You are currently viewing نشرة النهج العدد 172

نشرة النهج العدد 172

               فلاحنا يتأوه

لا يعرف الكثيرون قيمة الفلاحة والفلاح في المجتمع وعند الله سبحانه وتعالى وبإلقاء نظرة الى ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) يتضح بشكل جلي قيمة الفلاحة واليك بعضها:

عن الباقر (عليه السلام) كان أبي يقول خير الاعمال الحرث، فزرعه يأكل منه البرّ والفاجر، أما البر فما أكل من شيء استغفر لك، وأما الفاجر فما أكل منه من شيء لعنه ويأكل منه البهائم والطير.

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غرس غرساً فأثمر اعطاه الله من الأجر قدر ما يخرج من الثمرة.

وعنه (صلى الله عليه وآله) ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو انسان أو بهيمه، الا كان له به صدقة.

وعن الصادق (عليه السلام) الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيّباً اخرجه الله عز وجل، وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً واقربهم منزلة يُدعَون المباركين .

وعنه (عليه السلام) لما سأله يزيد بن هارون الواسطي عن الفلاحين: هم الزارعون كنوز الله في أرضه، وما في الاعمال أحب الى الله من الزراعة، وما بعث الله نبياً الا زرّاعاً الا إدريس (عليه السلام) فأنه كان خياطاً.

فهذه النصوص تشير بوضوح الى عظم عمل الفلاحة ومكانة الفلاح عند الله وتجعل صفة الزراعة هي مهنة انبياء الله ورسله ولولا علو مكانتها لما جعلت مهنة لهم.

وعلى هذا يكون الاهتمام الرسمي والشعبي بالزراعة والزارع هو مقتضى الاصل العقلائي والاعتبار الانساني، ويعتبر الخروج عن دائرة الاهتمام خروجاً عن هذا الاصل وتقليلاً من اهميتها، وحينئذ نسأل هل الاهتمام الحكومي بالزراعة في بلدنا مراعى ومعمول به بهمة عالية، ومراعى وهو يوفر الغذاء لأبناء الشعب ويغطي حاجاتهم من الطعام بدلا من الاستنزاف للموارد الحكومية عن طريق الاستيراد ولا يعرف بالضبط ان المستورد لم يكن متلاعباً به وباسمدته والمياه التي يسقى بها وكلها لها تأثيرات على الصحة البدنية، ناهيك عن خروج العملة الصعبة من خزينة الدولة.

كما وأنها تترك آثاراً نفسية على المزارع العراقي قد يضطره الحال الى ترك الارض والهجرة الى المدن، وفي ذلك خسارة كبيرة لمساحات واسعة من الارض الزراعية لا يمكن تهيئة البديل لها، الا بشق الانفس ومديد من الزمان.

ان الفلاح العراقي يشعر بأنه لا يجني من زراعته ما يفي متطلبات حياته واسرته مع كل الجهد الذي يبذله في عمله، فالاستيراد مفتوح من دول الجوار وهي بأسعار لا تفي مصاريف المزارع العراقي فيضطره الى خفض سعره وبذلك يخسر انتاجه والمفروض بالحكومة منع الاستيراد ودعم المنتج الوطني، بتوفير مستلزمات الزراعة للفلاح من المياه والاسمدة والبذور باسعار زهيدة ومدعومة، وان تستقبل انتاج الفلاحين ولا يتماطل في اعطائهم اسعار منتوجاتهم كما هو حال الحنطة والشعير، ولا يعرف سبب ذلك؟ الا بتحميل الفلاح ما لا يقدر عليه ليترك ارضه ومهنته.

ان خدمة الفلاح هي خدمة لكل المواطنين من أهل بلاد الرافدين لقيام حاجتهم الطعامية بالفلاح وتوفير الغذاء النقي والصحي منه.

والاكتفاء الذاتي من الفلاحة العراقية هو المقصد الاسنى والغاية القصوى للبرامج الحكومي، وتوفير كافة المستلزمات لزيادة وتحسين الانتاج، ولا يكون ذلك الا بغلق الاستيراد، وتشجيع الفلاحين على تحسين منتوجاته وسرعة شرائها منه ورفده بالمال اللازم لضروريات فلاحته، وهذا سهل التحقق إذا منع الاستيراد وأما مع فتحه وتقصير الدعم الحكومي للفلاح سنجد يوماً ان الاراضي الزراعية في انحسار مستمر والتصحر منتشر. وإلك الله يا عراق.

                                                                                            قاسم الطائي

 

            المزعطة

هو مصطلح شعبي يراد به ان القائمين على أمرهم اصغر ممن يتناولون هذا الأمر وأنهم غير مُأهلين، وهم لا زالوا أطفال في عقولهم وتصرفاتهم بل وأجسامهم، وسأذكر مثالاً على ذلك قريب الوقوع منها، وسأتناوله من ناحية دينية صرفة لا سياسية بعد ان طلقناها منذ مدة ليست بقليلة.

مشاركة دويلات الخليج بمناورات عسكرية مع الكيان الصهيوني وامريكا فيه مصطلح المزعطة للفارق العظيم بين أمريكا وربيبتها الكيان الصهيوني وبين هذه الدويلات – الإمارات والبحرين- والتي ترتمي يوماً بعد آخر بأحضان الصهاينة وتتفاعل مع قضاياهم وكأنها قضايا الأمة العربية وهم العدو الأول لها، وقد أخبرنا القرآن عن عداوتهم، وهو إخبار الهي مستمر ودائم وواقعي ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ))( المائدة: الآية82) واليهود لا ترضى عن هؤلاء حتى يتبعوا ملتهم طبقاً (( الى ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم، والسؤال قد يكون سبب هذا الإرتماء هل هو الحاجة الى القوة والتي يمكن توفيرها عربياً وإقليمياً، مع ايران وتركيا أو هل هو الخوف، والمجتمع الدولي يحمي هذه البلدان كما حصل في غزو العراق للكويت عام 1991م

أو هو خلل في تركيبة هؤلاء نفسياً ودينياً وليتضح الأمر نذّكر برواية نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) ((لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلط عليكم شراركم)) وإنقياد هذه الدويلات الى التقارب مع الكيان هو تسليط الشرار على هؤلاء وأي شرير أكبر من أمريكا والكيان الصهاينة، بل لعل هؤلاء كما يخبرك فعلهم يرون ان التعاون مع اليهود منقبة ومعروفاً وهو بحسب اصله منكراً وتمادوا أكثر حينما راحوا يدعمون الصهاينة على حساب شعبهم العربي – ان كانوا عُرباً كما يزعمون-   فلسطين،  وهذا ما أخبرنا به الرسول (صلى الله عليه وآله) عندما قال على ما روي عنه كيف بكم إذ لم تأمروا بالمعروف وتنهون عن المنكر، قالوا أو يكون ذلك يا رسول الله؟ قال كيف بكم إذ رايتم المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، ومناصرة المظلوم معروف ومناصرة الظالم منكراً وهؤلاء ناصروا أهل المنكر على أهل المعروف.

قالوا أو يكون ذلك يا رسول الله؟ قال كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، وقد أمروا بالمنكر – أمريكا في إحتلالها للعراق، ونهوا عن المعروف في دعوتهم معه في دفع شر الأشرار وتدمير البلاء وقتل العباد كما فعلت أمريكا في العراق سنة 2003م.

ان هؤلاء خالفوا فطرتهم وعاداتهم ان كانت لهم عادات وسارعوا الى سخط من ربهم وعذاب لا ينقطع، دائم، ولا يخفف عنهم قائم، ولسان حالهم سيقول يا ليتني لم أتخذ أمريكا خليلاً ولا الصهاينة صديقاً، أو يتحاجون بينهم فيقولون لأمريكا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله قالوا – أمريكا والصهاينة – أنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد !! وذلك هو الخسران المبين.

                                                                                          قاسم الطائي

 

         الى الحشد الشعبي

الكل يعرف بأن الحشد الشعبي مؤسسة حكومية، قائمة بنفسها وتعتبر الرديف للقوات المسلحة العراقية، وهي قوة عقائدية أثبتت تجارب الأيام قدرتها على مواجهة الأعداء للعراق وإمكانياتها على مواجهة التحدي والأخطار، والأمس القريب ليس ببعيد عن الذاكرة العامة حينما دحرت الإرهاب وأقفلت الباب على كل من يريد ببلدنا شراً وقد قدمت تضحيات جليلة وجسيمة وكانت بمستوى المسؤولية في الدفاع عن حياة الناس وشرفهم، وهو صاحب الكعب الأعلى والسابقة الحسنى في تخليص بلدنا من إرهاب العصابات الإجرامية داعش وأخواتها، وقد انبهر العالم للإداء المتميز للحشد وسمو مكانته القتالية حتى شعرت العديد من القوى سواء خارجية متمثلة بدول أو منظمات، أو داخلية متمثلة بكتل وأحزاب سياسية، والسياسة منهم براء متذرعين بأن استباب الوضع الأمني يقتضي حله وقد نسى الجميع بأن وجوده أصبح يعد ضرورة بالنسبة للعراق لأنه بلد مستهدف من المعظم، ومطامع الآخرين فيه كبيرة، والعمل عندهم جار على تشكيل قوات معادلة مع الحشد، ولن يستطيعوا فإنه لا توجد قوة في الأرض بإمكانها مواجهة الحشد الشعبي ولو كانت لدول كبيرة.

على انه لو فكك الحشد بماذا يمكن للعراق ان يناور ويحاور؟ وأي قوة تدعم موقفه، وتشد ازره ، والقوات الرسمية لا زال تسليحها بدائي تتحكم فيه السفارة الامريكية، وبعض القوى الكردية التي تخاف من تسليحه وهي بالأساس تخاف من الحشد الشعبي، بل من إنضباط الوضع وإستقراره في العراق.

ان غباء بعض الساسة المتمثل بدعوات حل الحشد الشعبي تعبيرعن غباء بل وإنتحار لوحدة العراق ولحمته الوطنية، ولعل هؤلاء الجهلة لم يعرفوا الممارسات العشائرية في حل الخلافات بين الناس، وان صاحب الحق لو لم يتمظهر بالقوة من خلال (المنكولين ) معه لا يحصل على حقه ولو بعضه بل ويستخف به ويقلل من شأنه، هذا ما وجدناه حاضراً عندنا، وما لم يلوح أو يستظهر بشيء من القوة من خلال رجاله من الأهل والعشيرة لا يعبأ به، فكيف بنا ونحن بلد محاصر ومحتل من الأمريكان ومن بعض دول الجوار، وهي المرتبطة نحو ارتباط بالكيان الصهيوني، بل تجرأت علينا بعض الدويلات كالإمارات فدويلة الإمارات التي يكفي فصيل من الحشد البطل بتأديبها وإحتلالها وتدميرها  وهي تحوك  المؤامرات الواحدة تلو الأخرى على العراق وآخرها مسألة الموانىء وطريق الحريري، كيف يتفاوض العراق مع أمريكا وهي لا تحترم الا القوي، كيف ستجرى مفاوضات مع الكويت، والسعودية والأردن لو حصلت مشاكل – لا سامح الله-

ودعوات حل الحشد أنفاسها يهودية – الخائف الكبير من الحشد وشركائه – وأهدافها شيطانية، ونقول ان الخصلة الجديدة في عراقنا الحالي هو الحشد الشعبي نقدر له تضحياته وبطولاته وندين بالفضل لقادته وندعو الله لشهدائه ونعمل على جعلهم رموز الشعب العراقي نتغنى ببطولاتهم ما بقينا وبقى عراقنا عزيزاً معافى بفضلهم وجهادهم، ونسعى لتوحيد صفوف الجميع تحت راية الحشد ومؤسسته ليكون أكبر قوة من المقاومة الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط  فقد أثبت الجميع حساً كبيراً بالمسؤولية الوطنية والدفاع عن العراق.

 ولا ننسى أبطال سرايا السلام الذين أحبطوا الفتنة الطائفية وكبتوا أنفاسها، واذهبوا شرها وسيبقون أبطال الموقف.

((وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ))  (الأنفال:60 )    

                                                                                                            قاسم الطائي

 

         سؤال تفصيلي عن الاعلم

      عظم الله لكم الأجر باستشهاد صاحب أكبر ثورة في تأريخ البشرية وأرجو منك بحقه وبحق أستاذك الذي بذل نفسه وولديه من أجل الحق والعدل وهو يؤسس الحوزة الناطقة وأرجو منك من أجل الحق، والمعروف عنك تقول الحق وإن عز وتنصف الناس من نفسك أن تجيبني على سؤالي وقبل السؤال أود أن أبين ما يلي:-

أولاً: ذكر سماحة المولى الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قده) ((إنما استهدفت إيجاد المرجع للمستقبل وإلا الحمد لله جملة من مراجعنا ذهبوا والباقين أيضاً يذهبون يبقى المجتمع وتبقى الحوزة بدون مجتهد، بدون اجتهاد لا يصير تقليد، لان غير المجتهد لا يقلد، معناها لا يوجد مرجع فمن الذي يقضي؟ من الذي يقبض حق الإمام؟ من الذي يحل المشاكل؟ من الذي يفتي؟ لا يوجد، فلربما- وإن كانت ليست باللطيفة- يتسلط علينا غيرنا بعنوان إن الأعلم في إيران أو في الهند أو في باكستان أو في الخليج لا فليكن الأعلم في النجف ليس في غيرها))

ثانياً: وقال قدس سره (( كثيرون يقولون بأنه بعد السيد محمد الصدر أين نولي وجوهنا، أقول لهم الى الآن لا يوجد شيء الى الآن أي تخطيط لا يوجد إنما نحتاج إذا بقيت الحياة لعدة سنوات ربما خمسة، ستة، عشرة حينئذ في ذمة المجتمع وفي ذمة الحوزة تعين أعلمهم من هذه الناحية))

ثالثاً: قال قدس سره (( لابد من المرجع للشيعة لابد من المرجع في النجف الأشرف وأنا قلت أكثر من مرة (أن النجف هي أعلم المناطق على وجه الأرض حتى لو قيست بقم، فلا ينبغي التفريط بهذه الصفة))

رابعاً: قال قدس سره ((أنا اعتقد إن الأعلم من بعدي على الإطلاق جناب السيد كاظم الحائري لكنه لا يتسنى له الرجوع فتحدث أمور مؤسفة ومزعجة فعليكم بالشيخ محمد إسحاق الفياض لأنه رجل طيب القلب لكن هناك من طلابي وممن أتوخى منهم الإخلاص والتعب على نفسه والاجتهاد يحصل هناك عدة مجتهدين بعون الله سبحانه وتعالى جملة منهم نستطيع أن نقول لهم طيب القلب وخيّر وورع ونحو ذلك قابل لأن تحول عليه القيادة الحوزوية ولربما في ذلك الحين يكون هو الأعلم، نحن لا نعلم بالمستقبل من الذي يكون اعلم أنا قلت إن جناب السيد الحائري الآن هو الأعلم له باب وجواب أما في حينه لعله سيكون بعض طلابي هو الأعلم ليس مجتهد فقط بل اعلم فحينئذ يجب الرجوع إليه تقليداً وقيادة))

وهنا أريد أن أشير أنه قد ذكر سماحة الشهيد محمد محمد صادق الصدر في أولاً أنه استهدف إيجاد المرجع للمستقبل وإن المرجع الأعلم في النجف وليس في غيرها وثانياً يقول بعد ستة أو عشر سنوات يكون الأعلم وفي ذمة المجتمع والحوزة تعينه وفي ثالثاً يؤكد ويكرر أن الأعلم في النجف ورابعاً يقول أن السيد الحائري في ذلك الوقت هو الأعلم وفي المستقبل لعله أحد طلبتي هو الأعلم ليس مجتهد فقط بل أعلم ويؤكد الرجوع إليه تقليدا وقيادة.

وهنا السؤال المهم أن هدف سماحة المولى إيجاد مرجع ناطق وقد حدد فترة أقصاها عشرة سنوات ونحن الآن بعد ثلاثة عشر سنة من استشهاده وهذا المرجع الأعلم من طلابه لأنه في ذلك الوقت قد حدد من هو.

وأنا عندما توجهت في مرات عديدة للسؤال عن سماحتكم وبالإلحاح بالسؤال قالوا أنك مجتهد قول دون كتابة وأنا على علم أنك من أهل الخبرة سابقاً في تحديد أعلمية السيد الشهيد الصدر (قده) ولديك اطلاع تام على جميع الأبحاث فمن الأعلم غيركم وكيف نثبت؟ علماً في مناقشة لي مع مدير مكتب السيد الحائري في النجف قال نسلم أنه مجتهد لكنه ليس اعلم وقد تفاجئت باستفتاء موجه الى مكتب السيد الحائري من السويد يسألون عن سماحتكم فيقولون لا نعرفه ؟! وبما انك من أفضل طلبة السيد الشهيد ومن أجل حفظ مدرسة الشهيد السعيد محمد الصدر من الأعلم وكيف نثبت ذلك؟.

وعليه التوكل ومنه السداد، فقد كُثر السؤال عن الاعلم حينا بعد حين وكأن المسألة معقدة الى العمق الذي لا يستطيع الإنسان العادي فضلاً عن الطالب الحوزوي التعرف على من يتصف بتلك الصفة وأخذ الجدل فيها طولا وعرضا منذ شهادة السيد الأستاذ (قده) الذي تمتد علاقتي معه منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية أو قبلها بقليل حينما كنت أراجعه في الاحتياطات الوجوبية التي يَرجِع فيها جملة من المحققين المكلف الى الغير، واستمرت الى حين شهادته، ولست بحاجة الى المزايدة على هذه العلاقة أو ما قاله السيد الشهيد (قده) من إطراءات أو تقييمات بحقنا كما تاجر وزايد عليها غيرنا وهذا شأنهم، يكفي أن أذكر  اني كنت أجيب عن الاستفتاءات التحريرية، وهو يمهرها بختمه الشريف، وهذا أمر معروف.

واستمر حالنا بحضور معظم أبحاثه ودروسه وبقيت مستمراً مع خطه الميمون دراسةً وتدريساً في جامع الرأس مع الرعاية التامة والكاملة لمعظم طلبة السيد الشهيد أو من ينتسبون لمدرسته، وجامع الرأس خير شاهد على ذلك، وأما قدرتنا التدريسية ومكانتنا العلمية في هذا الوسط لا يعلو عليها أحد وبشهادة جملة من طلبة الحوزة حتى من خارج خط السيد الشهيد (قده).

وبعد هذه المقدمة لا بد من ذكر بعض النقاط:

النقطة الأولى:- المتأمل في مجموع كلمات السيد الشهيد (قده) وخصوصاً ما هو مذكور في السؤال سيجد أنه (قده) تعمد إغماض الأمر فيما يتعلق بعنوان الأعلم من الفقهاء، فتجده تارة يقول ينبغي أن يكون المرجع من النجف، لا من غيرها من الحواضر العلمية الحوزوية، وأن يتسم بالقدرة على إدارة شؤون الحوزة وتمشية أمور المرجعية على وفق الخط الأمامي المتمثل في وقتها بالمرجعية المسماة عنده بالناطقة، وسميتها بالعاملة، وأخرى يقول، السيد الحائري (حفظه الله) مقيداً بقيدين، أن التوصيف كان بـ(بآن) إطلاق التوصيف، ولذا قيده بـ(الآن)، والثاني هو أنه لا يتسنى له المجيء الى النجف، وثالثة الشيخ الفياض (حفظه الله) موصوفاً من قبله بالطيب القلب من دون اشارة الى شيء آخر، ورابعة أحد طلبتي، ولعله مجملاً ومن يدعي أنه أشار إليه بالخصوص فهذا مردود وسأذكر سبب الرد في النقطة الأخرى.

النقطة الثانية:- سألته مرّة بالقول على ما أذكر، أنت قلت منذ مدة أن السيد الحائري أعلم مني، ولو كان في العراق لسلمت له المرجعية، والآن تقول أنا أعلم منه؟ فأجاب (قده) نعم هذا صحيح ولكنني والكلام بلسانه، بحثت وحققت الكثير من المسائل وتعمقت في البحوث فوجدت نفسي أعلم منه.

تعليلنا الخاص للإشارة الى المذكورين لعدة اعتبارات

الأول: أنه كان بصدد خلق خط مرجعي مقابل لخط الحوزة الذي سماه (الكلاسيكي الرتيب) والممتد في العمق التاريخي وليس من السهل مواجهته لمرجع بمفرده، فأشار الى السيد الحائري، والى الشيخ الفياض (حفظهما الله) لهذا الاعتبار على ما نقل لي السيد بواسطة الشيخ علي حميد حين محادثته مع الفياض (حفظه الله) في بيته عندما زاره، ليستوضح من السيد (قده) قوله بعدم سيادة المحقق الخوئي (قده)، وفي أثناء محاورته معه قال له السيد أنت أعلم من السيد السيستاني (حفظه الله) فأعلن مرجعيتك وأنا أدعمك.

وربما إشارته للسيد الحائري، لتوجيه رسالة الى السلطة الصدامية بأن البديل عني فيما لو فكرتم بتصفيتي هو السيد الحائري وفتواه الصارمة في مواجهة النظام معروفة.

وإلى الشيخ الفياض (حفظه الله)، لكونه طيب القلب، وطيب القلب هو الضمان لرعاية طلبة الحوزة.

وإلى أحد طلابه لمعرفته بقدرة بعضهم وشأنيته في التصدي للأمر بشجاعة وصبر، ولم يحدد على ما نقل لي شخصياً في مرتين:

الأولى: في داره في لقاء خاص معه ليلاً قبل شهرين أو ثلاثة من شهادته، بالقول أنا لم أحدد من يكون من بعدي، وأفكر في مجموعة من الفقهاء إذا سارت الأمور بشكل طبيعي، وفي المستقبل القريب.

والثانية: عند خروجنا من بحث الفقه متوجهين الى البراني وقد اقترحت عليه أن ينشر أمراً ولائياً يأمر به الناس بالخروج الى الشوارع والاعتصام فيها فيما لو تعرضَت للاعتقال أو الاغتيال من قبل السلطة بعد تصاعد الأحداث واقتراب المواجهة فأجاب: أنا حبيبي لا أتحمل دماءً بعد موتي لا، لا (ما أسويها).

النقطة الثالثة:- أن السيد عندما طرح أعلميته عللها بأنه خريج مدرسة السيد محمد باقر الصدر(قده) والتي تعتبر مرحلة رابعة من مراحل علم الأصول، لها من العمق والشمول في علم الأصول ما لا يحيط به إلا القلّة وأنه أفضل واعلم طلبة السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) بل قد ذهب في كتيب صغير لم يطبع  الى ابعد من هذا، قد لا يكون من المناسب ذكر ما ذكره فيه فيما يتعلق بالأعلم.

وقد جعل الضابط أمور أخرى من علم الرجال، والفهم العرفي، ومعاريض اللغة، المهم أنه لم يتفق والفقهاء على ضابط لتحديد الأعلم، وربما البعض جعل الضابط جودة تطبيق الأصول على الفروع.

ولكنا لو رجعنا الى التحديد الشرعي سنعرف من الأعلم، فالشارع يقول العلم يهتف بالعمل وإلا ارتحل عنه، فجعل ضابط العلم هو العمل، ومن كان أكثر عملاً كان أكثر علماً من غيره طبقاً للتحديد الشرعي، مع اتضاح العمل من اجل الإسلام والمذهب والدفاع عن المعتقدات الحقة.

بل أكثر من ذلك نقول، من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم فافهم.

النقطة الرابعة: إن موطن الأعلمية هو النجف الأشرف وليس في غيرها من حواضر العلم الفقهية، وهذا يحدد لنا مدار الأعلمية ، وهذا صريح كلام السيد الشهيد (قده)، شريطة أن يكون خريج مدرسته المتصفة بالشمولية والنابعية كما يصف (قده) معيار الأعلمية.

النقطة الخامسة:- يمكن تحديد الأعلم وفق المعطيات التالية:

1- العمق البحثي في أصول الفقه، ومنافسته آراء أساطين الأصول المعاصرين، مع تبني أفكار خاصة في جملة من المباحث لا تدور في فلك آراء الآخرين، ولا مستنبطة من آرائهم.

2- السعة الواسعة والانتشار الكبير في معظم العلوم المطلوبة مع الامتداد على العلوم الأخرى ولو بدرجة غير معمقة الى الدرجة التي يستطيع أن تحاور أو تشارك في الحديث .

3- الإجابة السريعة والمباشرة لكل سؤال، وبدون انتظار وتروي، من خلال الرصيد الكبير عند المسؤول وحدس كبير للانتقال من مخزونه المعرفي الى الإجابة المطلوبة.

4 – يبدي رأيا في واضحا في كل قضية أو أزمة يتعرض لها الإسلام أو المذهب أو المجتمع.

5 – أن يحدد منهجا واضحا في سلوكه الاجتماعي وتعاطيه للمشاكل التي تطرأ على المجتمع مقدما حلول معقولة ومنطقية ويغطي مساحة واسعة في علاجاته لمشاكل المجتمع.

6 – أن يكون شجاعا بشكل ملموس  لا يأبه بالنتائج لو قام بدوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تأخذه في الله لومة لائم، وله كلمة صدق أمام سلطان جائر.

7- أن يكون قريب المشرب وصاحب باع طويل في الأعراف الاجتماعية والامتدادات العشائرية العراقية يتوفر على شبكة علاقات واسعة مع أفراد المجتمع بمختلف تنوعاتهم وأعرافهم.

8- أن يكون له اطلاع واسع على مشاكل مجتمعه أولاً وأحداث العالم ثانياً وبالخصوص العالم الإسلامي، وأن يعمل للإسلام لا للمذهب أو العنصرية.

وبعد هذه المقدمة والنقاط يمكنك أن تستنتج الأعلم من فقهاء المذهب في هذا الظرف بالذات، وانطلاقاً من توجيهات الشهيد السعيد محمد الصدر (قدس سره).

نعم أنا قلت، وهذا ما يعتقده كثير من طلبتنا ممن درسناهم لسنوات عديدة، بذكائنا الذي نمتاز به عن غيرنا، وإن احد طلبتنا حينما سئل عني وعن احد المراجع، أجاب بضرس قاطع إن الشيخ الطائي يفرق عنه كثيراً وكان هذا الكلام أمام حضرة العباس عليه السلام وقد درستُ الكفاية مع التعليق عليها وأنا في السنة الخامسة من عمري الحوزوي ودرست أصول المظفر وأنا في السنة الثانية.

وقد درست معظم دروس الحوزة العلمية ودخلت ميدان البحث الخارج قبل سبعة سنوات في مبحث جديد في الفقه، لم يبحث من قبل، وكتبت في ميادين متعددة حتى السياسة كما يشهد كتابنا (العراق وأمريكا الى أين؟).

العديد من الطلبة ممن يعرفنا وتتلمذ على درسنا وفي مجلسنا يعتقد جازماً بأعلمية هذا البسيط وهم من طلبة البحث الخارج الذين يحضرون عند غيرنا، ولولا إحراجهم لذكرت أسماؤهم.

أنا أعول على وجدان المقيّم وصدقه في التقييم والتمييز فليكن المقيّمون غير هذا المجيب. لأنه من غير المستحب أن يطري الإنسان على نفسه أو يقيّمها هو.. ومن الله التوفيق والسداد.

 

                                                                                                             قاسم الطائي