You are currently viewing نشرة النهج  العدد  (73)

نشرة النهج العدد (73)

التغيير

التغيير مفهوم صار متداولاً على السنة السياسيين الغربيين في إبداء مواقفهم من بعض الدول العربية او الإسلامية أو من لا تسير وفق ركبهم، فهم على الدوام يطالبون بالتغيير، ولكن من خلال مواقع القرار السياسي لهذه الدول التي هي مرتبطة معهم بعلاقة من نوع ما، وقد يفاجئ رؤساء هذه الدول بحدوث التغيير من خلال الاستفزاز الشعبي الذي قد يأتي كنتيجة طبيعية لتداعيات سياسية خاطئة وظالمة لرؤساء هذه الدول، وقد تأتي من خلال تحريك بعض عوامل التغيير الشعبي وإحراج الموقف الحكومي لبعض الدول ويمكن اعتبار صندوق النقد الدولي هو أداة التحريك من النوع الثاني.

وفي ضوء الإستراتيجية الغربية الأمريكية بالتحديد، هذه الإستراتيجية القاضية بنشر الديمقراطية في ربوع الأرض كمنهج نهائي للمسيرة البشرية حتى نهاية عالم اليوم، وقد قامت هذه الإستراتيجية منذ مدة وقد توقعنا ذلك على الإطاحة بالرموز القابعة في الحكم لعقود طويلة، إذ باتت تشكل إحراجاً للسياسة الأمريكية في مناطق الشرق الأوسط وغيره، من خلال اكتسابها الخبرة الكافية في ترويض الغول الأمريكي واستعطافه لغض النظر عنها، بتثوير الأزمات في بلدانها، ومع ذلك فهي قلقة وغير واثقة في بقائها على الخط لسنوات أخرى، حيث لا تقبل طبيعة الحياة السياسية ومتغيراتها البقاء أطول من ذلك في هذا الوقت بالذات، أو أن تتنوع مصادر القرار السياسي في هذه الدول يوفر للإدارات الغربية مفاتيح التدخل في أية لحظة، وتوجيه الأمور كما ينبغي لها وفق مصالحها العامة في هذه البلدان، الأمر الذي لا يمكن في حالة تفرد مصدر القرار، وربما أمور أخرى لست بحاجة الى عرضها.

المهم أن التغيير فيه منطقان، قد تأتي من فوق رغبة لإدارات الدول الغربية ولو بطريق الاحتلال، وقد تأتي من الشعب نفسه، ومن وراءه إرادته القاضية بالتغيير إن لم يلتف حولها من خلال الإدارات تلك، وفي الأول لا يمكن إرجاء خير إلا بعوض، لا يقل عن سلب الهوية القومية، وفي الثاني يرجى الخير بل كل الخير.

ومن منطق الثاني هو ما حصل بتونس، ومن منطق الأول هو ما حصل في العراق ولبنان، وتبقى دول أخرى في الطريق سيأتيها ما أتى العراق إن لم تحسم أمرها باتجاه التغيير الثاني منها مصر ثم السعودية، وقد يكون اليمن متغيراً ضمن منطق التغيير الأول والمغرب كذلك، والسودان.

إن تشبثت القوى الوطنية في إطار ما نسميه الإدارات الغربية، الديمقراطية هو مفتاح الحل لتأكيد سيطرتها وتكريسه على شعوب الأرض وبلدانها، ولا يمكن منعه إلا بالطريق الثاني، ومن هنا فإن على رؤساء هذه الدول ان تعطي الفرصة لشعوبها لبناء دولها وتنمية قدراتها، والتخلي عن سبيل الحكم المسيطر عليها، وسيذكر لهم التاريخ موقفاً دونه اتهامهم بالارتباط بالغرب، ومن يتذكر الرئيس الباكستاني (مشرف) وكيف ترك الحكم لخيار الشعب سيجد صدق ما أقول.

إن أهم المواقع هي المأخوذة في نظر الاعتبار للتغيير هي البلدان العربية، وما يجري هنا في مصر أو هناك في اليمن والجزائر والمغرب والأردن واقع لا محالة وعلى شعوب هذه الدول أن تختار طريقها للتغيير، إما الأول، وإما الثاني فالمستقبل لا تصنعه إلا إرادة الشعوب، وقد صدق قول إمامنا (عليه السلام): ((كيفما تكونوا يولى عليكم))



اوبريت

قاعة للعرض كبيرة، تحوي على ساحة جميلة، تضم أشخاصاً عزيزة وأحلاماً عريضة لأمة عريقة، تتردى في مهاوي سحيقة، وهي تعيش أوهاماً جديدة وفي حالات عديدة.

خلف القاعة: إعلام موجه وأصوات تتردد، وأبواق تنفخ، وما وراء ستارها عملاق يعربد، يتوعد ويتودد، فإذا جاع عربد ومع شبعه يتودد.

صف.. بل صفوف تتقاطر، وتحاول أن تسترق السمع وتنظر علّها لبؤسها تسعد بالنظرة، وتفك الشفرة لعزة أشخاصها، وتدفع عنها لغز الحيرة، وهي دائماً منتظرة، من أين لها العِبرة؟ فتُمنع عن كل شيء غير العَبرة، وإنزال الدمعة والتبرك بالنظرة، ولسان حال أعزتها يقول نستبكيك لا لمثوبة وتحشيد واستنفار وتهديد لمن يريد بك سوءً، بل نستغفلك لحاجة.

جاء من طرف القاعة من يتشدق بصوته، حيث دخل على حين غفلة من الحضور،قائلاً: من يستعيد أمجاد الماضي التليد عبر غيره ونشيد يرددها صباحاً ومساءً، نريد، نريد،نريد، ويتركه المعلق يردد أبين ترديد، فلم يجد غير مشكك وحاقد وحسود، كل يسمع كلماته، ولكنه لا يصغي ليستفيد، بل ليسخر ويحيد عن طريق الحق، وهو الصعب الذي لا يجرؤ على سلوكه إلا ذوو القلوب الحديد، وهم قِلة في هذا الزمان الرعديد.

احتار الناس من الحضور في أمر الجائي من بعيد، وهم بالنسبة إليه صم بكم لا يسمعون ولقوله إذا سمعوه لا يعون، ولحرقة قلبه لا يعتبرون ولنصائحه لا يهضمون، ولصوته لا يطيقون، ولإقدامه مثبطون، ولفعله مقلون، ولرجولته عائضون ومحرجون.

وقف وتحير وتأمل فاخبر بعد أن تحرى عن أمرهم فوجدهم لوهم مطيعون، ولصورة عابدون وفي دواخلهم متحيرون، ولمن يلفتهم مستهزئون وحينما يتكلم يسكتون وفي أنفسهم مقتنعون وفي فعلهم مكذبون يذكرونه بمقولة سيوفهم عليك وقلوبهم معك، أنهم لا يتحلحلون عن وهمهم المزعوم.

حدث طارئ، فجأة انقطع التيار وشلت حركة القاعة، فلا الأعزة جاهزون لفعل ما، بل هم سكارى متحيرون، فقد اتخذوا راحتهم اله يعبدون، وبسحرهم للأمة مستعبدون، بانضمام إعلام مزعوم. والأصوات ساكتة بل ساكنة ولسكنى القبور مقلدون، وهم يرون أعزة قومهم من أكل الحلوى والحلقوم متخمون، فما تدري ألسنتهم ما تقول وأفئدتهم هواء تنفذ السموم على الجائي الغيور، وتدلس وتلبس الأمر على جمع الناس بأصوات أهل الوهم المزعوم.

حط الطارئ بين القوم مرحباً به ومكروم من الأعزة والإعلام المسموم وإذا به العملاق المشئوم، الوعيد بالتغيير، والمهرول على آبار النفط والزاحف على الدور، والقائل في نشوة وغرور هل منكم رجل رشيد نستعيض به عن امة القبور، وأهل القالَ والقيل فنتحدث عنه عن تصفير اليدين، مستبقين عندكم قليلاً من الخردة والحمير، يتنافس عليها من لا يعرف غير علف الدواب ليجعله خبزاً من شعير، يطعم به الجائع الفقير من امة الشخير.

هدئت القاعة.. صمت مقيت، ونفوس ذات تردد وعقول أشبه بعقول ربات الحجول.

تحرك العملاق نشواناً ودخل غاصباً يبحث عن من يقف أمامه مستهزئاً بالجميع، أين الجنة الموعود بها جمعكم يا مؤمنون؟!

وهو من توعد صديقه بالأمس بالويل والثبور بعد أن سحب عنه كل صلاحية، وقبّره داخل الحدود، ثم ألقاه في جحر ليستخرجه منها ذلاً له ولغيره من أهل النشيد والوطنية الأسود!

اخذ يبحث في الثغور علَّه يعثر على من يسترضيه ويفتح معه آفاق الغد المنشود، فلم يجد غير أصناماً تنشر من جديد.

صرح قائلاً أمام صمت الجميع، صمت أهل القبور، عملنا وفعلنا وبحثنا وعثرنا على كثير من أهل هذا البلد العتيد، وما فيه من أموال الأرض ما يعادل نصفها أو يزيد، همّهم إرضاؤنا على أن نطلق لهم عنان المال ونرشدهم الى ما نريد، فوجدناهم أكثر إطاعة لنا وزيادة على ما نريد.

ظهر الجائي يصرخ من بعيد، هل من يسمع أو يريد أن يستعيد همم أسلافنا، وضمائر أجدادنا، وشجاعة أقوامنا من جديد، لنوقف العملاق، وما يسعى إليه كي لا يبقى نشواناً يترنم على قصور همنا وقلة حيلتنا، فما منكم رجل شهيد.

سكت قليلاًن وسمع هتافاً وصفيراً… اذهب أنت وربك فإنا ههنا قاعدون.



رسالة الأربعين

ينطلق المحبون والمؤمنون من آفاق بعيده ومحافظات عديدة في منظر أبهر العالم تنظيمه وأثارت حقد الأعداء لخمته راجلين شوقاً لزيارة إمام الإنسانية الحسين (عليه السلام)، وكلهم فرحون ومستبشرون ولإمامهم معزون، ولقيم أسلافهم محيوّن ولكثير من مظاهر الفساد والإفساد من الانحرافات الأخلاقية والعلاقات الممزقة والفتن المذهبية والعرفية رافضون وهم يؤدون أسطورة الحياة بكل قيمها ومبادئها، لا ينالهم نصب ولا مخمصة، وكلهم خادمون ومخدومون، لا يشعر أحدهم بمائزٍ عن غيره، ولا يتمنى له إلا خير الزيارة وبركتها، فقد جمعهم عنوان الفداء والتضحية الحسينية، عنوان الإباء، والغيرة والحمية، يصفهم هاتف الحسين (عليه السلام) ، رضا بقضائك ولا معبوداً سواك، وهي الكلمة السواء بين البشر، أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً.

هذه رسالة الشعب العراقي بمختلف أطيافه وألوانه سيشد الرحال الى عرصة كربلاء في مشهد مليوني لم ولن تعهده بقاع الأرض قاطبة مهما سعت وجنّدت من إمكانيات لتحشد هذا العدد الكبير، وقد حشده الحسين (عليه السلام) بنهضته نهضة العزة المباركة التي فتحت آفاق الخير لأمة الإسلام وغيرها من الأمم، وهي رسالة موجه الى حكومة شعبنا العراقي، بكل رجالاتها عربيهم وكرديهم مسلمهم ومسيحيهم، شيعيهم وسنيهم، وفرصة سانحة لهم للالتحام مع هذا الشعب الكريم السمح، الجدير بهذه المهمة الرسالية العظيمة، ليصطف الجميع عصبة أمام أعداء هذا الشعب الذي فشلت كل وسائل وسبل حلحلت لحمته أن تعمل عليها، وهذه هي الفرصة التي توفرها هذه الأجواء الاخوانية الإيمانية الوحدوية، فاستغلوها يا ساسة، واستثمروها سانحةً لكم لتعزز لحمتنا ووحدتنا وهي أعظم رصيد لبلدنا، وضربة يوجهها لأعدائنا من إرهابيين وغيرهم.

أنا أنصحكم أن تتفاعلوا مع شعبكم راجلين والى حضرة مولانا الحسين سائرين، فأن فيها غسلاً لأخطائنا، ومغفرة لذنوبنا باتجاه شعبنا، فنحن وحدة واحدة، ولا نكون غيرها، ومن يقول غير ذلك فقد أضاع حظه وفقد رشده وكان بداً على شعبه بدلاً من أن يكون يداً له.

ومع نصحنا لكم فأننا مطمئنون إن أقدامكم وإصراركم على المشاركة في هذه اللحمة سيرفع رصيدكم ويكبر قدركم، وستكونون شجعان الموقف وأنتم بأمس الحاجة إليه، واطمئناننا بسلامة سَيركم مضمون لأننا من مدرسة القائل (عليه السلام) ((كفى بالأهل حارساً)) ولكل أجل معلوم.

وننصح أيضاً رؤساء دول العالم وخصوصاً المسلمين ليعيشوا رحاب هذه التظاهرة العالمية ويتفيؤا بركتها عليهم وعلى شعوبهم.

وسيجدون قلوب العراقيين مفتوحة لهم تضمهم بالجود والكرم قبل حكومتهم فلا تفوتوا فرصة كهذه فأن العمر غير مضمون كي يجود بفرصة كهذه ثانية. فما أريد لكم ولشعوبكم إلا الإصلاح ما استطعت الى ذلك سبيلا.

27/ محرم/1432هـ      

النجف الأشرف         

أخوكم قاسم الطائي    

أخطاء شعائرية

يردد بعض الحسينيين شعار (يا حسين خلافك ذلتنا) والمعنى غير خافٍ على ابن العرف العراقي وصاحب (الحسجة) الشعبية، ويعني إننا أصبنا بالذل بعدك يا حسين، ويحتمل هذا المعنى وجهان، يصح على الأول منهما ولا يصح على الثاني، فهو يصح على اعتبار أن وجودك يا حسين كان مشعلاً لنا وخيمة علينا وحصنا لوجودنا فلا يستطيع احد مهما أوتي من قوة أن يستذلنا، وما أن مت واخلفناك أصابنا الذل والهوان لذهاب حصننا ومشعل إرادتنا، وهذا المعنى إطراء على الحسين عليه السلام وانه مفجر الطاقات وملهم الإرادات ومعلم الشجاعات.

ولا يصح على تقدير أنهم قد استذلونا واستضعفونا بعد إقدامك على الشهادة وتركتنا مستفرَدين بين الأعداء ولولا شهادتك لما استذلنا الأعداء واستكلبنا الأشقياء، وهذا المعنى غير صحيح لما فيه من تلويح قد يستوحيه الجاهل بأن إقدام الحسين عليه السلام على الشهادة كان نتيجته (ذلنا) والأحرى به أن يفهم استرخاص الشهادة من قبل مثلي وأمثالي، الذين لا قيمة لهم تعادل قيمة الحسين عليه السلام ليتحلوا بالشهادة التي استرخصها الحسين عليه السلام من اجل الله ودينه، وأما إننا نرضخ للذل والهوان فذلك لقلة حظنا ودناءة نفوسنا حينما تبخل بالتضحية من اجل الله ودينه وقد رسم إليها الحسين عليه السلام درباً لا يمكن أن يرسم لولا الدماء الزاكيات، التي أريقت في عرصة كربلاء، تسطر ملاحم من أعظم بطولات تاريخ الإنسانية قاطبة، ونحن بدلاً من أن نأخذ من الحسين شحنة من روحه الأبية ونفسه الزكية وأخلاقه العلية، وشجاعته المحمدية، أخذنا منه عبرة على نفوسنا لا لأنفسنا وشكاية على ديننا واستكانة لحالنا وكأننا لم نتعلم منه إلا أن نبكيه، والحقيقة إننا نبكي على أنفسنا ولو بكينا عليه لأخذنا بثأره إصلاحاً لأمورنا، وانتصاراً لديننا، وحماية لشعبنا ورعاية لبلدنا.

ومن الأخطاء الشائعة: إن وهج العاطفة يتفاعل مع الشعيرة الحسينية في إطارها لا يخرج منها الى ما وراءها، وكأن الشعائريون يراوحون في أماكنهم سنين طوال لا يتحررون منها إلى غيرها، وهي كالزاد يتمول به البدن ليقيم صلبه ويستمر في عمله، وكالبانزين للمركبة تتزود به لتسير وتوصل الى مقاصد راكبيها، لا أن تتزود به ليحترق فيها وهي واقفة في مكانها.

إن الشعيرة علامة للإعلام والإعلاء، ونحن نقف عند الإعلام بهذه الشعائر ونُشكَر على ممارستها ولكن بيت قصيدها هو إعلاء لشأن الدين ورسالة رب العالمين، بأن نتخلق بأخلاق الحسين عليه السلام من الشجاعة والكرم والعفة والشرف، والغيرة والحمية، فنحن أسخياء بالصرف على هذه الشعائر ومأجورين إن شاء الله تعالى، ويا حبذا لو استمر فعلنا وسخائنا بعد انتهاء الممارسة الشعائرية وعطفنا على فقراءنا لسد جوعهم، نحميهم من برد الشتاء وحرارة الصيف ملبساً ومأوى.

ولو سأل سائل احدنا بعد انتهاء مهمة مواكبنا فهل أعطيناه ما يريد أو سد بعضنا خلته، الأعم الأغلب لا نفعل وهذا شيء مؤسف، ونأسف عليه للمسؤول، لأن هذا هو إعلاء الدين، الذي تضمنته هذه الشعائر مضافاً الى الإعلام بها، ونحن دائماً نقف على الإعلام ونترك الإعلاء.

وتلك خطيئة لا تغتفر.



افهم

أولاً: إن ما يحدث في بعض الدول العربية الدكتاتورية من هبوب رياح التغيير الذي تسيّرها الشعوب، كما هو في مصر واليمن وقبلها تونس، وبعدها سيكون دور الأردن والسعودية وقطر والكويت وليبيا والمغرب والجزائر، وقد تكون سوريا آخر محطات قطار التغيير العربي.

والسر في ذلك هو أن الأنظمة- دكتاتورية كانت أو غيرها- إذا لم تحكم بالعدل والمساواة، ونشر الرفاهية، وتبتعد عن الظلم والاضطهاد لحق شعوبها فإنها يوماً ما سيأتي لشعوبها عليها متفجرة في وجهها، ومطيحة لهيبتها.

ونفتخر بأن أول شعب وقف بقوة أمام دكتاتوريات العصر هو الشعب العراقي العظيم في انتفاضة شعبان عام 1991م، ولولا تحرك إدارة الشر الأمريكية والسلطة السعودية المتخوفة من صعود من قاموا بالانتفاضة وهم أبناء الجنوب حصراً ثم امتد سعيره لانتفاضة الشمال، لولا هذا لأتت الانتفاضة أُكلها وأطاحت برأس الأفعى.. وسيلقون غيا.

ثانياً: إن رياح التغيير ستهب، وقد هبت بالفعل على كل نظام عربي وقف معيناً ومشاركاً لإدارة بوش بغزو العراق، فمن مصر التي فتحت قناة السويس لعبور البارجات والغواصات وإمدادات الأسلحة، بل واستخدام القواعد الجوية الأمريكية فيها، الى استخدام أراضي السعودية والكويت، ومركز القيادة قطر، والبر الأردني لدخول القوات البرية، وهؤلاء حفروا حفرة للعراق وقد وقعوا فيها، فمن تبقى منهم سيقع لا محالة.

ثالثاً: نبّهنا منذ أمد بعيد يقرب من عام 1990، عندما بدأت تباشير الانهيار السوفيتي، بأن الدكتاتوريات كأنظمة بديلة للاستعمار العسكري كانت تغطي المصالح الغربية للدول المحتلة وخصوصاً النفطية، وأوضح مثال لها العراق حيث غطى المصالح البريطانية الأمريكية في احتكاراتها النفطية بما لا يسمح لأي احتكار آخر منافستها كما حصل في فتح المجال لمنافسة فرنسية في التنقيب عن النفط في الشمال، وأحداث ما يسمى بثورة 17 تموز البعثية ثم حسم صراع الحليفين لأحدهما بانقلاب 30 تموز على تفصيل معروف لبعض العراقيين.

ومهما يكن من قبول لهذه الأنظمة فإنه من غير المعقول بقاء مقبوليتها مع متغيرات دولية ومستجدات عديدة، قد تفرض وضعاً جديداً يؤدي الى رفع اليد عن هذه الأنظمة، ومحاولة استبدالها بأنظمة وفق المنظور الجديد للعالم الغربي، وهو مبدأ نشر الديمقراطية.

ويتخيل إليّ إن في المثل القرآني، ((وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) النحل76، وهذه الأنظمة بالنسبة للإستراتيجية الغربية هي كذلك كَلٌّ عليها.



الشعب التونسي والحسين عليه السلام

عندما نرفع شعارات كبيرة ومهمة كان إمامنا الحسين عليه السلام قد كررها قبل رفعها فجاءت مناسبة ومؤثرة في نفوس الآخرين، وهو قبل هذا يريد تحرير إرادة الإنسان من قيود الطواغيت قبل قيود النفوس، فتتحرك الشعوب وفق حرية إرادتها وصناعة قرار مستقبلها ملبية لنداء إرادتها الذي أطلقه الحسين عليه السلام قبل أربعة عشر قرناً صوتاً مدوياً في أعماق التاريخ لا زلنا نسمعه، وقد نعيه وقد لا نعيه، وهذه هي مشكلة الأمة الإسلامية في شعوبها المتعددة والمتنوعة، مذهباً وطائفة.

وقد لا نبالغ بأن من الواعين لنداء الحسين عليه السلام هو الشعب التونسي الذي أزاح دكتاتور من طواغيت هذا العصر جثم على الشعب التونسي المسلم ربع قرن من الزمان.

ومن لا يعي هذا النداء من الشعوب الأخرى، فلا بد من البحث عن منشأه وسببه ولعله في الشعب نفسه أو في رجالاته من أهل الحل والعقد الذين لا يلامس وجدانهم التغيير وهو من آثار التحرير فيشيعون في أممهم أفكاراً توارثية، وانساقاً تراثية يراد منها تكريس واقع التبعية والأسر لإرادة الشعوب.

ومن حقنا أن نسأل، هل نحن من الواعين او من غير الواعين، لنتفاعل مع الشعائر الحسينية، والزيارة المليونية التي هي تظاهرة عالمية في البحث عن تحرير إرادتنا واستقامة أمورنا، أو ننتظر كلمة المتكاسلين اصبر- ونحن غير صابرين- فلها مدبر.

إن هنا فرقاً بين تغيير تصنعه إرادة الشعوب نفسها وبين تغيير يطرأ عليها من الخارج، بعد أن عجزت أو ضعفت إرادتها عن التغيير المطلوب، ففي الأول الشعب هو صاحب القرار المستقبلي، وفي الثاني التغيير مفروض عليه، وكأن ما صار هو عين ما كان باختلاف ادوار المؤثرين، وقد نجد في النص القرآني مؤشراً واضحاً على هذا المعنى..

{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}الرعد11



مفارقة عالم

انتقل الى رحمة الله تعالى المجتهد العامل الجليل القدر والعالي المقام جناب الشيخ محمد علي العمري، تغمده الله برحمته وحشره مع من انتصر لدينهم محمد وآله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وقد أنهى حياته المباركة وهو يؤكد الوجود الإسلامي الأصيل في مدينة الرسول الكريم، في أوضاعها المذهبية المعروفة، وكان بحق المحامي الناصر لمذهب أهل البيت عليهم السلام، واستطاع بحنكته أن يكون داعية إسلامية بحق في تلك الأجواء المشحونة كما هو معروف.

وإذ نعزي المسلمين وذويه وأنفسنا بهذا المصاب، ونتأسف لثلمة وقعت في الإسلام بهذا الفقد الجلل، نستكثر من وصفه بعبارة العلامة، واستكثر أن يرفع بيان تعزيةً لموته (قدس سره) وهو المعروف بالضيافة العربية والاستقبال الحار لكل العلماء والمجتهدين من مذهب أهل البيت، لأن وصف العلامة لرجل مثله، مظلمة كبيرة وخيانة عظيمة لهذا الرجل الكبير فهو يستحق ويستحق أكثر من هذا الكلمة، بل لا نغالي أن قلنا انه يستحق ما لا يستحقه كثيرون من الألقاب المتعارفة في الوسط الحوزوي، لما قلناه مراراً وتكراراً إن العلم هو العمل ولا علم بدون عمل، ومن لا يعمل لا يعلم وإن وصف نفسه أو وصفه الآخرون بالعالم، إن نغمة تضعيف الشخصيات الإسلامية العربية أمر خاطئ ولا يعبر الا عن بعد تعصبي أعمى لا يخدم الإسلام والمذهب، فكم من ملقب بـ(الآية العظمى) أو (عالم الخافقين) أو (سيد الأساطين) وغيرها من الألقاب الرنانة، ولا نجد له من اثر في الوسط الاجتماعي أو العمل الإسلامي ضمن نطاق المجتمع والاهتمام بشؤون الناس وهو لا يعيش إلا همَّ لقبه، وضرورة المحافظة عليه باستعراض للألفاظ، واستعمال المصطلحات إذا غربلتها لا تحصل منها على معنى معقول أو أمراً مفهوماً، بل هو ترامي للمصطلحات واستخدام للمفاهيم من اجل بيان عارضية الذات وسعة المقدرة على الاصطلاح، وإذا طلبت منه أن يتحدث لخمس دقائق في موضوع إنساني ومشكلة اجتماعية يعج بها المجتمع، ويضع لها حلول مناسبة وعلاجات واقعية، تراه يتهرب بعيداً الى جوانب، من الدعاء لكم، وعليكم بالالتزام والتقوى، والزهد، وهو يفتقد للأخير على الأعم الأغلب.

إن الظلم هو أن لا تعطي شخصاً استحقاقه الواقعي أو تعطيه اكبر من حجمه وأوسع من قدره، وهذه مصيبة أبناء الحوزة الشريفة، فالمزاج بينهم قائم على رفع هذا وخفض ذاك بما لا ميزان لهم في ذلك، وكأن على آذانهم وقرٌ من سمع القول المأثور ((رحم الله امرؤٍ عرف قدر نفسه)).

نعتذر للرجل وهو الغائب عنا عن هذا التوصيف، ونأسف لعدم الالتقاء به، ولا نملك إلا الدعاء له برفيع الدرجات ومزيد من بركات الدعوات للمؤمنين الواعين، ونسأل الله تعالى أن يسره في قبره وفي محشره وفي ميزانه، ويقر عيون ذويه بآثاره ومواقفه، انه نعم المولى والمجيب.



سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

      عظم الله لكم الأجر باستشهاد صاحب أكبر ثورة في تأريخ البشرية وأرجو منك بحقه وبحق أستاذك الذي بذل نفسه وولديه من أجل الحق والعدل وهو يؤسس الحوزة الناطقة وأرجو منك من أجل الحق، والمعروف عنك تقول الحق وإن عز وتنصف الناس من نفسك أن تجيبني على سؤالي وقبل السؤال أود أن أبين ما يلي:-

أولاً: ذكر سماحة المولى الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قده) ((إنما استهدفت إيجاد المرجع للمستقبل وإلا الحمد لله جملة من مراجعنا ذهبوا والباقين أيضاً يذهبون يبقى المجتمع وتبقى الحوزة بدون مجتهد، بدون اجتهاد لا يصير تقليد، لان غير المجتهد لا يقلد، معناها لا يوجد مرجع فمن الذي يقضي؟ من الذي يقبض حق الإمام؟ من الذي يحل المشاكل؟ من الذي يفتي؟ لا يوجد، فلربما- وإن كانت ليست باللطيفة- يتسلط علينا غيرنا بعنوان إن الأعلم في إيران أو في الهند أو في باكستان أو في الخليج لا فليكن الأعلم في النجف ليس في غيرها))

ثانياً: وقال قدس سره (( كثيرون يقولون بأنه بعد السيد محمد الصدر أين نولي وجوهنا، أقول لهم الى الآن لا يوجد شيء الى الآن أي تخطيط لا يوجد إنما نحتاج إذا بقيت الحياة لعدة سنوات ربما خمسة، ستة، عشرة حينئذ في ذمة المجتمع وفي ذمة الحوزة تعين أعلمهم من هذه الناحية))

ثالثاً: قال قدس سره (( لابد من المرجع للشيعة لابد من المرجع في النجف الأشرف وأنا قلت أكثر من مرة (أن النجف هي أعلم المناطق على وجه الأرض حتى لو قيست بقم،فلا ينبغي التفريط بهذه الصفة))

رابعاً: قال قدس سره ((أنا اعتقد إن الأعلم من بعدي على الإطلاق جناب السيد كاظم الحائري لكنه لا يتسنى له الرجوع فتحدث أمور مؤسفة ومزعجة فعليكم بالشيخ محمد إسحاق الفياض لأنه رجل طيب القلب لكن هناك من طلابي وممن أتوخى منهم الإخلاص والتعب على نفسه والاجتهاد يحصل هناك عدة مجتهدين بعون الله سبحانه وتعالى جملة منهم نستطيع أن نقول لهم طيب القلب وخيّر وورع ونحو ذلك قابل لأن تحول عليه القيادة الحوزوية ولربما في ذلك الحين يكون هو الأعلم، نحن لا نعلم بالمستقبل من الذي يكون اعلم أنا قلت إن جناب السيد الحائري الآن هو الأعلم له باب وجواب أما في حينه لعله سيكون بعض طلابي هو الأعلم ليس مجتهد فقط بل اعلم فحينئذ يجب الرجوع إليه تقليداً وقيادة))

وهنا أريد أن أشير أنه قد ذكر سماحة الشهيد محمد محمد صادق الصدر في أولاً أنه استهدف إيجاد المرجع للمستقبل وإن المرجع الأعلم في النجف وليس في غيرها وثانياً يقول بعد ستة أو عشر سنوات يكون الأعلم وفي ذمة المجتمع والحوزة تعينه وفي ثالثاً يؤكد ويكرر أن الأعلم في النجف ورابعاً يقول أن السيد الحائري في ذلك الوقت هو الأعلم وفي المستقبل لعله أحد طلبتي هو الأعلم ليس مجتهد فقط بل أعلم ويؤكد الرجوع إليه تقليدا وقيادة.

وهنا السؤال المهم أن هدف سماحة المولى إيجاد مرجع ناطق وقد حدد فترة أقصاها عشرة سنوات ونحن الآن بعد ثلاثة عشر سنة من استشهاده وهذا المرجع الأعلم من طلابه لأنه في ذلك الوقت قد حدد من هو.

وأنا عندما توجهت في مرات عديدة للسؤال عن سماحتكم وبالإلحاح بالسؤال قالوا أنك مجتهد قول دون كتابة وأنا على علم أنك من أهل الخبرة سابقاً في تحديد أعلمية السيد الشهيد الصدر (قده) ولديك اطلاع تام على جميع الأبحاث فمن الأعلم غيركم وكيف نثبت؟ علماً في مناقشة لي مع مدير مكتب السيد الحائري في النجف قال نسلم أنه مجتهد لكنه ليس اعلم وقد تفاجئت باستفتاء موجه الى مكتب السيد الحائري من السويد يسألون عن سماحتكم فيقولون لا نعرفه ؟! وبما انك من أفضل طلبة السيد الشهيد ومن أجل حفظ مدرسة الشهيد السعيد محمد الصدر من الأعلم وكيف نثبت ذلك؟.

الشيخ     

محمد الجبوري

بسم الله الرحمن الرحيم:-

      وعليه التوكل ومنه السداد، فقد كُثر السؤال حينا بعد حين وكأن المسألة معقدة الى العمق الذي لا يستطيع الإنسان العادي فضلاً عن الطالب الحوزوي التعرف على من يتصف بتلك الصفة وأخذ الجدل فيها طولا وعرضا منذ شهادة السيد الأستاذ (قده) الذي تمتد علاقتي معه منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية أو قبلها بقليل حينما كنت أراجعه في الاحتياطات الوجوبية التي يَرجِع فيها جملة من المحققين المكلف الى الغير، واستمرت الى حين شهادته، ولست بحاجة الى المزايدة على هذه العلاقة أو ما قاله السيد الشهيد (قده) من إطراءات أو تقييمات بحقنا كما تاجر وزايد عليها غيرنا وهذا شأنهم، يكفي أن أذكر  اني كنت أجيب عن الاستفتاءات التحريرية، وهو يمهرها بختمه الشريف، وهذا أمر معروف.

واستمر حالنا بحضور معظم أبحاثه ودروسه وبقيت مستمراً مع خطه الميمون دراسةً وتدريساً في جامع الرأس مع الرعاية التامة والكاملة لمعظم طلبة السيد الشهيد أو من ينتسبون لمدرسته، وجامع الرأس خير شاهد على ذلك، وأما قدرتنا التدريسية ومكانتنا العلمية في هذا الوسط لا يعلو عليها أحد وبشهادة جملة من طلبة الحوزة حتى من خارج خط السيد الشهيد (قده).

وبعد هذه المقدمة لا بد من ذكر بعض النقاط:

النقطة الأولى:- المتأمل في مجموع كلمات السيد الشهيد (قده) وخصوصاً ما هو مذكور في السؤال سيجد أنه (قده) تعمد إغماض الأمر فيما يتعلق بعنوان الأعلم من الفقهاء، فتجده تارة يقول ينبغي أن يكون المرجع من النجف، لا من غيرها من الحواضر العلمية الحوزوية، وأن يتسم بالقدرة على إدارة شؤون الحوزة وتمشية أمور المرجعية على وفق الخط الأمامي المتمثل في وقتها بالمرجعية المسماة عنده بالناطقة، وسميتها بالعاملة، وأخرى يقول، السيد الحائري (حفظه الله) مقيداً بقيدين، أن التوصيف كان بـ(بآن) إطلاق التوصيف، ولذا قيده بـ(الآن)، والثاني هو أنه لا يتسنى له المجيء الى النجف، وثالثة الشيخ الفياض (حفظه الله) موصوفاً من قبله بالطيب القلب من دون اشارة الى شيء آخر، ورابعة أحد طلبتي، ولعله مجملاً ومن يدعي أنه أشار إليه بالخصوص فهذا مردود وسأذكر سبب الرد في النقطة الأخرى.

النقطة الثانية:- سألته مرّة بالقول على ما أذكر، أنت قلت منذ مدة أن السيد الحائري أعلم مني، ولو كان في العراق لسلمت له المرجعية، والآن تقول أنا أعلم منه؟ فأجاب (قده) نعم هذا صحيح ولكنني والكلام بلسانه، بحثت وحققت الكثير من المسائل وتعمقت في البحوث فوجدت نفسي أعلم منه.

تعليلنا الخاص للإشارة الى المذكورين لعدة اعتبارات

الأول: أنه كان بصدد خلق خط مرجعي مقابل لخط الحوزة الذي سماه (الكلاسيكي الرتيب) والممتد في العمق التاريخي وليس من السهل مواجهته لمرجع بمفرده، فأشار الى السيد الحائري، والى الشيخ الفياض (حفظهما الله) لهذا الاعتبار على ما نقل لي السيد بواسطة الشيخ علي حميد حنين محادثته مع الفياض (حفظه الله) في بيته عندما زاره، ليستوضح من السيد (قده) قوله بعدم سيادة المحقق الخوئي (قده)، وفي أثناء محاورته معه قال له السيد أنت أعلم من السيد السيستاني (حفظه الله) فأعلن مرجعيتك وأنا أدعمك.

وربما إشارته للسيد الحائري، لتوجيه رسالة الى السلطة الصدامية بأن البديل عني فيما لو فكرتم بتصفيتي هو السيد الحائري وفتواه الصارمة في مواجهة النظام معروفة.

وإلى الشيخ الفياض (حفظه الله)، لكونه طيب القلب، وطيب القلب هو الضمان لرعاية طلبة الحوزة.

وإلى أحد طلابه لمعرفته بقدرة بعضهم وشأنيته في التصدي للأمر بشجاعة وصبر، ولم يحدد على ما نقل لي شخصياً في مرتين:

الأولى: في داره في لقاء خاص معه ليلاً قبل شهرين أو ثلاثة من شهادته، بالقول أنا لم أحدد من يكون من بعدي، وأفكر في مجموعة من الفقهاء إذا سارت الأمور بشكل طبيعي، وفي المستقبل القريب.

والثانية: عند خروجنا من بحث الفقه متوجهين الى البراني وقد اقترحت عليه أن ينشر أمراً ولائياً يأمر به الناس بالخروج الى الشوارع والاعتصام فيها فيما لو تعرضَت للاعتقال أو الاغتيال من قبل السلطة بعد تصاعد الأحداث واقتراب المواجهة فأجاب: أنا حبيبي لا أتحمل دماءً بعد موتي لا، لا (ما أسويها).

النقطة الثالثة:- أن السيد عندما طرح أعلميته عللها بأنه خريج مدرسة السيد محمد باقر الصدر(قده) والتي تعتبر مرحلة رابعة من مراحل علم الأصول، لها من العمق والشمول في علم الأصول ما لا يحيط به إلا القلّة وأنه أفضل واعلم طلبة السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) بل قد ذهب في كتيب صغير لم يطبع  الى ابعد من هذا، قد لا يكون من المناسب ذكر ما ذكره فيه فيما يتعلق بالأعلم.

وقد جعل الضابط أمور أخرى من علم الرجال، والفهم العرفي، ومعاريض اللغة، المهم أنه لم يتفق والفقهاء على ضابط لتحديد الأعلم، وربما البعض جعل الضابط جودة تطبيق الأصول على الفروع.

ولكنا لو رجعنا الى التحديد الشرعي سنعرف من الأعلم، فالشارع يقول العلم يهتف بالعمل وإلا ارتحل عنه، فجعل ضابط العلم هو العمل، ومن كان أكثر عملاً كان أكثر علماً من غيره طبقاً للتحديد الشرعي، مع اتضاح العمل من اجل الإسلام والمذهب والدفاع عن المعتقدات الحقة.

بل أكثر من ذلك نقول، من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم فافهم.

النقطة الرابعة: إن موطن الأعلمية هو النجف الأشرف وليس في غيرها من حواضر العلم الفقهية، وهذا يحدد لنا مدار الأعلمية ، وهذا صريح كلام السيد الشهيد (قده)، شريطة أن يكون خريج مدرسته المتصفة بالشمولية والنابعية كما يصف (قده) معيار الأعلمية.

النقطة الخامسة:- يمكن تحديد الأعلم وفق المعطيات التالية:

1- العمق البحثي في أصول الفقه، ومنافسته آراء أساطين الأصول المعاصرين، مع تبني أفكار خاصة في جملة من المباحث لا تدور في فلك آراء الآخرين، ولا مستنبطة من آرائهم.

2- السعة الواسعة والانتشار الكبير في معظم العلوم المطلوبة مع الامتداد على العلوم الأخرى ولو بدرجة غير معمقة الى الدرجة التي يستطيع أن تحاور أو تشارك في الحديث .

3- الإجابة السريعة والمباشرة لكل سؤال، وبدون انتظار وتروي، من خلال الرصيد الكبير عند المسؤول وحدس كبير للانتقال من مخزونه المعرفي الى الإجابة المطلوبة.

4 – يبدي رأيا في واضحا في كل قضية أو أزمة يتعرض لها الإسلام أو المذهب أو المجتمع.

5 – أن يحدد منهجا واضحا في سلوكه الاجتماعي وتعاطيه للمشاكل التي تطرأ على المجتمع مقدما حلول معقولة ومنطقية ويغطي مساحة واسعة في علاجاته لمشاكل المجتمع.

6 – أن يكون شجاعا بشكل ملموس  لا يأبه بالنتائج لو قام بدوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تأخذه في الله لومة لائم، وله كلمة صدق أمام سلطان جائر.

7- أن يكون قريب المشرب وصاحب باع طويل في الأعراف الاجتماعية والامتدادات العشائرية العراقية يتوفر على شبكة علاقات واسعة مع أفراد المجتمع بمختلف تنوعاتهم وأعرافهم.

8- أن يكون له اطلاع واسع على مشاكل مجتمعه أولاً وأحداث العالم ثانياً وبالخصوص العالم الإسلامي، وأن يعمل للإسلام لا للمذهب أو العنصرية.

وبعد هذه المقدمة والنقاط يمكنك أن تستنتج الأعلم من فقهاء المذهب في هذا الظرف بالذات، وانطلاقاً من توجيهات الشهيد السعيد محمد الصدر (قدس سره).

نعم أنا قلت، وهذا ما يعتقده كثير من طلبتنا ممن درسناهم لسنوات عديدة، بذكائنا الذي نمتاز به عن غيرنا، وإن احد طلبتنا حينما سئل عني وعن احد المراجع، أجاب بضرس قاطع إن الشيخ الطائي يفرق عنه كثيراً وكان هذا الكلام أمام حضرة العباس عليه السلام وقد درستُ الكفاية مع التعليق عليها وأنا في السنة الخامسة من عمري الحوزوي ودرست أصول المظفر وأنا في السنة الثانية.

وقد درست معظم دروس الحوزة العلمية ودخلت ميدان البحث الخارج قبل سبعة سنوات في مبحث جديد في الفقه، لم يبحث من قبل، وكتبت في ميادين متعددة حتى السياسة كما يشهد كتابنا (العراق وأمريكا الى أين؟).

العديد من الطلبة ممن يعرفنا وتتلمذ على درسنا وفي مجلسنا يعتقد جازماً بأعلمية هذا البسيط وهم من طلبة البحث الخارج الذين يحضرون عند غيرنا، ولولا إحراجهم لذكرت أسماؤهم.

أنا أعول على وجدان المقيّم وصدقه في التقييم والتمييز فليكن المقيّمون غير هذا المجيب. لأنه من غير المستحب أن يطري الإنسان على نفسه أو يقيّمها هو.. ومن الله التوفيق والسداد.

قاسم الطائي  

6- صفر-1432هـ