اخف من دبيب النمل
تعج الحياة الاجتماعية والتعاملات الجارية في وقتنا الحاضر بمحرمات عديدة وهي من جهة عدم التنبه لها أو الالتفات إليها خفيفة، واخف من دبيب النمل على الصخرة الصماء لتشبيه حال عدم الإحساس بها والتأثر بسببها، وها هي بعض هذه المحرمات:
المحرم الأول: هو اخذ الموظف الحكومي بعض الأموال على انجاز أو الإسراع في انجاز بعض معاملات المراجعين من الموظفين، ووجه حرمة هذا الأخذ ينبغي أن تكون واضحة، لأنه يتقاضى راتباً شهرياً من الدولة وتمام أوقات عمله مملوكة لها بعد أن استحق الراتب عليها وعليه أداء مسؤولياته وواجبه بدون مقابل من قبل المواطن لأنه اخذ مقابله من الدولة. وما دام قد أخذه من الدولة فمقابله وهو وقته وعمله فيها مملوك إليها، لا له ليأخذ في مقابله مالاً من الناس، ولتقريب الحرمة بمثال واضح، تخيل أن عامل بناء يعمل في بيتك ثم عرض له شخص يعمل ضمن اختصاصه كأن ينقل بعض المواد من مكان لآخر، فلم يفعل إلا بمال مقابله يأخذه على ذلك، ستقول له ليس لك الحق لأني أعطيك أجرة على عملك فما دمت أعطيك فلا حق لك بالأخذ من آخر.
المحرم الثاني: هو تقديم نوبة بعض المراجعين المرضى على البعض الآخر، لقاء مبلغ يأخذه – الفراش- على ذلك، والوجه في الحرمة هنا أن هذا الفعل يدخل في حكم الرشوة وإن لم يكن هو رشوة بالمصطلح الفقهي التي تعني اخذ المال لقاء التلاعب في وجه الحكم وفصل الخصومة وحسم الدعوى، فهذا العمل هنا ليس هو رشوة بهذا المعنى ولكن ملحق بحكم الرشوة عند بعض الفقهاء لما فيه من إعطاء الدافع ما ليس له بحق كما يعطي دافع الرشوة حكم ليس له بحق.
المحرم الثالث: بيع المشتقات النفطية التي تخصصها الدائرة لبعض المعدات من السيارات وغيرها فيستعمل السائق بعض منها ويسحب البعض الآخر ليبيعه ويأخذ ثمنه، وحرمة هذا الفعل من جهة أن السائق لم يبع ما هو ملك له لأن المشتقات النفطية مملوكة للدائرة لا له.
نعم لو حددت الدائرة الكمية المتوقعة لانجاز عمله بواسطة المعدات، وهي تعرف أن مقداراً منها سيزيد ولكنها تجعله للسائق لتشجيعه أو تكريمه، فيبيعه من قبله والاستفادة من ثمنه ليس بمحرم لأنه إجراء تشجيعي من الدائرة للسائق، ولكنه مشروط بانجاز السائق لما وكل به من مهمات الدائرة وعدم الاحتيال على عدم انجازها ليستفيد من بعض المشتقات.
المحرم الرابع: ما يأخذه بعض المسؤولين في الدائرة لقاء التعيين لبعض المواطنين كما هي العادة الجارية الآن، والحرمة هنا من جهة انه لا حق للمسؤول يقدمه للمتقدم للتعين ليأخذ في مقابله مالاً، فما دامت حاجة الدائرة لبعض الموظفين واستيفاء المتقدم للشروط فهو يستحق التعيين بلا ضم مقابل للموظف أو لغيره، نعم لو تقدم من هو مستوفي للشروط وكان عدد المتقدمين أكثر من المطلوب، تعين على الدائرة إجراء القرعة لتشخيص من يتعين بواسطتها، وممن لا يتعين، ولا يحق للموظف أن يشخص من تلقاء نفسه ويأخذ المال من المتقدم.
وأسوأ من هذا ما يأخذه الوسطاء من المال من المواطنين، فهو وسيط يأخذ في قبال وساطته مال، وحرمته من جهة ما يحرم على المسؤول أخذه.
نعم لو تعنون عمل الوسيط بعنوان متابعة المعاملة والتعجيل في تمشيتها وصوابيتها استحق اخذ الأجرة على هذا العمل خاصة إذا لم تتضمن غشاً وتزويراً للمعاملة.
المحرم الخامس: اخذ صاحب السيارة المباعة إلى آخر مبلغاً على توكيل المشتري يتراوح ما بين ورقة أو ورقتين فئة مائة دولار، هو من المحرمات لأن المشتري بشرائه السيارة قد استحق على البائع معاملة التوكيل أو التحويل بل التوكيل هو جزء من البيع استحقه المشتري بدفع مبلغ السيارة، وبالتالي فأخذه من المشتري بلا وجه حق وبدون مقابل، فهو حرام ويدخل في عنوان الرشوة حكماً لا موضوعاً كما تقدم في المحرم الثاني.
المحرم السادس: أن يعمد الوكيل من قبل آخر على شراء أو بيع بضاعة معينة، فيقوم الوكيل بشرائها بملغ معين ويقدمها للموكل بمبلغ اكبر ويأخذ الزيادة ويضعها في جيبه، وهذا الفعل وهو اخذ الزيادة محرم لأنه لا حق له به وإنما يستحق على الموكل أجرة عمله، نعم لو قال له الموكل اشتري لي بضاعة كذا بمبلغ كذا وله حق اخذ الزيادة لو اشتراها بأقل من هذا المبلغ فهو يستحق هذا الزائد، وحال البيع كذلك فيما يتعلق بالزيادة.
المحرم السابع: تحويل المقالات المحالة قبل التعاقد عليها وتحويلها إلى آخر لقاء مبلغ كبير، فإن استحقاق هذا المبلغ غير شرعي إلا إذا عمل المحوّل عملاً استحق به اخذ الزيادة، وأما أن تحوّل عليه هاتفياً مثلاً وهو بنفس اللحظة يحولها على آخر ويقبض مبلغاً فلا مبرر لأخذه بعنوان البيع أو التحويل.
المحرم الثامن: ما يأخذه موظفو المشتريات في دوائر الدولة حيث يشتري البضاعة بسعر ويدونها بالوصل بسعر آخر أعلى بكثير من سعرها المشتراة به ليستفيد الفرق، وهو محرم عليه لأنه أمين على مصلحة الدائرة والأمين لا يخون، وهو يقوم بوظيفته التي يتقاضى عليها راتباً شهرياً وعليه فلا وجه لاستحقاق الزيادة مع أن فعلها وتدوين سعر جديد بالوصل عمل محرم لأنه غش، وخيانة.
المحرم التاسع: ما يقوم به بعض المدرسين من تقصير واضح في شرح وبيان مادة الدرس لأجل الضغط على الطالب ليدخل الدروس الخصوصية والتي أصبحت سمة المدرسين في وقتنا الحاضر وقد بينا تفاصيل ذلك في كتيبنا (فقه المدرسين)، ومختصر الجواب: أن المدرس المقصر في الدرس لا يستحق الراتب الحكومي المقرر له وإنما يستحقه على تقريره الدرس بشكل جيد وواضح ولا قصور فيه ويكون الدرس الخصوصي من حيث الأجرة محرم عليه لو استغل أوقات الدوام الرسمي المملوكة للمدرسة ليعطي بها الدرس الخصوصي.
المحرم العاشر: ما يفعله بعض ضباط الوحدات العسكرية حيث يسمح بنزول المنتسبين من المراتب العسكرية ويتعاطى هو مرتباتهم، فإن هذا من المحرمات على الطرفين، على المراتب لأنه بعدم دوامه لا يستحق الراتب فإعطاء الراتب من قبل المسؤول وغض النظر عن دوامه حرام. وأخذه من قبل الضابط المسؤول حرام أيضاً.
المحرم الحادي عشر: ما يأخذه وجهاء العشائر ومشايخها عند ذهابهم إلى (فريضة) معينة في جلسة عشائرية لفصل نزاع أو اخذ دية أو غيرها من ما يعقد له عند الخصومة، حيث يشترط الوجيه مبلغاً من المال، مستفيداً من وجاهته أو نسبه (كونه سيداً) لقيام العرف العشائري على تخفيض مبلغ معين من الدية أو الفصل للوجهاء السادة، وهو بهذا يشترط مبلغاً معيناً على من يذهب معه. فهذا أيضاً من المحرمات لأنه به ضياع المعروف وغياب فعل الخير بين الناس، وهو ما عللت به الشريعة حرمة الربا في بعض الروايات.
المحرم الثاني عشر: ما يأخذه وكلاء الغذائية من دون إعطاء المادة المقررة أو تبديلها بأخرى من أردأ الأنواع وربما منتهية الصلاحية التي تسقط ماليتها لذلك. فإن ما يأخذه في هذه الحالات محرم قطعاً إما لعدم المقابل الذي يعطيه للمواطن وإما لتبديله المادة بأخرى لا مالية لها.
شبهات واردة
هل يحق للفقيه أن يفتي؟
وقبل الشروع في الكلام بهذا العنوان الذي فيه ما هو العنوان، فهل المراد من إن إفتاء الفقيه حق له خاصة دون غيره، فإن الغير غير المتعنون بعنوان الفقيه ليس له ذلك؟ وأن حق الإفتاء منحصر بالفقيه خاصة.
إن الميزة الأساسية التي انعم الله بها على الإنسان هي ميزة التفكير والغوص في أعماق وحقائق الأشياء من اجل الوقوف على حقائقها والتعرف على تفاصيلها، ويملك الإنسان حرية على التفكير
وقدرة على اختيار المجال الذي يفكر فيه فإذا ما اختار مجال العلوم الدينية والأحكام الشرعية فهو حر في بحثه حول مصادر الشريعة وما يمكن أن يتوصل إليه في بحثه، ولا يخفى قيمة العلم والتعلم وعظمة العلماء والفقهاء في الحياة الإسلامية وفي ألسنة الشارع المقدس كتاباً وسنة، قال تعالى ((هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) وقوله تعالى ((لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ)) وصريح القرآن واضح بإتباع طريق العلم وعدم الأخذ بالظن والشك وعدم التعجل وقبول الأمور دون تأمل وتدبر قال سبحانه وتعالى {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} وهناك العشرات من الروايات مضافاً إلى الآيات الكريمات تدعو بشكل واضح وجلي إلى الخروج من ظلمات الجهل إلى نور العلم، كي لا يقع أسيراً للموروث الشعبي أو التاريخي والاجتماعي، تقليد الأحبار والرهبان والآباء والأجداد، بل تدعوه إلى التخلص من ضغط هذه الحالات والاعتماد على العلم، بما يتوصل إليه بعقله وتفكيره وهو الأساس أما متابعة الغير وتقليدهم فهي مرحلة استثنائية ومتدنية بتعبير البعض، وإذا كان تحصيل العلم المتعلق بأي معلوم هو الأساس، فتحصيل العلم المتعلق بالأحكام الشرعية بالنظر من عناصر هذه القاعدة، وهو ما ينبغي للمسلم المتدين بدين الإسلام أن يسعى جاهداً للوصول إليه فإذا عجز الإنسان المسلم من الوصول إلى معرفة الأحكام الشرعية بجهده وجهاده كان الشارع المقدس قد فتح له طريق الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص كسيرة عقلائية جارية في كل الأعراف والأزمنة في كل ما يتعلق بحياة الإنسان في معاشه ومعاده، وهو طريق التقليد الذي به يتحقق غرض الشارع المقدس من تعريف الأحكام الشرعية للمكلفين وبه تتم الحجة عليهم في وجوب امتثالها دفعاً للضرر المحتمل من ترك واجباتها وارتكاب محرماتها وهو ضرر العقاب الأخروي المسلم عند المسلمين وإذا كان الأمر في تحصير العلم وبالأحكام الشرعية من مضانها وأدلتها التفصيلية كتاباً وسنة وعقلاً وإجماعا كان الطريق مفتوح للجميع ولو لم يتعنون الفرد بعنوان الفقيه وهو من له ملكة الاستنباط واستخراج الأحكام الشرعية من أدلتها المقررة وهذا حق للجميع سواء منهم الفقيه وغيره، فللغير أن يبذل جهده في تحصيل العلم بالحكم الشرعي والعمل به، أما قبول فتواه لغيره أو عدم قبوله، فهذا كلام آخر في حجية فتواه لغيره بعد أن ثبت حجية قول الفقيه في حق غيره.
إذن حق الإفتاء منبسط للجميع إذ بإمكان من لم يكن فقيهاً كما لو كان طبيباً أو مهندساً أن يبذل وسعه في تحصيل الحجة على الحكم الشرعي، مع انه ليس بفقيه.
وهنا شبهة بل شبهات
الشبهة الأولى: إن المرتكز في نفوس بعض العوام والجهلة بالعلوم الإسلامية أن التقليد هو نوع طاعة عمياء للمجتهد (الفقيه) وذلك لعدم فسح مجال المناقشة بين الفقيه والمقلِد وهذه الشبهة ليست بصحيحة إذ ليس المقصود من التقليد هو الرجوع الأعمى والإتباع الآلي لبعد ذلك عن روح الإسلام وحثه على استعمال العقل والتفكير والبحث والتحقيق من اجل الوصول إلى الحقيقة، وهذا الأمر مفتوح للجميع وعليهم الالتزام به، فإذا كان البحث عن الحقيقة مما يعجز عنه الإنسان لقصور فيه طبيعي أو لظروف معيقة له على البحث أو لغير ذلك من المعوقات فإن البحث عنها يبقى مطلوباً عنده وقد يجدها عند الفقيه الذي توصل إليها بجهده ومثابرته وغوره في مرادات الشارع المقدس وبياناته ليتوصل من خلالها إلى أحكامهم التي قررها للموضوعات المختلفة، سواءً المتعلقة منها بعلاقة الإنسان بربه أو بمجتمعه أو بنفسه أو بالطبيعة.
على أن إتباع المجتهد ليس أمرا إلزاميا يقطع على الآخرين طريق البحث والتحقيق، بل المتعارف والمرتكز عند المعظم بأن المكلف إذا ما اعتقد بخطأ من يقلده بالفتوى لم يجز له العمل بها بدعوى أن فتوى الفقيه ملزمة فليس الأمر بالتقليد عبارة عن تلقي من الغير، بل المعروف عن فقهاؤنا رضوان الله عليهم إنهم مصدر للعلم والمعرفة وكانوا يحرصون على رفع جهل الناس وتبديل عاداتهم السيئة بأخرى حسنة، وأفكارهم المنحرفة بأخرى سليمة وعقائدهم المشوشة بأخرى صحيحة وكانوا يعيشون في أوساط الناس بكل تواضع وانسجام ويجيبوا على أسئلتهم واستفساراتهم وبدأنا نلحظ في الوقت الحاضر طريقة جديدة في بيان الفتوى، تتسع لجانب الفتوى الاجتماعي وتأثيرات هذا الحكم فيه، والى جوانب أخلاقية، وأخرى سياسية لأجل رفد المعرفة العامة ورفع مستوى وعي الناس لتكون الفتوى عندهم زاداً جديداً من المعرفة والثقافة بعد بيان حكمها الشرعي.
الشبهة الثانية: إن المتعين على الفرد المسلم أن يؤدي تكليفه عن علم ولا يكون عمله إلا بعد تحصيل اليقين، وهذا مما لا يمكن المصير إليه، لأن اصل فتوى الفقيه معرضة للخطأ فكيف يمكن تحصيل اليقين بإتباعه؟ إن حصول اليقين بأمر في مجالات المعرفة والعلم قليل جداً، لا يمكن المصير إليه في مثل هذا الأمر الذي يراد للمكلفين التزامه لمعرفة أحكام الله تعالى لغرض امتثالها، فلو بني على تحصيل اليقين بالحكم الشرعي، فإن امتثال التكاليف على هذا الأساس لا يحصل. ولو قيل هذا الاحتمال يقبل في مساحات أخرى، كالقضاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ورد عنه: ((انا أمرت أن احكم بينكم بالأيمان والشهود فمن اخذ من أخيه ما لا حق له فإنما يأخذه بغير وجه حق..)) الأمر الذي نفهم منه أن المسألة موكولة إلى طرق وأمارات تسمى بلغة علم الأصول (حجج) جعلها الشارع المقدس مؤمناً للمكلف إذا اتبعها من الوقوع في الضرر المحتمل وهو العقاب.
أي أن المطلوب في إتباع فتوى الفقيه ليس هو تحصيل اليقين بقدر ما هو تصل الحجة التي تكون معذرة للمكلف فيما إذا اتبعها عند الوقوع في الخطأ. وهذا ما أراده الشارع منه ولم يرد تحصيل اليقين ولكنه إن حصل فبها وإلا فالحجة المجعولة متبعة.
الشبهة الثالثة: إن القرآن العزيز قد ذم التقليد ومتابعة الآخرين سواءً كانوا آباء أو أبناء كما في قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} فهذه وغيرها تنهى عن التقليد مطلقاً سواء كان لطريقة الآباء وسلوكهم أو لأفكارهم وعقائدهم ويترتب على ذلك أن التقليد في الأحكام الشرعية غير جائز، فهو مرفوض.
إن التقليد مناطه رجوع الجاهل إلى العالم بمقتضى السيرة العقلائية الممتدة منذ القدم وإلى الآن. فإن آباء هؤلاء ليسوا من أهل الخبرة ومن العلماء فالرجوع إليهم لا يكون من الرجوع إلى أهل العلم ولاختصاص بقدر ما يكون رجوعاً تعصبياً وعن غير وعي، ويرشد إلى هذا المعنى قوله تعالى ((أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ )) وهذا من رجوع الجاهل إلى الجاهل، وهو مرفوض عقلاً ونقلاً.
وبتعبير البعض، إن الكافرين يسدون إذنهم ويغمضون عيونهم ويعيرون عقولهم وتفكيرهم لأسلافهم. فهم يحتفظون بمجموعة من الآثار والتقاليد والعقائد الخرافية على أنها آثار الماضين المقدسة، وهذا ما يجعل لهذه التقاليد والعقائد من استمرار والتأثر بها من جيل إلى جيل دون الاعتماد على أساس منطقي سليم.
الانتصار لدين الله
التحرك بالاتجاه الصحيح الصادر من كل فرد لو كان بمنظار العقلاء لا يثير الاستغراب بقدر ما يثيره التحرك المعكوس، لأنه خلاف ما يؤمن به العقل الإنساني من ثوابت اثبت التحقيق بأنها مشتركة لدى كل العقول بشرط خلوها من التأثيرات الدخيلة عليه من جراء انغماسه في موافقة هوى النفس وحدوث الخلل في نظام قيادته وتشريع الأحكام التي تمثل رأي الفرد في كل أمرٍ حادث. ولو كانت عقولنا تملك هذه الحرية ولم تقع في شباك الانجرار وراء الهوى لكانت الأحداث التي تحصل أمامنا باستمرار محطات للموعظة ودوافع للمراجعة في كل جانب من جوانب حياتنا وإصلاح الكثير من ممارساتنا الخاطئة، مع الأخذ بعين الاعتبار كل ما نحمله من تاريخ ومعتقدات لا زالت تمثل الصدارة في تكاملها وقدسيتها من بين كل المقررات والأديان الأخرى.
والنقطة التي تثير العجب وتؤسس لإفقاد مثل هذا التراث والدين صدارته في منظار الناس طبعاً لا في الواقع وإنما في ميدان التطبيق، هي سهولة التنازل والتهاون عند الشعوب المسلمة عن ثوابت الدين ومقررات الأعراف الأصيلة، وإبدالها بعادات وتقاليد ومقررات المجتمعات والأديان الأخرى، مع عدم اتصاف تلك المجتمعات بهذه الصفة التي أصبح المسلمون مع شديد الأسف في صدارة من يتصف بها، ومع هذا الفارق الكبير والأفضلية الواضحة عقلاً وأثراً بين المقررات التي يحملها الإسلام والعرف العربي الأصيل وبين ما تحمله تلك المجتمعات، لكننا نجد إن المجتمع المسلم يعمل باتجاه إدخال بل ترسيخ التقاليد والأعراف الغربية في أوساطه الاجتماعية والأسرية والعمل على التنازل عن مقررات الشرع والعرف بشكل مستمر تماشياً مع تطور الحياة وبلوغ الذروة والتطور حسب توهم رواده وأهل هذه الأفكار، بينما لم نجد مثل هذا الحث والعمل عند المقابل بل لم نجد التسامح أو غض النظر عن أي عنوان دال على هوية الإسلام أو العروبة ودخوله إليهم، ولا أبالغ بأنهم اجتمعوا واتفقوا على منع دخولها وانتشارها في مجتمعاتنا واعتبروها علائم للشر والخطر عليهم، ويكفي شاهداً على ذلك ما صدر من إساءة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن إصدار قرارات تمنع أي رمز يشير إلى الإسلام كالمآذن والحجاب، وآخرها حادثة منع المدارس الاسبانية للطالبات التي ترتدي الحجاب، والذي يحز بالنفس إننا لو رأينا هذه الأحداث وعدنا إلى ما يجري في مدارسنا الخاصة بالبنات لوجدنا أن أربابهم وأصحاب المسؤولية التربوية يحثون جاهدين على توفير الأجواء الملائمة لإرغام الطالبات على نزع الحجاب والتشجيع على ذلك من خلال وضع الخطط التي تحمل مسميات (المهرجان، والاستعراض) في مناسبات معينة يعملون فيها على إخراج البنات من دائرة الدرس والتعليم إلى تنظيم المسيرات الراجلة إحياءً لهكذا عناوين من دون الوقوف على الهدف المستحق لكل هذا، والظاهرة الملفتة للنظر هو جعل الجامعات والكليات مختلطة بين الجنسين مع العلم بأن الطلبة في مثل هذه الأعمار يحتاجون إلى رعاية مركزة من كل الجوانب سواءً في العائلة أو في الكلية ولا اعتقد أن الحكومة عاجزة عن إنشاء كليات خاصة بالبنات وأخرى للبنين كما هو سياق الثانويات والمتوسطات وغيرها، واعتقد أن مثل هذه الخطوة تشجع الكثير من العوائل على إبقاء بناتهم في مسيرة الدراسة إلى نهاية المطاف، ونكون بذلك قد عملنا وفق النظام الإسلامي واحترمنا العرف العربي المتأصل في نفوسنا وارفدنا مجتمعنا بكوادر كفوءة من كلا الجنسين وهو أمل هذا المجتمع بأرباب القيادة وأهل القرار بأن يحققوا ما ينفع المجتمع وأبناءه لا أن يؤسسوا لإفساد هذه النفوس الفتية بدل إصلاحها.
السيد
حسين الحسيني
التصريح مسؤولية
تناولت وسائل الإعلام المختلفة تصريحات بعض المسؤولين الكرد فيما يتعلق بأنه سيقسم العراق إلى دويلات ثلاثة على أساس طائفي وقومي، في وقت قد يؤدي الحراك السياسي إلى عدم إعطاء الكرد منصب رئيس الجمهورية، بعد انشغاله من قبلهم للسنين السابقة. وقد كان مصطبغاً بالصبغة الكردية مع الأسف الشديد بدلاً عن الصيغة العراقية الوطنية. وهذا من ضيق الأفق وقصر النظر في أن يكون رئيس البلاد ساعياً وبهمة وإرادة إلى مصالح قوميته لا إلى مصالح بلده، فقد أكدت تجارب السنين السابقة غياباً واضحاً للحس الوطني على صعيد رئاسة الجمهورية، فقد صرح السيد الرئيس بمناسبة وأخرى بمصالح الكرد، وبين انه ممثل لهم وعندهم حصراً في هذا المنصب.
ولما ظهرت مؤشرات عدم إعادة تنصيبه إلى هذا المنصب – وهو تشريفي- انطلقت حناجر بعض المسؤولين كرئيس الإقليم السيد مسعود البرزاني فصدح بالقول بتقسيم العراق إلى دويلات ثلاث، وقد فات المسؤولون الكرد بأن العراق ليس ضيعة مملوكة لهم توارثوها أباً عن جد، بل العراق بلد الأبناء والحضارات والأولياء والصالحين والرجال الأشداء أهل النخوة والغيرة، ولن يستطيع أي احد مهما وجد نفسه في دائرة من القوة المؤقتة التي خلقتها ظروف الاحتلال وحساباته في تمزيق البلد على خطوات هادئة لا يحس بها من قبل معظم العراقيين وللأسف الشديد، ولولا هذه الظروف وسوء قصد المحركين لها ممن لا يريدون لهذا البلد من وحدة واستقلال وتحرر، لما استطاع المسؤول الكردي من التصريح ولو بكلمة في هذا الاتجاه.
ولو حرص أكثر على مصالح شعبه كما يسميها لتناول مصلحة البلد ككل بكل صورها ومفرداتها وانه بهذا الحس الوطني سينال مصالح شعبه الكردي، فيما وصف نفسه بشعبه الكردي، ولو كان سياسياً محنكاً لقال مصالح شعبه العراقي وهو تتضمن مصالح الكرد بالتأكيد.
إن خطورة هذه التصريحات وعدم الشعور بمسؤولياتها وانه أول إشعاع من الخطر سيسقط على إقليم كردستان نفسه، يذكرنا بذلك التدخل التركي المستمر والزحف المتكرر للجيش داخل العراق، وحينما صرح الأكراد بضرورة تدخل المركز في هذا الشأن لأنه جزء من العراق ومن مسؤوليات الحكومة المركزية، وهم من قطعوا الطريق عليها لتتحرك داخل الإقليم ويعتبرون ذلك تدخل في شأنها، فهم يتصرفون باستقلال تام عن المركز ويتعاملون من منطلق الدولة مقابل الدولة.
وقد أفتى بعض مراجع الدين بضرورة الدفاع عن شمال العراق واعتبره واجباً وطنياً وشرعياً وشتان ما بين الموقفين، موقف الحرص والوطنية، وموقف الانتهاز والتهديد، وصدق الشاعر حينما قال (وكل إناء بالذي فيه ينضح).
إن استثمار الظروف التي آلت إليها البلاد وبهذه الطريقة يكشف مما لا لبس فيه أن المصرحين لا يهمهم مصلحة العراق بقدر ما يهمهم مصالحهم القومية والشخصية، واستعدادهم لفعل أي شيء وإن كان تمزيق العراق من اجلها وهذا ما لم يفعله حتى دكتاتور العراق المقبور وقد يذكرنا هذا الفعل بما كان طلاب العراق في السبعينيات أو ما يقاربها يرددون شعار (لو اطلعونهم لو نكسر الجام).
إن المشاركة في السلطة لا تنحصر في دائرة السلطة التنفيذية خاصة بل هي تشمل السلطات الثلاث وأهمها السلطة التشريعية، وإذا جاءت نتائج التكتلات بما لا يترك طريقاً للمشاركة في السلطة تبقى المشاركة البرلمانية والتي من خلالها يستطيع المشارك التأثير في سير القرارات واتخاذها، بعد أن التزم على نفسه احترام العملية السياسية والسعي إلى تكريسها بالواقع العراقي كي لا تعود الدكتاتورية مجدداً، وها هم يتصرفون بواقع دكتاتوري، نعم ما كسبه العراقيون هو تبديل مواقع الامتياز والاستغلال والسلطة من جهة إلى أخرى.
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله الوارف)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
استفتاء
يوجد في السلك العسكري والأمني مصطلح يطلق على أصحاب الرتب وهو كلمة (سيدي) وباعتبار أن حكومتنا أسست على مباركة المرجعية وعليه إلا تعد هذه الكلمة استحقار للأدنى خصوصاً إذا كان قائلها هو اكبر عمراً من صاحب الرتبة.
أجيبونا أعزكم الله
الشيخ
محمد الفريجي
بسمه تعالى:
الجذر التاريخي لإطلاق كلمة سيدي في الأعراف الإسلامية السابقة توحي بل تعطي معنى عبودية المستعمل للمخاطب، باعتبار انتشار العبيد في تلك العصور الإسلامية الأولى، مما شكل هذا الاستعمال ارتكازاً في النفوس بالنفور من استعمال هذه الكلمة وعدم مقبوليتها، وصعوبة وقعها على النفوس المستعملة لهان وإن كانت في مجال القوى الأمنية حينما يخاطب الأدنى رتبة الأعلى بلفظ سيدي الذي يوحي بدناءة الأدنى وعظم الأعلى ومثل هذا الإيحاء مرفوض من الناحية الشرعية التي تدعمها صفة دولتنا باعتبارها إسلامية وكذا هو مرفوض من الناحية العرفية في استعمالات الأفراد لهذه اللفظة.
ومن هنا فنقترح كحل مقبول نحافظ به على مقامات الرتب العسكرية ونصون به شعور المستعمل لهذه اللفظة، استبدالها بكلمة سيادة، فيقول صاحب الرتبة الأدنى للأعلى سيادة الضابط أو سيادة العميد أو…، وبذلك نقوي أواصر الاحترام والتقدير بين أفراد القوى الأمنية.
قاسم الطائي
10 – جمادي الأول – 1431
استفتاء
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
مجلس الرئاسة سيعقد اجتماع لتدارك الوضع السياسي في ظل إجراءات هيئة المساءلة والعدالة واجتثاث بعض المرشحين التي يعدها إجراءات قانونية وفي ظل أجواء التحالفات السياسية وإعادة العد والفرز في بغداد، هل تعتقد أن مجلس الرئاسة يستطيع إيجاد حلول لكل هذه المواضيع؟
احد المؤمنين
بسمه تعالى:
لا اعتقد انه باستطاعة مجلس الرئاسة إيجاد حل لهذه المواضيع للأسباب التالية:
1) إن نفس المجلس مشكل من شخصيات تنتمي لكيانات وكتل متنافسة وكل من هذه
الشخصيات سيصيّر الحل بما يتوافق مع توجهاته السياسية وليس مع مصلحة العراق، وبالتالي فتوقع الحل من المجلس، بمنزلة توقع الحل من نفس الخصم.
2) إن كثير من الأمور في موادها الدستورية وبنودها القانونية غير مبينة بشكل واضح وهي مجملة الى حد ما وبالتالي سيصار الى تفسيرها بحسب ما يفهمه المفسر وتوقعاته وطموحاته.
3) تدافع السياسيون لزيارة دول الجوار عقد الحل وأضاع إرجاع الأمور الى استحقاقاتها الدستورية والانتخابية لتقاطع مصالح هذه الدول في العراق، وكان المرجو وضع الحل النهائي لصورة الحكومة قبل هذه الجولات المكوكية.
4) يعرف الجميع بأن القرار العراقي المستقل مضيّع في ظل ظروف البلد الحالية، وإرادة الاحتلال هي المرجع في النهاية.
لهذه الأسباب نعتقد بأن المجلس غير قادر على إيجاد الحل وقد أفرزت الانتخابات استحقاقات، سواءً كانت مطعون بها أو لا.
قاسم الطائي
17 / جمادي الآخرة / 1431
استفتاء
سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم
ظاهرة استخدام الموسيقى في اللطميات والردات الحسينية أصبحت بارزة، وقد يتخللها في بعض الأحيان حركات غريبة، وسؤالنا عن رأي الشارع بهذه الظاهرة ومصاحبتها لآلات الموسيقى وبعض الحركات؟
وفقكم الله لمراضيه…
ولدكم الشيخ عماد العقابي
بسمه تعالى: استخدام الآلات الموسيقية غير جائز على الأحوط، وتضمين اللطميات بعض الحركات التي تستلزم خفة عند المشاهد أو عند الرادود بما يخرج هذه الشعائر العظيمة عن هدفها المرسوم لها شرعاً في تعزيز قيم الشهادة والرجولة والغيرة على الدين أيضاً غير جائز. . والله العالم.
19/ جمادي الآخرة/1431 هـ
استفتاء
سماحة المرجع الديني لفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
ما هو رأي سماحتكم في عمل البعض من موظفي دوائر الدولة وغيرهم من الناس في تعقيب المعاملات لقاء مبلغ من المال حتى اخذ بعضهم لترويج معاملات مزورة مثل إخراج سند لقطع أراضي لم يتم فرزها من الجهات المختصة مما سبب الى مشاكل كثيرة في المجتمع بسبب بيع هذه الأراضي الى الناس عندما يذهبون للتأكد من سند هذه الأراضي أو القطع بعد مراجعة القسم المختص في هذه الدائرة يقولون أن هذا السند مزور..
سؤالنا هو:-
ما هو حكم التعقيب في هذه الصورة المتقدمة؟ أفتونا مأجورين.
ولدكم
السيد حسين المرياني
بسمه تعالى:-
تعقيب المعاملات لغير الموظفين خاصة ضمن أصولها المقررة رسمياً بما لا غش فيه ولا تزوير، عمل محترم يستحق عليه الأجرة وأما تعقيبها الوهمي أو المزور فغير جائز والأجرة عليه محرمة ويتحمل المزوِّر كل ما يحصل من مضاعفات جراء التزوير.
وأما تعقيبها لنفس الموظفين فغير جائز لأن عملهم مملوك لنفس الدائرة وهم يتقاضون عليه راتباً شهرياً فتعقيب المعاملة ضمن نطاق عملهم الرسمي فلا يستحقون اخذ الأجر عليه.
قاسم الطائي
18/ جمادي الآخرة/1431