الأمة
فيها قراءتان، قد تقرأ تارةً بضم الهمزة- الأُمة- ومعناها معروف وهي المجموعة البشرية التي لها روابط خاصة ولها جذر تاريخي مرتبط بها، كالأمة الإسلامية، والأمة المسيحية وهكذا، ولكن مفهوم الأمة توسع شيئاً فشيئاً فأصبح يطلق على مجموعات صغيرة يتمحور عملها حول محور معين كأمة الجهاد، وأمة القلم، وأمة العمل.. وهكذا، وبالتالي فهي لا تملك جذراً تاريخياً يعمّق صلة بعضها بالبعض، وهي متزلزلة التماسك سرعان ما يزول تماسكها ويذهب ريحها وتموت وحدتها، وقد تطلق ويراد بها شعب بلد واحد له أرض معينة ولغة ربما معينة، ومستقبل واحد، كالأمة العراقية، والمصرية وهكذا.. المهم أن هذا اللفظ لم يحافظ على مفهومه في طول استعماله عبر التاريخ، وقد يطلق ويراد به الفرد الذي يعادل امة كاملة بفعله وأخلاقه وسلوكه كما أطلق القرآن ذلك على إبراهيم على نبينا وآله وعليه السلام {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} النحل120.
والمهم هنا هي الأمة التي ارتبطت بجغرافية خاصة واسم معين وسلطة تدير شؤون أبناءها وبلدهم والمعبر عنها بالشعب، وهم أبناء البلد بمختلف تنوعاتهم المرتبطين بقانون خاص ينظم علاقة بعضهم بالبعض وعلاقتهم بأرضهم وبسلطتهم، وبجيرانهم من بلدان الأرض، وهو يملك مصير مستقبله إن خيراً فخير أو شراً فشر من خلال ما يتمتع به من إرادة قوية وعزيمة عالية لبناء بلده فكرياً وسلوكياً واقتصادياً وعسكرياً، وبناء استقلاله الذاتي، وفرض احترامه الدولي من خلال ما ينهج من سياسات وما يتمتع به من نظام قوي وشعب متماسك يحترم قوانينه وأعرافه وقيمه الإنسانية والدينية، ويسير في مركب واحد مع سلطته عندما يكون مشاركاً مشاركة فعلية في بناء بلده وتأسيس سلطته. وهذا واضح في حياة الشعوب وتجاربهم.
ولكن سرعان ما تتفكك عرى المجتمع وتُضّيع ثوابته وخصوصاً الدينية، ويضيق تفكير أبناءه بهمومهم الخاصة دون همومهم ومصالحهم العامة، وينتقل الولاء الوطني الى ولاءات متعددة تحت مسميات ضيقة وعناوين متفرّقة فإن الشعب أو الأمة بالضم ستتحول الى أَمة- وهذه هي القراءة الثانية للفظة حيث تطلق بالفتحة ويقال أَمة- وهي المملوكة والتي تتخذ في أحيان كثيرة للتسرّي- أي الاستمتاع الجنسي الخاص بالمالك- حتى إذا استنفذ رغبته منها أو تاق الى غيرها سرّيه باعها غير مأسوف عليها، يتبادلها آخر يتصرف بها كما يتصرف بملكه ومتاعه، كيفما شاء وأراد إلا ما يؤدي قتلها المادي أو تعويقها الجسدي، وهكذا تستمر حياتها على هذه الشاكلة، الى أن تقع في طريق بيعها عند بعض الأخيار والتقاة الذي يريد أن يتقرب بعتقها الى الله استحباباً لهذا الفعل لمطلوبيته الشرعية أو كفارة عن جرم ارتكبه وذنب اقترفه.
والأمة أو الشعب هي من تصنع مصيرها أن تسير إما في طريق ضم الهمزة أو تقع في طريق فتح الهمزة ممن ضيّعت ثوابتها التاريخية وتنصلت عن فعلها ودورها المطلوب الذي ينبغي أن تسير عليه بامتلاكها زمام أمرها واستقلالها في إدارة شؤونها ومنعت اختراق الغير لها وأخلصت نيتها لبناء بلدها وتقوية شعبها فكرياً وعقائدياً واقتصادياً وقبلها امنياً.
ووعت بحنكة لعبة السياسة العالمية ومداخلاتها وشقت لنفسها طريقاً خاصاً بها يبتعد عن تأثيرات متاهات السياسة العالمية، ويتقارب مع سياسات شعوب وأمم تشترك معها بثوابت لغوية تاريخية، وأطر دينية، ومصالح إنسانية مشتركة.
وهي نفسها ما تصبغ نفسها بفتح الهمزة لتكون أَمة تتقاذفها أنظار ومطامع الدول يحلبونها متى ما أرادوا ان يستنـزفوا مواردها، ويمحوا تاريخها، ويتسرّوا بها إشباعا لرغباتهم ونزواتهم.
فلتختر لنفسها أن تكون بالضمة دون الفتحة لقوة الأولى وهوان الثانية وقلّة شأنها وتدني احترام الغير لها.
خطاب موجه للمسلمين بعد حادثة أسطول الحرية
القرآن يوجه المسلمين من عرب وغيرهم إلى حقيقة واقعية ثابتة، فلا حاجة لخوض تجربة طويلة ومريرة لمعرفتها فقد جهزها لنا القرآن من قبل، وهي: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } المائدة82.
فعليكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } المائدة57.
فقد استكبروا من قبل {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً} النساء153.
بعد {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } المائدة70.
فلا أمل لكم في مجاملتهم {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } البقرة105.
{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } البقرة109.
{وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } آل عمران69.
فلا تؤمنوا معاشرتهم {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } آل عمران72.
ولسان حالهم يقول {وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } آل عمران73.
ويؤكده المولى سبحانه {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } آل عمران99.
فكونوا يا مسلمين على حذر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} آل عمران100.
فلا تيأسوا من الفتح {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } آل عمران140.
ولا تنافقوا مجاملة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ} آل عمران149.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } آل عمران156.
مجدكم لا تضيعوه يا معتدلين- بدعوى الأمر الواقع- {وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } آل عمران167.
الذين تركوا غزة محاصرة {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } آل عمران168.
بعد أن أبدى أهلها موقف الشرف {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } آل عمران173.
ولا تخافوا من أراجيف الباطل {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} آل عمران175.
ولا يغرنكم تفوق الآخرين {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } آل عمران178.
وانتم الأعلون {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } النساء104.
{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } آل عمران180.
نحن مضطرون إلى الوقوف إجلالاً وإكباراً لمن سمعوا استغاثة المسلمين فأغاثوهم بأرواحهم قبل أموالهم فلا مقابل لشكرهم ولا كلمات لإطرائهم، فقد حازوا شرفاً لا يدانيه شرف فاستحقوا به أعلى الرتب في النفوس وصفحات التاريخ الذي لطّخ صفحاته أهل الشأن وأصحاب القضية.
الوقف بين التنظيم والترشيد
إن نظام الوقف هو ابتكار إسلامي، لم يكن معروفاً في الجزيرة العربية قبل الإسلام، ولم يعرفه العالم الغربي إلا في فترة متأخرة (مطلع القرن الثالث عشر للميلاد) قال الشافعي: (لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته- داراً ولا أرضاً، وإنما حبس أهل الإسلام) وقد هدف النظام المذكور إلى تحقيق الكثير من الفوائد والمصالح العامة وكان له العديد من الايجابيات، سواءً على المستوى الديني أم الاجتماعي أو العمراني أو الثقافي أو الاقتصادي… فعلى المستوى الديني شكل نظام الوقف عنصراً مهماً في حفظ الإسلام وحمايته ونشر الرسالة الإسلامية، وذلك من خلال وقف المساجد، ودور العبادة، والمعاهد والمدارس الدينية، أو الأوقاف التي يعود ريعها لدور العبادة والعلم، أو نشر القرآن وتفسيره وعلومه أو كتب الحديث والعقائد والفقه، أو غيرها… فأين هو دور الوقف الشيعي من كل هذا؟! وعلى المستوى الاقتصادي فقد ساهم نظام الوقف في تعزيز الثروات الإسلامية العامة، وحفظها عن الانتقال إلى أيدي الآخرين بالبيع أو غيره من أشكال النقل، وهذا الأمر بالغ الخطورة، لأن أعداء الإسلام قد يعمدون إلى شراء أراضي المسلمين طمعاً بثرواتها أو لغير ذلك من الأغراض، ثم يعمدون إلى تهجير أهلها منها، كما فعل اليهود في فلسطين عندما حاولوا شراء الأراضي من الفلسطينيين لتهجيرهم. فنظام الوقف- مهم جداً وله آثار ايجابية- يشكل حاجزاً وحائلاً دون ذلك، ويساعد على تثبيت المسلمين في أرضهم، لأنه يمنحها ويضفي عليها قدسية معينة. فهل عمل وقفنا الشيعي الموقر شيئاً من هذا القبيل؟ كما انه على المستوى العمراني فإن الوقف كان منشأً لقيام مدن كبيرة وحواضر علمية ذات طابع تأريخي وعمراني خاص، كما هو الحال في مدن كالقيروان وعكا، وقم، والنجف، وغيرها. بإزاء هذه الايجابيات وغيرها برزت مجموعة من السلبيات أساءت إلى نظام الوقف، وفسحت المجال أمام بعض الأصوات التي تدعو إلى إلغائه، مع أن هذه السلبيات ليست ناجمة عن النظام المذكور، بل عن سوء استغلال الأوقاف، وعدم حمايتها ومواكبتها بالرعاية التنظيمية والإدارية من قبل المعنيين، وخير دليل على ذلك هو الوقف الشيعي في العراق والذي أصبح طاغوتاً يضاف إلى مجموعة الطواغيت الذين يتحكمون بمصير هذا البلد الجريح، الأمر الذي أدى إلى شيوع ظاهرة التعدي على الأوقاف، حتى صار مال الوقف مضرباً للأمثال في الإهمال والتسيب، ثم إننا ابتلينا بالفوضى والعشوائية في تشييد وبناء الأوقاف، مما زاد في الطين بلة، وصرنا نجد في القرية الصغيرة أكثر من مسجد أو أكثر من نادي حسيني، مع عدم حاجة الناس إليها، وهو الأمر الذي قد خلق مشاكل جمة، وانقسامات بين الناس، ولاسيما عندما يتعصب جماعة لهذا المسجد وجماعة للمسجد الآخر.. وخلاصة القول:- إن الضياع والتبدد والعشوائية هي سمة الوقف في الكثير من البلدان الإسلامية سواءً كان الوقف من قبل الأشخاص أو المؤسسات، (فالأوقاف الخيرية العامة ألعوبة في أيدي المتنفذين يستغلونها لمآربهم الخاصة، والأوقاف الخاصة الذرية صارت من أقوى أسباب الفتن والبغضاء، ومن اشد دواعي تقاطع الأرحام، بل كثيراً ما ينجر الأمر إلى خراب الوقف واضمحلاله، فضلاً عما يترتب عليه من تلف الأموال، بل والنفوس، وإثارة الدعاوى والخصومات) أن هذا الواقع المرير يفرض على الحكومات الإسلامية والمرجعيات الدينية والمنظمات الإسلامية العمل بجد وإخلاص وأمانة في سبيل تنظيم الأوقاف وحمياتها، من خلال مجموعة من القوانين والإجراءات التي تمنع التعدي وتوقف الهدر والسرقة، وتنقذ الأوقاف الإسلامية من أيدي اللصوص، وبخاصة أولئك الذين يتولون شؤونها ويسيئون إدارتها، أو يتصرفون في ريعها وفق رغباتهم وأهدافهم الخاصة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن من الضروري أن يواكب عملية التنظيم هذه جهد آخر توعوي، يعمل على توجيه الواقفين وإرشادهم إلى الأولويات في مسائل الوقف، ليتجهوا- وبدلاً من وقف ما لا حاجة ماسة له، ولو كان مسجداً إلى الوقف والتصدق على العناوين التي تلامس حاجات الناس الدينية والثقافية والحياتية والخدماتية.
وما أحوجنا إلى أوقاف ترعى العمل الصحي، وتساهم في التخفيف من أوجاع المعذبين وآلامهم وكذلك ما أحوجنا إلى أوقاف تساهم في الحد من التلوث البيئي، كوقف المتنزهات والحدائق العامة….، أو أوقاف ترعى العمل الثقافي التبليغي الهادف إلى نشر الإسلام بصورته النقية، التي يعمل الكثيرون على تشويهها حقداً أو جهلاً. وكم هو الفارق بين ما عرضناه وبين الواقع الذي يعيشه الوقف الإسلامي بصورة عامة والشيعي بصورة خاصة كما نراه يكرم فضائية على حساب أخرى لأنها لا تتعرض- الفضائيات المكرمة إلى سيئات الوقف- ونراه يمنع المنبر الحسيني الذي يهدده بشكل واضح وصريح ونراه يتنازل عن شعار الولاية في الآذان من اجل مسابقة تافهة، وإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
الشيخ حسين الزيادي
الوقوف على مسافة واحدة
انتشر استخدام هذا المصطلح من قبل وسائل الإعلام والسياسيين في الفترة الأخيرة واخذ صداه بعيداً وذهب الوهم بالبعض الى انه مصطلح سوي سليم، لا ميل فيه الى جهة على حساب أخرى، وهو يعني عدم التدخل في صراع السياسة وتجنب اتخاذ موقف قد يحسب للبعض على حساب البعض الآخر، كي لا يوصف مستعمل هذا اللفظ بالمنحاز الى طرف دون سواه فيبقى على مسافة واحدة من الجميع، ولكن…
أول من استعمل هذا اللفظ كمفهوم سياسي هو الرئيس الأمريكي اوباما، وتبعه بعض الساسة والموظفين الدوليين كالأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، والملك السعودي عبد الله، وربما المصري حسني مبارك، وقد أطلقته بعض وسائل الإعلام الإيرانية كرد على تصريحات البعض بانحيازها الى الأحزاب الإسلامية، ولنقف قليلاً عند هذا المصطلح لنرى ماذا يستبطن من مفهوم، فهو يضم جانبين، ايجابي وسلبي.
الايجابي فيه هو ترك الأمر كشأن داخلي للبلد، لا يصح لغير أهله التدخل فيه أو التأثير في اتجاهه بما يدعم جانب البعض على البعض الآخر، باعتبار انه مدعوم من الدولة الكذائية أو الجهة الكذائية، مما يقوي موقفه في شأن حسم الأمر والوصول الى النتيجة التي تريدها، ولو على حساب شركائه في العملية السياسية، وإن أدت الى انعكاسات سلبية على العملية السياسية، والوضع الأمني الداخلي للبلد، وقد يكون ضرباً قاتلاً للنهج الديمقراطي الذي بدأ العراق ينتهجه كميل الولايات المتحدة، للأحزاب العلمانية مثلاً، وميل إيران للأحزاب الإسلامية، وهو يقوض الإرادة العراقية في استقلال قرارها، وبوحي يضعف عزيمتها في حسم المسألة، وإعطاء كل ذي حق حقه، وعلى هذا فترك الأمر بلا تدخل أجنبي مهما كانت صفته ولو كان عربياً، معناه الوقوف على مسافة واحدة، وترك الأمر لأولي الأمر العراقيين أنفسهم، والمتصدين للعملية السياسية حصراً.
لكن هذه الايجابية قد تصطدم بتوازن القوى الداخلية التي تجعل من الوصول الى حل أمر عسير، وحل الأزمة الانتخابية أمر مجهول، وعدم الوصول لحل يدخل البلد في أكثر من أزمة، أهمها الفراغ الدستوري، ووضع الحكومة الحالية، وانتهاء أمد صلاحياتها و…و..و…، ومن سيكون صاحب القرار في تمشية الأمور، ومقتضى طبع الأشياء وحركة السياسة هو بقاء الأمور استصحاباً لما كان الى نقطة الحسم، وإبراز الحل.
وقد تصطدم بأنه لا قرار لأحد على آخر ما دام الجميع يعتقدون بأهليتهم لحسم المسألة وإبداء الحل، إذا لم تكن من ثمة جهة يرجع إليها في الحسم وإعطاء الحل المناسب من ناحيتي الاستحقاق الانتخابي وعدم الانحياز لجهة دون أخرى، الأمر الذي يعني أن الوقوف على مسافة واحدة هو التسوية بين المتخاصمين في كل شيء من التقدير والنظرة وإعطاء الوقت الكافي لإبداء رأيه وبيان وجهة نظره، وتصوراته في الحل وغيرها من أمور، وهذه مبادئ عرفية وشرعية، فالأولى ينبغي توزيع النظر بالتساوي بين الجالسين، وإشعار الكل باهتمام واحد، والاعتناء والإصغاء للجميع عند حديثهم بعد إعطائهم الفرصة المناسبة للمشاركة، وهذا الأمر يجده العراقيون في جلساتهم ومحاوراتهم، وخصوماتهم، انتباه الحَكم بالفريقين على نحو واحد، وليس له أن يترك الحكم وإعطاء كل ذي حق حقه.
وكذا الثانية، فإن القضاء الإسلامي يساوي بين المدعي والمدعى عليه في الموقف، والوضع أمام القاضي وإبداء بينته وحجته على خصمه، وعلى القاضي أن لا يميل لأحد لشرفه أو مكانته أو موقعه الإسلامي إذا حضر أمام القاضي في قضية مع خصم كما يحدثنا التاريخ الإسلامي عندما حضر أمير المؤمنين عليه السلام مع خصم يهودي أمام القاضي، حيث امتعض الأمير لأن القاضي جامله أكثر من خصمه.
هذا هو معنى الوقوف على مسافة واحدة، لكل من يدعيها مقيدة بشرط أن لا اثر له في حسم حالة الحراك السياسي بين العراقيين، وأما إذا كان له من اثر ويطلب رأيه ويرجع إليه في قطع دابر الخلاف بين وجهات النظر التي تدعي أحقيتها في دعواها، فالأمر ليس كذلك إلا من ناحية التساوي بين الخصماء، وأما عدم إعطاء الحل وترك الحابل على الغارب، فأمر غير مقبول، لأنه يعني اذهبوا بعيداً عنا، ولا دخل لنا في حل مشاكلكم، وكيف يحلوا مشاكلهم وقد عجزوا وراح بعضهم يفتش له عن حل استقواءً بجهات أجنبية وعربية.
وكلما تمادت المدة في عدم حسم المسألة ازدادت المشاكل وتعقدت وأصبح البلد باباً مفتوحاً للتداخلات من هنا وهناك، وبنفس الوقت يزداد عجز السياسيين عن الوصول الى حل، ويتحمل الشعب مزيداً من القهر والضيم من اجل عيون الساسة، فهذا هو الجانب السلبي لهذا المصطلح.
والذي نعتقده أن الوقوف على حل وفق معايير سياسية وأخلاقية وحياتية هو ما يقوي ويمتن مفهوم الوقوف على مسألة واحدة، لأن الوقوف بلا حسم يعني (بكلمة مختصرة) {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} فإن هذا للمتصدي للحل ومن يقبل قوله في الحسم ويستشار في الأمر مرفوض وغير مقبول، وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن يقف على مسافة مع اختلاف القبائل في وضع الحجر في مكانه من البيت، ولا يحسم مادة نزاعهم وخصامهم، ولكنه وقف مع الجمع على مسافة واحدة وأعطاهم حلاً حسم به نزاعهم وأرضى غرورهم جميعاً في شرف المشاركة بوضع الحجر الأسود في موضعه في البيت.
والمفروض أن لنا في الرسول صلى الله عليه وآله أسوة حسنة
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21
الخطوط الحمراء
كثيراً ما يعبر البعض عن قضية معينة بأنها خط احمر، كما لو قال بأن تغيير مسار العملية السياسية خط احمر، أو قال آخر بأن مدينة النجف خط احمر، أو قال ثالث بأن تجاوز الدور خط احمر، والقاسم المشترك في استعمالات الكلمة هو التحذير من مغبة ارتكاب هذا الأمر، وأن وعيداً ما ينتظر المتجاوِز ولكننا غالباً لم نجد للتحذير من اثر، فالمخاطَب يتجاوز بهمة عالية، والمتحدث بكلمة الخط الأحمر يبلعها ويبلغ به السكوت حد الرضا بالمقسوم، فهي كلمة لا تمثل أي التزام أخلاقي بانجاز ما ذكره المتحدث، أو أي التزام شرعي أو قانوني، وما دامت فقدت مضمونها الإلزامي في انجاز صاحب القول- الخط الأحمر- ما وعد به حتى سفت الكلمة وأصبح يستعملها من لا حريجة له في استعمالها وإن خرجت عن مضمونها التحذيري، ووعيدها الردّي، فأصبح كل من هب ودب يستعملها كلغة جديدة طارئة على حياتنا الاجتماعية، وتمثل بعداً ثقافياً متخيلاً للمستعمل وأنه ينتقي الكلمات المميزة للجدل والمعبرة عن الرد القاسي والعقوبة المنتظرة، وقد نسي نفسه أو خانته ثقافته، من حيث انه غير قادر على انجاز الوعيد، وأن مضمونها فقد منذ حين عندما استعملها من كان يعتقد بنفسه أهلية تدعمه أو موقعاً يكون ظهيراً له.
والغريب من ابتذالها فقد انجر استعمالها في أروقة الحوزة العلمية من قبل بعض من لا يسمع لهم إلا همساً ولا يرى لهم من فعل إلا طمساً. فقد أطلقها قبل مدة احد مشايخ حوزة النجف الأشرف عندما طالب مكتب الفقيه الطائي بالأوقاف الشيعية المخصصة لطلبة الحوزة العلمية والتي يتصرف بها رئيس الديوان الشيعي بلا حريجة له في دين أو التزام أخلاقي، فقد انبرى هذا الطالب وصرح في بعض الصحف بأن-ويقصد هذه المطالبة- خط احمر، وليته فعلها لنرى الى أي مدى يستطيع انجاز ما صرح به، وهل هو ممن يعرف التحدث ، والاسترسال في الكلام المنتظم المعبر الذي يخبر عن حقيقة بلا تكلف ولبس، فإذا كان يعرف، أمكن تقييم خطابه في كلمة- الخط الأحمر-وليته قالها عندما دخلت قوات الاحتلال النجف الأشرف وكانت قاب قوسين أو أدنى من حضرة أمير المؤمنين عليه السلام الذي يعيش وكيانه العائلي على مائدته منذ أمد بعيد وعلى كراماته وهو لا يقدم بما يفاض عليه من هذا الانتساب لأمير المؤمنين، دفاعاً عن أحقيته أو عن مدينته المدفون بها (عليه السلام)، سوى طشار من كلمات، لا اعتقد انه يفهم معناها أو يهضمها، ولست ادري، أقالها للمناكير المنتشرة والمحرمات الفاضحة، والارتكابات العديدة من المخالفات الشرعية، أو لا؟ أو هل نهى عن منكر أو أمر بمعروف؟ وإذا لم يمتثل احدهما مع وجوبها، وهو يتصف بصفة رجل الدين، فكيف به أن يطلق كلمة- الخط الأحمر- على حقوق طلبة يتلاعب بها رئيس الوقف ظلماً تزلفاً لآخرين من جهات عدة، ولا اعتقد أن له حظوة عندهم عندما يغادر الوقف من غير رجعة.
وليت هذا القائل تكرم على الحوزة والمذهب، بأن وجه لوماً لرئيس الوقف عندما رفع الشهادة الثالثة من مسابقة الآذان التي أقيمت في الهند، أم أن الخطوط الحمراء تستعمل في كل ما يمس مصالحهم ولا يخدم وجاهتهم.
((كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً))
الطلاق الكيفي
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة عارضة على الحياة الاجتماعية العراقية حيث لم يعهدها من قبل ألا وهي ظاهرة الطلاق وأغلبها للمتزوجين الجدد الذين تنقصهم خبرة الحياة، والانسحاب من مواجهة أبسط مشكلة يقطع عرى العلاقة الزوجية ولأتفه الأسباب، يقف وراءها أبوان جاهلان تأخذهما العزة بالإثم فيهرولان وراء نزوة ابناهما في إيقاع الطلاق بكل صورة ومهما يكن، وهم لا يدركون نتائج هذا العمل وواقعه على نفس الزوجين، وخصوصاً الزوجة التي ستتبدل نظرة المجتمع عليها حينما تجدها صغيرة ومطلقة فتكون محطاً لأنظار الرجال ومحط شهوة الزناة، وقد عاشت هي لذة الممارسة الجنسية، وفيها من ضغط الحاجة واندفاع الهوى، وانتشار وسائل الإغراء والتميع ما يوقعها بسرعة في شراك رغبة الآخرين، والأمر بعدها معروف إلا من عصم الله وراع أبواها الله فيها.
والزوج وهو قليل الخبرة يجد نفسه بعد حين وقد انقطع عنه ما يسد به حاجته الجنسية من زوجة تسره وتلاعبه ويشبع رغبته منها في ارتباط رحماني مبارك، فوجد نفسه وقد تعجل في تصرفه وطلق حليلته وهو يبحث عن بديل لها لا يجده إلا في طريق المنكر والشيطان، وقد لا نغالي إذا ما قلنا بأنه إذا لم يجد ما يسد حاجته مع ضغطها الشديد فقد يندفع الى أن يدعو الى نفسه حتى يمارس معه رذيلة اللواط.
والأسوأ في الأمر ما يرتكبه بعض المعممين أصحاب ما يسمى مكاتب شرعية لأجراء صيغ الطلاق والزواج، حيث لا يهمهم إلا إيقاعه طمعاً في الأجر، واستدراراً لثواب الجيوب، ومعظمهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني، لم يتأنى بعضهم في إيقاع الطلاق ولم يدرس ملابسات أسبابه وتداعياته على الأسر والمجتمع، طالما همه بطنه، وربما فرجه طمعاً في الارتباط بالزوجة، بدعوى الزواج المنقطع، وربما يذهب بالبعض شيطنة الشياطين الى أن يمنيها الارتباط قبل طلاقها فيسعى جاهداً في وقوعها في شراكه ليقضي منها وطراً.
وكان عليه أن ينضبط ضمن الأسس التالية.
1- أن يستأذن ويجاز من قبل حاكم شرعي وفقيه معروف، ليرجع إليه في صغائر الأمور وكبائرها لأن الطلاق وما يتعلق بالفروج قد احتاط الشارع فيها كثيراً يعرف ذلك من ذاق من مشربة الفقه وأنس بمذاق الشارع، وهو يحاول بكل صورة منع إيقاعه، حتى ورد (أبغض الحلال عند الله الطلاق)، ويرتبط بذلك أن لا تمضي المحاكم الشخصية هذا الطلاق إلا بعد استيفاء شروطه الشرعية، وكون الموكل في الطلاق مأذون شرعاً وموثق مأذونيته من قبل الفقيه الجامع للشرائط ممن يكون قريباً من أعراف البلد وعاداته وتقاليده ويهتم بشؤونه ويهمه معاناته.
وثانياً: المنع من الاسترسال عبر رغبة الزوجين في الطلاق وإن كان في أحيان كثيرة يوقع الموكل الطلاق برغبة من أحدهما، ولم يطلب طرفاً من أهل الآخر أو نفسه ليستفسر منه صحة ذلك، وعليه لا بد من حضور كلا طرفي القضية مع بعض أقرباءهم من الدرجة الأولى كالأب أو الأم، ليكون على اطلاع تام حول سبب الطلاق وتأكيد رغبة الطرفين به، مع محاولاته المتعددة في منعهم عن إيقاعه وإعطائهم فرصة مراجعة الأمر بعيداً عن تأثيرات الأهل والرغبة الطائشة للزوجين التي قد تخلقها أزمة بسيطة ومشكلة طفيفة لا يستحق أن تؤدي الى الطلاق.
وثالثاً: إفهام الطرفين بأن الحياة مليئة بالمشاكل وإن الإنسان يواجه العديد منها يومياً وعليه أن يتسلح بالوعي الكامل والإرادة القوية لمعالجة المشاكل تحسباً لمشاكل حياتية أصعب لا أن ينسحب منها بإيقاع الطلاق تعافياً من مواجهة المشكلة، وليعلم أن الحياة بلا مشاكل لا طعم لها.
ورابعاً: أن يوقع الطلاق بعد دراسة المشكلة ومحاولة التقريب بين الزوجين والحيلولة دون وقوع الطلاق، بعد استيفاء شروطه المطلوبة شرعاً، والمعروفة في الرسائل العملية للفقهاء، وليستفسر عن تقليد كل من الزوجين، كي يوقع الطلاق الذي لا بد منه على وفق تقليدهم لا تقليده.
خامساً: أن لا تتعامل المحاكم الرسمية إلا مع المجازين الموثقين ممن يشهد لهم بالورع والتقوى واتخاذ طريق الاحتياط في عملهم،كي لا يزيد من مشاكل المجتمع مشكلة جديدة تحلل عراه وتفتت شمله وجمعه وما فيه الكفاية منها، فلا نكون ممن أعان على نفسه.
وزارة الأوقاف المصرية:
إسرائيل جارة ولا يجوز الجهاد والحرب معها!!
طالبت وزارة الأوقاف المصرية الأئمة والخطباء بالتطبيع مع إسرائيل بحجة أنها من دول الجوار وأن الإسلام وصى بالجار وأمرنا بحسن معاملته. ففي الدورات التدريبية التي تنظمها الوزارة بمراكز التدريب الثقافية المختلفة والمنتشرة في محافظات مصر والتي تهدف إلى تدريب الأئمة والخطباء الجدد، قامت وزارة الأوقاف بتدريس مادة جديدة للأئمة لم تدرس لهم من قبل وهي مادة العلاقة مع دول الجوار وخاصة إسرائيل، حيث يتم تدريس هذه المادة في محاضرتين فقط، ولا يتم الامتحان فيها في نهاية الدورة التدريبية.
هذا الخطاب من وزارة الأوقاف المصرية مخادع وينطوي على مخالفات شرعية وأخلاقية عديدة، وترسمه أنفاس سياسة التطبيع التي تبنتها الحكومة المصرية منذ ثلاثة عقود، وهي تستغل الدين توظيفاً في دعم سياستها التطبيعية، وعندما يتدخل الدين لتصحيح أوضاع وانحرافات ومظالم يجاب بأن هذا تدخل في السياسة وينبغي للدين أن يبقى بعيداً عنها، ولكنهم يتوددون بالدين لدعم سياستهم الخائرة.
وأهم ما في هذا المقال
1) كيف يكون جاراً وقد غصب ارض أهاليها بالقوة والطغيان واستخدم كل وسائل الترهيب والترويع بما لا يمكن سد فوهته أو إسدال الستار عن عورته. لمعرفة الداني والقاصي له. والتشكيك فيه من صناعة سياسة القوة لا قوة السياسة كما يعبرون في عالمهم السياسي.
وإذا لم تكن جارة، بل هي متعدية على حقوق الجيران ومتجاوزة عليهم ظلماً وعدواناً، وهذا من قلب الحقائق، وتلبيس الأمر، واستحمار الخلق.
وعليه (فدولة الكيان الصهيوني) ليست من دول الجوار بل هي من دول العدوان.
2) مهما فعلت فهي جارة، تستر على جرائم يندى لها جبين الإنسانية وقبول للظلم والاحتلال كأمر واقع لا مفر منه، ولكنهم لم يسامحوا منتخب الجزائر ومشجعيه عندما هزمهم في مسابقة كرة القدم، مع قرب الأخير منهم صلةً لارتباطه معهم رحماً، والقرآن يصرح {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الممتحنة8، ولعل الأوقاف المصرية قد تدفع يوماً لرفع آيات من هذا القبيل تزلفاً للكيان الغاصب.
3) المعاهدة ملزمة للحكومة المصرية لا للشعب المصري، فهي غير ملزمة لهم، وقد خرج على رئيسه فقتله استعراض النشوة العسكري، ثم أين صدق ((اليهود)) والله يقول (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ) المائدة 82 وهل الأوقاف لم تقرأ هذه الآية أو أن الشارع يتكلم بواقع التجربة وليس بواقعية الحقيقة التي يعرفها وعلينا الاهتداء بها.
4) وهلا سمعت الوزارة الموقرة {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } النساء155 عندما نقض أجدادهم مواثيق الأنبياء وقتلوا بعضهم، واستكبروا مع آخرين، وورث هؤلاء أولئك والمشي على سجيتهم والأيام والأحداث كشفت زيف عدم نقضهم ما يلتزموا به.
5) صدق الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) واثبت الدهر مكامن القوة في التشريع الإسلامي وصدق انباءاته، حينما قال: (كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف).. وهذه منها.
6 )الوصية للجار، الجار المستقيم وليس الظالم والمستبد والمطلوب شرعاً ونقلاً وعرفاً مواجهة الظلمة بكل وسيلة ممكنة، وعدم الرضوخ والانبطاح أمامهم كما تريد وزارة الأوقاف المصرية ذلك.
{فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}
سماحة المرجع الديني لفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
بعد تغيّر العملة في شبكة الاتصالات من الدولار إلى الدينار العراقي ورد السؤال: هل يجوز بيع وشراء رصيد الموبايل بالآجل أو بالتحويل؟
ولكم جزيل الشكر والتقدير
الشيخ
محمد الجبوري
25 – جمادي الأول – 1431
بسمه تعالى:-
ذلك جائز ولا دخل لتغيير العملة في الجواز وعدمه لأن المعاملة تقع على الرصيد نفسه، لا على مبادلة العملة بالعملة، كما ربما فهمه السائل من خلال سؤاله.
مدير المكتب
28/ جمادي الأول/14
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الشركات الخاصة لتجارة وبيع الملابس الداخلية للمرأة في محافظتي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة مما يثير الغرائز لدى الشباب باعتبار أن هذه الملابس تحفز الإثارة والشذوذ وقد تعدى الأمر إلى عرض مثل هذه الملابس وغيرها من حاجات النساء عبر وسائل الإعلام وخصوصاً الفضائيات كما نلاحظ صمتاً من قبل من يرى هذه الأشياء فهل التنبيه إلى مثل ذلك يعد من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فأفتونا يا سماحة المرجع بخصوص ذلك.
وفقكم الله وأدام بركاتكم…
لفيف من أبناءكم في محافظتي
النجف الأشرف وكربلاء المقدسة
بسمه تعالى:-
نعم، التنبيه عن خطورة مثل هذه التصرفات المثيرة للشهوة والتي يراد من خلالها فك عرى الحياء والالتزام الأخلاقي، والاعتزاز بالغيرة والشرف، فالتنبيه من أهم الواجبات حيث يصدق عليها عنوان النهي عن المنكر، ومحاولة انتشارها في المناطق المقدسة ذات القدسية الخاصة عند المؤمنين يضاعف من مسؤولية الأمر على الجميع بحيث لا يعذر من يقصر عن مثل هذه الاستعراضات المثيرة في أوساط المجتمع المتدين.
وتكون مسؤولية النهي كل بحسبه فرجل الدين اشد مسؤولية من غيره، ورب العائلة اشد مسؤولية مِن مَن هو دونه.. وهكذا انطلاقاً من قوله عليه السلام: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته)).
ومن المؤسف أن يتساهل المجتمع في مثل هذه الأمور وقد لا يرى لها تأثيراً على أعرافه وأخلاقه في الوقت الحاضر ولكنها ستؤثر مستقبلاً بكل تأكيد وحينها لا ينفع ندم ولا تؤثر ملامة، حيث يصبح هذا العرض اعتيادياً والنهي عنه استثنائياً ويكون مستغرباً لمن يقوم به.
إننا ننصح أصحاب المحلات والشركات للانتهاء عن مثل هذا الفعل المؤدي إلى المعصية لا محالة والتي ستقع عاجلاً أو آجلاً عليهم قبل وقوع آثارها على غيرهم وبالتالي سيكونون مصداقاً لقوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النور19
10/ جمادي الآخرة/1431