطع بأن المقابلين سوف لن يتركوه حياً ما دام وجوده يمثل عقبة امام مصالحهم ورغباتهم او اتجاهاتهم الشخصية او الفئوية، ولك ان تجد نماذج من هذا القبيل في التاريخ الانساني عموماً وفي التاريخ الاسلامي بالخصوص.
وقد يقسم الاول الى قسمين، قسم في مواجهته على يقين من قتله في المواجهة، وقسم لم يكن على يقين فإن احتمال النصر او الفوز موجود ولو بنسبة ضئيلة، وهنا ما قلناه في التقسيم الاول ياتي وبدرجة اشد واركز لما يعنيه القاطع بالموت من الشهادةاستهانته له وتقليلاً لشأنه واستخفافاً بهوله، بخلاف الثاني فإن هذا الاستخفاف والاستضعاف لشأنه قد لا يكون الا باعتبار الامر الواقع وانحصار الخيارات في انتخاب طريق او خيار اخر فيقدم مستخفاً بالموت لانحصار خياراته فيه وأنه مقدم عليه لا محالة.
وهذا الفرق الدقيق يستبطن رضا بقضاء الله وقدره على مستوى عالٍ من التسليم به لا يكون الا ضعيفاً في الثاني دون الاول، فاذا ما اضيف الى الاول حب ما يريده محبوب الاول ازدادت نفسه شوقاً وتبسم وجهه تألقاً وسروراً بلقاء المحبوب وامتثالاً لأمره وسعياً للقائه وكأنه قد اختاره لنفسه، فرضي المحب بهذا الاختيار وهو الفتح الذي ما بعده فتح.
وهذا الطريق لم يسلكه احد مما يحدثنا التاريخ به الا الحسين واهل بيته وصحبه مما يشكل امتيازاً له ولاصحابه انفردوا به في تاريخ البشرية، فكانت لهم البشرية مؤيدة ولفعلهم راضية الا القلة ممن انحرفت فطرتهم وانعكست خلقتهم فكانوا الى الشيطان اميل وعن الرحمن ابعد، وحينما تكون البشرية معهم فانها شاءت ام ابت قصدت ام غفلت ستجد نفسها في احياء الذكرى مندفعة وفي اقامة شعائرها منفعلة ولاستمرارها قائمة، تزداد رغبة وهمة مع تقادم السنين وطول الزمان، حيث تجد ان ذاتها قد انفتحت على الخير والحب، ومن الشر ابتعدت وإلى مواجهة الظلم تهيأت وإلى مزيد من التضحية اعدت، وهذا هو الزائد الحركي والانساني الذي يقدمه الحسين عليه السلام واصحابه للبشرية حتى تتأهل لتغيير العالم بقيادة الفصل الاخير من الفتح الالهي الذي شرع به الامام الحسين عليه السلام وسينتهي على يد إمامنا المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
واذا اردت يا اخي ان تكون ممن حباه الله وشرّفه بخدمة الامام المهدي عجل الله فرجه فعليك ان تكرس في داخلك الشهادة التي حدد ملامحها الامام الحسين وبين جذورها واندفع مسروراً لحيازتها ومن دون ذلك ستبقى تراوح في السعي بين الرفض والقبول.
قاسم الطائي
30/ ذي الحجة/1434هـ
الحسين قادم
سيلتقي محبو الإمام الحسين معه في مرقده الشريف في مصرعه كربلاء المقدسة، وحين اللقاء تتغير المشاعر وتنشرح النفوس، وتطمئن القلوب لأنه الحسين (عليه السلام) هذا من جهة محبيه وإما من جهته (صلى الله عليه وسلم) هل هو كذلك، فقد يفتح قلبه لهم ويثمن مجيئهم ويقربهم نحو الطاعة والمغفرة الإلهية، وقد يغلق قلبه عنهم وإن كان يثمن مجيئهم لأنه لا يضيع عمل عامل منهم، وحينئذٍ نسأل هذا السؤال لماذا يغلق قلبه؟ عنهم، لعله لسوء اعمالهم، ولضغينة قلوبهم ولإحتقار غيرهم أو لتجاوزهم على حقوق الآخرين، أو لعقوقهم آبائهم أو لإساءة تصرفهم مع عيالهم أو لقطيعة ارحامهم أو لردهم مساكين المؤمنين وعدم القيام بواجب رعايتهم أو لأي منكر قد يقع منهم لا يعرف بالضبط أي المنكرات يكون هو السبب في غلق الحسين قلبه والاعراض عنهم، وهنا يسجل الإمام دعوته للجميع بأن لا نرتكب منكراً مهما كان صغيراً ولا نترك واجباً مهما كان بسيطاً إذ لعل ما ترتكبه من المنكر الصغير في نظرك، وتترك الواجب غير المهم عندك، هو ما كان موجباً لإعراض إمامك عنك.
وبعبارة ان الإمام الحسين يمثل وجه الله في الارض والله لا يقبل الا من المتقين، ومن ارتكب خطأ فهو ليس من المتقين فلا يقبل الحسين منه عمله.
على ان التقوى هي مناط الخيرات ونزول البركات، ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ))، ومن يقبل عليه بقلب سليم نادماً على ما أرتكب وعازماً على عدم العود اليه، ومذيباً للحم الذي نبت على الحرام ومقبلاً بقلبه كله على الله فيشفع له الحسين (عليه السلام) عند ربه ويتقبل توبته ويراعي حاجته وينقلب الى اهله مسروراً، وتستغفر له الملائكة الى حين وصوله الى بيته، وإذا مات شيعوه واستغفروا له الى يوم القيامة.
وهذا العطاء لا ينبغي للعاقل من الزائرين تفويته واحباطه بالرجوع الى المنكرات والانغماس في الملذات، لأنه أحرق حسناته – حسنات الزيارة – بسيئات أعماله فيجعل الله عمله هباءً منثوراً.
الحسين (عليه السلام) يريد للواحد منا التقدم في الطاعة وأن يجده في كل سنة أقرب وأكثر تقوى من السنة الماضية، وإلا أحزن أمامه وكدر مزاجه، لأنه يرى اعمال المؤمنين ((وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)) والحسين من المؤمنين التامين الايمان فيرى اعمالنا وينشرح لحسناتنا ويغتم لسيئاتنا.
والخطوة الجديدة للزائر أنه بعد رجوعه بسلام الى أهله عليه ان يكرس ما شاهده وما عمله في اثناء زيارته، فيكرس الاحسان الى الفقراء والمحتاجين، ويكرس اطعام الطعام، وقضاء حوائج المؤمنين، ويضبط لسانه عن فحش القول، ويده عن الاعتداء والسرقة، وقلبه من الحقد والضغينة ورجله عن ارتياد مواطن التهم والسوء، ويرحم ضغيره ويشتغل بالذكر عن سفائف الامور والملهيات عن ذكر الله، وحينما يعود الى الحسين وهذا ديدنه في هذه السنة فسيكون إقبال الحسين (عليه السلام) عليه أكثر رحمة وعطفاً وأوسع مائده من الخيرات والمبرات، وما عليك أخي الزائر الا ان تجرب ذلك، فلعلك تقول هذا الكلام إنشائي لا يضر ولا ينفع، وقيل التجربة أكبر برهان.
النجف الاشرف
28 محرم الحرام 1441
الحسين في كربلاء
قد مثل الإمام الحسين (عليه السلام) قيماً ومبادئ في أعلى صورها وتمام حقائقها الى درجة لا يمكن ان يؤتى بها من بعده الا في اقتناص بعض بركاتها وصورها لا حقيقتها ولنذكر بعضاً منها:
1- الشجاعة بأبهى صورها وتمام جزئياتها، فلم تخر قواه على رغم القتل بأهل بيته وابنائه واصحابه فكان رابط الجأش قوي الإرادة لم يضعف شجاعة في مثل هذه المواقف المؤلمة التي لو تعرض لها بعضنا لخارت قواه وضعفت إرادته وأستسلم لعدوه أو قدره، وهذا ما صورته لنا كربلاء في عاشوراء.
2- الغيرة على حرمه وأهل بيته ونسائه في مشهد لا يمكن أن يكون مهما أمتد زمان الانسانية على وجه الارض حينما رمى الماء وقلبه يلهب بنيران العطش رافعاً يديه بعد ان اغترف ليشرب فيناديه القوم قد هتكت حرمك، فرماه وانقض راجعاً الى المخيم، فلم يجد ما سمعه منهم لأنها كانت خديعة أرادوا بها منعه من شرب الماء لعلمهم أنه لو شرب لما قدروا عليه ولأهلك منهم العديد.
3- الثبات على المبدأ وعدم التزلزل مهما واجه من صعوبات فأن القوم كما يفهم أرادوا منه لحظة تنازل واحدة أو انكسار فلم يعطهم سلام الله عليه، فيبقى صامداً صابراً لا يعبأ بهم وبجبروتهم، فكان شديد البأس ثابت الخطى شديد الإرادة قوي العزيمة، لم يذكر لنا التأريخ لحظة ضعف منه في موقف من مواقف عاشوراء، واعتقد ان غيره لا يستمر بهذا الصمود بعد كل تلك الحوادث والمرارت التي جرعوها له في ساحة المواجهة.
4- الرحمة والعطف على افراد جيشه بلا فرق بين أهل بيته وبين غيرهم مع ان مقتضى طبع البشر الميل الى رحمه واحاطتهم بالحب والحنان حياً أو ميتاً، والحسين لم يفعل فكان يعامل العبد الاسود كمعاملته لأبنه علي الأكبر، وكان ينظر الى الجميع بعين الرحمة والمودة فقد تجلت فيه الرحمة الإلهية، وهذا أمر ثابت لأنه من جده الرسول الذي بعثه الله رحمة للعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}الأنبياء107 فلا يمكن ان يكون الحسين (عليه السلام) غير ذلك.
5- الايثار، تفضيل او تقديم الغير في حاجته على نفسه، وله مقام عالٍ في العرف والشرع غير خفي عن المعظم، وقد مثله بكل صدق مع فرسه حينما رفع الماء ليشرب فقال لفرسه انا عطشان وانت عطشان ولا أشرب حتى تشرب، بالله عليك من يقدر على ذلك يؤثر امامنا الفرس بالماء على نفسه الشريفة، واي قيمة لفرس مقابل نفسه الشريفة، ولكنه آثر ذلك ليعطينا مثلاً رائعاً عن هذا الخلق الرفيع.
هذه وغيرها لا يتمكن أي أحد أدائها بهذه الدقة والصدق والرعاية مهما أوتي من قوة وبذلك يتبين:
أ- ان تفضيله أو الائمة بشكل عام عن بقية الخلق ليس اعتباطاً بل لخصائص منهم لا توجد عند غيرهم، وأنه اختبرهم وامتحنهم ليعرف الآخرين فضلهم، ومن دون ذلك على صعيد التجربة لكان للاعتراض عليه سبحانه عن سبب تفضيلهم، فكانت وقائع حياتهم وثائق دامغة وبراهين ساطعة للتفضيل.
ب- في التجربة تكون الحجة لله على البشر، وبدونها لا، وهذه التجارب لهم يشكل حجة لهم على غيرهم، وحجة الله على عدم متابعتهم يوم الحساب ((لئلا يكون للناس حجة على الله))
جـ – تعاملهم مع دين الله بأنه الاساس الذي يعيشون لأجله لا يتقدم شيء مهما بلغ من الأهمية والخطورة وقد عبرت العقيلة زينب ((اللهم تقبل منا هذا القربان))
قاسم الطائي
27 محرم 1441
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة ا… وبركاته…
يرجى من سماحتكم التفضل من فيض علمكم الوافر والاجابة على هذه الاستفسارات التالية علماً أنها من سائل من ابناء العامة جزاكم الله خير جزاء المحسنين..
س1- هل الانبياء معصومين بالعصمة المطلقة؟ وفي القرآن تدل آيات على أنهم غير معصومين؟ مثلا ((وعصى آدم ربه فغوى)) ((وما كان لنبي ان يغل)) وغيرها؟
س2- كيف تجوزون ثواب المشي الى الحسين عليه السلام وأنه يعدل ألف حجة وعمره؟ وهل المشي أفضل من الحج؟
س3- هل كان الإمام الحسين عليه السلام يعلم بخروجه من مكة أنه سيقتل؟ وإذا كان كذلك أليس هو انتحار؟
س4- هل توجد روايات على التطبير واستحبابه؟
صفاء سعد جواد
كربلاء/ عين التمر
بسم الله الرحم الرحيم
ج1: المعصية هنا مخالفة الأمر الإرشادي العائد فيه الخير الى نفس المأمور، كمن يخبره أو يأمره الطبيب بعدم شرب الحامض فلو خالفه، فأنه يفقد بعض ما يعود نفعه اليه وليس ذلك بمعصية، والآية الثانية منفية.
والأنبياء معصومون بالعصمة المطلقة في الأمور الراجعة الى الدين من تلقي الوحي وحفظه وتبليغه الى الناس.
ج2: هذا الثواب قد يكون قليلاً لمن عرف الإمام الحسين، ولذا ورد من زاره عارفاً بحقه، ومقامه الوجودي عن الله، فالشرط لإحراز الثواب ان يكون المرء عارفاً بحقه، بأنه إمام معصوم واجب الطاعة كقدر متيقن للثواب، وأيضاُ الثواب على قدر المشقة، ومن الواضح ان المشي فيه مشقة فأي استبعاد في مثل هذا الثواب.
واما الحج فهو فريضة الله ا… العظمى التي هي أعظم شعائر الإسلام وبها يتجلى التوحيد.
ج3: نعم، ولكن هذا العلم الغيبي لا يكون من مقدمات الفعل ولا يؤثر بالنتيجة من إقدام الإمام الحسين (ع) وانما المؤثر في النتيجة هو العلم العادي ضمن أسبابه الطبيعية خذ لك مثلاً الإمام علي(ع) يعلم بقتل ابن ملجم له ولكنه لا يؤثر في ذهابه الى المسجد لأداء الصلاة والرسول(ص) يعلم بتخلي الرماة عن موقعهم في احد ومن ثم تكبيد المسلمين بعض الخسائر ومع ذلك خاض الحرب ضد المشركين.
ج4: بعنوان التطبير لا توجد ، ولكنه يدخل تحت عنوان الشعائر وهي جائزة بلا إشكال وهو جائز في نظرنا.
قاسم الطائي
13/جمادي1/1435