You are currently viewing نشرة النهج 59

نشرة النهج 59

 

 

كم عندنا من الحسين؟

الحسين (عليه السلام) الذي خرج متحدياً لجبروت الظالمين، وتمرد ثائراً وتجلّد صابراً، وقدم مضحياً بأعز الناس عنده من الأولاد والأخوة والأعمام ولم يزل مستبشراً بنصر الله، وأعلن ناهياً، ورحل مستبصراً، وحدد مستهدفاً، طلب الإصلاح في أمة جدي، مصرحاً وسيلته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسير بسيرة جده (صلى الله عليه وآله) وأبيه (عليه السلام).

وحينما خرج، لم يكن من مخدرات متداولة ولا خمور مسوقة، ولا ملاهي عارضة على سعة من طول البلاد وعرضها، كما شاهدناها الآن ظاهرة سافرة لا تأبه لوعظ ولا تستحي من شيخ ولا تقف عن حد ولا تقع في سيف، فتتحرك ضاحكة هادئة، ولسانها يقول، هات الكأس وأبتعني فما قال ربك ويل للذين شربوا، بل قال ربك ويل للمصلينا.

وما بين صورة المنكر المنحسرة عند الولاة وفي بلاطهم حصراً على كبريائهم، وترنماً في تحكمهم، وما بين منكر استشرى أمره واستقام عوده وضربت جذوره أعماق نفوس الموالين والمحبين المدعين لحسين الشهادة والنصر، حسين الكبرياء والإباء، حسين الثورة والإصلاح، حسين الغيرة والنخوة، حسين البطولة والرجولة، حسين العفة والفضيلة، فما مقدار حبهم لحسينهم؟ وهم يحبونه لأجل الدمعة والعبرة، لأجل (التمن والقيمة!)، لأجل التفاخر والزينة في إقامة الشعائر والمجالس، والتباهي بالسعي والبذل و…. حتى البذل يكون للحسين حصراً لا لقيم الحسين، عندما يُنتخى. الباذل للطعام في محلته أو موكبه لذويه الكرام، غلق بابه عن فقير طرقها، وأخ أستقرض منها ومحتاج أستعطى ، فأين نحن من الحسين؟

وأبوابنا مغلقة عن البذل والعطاء في سبيل منع الرذيلة وتيسير انتشار الفضيلة، من منكر ردعناه وامر أمتثلناه، وإصلاح قصدناه، ونصيحة قدمناها.

نحن – بالحقيقة – ليس عندنا شيء من الحسين، إلا أسم نفتخر به، ورسم نبكي عليه، فالخمر منتشر، والبار مفتتح، والعرض مستلب، والرزق منقلب، والإرادة مرتهنة، والاحتلال متربع، والحق مغيب والباطل معلن، والمال منتهب، وزفرات اليتامى والأرامل متصاعدة وفي فراغ دائرة، ووطن ضائع، وكرامة مهانة، ودين أصبح طريقاً إلى الدنيا، وتاريخ منقطع، وأوهام مستوردة، وقيم مسلوبة، وأرض تداس وتدنس، وسماء مخترق، وسمعة كانت ولا تكون.

أننا نُبكي الحسين، لا أننا نبكي على الحسين، إذ لا معنى للبكاء عليه ونحن على حالة هذه عرايا من قيم الحسين ومبادئ الحسين، فهل طبقنا هيهات منا الذلة، ونحن راكسون فيها أو ((من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله )) تاريخ الطبري ج7 ص300 ونحن راضون عنه ومنبطحون أمامه.

أين أهل الحل والعقد؟ من تعقد عليهم الآمال وترتحل اليهم الجمهور، وتشرق ببركة فطرتهم الألوف، هلا زحفوا لمنكر ردعوه، أو لأمر بالمعروف أعلنوه، نعم أنهم زحفوا مع زحف الزاحفين، وأمروا بما ألقاه الآخرون، صم بكم فهم لا يفقهون.

نستكثر على امتنا وإسلامنا نصيحة بسيطة، ووقفة شريفة، وما قدرها، في جنب تضحيات الحسين، وهو القائل والله لا أعطي أعطاء الذليل، ولا أقر أقرار العبيد، وقد أعطينا أكثر مما يعطي العبيد، فالعبد يعطي صاغراً غير مالك ونحن نعطي مالكين لإرادتنا ، وفي تمام تصرفنا بوجودنا.

أننا نقتسم مع الحسين (عليه السلام) قسمة ضيزى، نأخذ منه كل ما أعطى وقدم ونعطيه كل ما رفض وجحد.

ومن هذا وغيره تعرف نحن كلٌ على الحسين، لا نقدر على شيء، أينما نُوَجه لا نأت بخير.

ومن كان هذا حاله فأولى له ثم أولى أن يأتيه الموت على فراشه ذليلاً خاسراً كسيراً قد فوت فرصة التبرك والتشرف لمشاركة الحسين ركبه وسفره، غرته الدنيا فراح يلهث ورائها وقد تركته الدنيا مولّية مدبرة قد أخذت منه زهوها وأعطته غرورها، فهو كما قال تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً() الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً() أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} الآية


القسوة في صعدة

نعتقد أن تكالب القوى من خارجية وداخلية متمثلة بالنظام اليمني الذي سيطر على حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود متتالية، لا يمكنه أن يبقى على رأس السلطة لولا الدعم الخارجي والمباركة الأمريكية، فإن السيطرة الأمريكية والتفرد بالقرار السياسي العالمي لمؤهلات القوة المتوفرة في أمريكا من المال والسلاح، جعلت معظم الكيانات السياسية والعربية بالخصوص تخضع للرغبة والإدارة الأميركية في إدارة الأزمات وأحداثها بل وإنهائها متخذة التدخل المباشر تارة وغير المباشر أخرى لتحريك بعض الأنظمة العربية، لمعالجتها إذا ما وجدت أن المبررات الموضوعية والسياسية لا تسمح لها بالتدخل أو أن الأجواء العالمية التي ترسمها أمريكا نفسها غير مهيأة لتقبل مثل هذا التدخل.

وقد وجدت أمريكا أن تنامي حركة الحوثيين وسعة نفوذها في الوسط الشعبي اليمني بات يهدد المصالح الأمريكية ويقلق وضعها في اليمن بعد تنامي الشعور الوطني المدعوم بالأساس الديني المرتكز على الفرع الخامس من فروع الدين عند جماعة الحوثيين، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن سعي الحركة لتسلم مناصب في الدولة وخصوصاً المؤسسات التربوية والتعليمية وإن المذهب الزيدي قريب المشرب من المذهب الإمامي الذي بات يرسم حركة الحوثيين في اليمن، وهو ما يعني عند متعاطي السياسة العربية بنفوذ إيراني جديد في المنطقة العربية، ولم تهدأ آلام الاستكبار العالمي والصهيوني من ضربة حزب الله لبنان للغطرسة اليهودية، فقد تلقت الآلة العسكرية هزيمة من نوع جديد أسسه الإيمان بالله وصلابة الإرادة والثقة بأن النصر كما تصنعه الآلة العسكرية أحياناً فقد تصنعه الإرادة الصلبة أحياناً أخرى.

ومن هنا بات القلق العربي من تنامي نفوذ الحركة متوازياً ومتزامناً مع القلق الأمريكي الذي لم تسمح إدارته بأي شكل من الأشكال نموذجاً جديداً لحزب الله لبنان أو حماس فلسطين، فهو بالإضافة إلى إقلاقه الأنظمة العربية محلياً فإنه يقلقها أمام الحلف العالمي الأمريكي الذي يريد لها كبت الأنفاس التحريرية المنطلقة من داخل الشعوب، لا الأنفاس التحررية المنطلقة ضمن حسابات الغطرسة الأمريكية.

ومن هنا فإن مصالح عدة اجتمعت لمواجهة هذه الصحوة الوطنية الإيمانية والتي نعتقد أن للعراقيين الذين هاجروا لليمن بحثاً عن فرص عمل إبان تسعينيات القرن الماضي قد عززوا مشاعر الإيمان الاثني عشري بعد قرب مشرب الزيدية منه وانه مذهب لا يرضى بالذل والهوان. وقد واجه الظلم والغطرسة والتسلط على طول التاريخ الإسلامي، فنمت مشاعر المذهب الإمامي وسط الحاضر الشيعي الزيدي بفضل احتكاك العراقيين المهاجرين إلى هناك.

فالمصلحة الأمريكية وبتعبها العربية قائمة على المنع والحيلولة عن ظهور وبروز حركات تحريرية إيمانية إسلامية في أية بقعة من ارض الإسلام والعرب، ومن هنا فإن الصمت الأمريكي وعدم رفع حقوق الإنسان على شماعة الإعلام العربي والتصريحات الأمريكية هو ضوء اخضر لضرب معقل الحركة وشل قدرتها وإنهاء وجودها، وإذا أضيف إليه القلق السعودي من تنامي المد الشيعي في جنوب السعودية شكل خطراً حقيقياً في منظار السياسة السعودية التي تمثل دائرة الاعتدال العربي، والمقابل في الثقل السياسي والمالي للنفوذ الإيراني.

هذا مضافاً إلى قلق النظام اليمني الهش وسياسته الفاشلة في تنمية وتطوير الشعب اليمني وخوفه من زحف النفوذ الحوثي إلى مواقع السلطة فيه، ومباركة أمريكا والسعودية له، دفعه لتحريك قواته وبكل جبروتها لمواجهة ثلّة من المؤمنين الحوثيين.

وهو يحسب أن تحريك ملف اليمن الشمالي لعلي سالم البيض من قبل السعودية عامل إضافي آخر لتجنيد كل ما لديه لإنهاء الحركة.

وقد نقرأ أن السلطة اليمنية قد ضخمت قضية الحوثيين لإيهام الأمريكيين بأن عدواً جديداً قادماً سيعترض الغول الأمريكي في اليمن، لإشغالها عن أية محاولة أمريكية لإثارة مسألة الإرهاب، والقاعدة في اليمن.

 

الصمت المرير

إن العالم ينعق مع نعيق أمريكا وهي كحذام المثل العربي (إذا قالت حذام فصدِّقوها فإن القول ما قالت حذام). وما دامت أمريكا راضية ومؤيدة بل داعمة للحكومتين السعودية واليمنية مع ما تمثله الأولى من العامل المالي المؤثر في مسار سياسة الشعوب العربية.

والتعتيم الإعلامي على حقيقة الحركة ورميها بالإرهاب والخروج عن الشرعية اليمنية هو ما جعل العالم يصمت بإزائها، وقد فهم من لعبة السياسة العالمية بأن كلامه لا يؤثر في القضية ما دامت أمريكا راضية، وقد يثير تدخله أو تأييده أمريكا ضده فتحرك له أكثر من ملف تمسك بزمامه في يدها.

أو أن التصنيف الإعلامي للإسلام الشيعي الإمامي هو ما يمنع هذه الشعوب والحكومات من التدخل ونصرة المسلمين ولو بكلمة.


فكرة عن الحوثيين

الحركة الحوثية. هم جماعة دينية ظهرت في السياق السياسي اليمني في الإعلام اليمني عندما قامت سلسلة من المواجهات مع الحكومة، وتداولت خطاً ديني وسياسي يطمح لتقديم صورة عن الحركة وخطاب الحركة باعتبارها جماعة تمرد وإن عداءه لأمريكا هو السبب في المواجهات في صعدة.

ورئيسها حسين الحوثي ينتمي لعائلة علمية وكان والده صدر الدين الحوثي من علماء اليمن المشهورين ولكن تحولات الحركة وتطورها إلى مواجهات عسكرية مع الدولة هي التي جعلت الحركة في مركز الاهتمام الإعلامي. ويرى بعض المراقبين أن ظهور الحوثي بخطاب لم يبدأ قبل سبعة سنوات وهو حضور الحوثي في الساحة الدينية والقبلية.

ويرى البعض انه سعى لتأكيد سيادته وزعامته بعد انشقاقه عن حزب الحق الإسلامي الذي أسسه الشيخ احمد الشامي وأطلق الحوثي اسم الشباب المؤمن على الحزب، فكان عضواً في البرلمان للفترة (1993-1997) ثم اخذ في بناء قاعدة لتأييده خاصة في مديرية صيدان دون ترخيص قانوني، أطلق عليها اسم الحوزة، علاوة على المنشورات والمقالات التي كتبت عن الحركة، وكانت كتابات الحكومة عنها قد ربطتها بالثورة الإيرانية وإنها تيار داخل الفكر الزيدي تبتعد عن الفكر المنفتح ويتأثر بالفكر الإمامي، ويرى البعض أنها تتلقه الدعم من الفكر الإمامي سواء الدعم المالي أو المعوني ، يقول الكاتب اليمني عادل الأحمدي في كتابه (الزهر والحجر..):

وبرز الحوثي من خلال التحاور والاعتراض على خطباء المساجد الذين لا يتفقون مع أفكاره وترديد شعارات معادية لأمريكا والكيان الصهيوني، خاصة أثناء صلاة الجمعة، ووسع نشاطه لاحقاً ليشمل مناطق أخرى غير المناطق التي يسيطر عليها في محافظة صعدة، حيث بدأ باستقطاب المئات من شباب محافظة حجة القريبة من صعدة. وبحسب تقريرات الحكومة قد بلغ عدد الشباب في محافظة حجة (330) كان يدفع لهم مرتباً شهرياً يصل إلى حوالي (7000) ريال، وتحدى السلطة بإصدار فتوى بالامتناع عن رفع الزكاة الغصب

ويقول الكاتب انه اصدر كتاب يصف نفسه بالمهدي المنتظر وطلب من الأتباع أن يبايعوه ونشرت الصحافة الحكومية نصاً من البيعة…

حسين الحوثي:- ولد عام (1956) في قرية آن الصيفي بمنطقة صيدان التابعة لمحافظة صعدة على بعد (240كم) شمال غربي العاصمة صنعاء قبل ست سنوات من اندلاع الثورة اليمنية التي أطاحت بالحكم الإمامي الذي استمر أكثر من احد عشر قرناً امتداداً للدولة الزبدية التي تأسست في جبال صعدة.

التحق بمدارس التعليم السنية في محافظة صعدة (المعاهد العلمية) التي كانت حركة الإخوان المسلمين تديرها قبل أن تتحول إلى حزب سياسي للمذهب الزيدي، وقد ساند الحزب الاشتراكي اليمني (الشريك في الحكم آنذاك)، وتراجع عن الترشيح عام(1997) في الانتخابات البرلمانية لينصرف إلى الدعوة والى تأسيس منتدى الشباب المؤمن الذي استقطب العديد من المثقفين من المذهب الزيدي وقد رفض الحوثي الحوار مع الحكومة كما رفض الوساطات للعدول عن موقفه المذهبي قبل اندلاع المواجهات في صعدة في (18/حزيران) من عام (2004) في جبال مران حيث تمركز مع مئات من أنصاره حتى قتل عام (2004).

تعود جذور الحركة الحوثية إلى الثمانينيات من القرن الماضي، بدأ أول تحرك مدروس عام (1982) على يد العلامة صلاح فليتة الذي انشأ عام (1986) اتحاد الشباب وكان ضمن دروسه مادة عن الثورة الإيرانية ومبادئها ويقوم بتدريسها محمد بدر الدين الحوثي وفي عام (1988) تجدد نشاط الحركة بواسطة بعض الرموز الملكية التي نزحت إلى المملكة العربية السعودية عقب ثورة (1962) وعادوا بعد ذلك، من أبرزهم العلامة مجد الدين المؤيدي والعلامة بدر الدين الحوثي، ويرى الكاتب أن بدر الدين هو المؤسس للحركة الحوثية والأب الروحي لها وليس ابنه حسين أو غيره.

والعلامة بدر الدين هو المرشد والمفتي والزعيم مع قيام الوحدة اليمنية في (21/أيار/1990) حيث تحولت أنشطة الحركة إلى مشروع سياسي اتساقاً مع المناخ السياسي الجديد الذي اقر التعددية وتمثلت الشيعة في بعض الأحزاب الشيعية كحزب الثورة الإسلامية وحزب الله وحزب الحق واتحاد القوى الشعبية اليمنية، وقد توارى الحزبان الأولان (حزب الثورة وحزب الله) فيما بقي في الساحة حزب الحق واتحاد القوى الشعبية.

واكبر مهرجان لحزب الحق في منطقة الحمرات تحت مسمى (مخيم الفتح) واستمر لمدة أسبوع ظهرت على هامشه الخلافات بين حسين بدر الدين الحوثي وحسين يحيى الحوثي.

ويرى الكاتب إن الحزب تحول عن أفكاره ونشاطاته والدعوية في عام (1997) إلى تنظيم الشباب المؤمن وتفرغ له حسين بدر الدين عازفاً عن ترشيح نفسه لانتخابات (1997) تاركاً المكان الذي يشغله لأخيه يحيى، فيما برز والده بدر الدين الحوثي كمرجعية عليا للتنظيم وتركزت نشاطات الشباب المؤمن في فترة انشغال الحكومة بالحرب مع الجبهة الوطنية الديمقراطية المدعومة آنذاك من نظام عدن مطلع الثمانينيات.

وكانت تشن حرباً على النظام في المناطق الوسط وبين أجندتها تشجع قبائل الشمال على إحياء المذهب الزيدي بوصفه مذهباً ثورياً يجيز الخروج على الحاكم لغرض توليف عوامل تؤثر ضد نظام صنعاء وموجة ثقل هذا التشجيع ينشأ من الحضور على مستوى بعض النخب المثقفة.

وينطلق الكاتب الأحمدي – من أطروحة أن الحركة الحوثية هي امتداد للفكر الإمامي الشيعي التي حاولت إحياء الفكرة وتطورت الحركة بسند من الثورة الإيرانية لتغدوا مشروعاً سياسياً عريضاً على يد حركة الحوثيين، لا يمثل فيها أتباع حسين الحوثي سوى الجناح الفكري والقبلي لها. وقد شارك في الانتخابات بعد الحرب الأهلية وحصل على مقعدين في انتخابات عام (1993) من مجموع (301) مقعداً هي قوام البرلمان اليمني في دولة الوحدة، وكلا المقعدين من محافظة صعدة احدهما دائرة حسين بدر الدين الحوثي والآخر دائرة عبد الله عطية الرزامي، وقدما استقالتهما من حزب الحق قبل انتهاء الدورة.

والسبب في الاستقالة تنازع الصلاحيات واختلاف وجهات النظر بين كل من جناح المؤيدي رئيس الحزب وجناح نائبه بدر الدين الحوثي، وأخرى فكرية ويقول الأحمدي إن الحوثي نصب نفسه مجدداً ومصلحاً للمذهب مقدماً جملة من المقترحات الاثني عشرية مع قيامه بشن حملات ضد جناح المؤيدي.

واهم ما دفعهم للاستقالة هي عدم جدوى المشاركة السياسية وتوصل الحوثي إن الاستمرار في المشاركة بالعملية السياسية عبر قناة الحق أشبه بالحرث في البحر. وإن لا منافع سياسية من خلال التعددية السياسية وهو شعور ضامر جزءً من أتباع الحزب فانسلخ جزء كبير منهم وانضموا للحزب الحاكم فيما انضم البقية إلى تنظيم الشباب المؤمن.

وكان التنامي للتنظيم بقيادة الحوثي يتم على حساب الحجم السياسي لحزب الحق بقيادة المؤيدي وتعود كفة الحوثي كما يراه الكاتب إلى الدعم الإيراني المخصص لتصدير الثورة إلى اليمن وكان يواجه دعماً فكرياً أكثر منه مادياً، مما أدى إلى معارك فكرية عدة بين الشباب المؤمن والشيوخ وأصدرت خلالها بيانات التبرؤ من تنظيم الشباب المؤمن.

واستمر تصاعد التنظيم حتى أصبح بإمكان الحوثي أن يساوم بها الحزب (والدولة) على مجموعة من المطالب.

ويرى الكاتب إن الحزب قد استغل من قبل شريك السلطة الحزب الاشتراكي بعد أن وجد إن شريكه حزب المؤتمر يشكل الإخوان المسلمين حليفاً تاريخياً له، وتفعّلت رابطة النسب لكل من بدر الدين الحوثي والزعيم الاشتراكي علي سالم البيض وحيدر أبو بكر العطاس لتفضي إلى تأييد الحوثي للانفصال وحدثت عقيب حرب (1994) مناوشات بسيطة في صعدة من قبل أتباع الحوثي، وانتهت الحالة بعد الحرب بحملة ضد الحوثي حيث دمر منزله وخرج على إثرها إلى لبنان وإيران قبل دخول وساطة على الخط أعادت الرجل إلى اليمن عام (1997).

وبهذا الصلح أعلن نهاية التمرد والى الأبد.

وبعد خروج الحزب الاشتراكي من السلطة عام (1994) بفعل حرب الانفصال انفرد حزب المؤتمر والتجمع اليمني للإصلاح بالسلطة.

ويقول بعض المقربين من حسين الحوثي انه ضرب مثلاً نادراً لخدمة الناس وحل مشاكلهم بأسرع وقت وبأسهل الأمور منقذاً إياهم من جحيم زنزانة في مبنى المديرية كانت تعرف غرفة اليهودي، وانشأ جمعية خيرية لدعم من لا يملكون رأس مال يكفي لإقامة مشاريع تجارية يقيمون بها أودهم، ونظم أمور الناس بشكل جميل وسلس.

وخدم المنطقة بشكل كبير في مجال المياه والخدمات الأساسية وكان يفي بما يعد من وعد يقطعه على نفسه لأبناء المنطقة فيما يتعلق بالخدمات والمشاريع الأمر الذي اكسبه مصداقية عالية عند الأهالي واكسبه احتراماً عميقاً في نفوسهم إلى الحد الذي يجعلهم لا يصدقون انه قتل، إذ لا تعدم أن من يقول انه لم يقتل سيدي حسين وإنما عرج إلى السماء.

وصفاته تلك مكنته من قيادة أتباعه إلى أين مكان يريد فامن به الحوثيون بشكل مطلق ظهرت علاماته ببسالتهم على ارض المعركة وصمودهم.

اعتمدت اساليبه في التعبئة للشباب على الآيات القرآنية المحرضة للجهاد ضد الكافرين وقتالهم بعد أن قام بالحيلولة بينهم وبين الضوابط العلمية لفهم الآيات، وذلك عن طريق سخريته الماهرة من موروث السنة وأصول الفقه وعلوم القرآن من الناسخ والمنسوخ ومتشابهه، ويحكم متذرعاً بأن القرآن واضح انزله الله بلسان عربي مبين ليفهمه الجميع من الخاص والعام وبالتالي فالمطلوب فقط معرفة اللغة العربية، أما السنة وعلوم القرآن فكلها وضعها أهل السنة المعروفين بخوفهم من المواجهة وبمداهنتهم لأمزجة السلطات على مدة التاريخ.

حاول يحيى الحوثي بعد مغادرته إلى السويد تدويل الأرضية، قام بحملة صحافية تستهدف الحكومة وإنها تستهدف الزيديين بالخصوص وطالب الرئيس بوقف التقتيل والاعتقالات، وذهب في بعض أحاديثه إلى القول بأن هدف العمليات الأخيرة كان قتل والده أو اختطافه للتأثير على معنويات الزيديين، وأضاف إن منع الحكومة علماءنا من تدريس المذهب الزيدي في المدارس أدى إلى تفاقم المشكلة وأكد إن مأزق الحكومة المتمثل بضرورة تسليم إرهابيين يمنيين إلى أمريكا دفعها إلى اختلاق عدو وهمي لأمريكا لذر الرماد في العيون.

واصدر يحيى من مقر إقامته في أوربا مجموعة من البيانات للمنظمات والهيئات الغربية تماماً كما حدث من خلال بيان الحوزة في النجف التي انتقدت الحكومة اليمنية على أسلوب تعاملها مع التمرد الحوثي، وجاء فيه أن الشيعة في اليمن من زيدية وإمامية اثني عشرية يتعرضون لحملة مسعورة من الاعتقالات والقتل المنظم منذ نشوب الأزمة مع الحكومة.


حسبكم هذا التفاوت بيننا

قالوا – لا بد من تعزيز المشاركة في إدارة البلاد – مع مراعاة الاستحقاق الانتخابي.

قلنا: أن الأمرين متضادين متمانعين واشتراكهما حال كونهما متمانعين ضرب من الخيال ونثر للكلام على الأذهان،واصطياد بغير آله، وتلاعب بالألفاظ على غير واقع فإن الاستحقاق الانتخابي يفرض تشكيلة حكومية وفق منظار ورؤية الفائز، وله أن يشارك الآخرين إذا لم يكمل نصابه الدستوري في تحقيق الأغلبية المطلقة وإذا كمُل نصابه فلا معنى لمشاركة الآخرين معه، وذلك لان المشاركة تعني عدم الإطلاق في مباشرة أي عمل والسعي في أي مشروع إلا بمباركة وتشاور مع الآخر وإلا فأن السعي سيكون متعثراً، وسآتيك بمثل في حكومة المالكي اليوم توجد مشاركة في التشكيلة الحكومية، وكل الشركاء تتضارب آرائهم وتختلف أهدافهم والقيام بمشروع وطني مرضي للجميع ضرب من الخيال، فأن القرارات الرئاسية تصطدم غالباً برغبات وسياسات أعضاء الحكومة من كيانات أخرى، خذ لذلك مثلاً، أن وزير المالية يعمم كتاباً على جميع الوزارات فيما يتعلق بعدم وجود ملاكات للتعيين، مع أن التعميم من صلاحيات رئيس الوزراء حصراً، ناهيك عن تقاطع خطط المحافظات وما تعانيه من العجز المالي الذي قيدها وجعلها تندب حظها في الفوز بهذه الدورة، وإذا تسأل المركز عن الاعتمادات المالية، كان جوابها أن السيد وزير المالية له رؤيته في التخصيصات المالية، وأن أتت على برنامج الحكومة بالعرقلة والعجز.

ثم ما بالهم لا يقبلون بالمشاركة في عناوين مهمة، لها موقعها المؤثر في جانب العملية السياسية وبناء البلد وتمرير قراراته المهمة والخطيرة، حيث لا يقبلون فيها إلا رأياً واحداً أو مع مشاركة ممن يرغبون في استشارته مجاملة دون البقية وأن ملكوا العمق السياسي والثقل الثقافي والبعد الجهادي، والتدقيق العلمي وكانوا أقرب إلى الشعب ممن يراعون رأيهم ويسترشدون بآرائهم، فهلا طبقوا المشاركة الحقيقية هنا ، أو التزموا بالاستحقاق الواقعي، لا هذا ولا ذاك، وإنما المسألة تدور مدار مصلحة اللاعبين السياسيين فيمن يكون مركز ثقل المشورة والصدور عن رأيه وعدم مخالفته، وقد يكون للإستقواء بجماهيريته في جولة الانتخابات القادمة.

وبقليل من التأمل فأن خطأ ما وقعوا لا يغفر لهم .. ألم يسمعوا ما كان لمركب أن يقوده أثنان وما كان من ثلاثة إلا أمرّوا أحدهم، وقوله تعالى  {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }الزمر29 وعدم الاستواء لتجاذب الآراء واختلاف وجهات النظر يجعله لا يقوم بالخدمة على ما هو مطلوب.

نعم المشاركة في البرلمان وحسب الاستحقاق الانتخابي، فأن مجال التشريع وسن القوانين، له مجال للمشاركة بل لا يستقيم السن والتشريع إلا بالمشاركة، فأن مشاركة العقول لا تكون إلا بالمشاورة.

وأما في مجال العمل والتنفيذ، فأن له باب واحد وطريق قد خططت له الحكومة ووضعت  برنامجها على أساس ما تواجهها من مشاكل وما تمتلك من إمكانيات، وما وضعته من خطط مستقبلية، وأية مشاركة في برنامج موضوع أو خطة مقررة لا معنى له ، إلا معنى واحد هو عرقلتها وعدم أتمام طريقها، وبالتالي فأن المصير لا يكون إلا الفشل أو دعوى العجز.

وقالوا – والإنصاف ليس كلهم بل البعض ممن أغتر بوصفه – بأن الذين بقوا في الداخل ولم يهاجروا والحقيقة لم يهربوا من العراق فهم بعثيون، ومن أزلام النظام – وأنهم هم المعارضون- وممن واجه النظام.

قلنا: في هذا الكلام مغالطات وأخطاء لا يقبلها عرف ولا عقلاء منها – رمي التهم لأهل الداخل بلا مبرر ولا قام عليها دليل، وإلا فمن وقف بوجه النظام في الانتفاضة الشعبانية المباركة التي سقطت فيها أربعة عشر محافظة بفعل إقدام وشجاعة الداخل، وليس من اثر لأهل الخارج نعم لا نعدم حق البعض ممن دخل وشارك مع أهل الداخل، فأننا لا نغمط حقوق الآخرين حتى وأن كانوا على طرف مقابل لنا ومن ملأ السجون وصعد المشانق وامتلاء سجلات الوفيات بالمعدومين غير أهل الداخل فمن وقف بوجه النظام وحاول جاهداً أن يعمل على تقويضه أو أضعافه وقد طمح به هواه إلى إسقاطه، أو أن أهل الخارج هم من شنق واعتقل؟!.

ثم ما الحاكم في المواجهة عن قرب والمواجهة عن بعد كما يدعيه البعض هو العرف العام الانساني والعقلائي، وأن معيار الشجاعة عندهم هو من كان في مواجهة عن قرب، لا أذكرّهم بأن من يواجه عن قرب يجازف بأهله وناسه وأقربائه وأصدقائه وكل من يمت إليه بصله، ومع هذا الخطر المحدق فأنه أقدم وحاول وأية مجازفة لهؤلاء لمن هو في الخارج؟

ثم لماذا هذا الغل والحقد لأهل الداخل؟ مع أن السياسي البارع هو من يتناول الأمور باعتدال ويحاول بما أوتي من حنكة ودهاء أن يخمد نار المشاحنة والمباعدة مع الجمهور والشعب.

ونحن نذكر ماذا قدم أهل الخارج لشعبهم وناسهم ، أو أن مشاعرهم باتجاه الداخل هي ما عرقلت أعمالهم وعطلت أداء واجباتهم بإزاء أهل بلدهم .  


النقض الرئاسي

 

ظهرت على الساحة السياسية العراقية مؤخراً مسألة نقض نائب الرئيس العراقي السيد الهاشمي وما أعقبه من اخذ ورد وتكرار جلسات البرلمان، وسوف لن ندخل في تفاصيل النقض ومادته إذ ذلك ليس من واقع عملنا بقدر ما ندخل في صحة أصل النقض دستورياً كما جاء بالتشكيلة السياسية العراقية ضمن الإطار الدستوري المقرر.

وسنبني كلاماً على أصل دستوري، مفاده: الفصل بين السلطات الثلاث، الأمر الذي يعني أن أي واحد من السلطات الثلاثة مستقلة عن الأخرى وفي مقابلها وليس تفرعاً عنها، وانبثاقاً من خلالها.

وهذا لم يقع لأن الحكومة برئاسة وزرائها وهي السلطة التنفيذية متفرعة ومنبثقة من البرلمان، الأمر الذي يفهم منه أن السلطة التنفيذية متفرعة من السلطة التشريعية المتمثلة بالبرلمان، وانه هو الأساس للسلطة التنفيذية.

والسلطة التنفيذية كما تشمل رئاسة الوزراء تشمل هيئة الرئاسة، ولا مصداق لهيئة رئاسة في العالم إلا هنا، استقساماً للمنصب بين مكونات العراق الثلاثة الرئيسية. والنتيجة المرجوة هي الوصول إلى صيغة توافقية بين أعضاء الهيئة والصيغة التوافقية غالباً ما تكون على حساب المصلحة الوطنية وبناء الدولة. لأنها ستخضع لمتطلبات ما يمثله رجال الهيئة من كتل وكيانات؛ تتصارع فيما بينها وتريد أن تتمدد على حساب نفوذ الآخرين المشاركين لها.

وإذا ابتعدنا عن موضوع البحث فإننا نرجع إليه بفكرة أن هيئة الرئاسة من تفرعات السلطة التشريعية، وليست مستقلة عنها كما يدعيه النص الدستوري.

ويترتب على ذلك أن قرارات المجلس ملزمة لهيئة الرئاسة وما عليها إلا المصادقة عليها، وليس من حقها الاعتراض عليها. لأن الاعتراض يقتضي الاستقلال عن السلطة التشريعية والاستقلال ينافي الفرعية والانبثاق عن البرلمان.

فنحن أمام مشكلة دستورية يتعين حلها بانتخابات رئاسية وانتخابات برلمان ليتم تصحيح وتطبيق النص الدستوري المتقدم، وإلا فإن بقاء الحال على ما هو عليه يقضي إلغاء النص الدستوري أو رفع صلاحيات هيئة الرئاسة لرد قرارات البرلمان، والنقض عليها.

وعليه فالنقض في واقعه غير دستوري لعدم استقلالية السلطة التنفيذية عن التشريعية، ولا يحصل الاستقلال إلا بالعلاج المتقدم في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية كالحاصل في أمريكا أو بريطانيا أو غيرهما من الدول الديمقراطية المتقدمة.

أما من مجيب

 

يدور في الأذهان العامة عند الناس بل عند بعض المتدينين وغيرهم . السؤال التالي : وهو هل أن ما يحصل على  العراقيين من القتل والدمار وسريان الإرهاب في كل مناحي الحياة ، هو بسببهم أو بسبب غيرهم من الذين لا يريدون لهم الخير، من أعداء داخليين وخارجيين أياً كانت صفتهم ومدى علاقتهم مع هذا لشعب. أو أن ما يحصل هو استحقاق واقعي تعريضاً لهم للبلاء ليزدادوا إيمانهم بقضيتهم ويترسخ في نفوسهم إيمانهم؟.

قد يجيب البعض أن سبب ذلك هو أنفسهم، فهم بتصرفاتهم وسلوكياتهم استحقوا ذلك من باب ما من ذنب إلا وله عقاب، للتنبيه أحياناً وللردع أخرى. فمن كانت سريرته صالحة ولكنها تلوثت بنحو أو بآخر كان العقاب له تنبيهاً، ومن خبثت سريرته وطبع على قلبه كانت له ردعاً ودفعاً بل وقلعاً إذ هو من الذين{وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} وقد يندرج ما حصل وما سيحصل ضمن القانون الإلهي {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} والأرضية صالحة، فلا منكر ردعوه ولا خطأ صححوه ولا معروف احترموه، وليس أولى من المناطق الدينية حرصاً على ذلك، وها هي تنتشر فيها (( بيع الأعضاء الجنسية)) ومراهم وأدوات غايتها الإشباع الجنسي وطلب المزيد من الإثارة، بلا خجل ولا حياء، تتقدم المرأة لتطلب من العطار الذي استسهل بيعها بأوهام من علاجات لحالات معينة أو دفع مشكلة قد تتفجر ما بين الزوج والزوجة. والغريب العجيب لم يردع منها رادع لا من أهل الحل والعقد القائمين على الشأن سواءً كان دينياً أو سياسياً وكأن الأمر لا يعنيهم وهذا ما يصدق عليهم قوله تعالى {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } فما يحصل من قتل وتفجيرات هو من العذاب الأصغر، ولا يخطر في بالك ان المجموع الكبير من العراقيين طيبون ومستقيمون على أخلاقهم ودينهم وأعرافهم، ولكنه غير مفيد في الحيلولة عن هذا العذاب الأصغر لأن عدم الردع عن الظلم أو السكوت عنه شراكة فيه، ( الظالم ثلاثة، فاعل الظلم ( مرتكب المنكر ومشيع به) والراضي عنه، والساكت عنه) كما في الرواية المعتبرة. وقوله تعالى {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }.

ولو أجيب عن أصل السؤال المتقدم انه بسبب غيرهم ولا قدرة لهم على ردعهم أو ردهم فهم مغلوبون ((ومن المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا)) لم يكن ذلك بمبرر عن السكوت عنهم أو التهيؤ النفسي والاستعداد القلبي لمواجه غطرستهم، وأما تطبيع العلاقة معهم والرضا بفعلهم فإنه يستبطن التشبه بعملهم والتطبع بفعلهم، طبقاً للقاعدة الشرعية (كيفما تكونوا يولى عليكم) فإن كنا ظالمين سلط علينا الظالم طبقاً للاتجاه النفسي في دواخلنا، وهو الظلم. ومن هنا فإن وقوعه علينا أو على غيرنا من قبل أنفسنا أمر واحد، استقبلته أنفسنا وتطبعت عليه أخلاقنا وبالتالي فإذا وقع علينا مناسب لطباعنا وملائم لأخلاقنا. ومع هذه المناسبة والملائمة لا نملك إلا الرضا والاسترخاء أمام تسلط الآخرين علينا.

ويأتي تعميم العذاب على الخيرين لعدم إنكاره أو شجبه واستنكاره كما في اللغة السياسية الدارجة.

ومن هنا يقول تعالى {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } ويقول {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ويقول {هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }.

ولو رضيت بالجواب الثالث وانه اختيار وامتحان من الله سبحانه لعباده العراقيين لما ينتظرهم من القيام بالمهمة العالمية لتغيير وجه الأرض، كان ذلك للخيرين منهم اختباراً وللسيئين منهم عقاباً. مع أننا يمكن أن نفهم منه عقاباً حتى للخيرين لمجاملتهم للسيئين وعدم الإنكار عليهم، في عين كونه اختباراً لهم وترسيخ إيمانهم في نفوسهم، ولا يكون ذلك إلا بإنكارهم المنكر، وشجبه علناً واستنكاره جهاراً وإدانته عملاً.

ويجمع جميع هذه الصور والتعليلات محور واحد. هو إنكار المنكر بكل أشكاله لتستقيم الحياة وتستقر النفوس وتتطهر القلوب ولا يتلوث جيل أبناؤنا القادم إلى مسرح الحياة الذي لا نعلم كيف سيكون حاله لو تكاسلنا في الردع عن كل ما يراد إشاعته من منكرات وسط حياتنا الاجتماعية.


اجتمعوا على باطلهم

ليس مستغرباً أن يشرّع البرلمان السويسري قراراً يمنع بموجبه بناء المآذن في المساجد الإسلامية وقبله الفرنسيين بمنع ارتداء الحجاب، ويسبقهم الأمريكيون بتنجيسهم الكتاب الكريم ، ويتقدمهم الدنماركيون بسخريتهم بالرسول العزيز (صلى الله عليه وآله وسلم). فإن هذا ما سبق وسيتبعه  قادم من أشكال متعددة ستكشف الأيام عن صورتها مستقبلاً،  كل ذلك لمّا لم يجد الغرب رداً واضحاً وجريئاً من البلدان الإسلامية عموماً والعربية خصوصاً ، وقد نبّهنا  أكثر من مرة وفي مناسبات متعددة أن التغاضي عن أي اعتداء على المقدسات الإسلامية إذا لم يجد من الردع ما يوقفه ويدينه ويعرض مصالحه للخطر والتهديد فإنه سيكون مدعاة لاعتداء جديد وإساءة أخرى

ولو استجمعت البلاد الإسلامية بعض من مقومات قوتها وتأثيرها على الوسط الغربي الشعبي أو الرسمي لكان حديث هذه التماديات قديماً بلا أثر له يحكي عنه مجدداً، والملاحظ أن هذه المجتمعات لا تدين مثل هذه التصرفات وتستنكرها كأبسط رد فعل يراعي المشاعر الإسلامية ويحترم الثوابت الدينية وينطلق من إطار احترام الثوابت الدينية التي تعلن عنها فضائياتهم وكلماتهم وتضمنتها دساتيرهم ، ولكن عندما  يصل الأمر إلى دين غيرهم ومعتقدات من لا يدين لهم فإن الدستور يُعطّل والثوابت تتغير إلى مستجدات, ولو انعكس الأمر فأساء البعض إلى بعض ما يعتقدون أو يؤمنون به من قيم وعادات، فإن إعلامهم وتصريحاتهم السياسية تقوم لها الدنيا ولا تقعد وأكثر من قيامها قيام الدول الإسلامية بالتصرف بخجل إدانةً لهذه الإساءة وتلك، وان كانت بحسب نظرنا ومعتقدنا باطلة عاطلة .

وهذه الازدواجية من عدم الرد المناسب في ما لو أصابوا معتقدنا وأعرافنا بإساءة والرد الخجول إلى ما يصيب معتقدهم وقيمهم من إساءة، تؤشر عن ضعف في مشخصاتنا وسياساتنا وأننا غير معنيين بما يتعرض له الإسلام من هجمة شرسة من قبل الغربيين . وعندما نقول الغربيين فإننا لم نسمع إساءة للإسلام من اليابان والصين وأمريكا الجنوبية وهي دول تريد أن تكون في حالة متساوية مع الطرفين.

إن المسلمين بحاجة إلى وقفة تعبّر عن اعتزازهم بدينهم وتاريخهم عندما كانوا ينشرون الخير في ربوع الإنسانية ويحترمون الأعراف والتقاليد إلا ما كانت شركاً بالله العلي العظيم فإنه لا حرمة للشرك وأما المعتقد أو الدين فمحترم ومصان ويعامل أهله بكل إنسانية وتقدير فلو ذكرت وسائل الإعلام عندنا وجندّت له كل الوثائق والسجلات التاريخية ليتعرف عليه شعوب أوربا وأمريكا ومن يكيد للإسلام والمسلمين شراً فان خطط حكوماتهم وقرارات برلماناتهم سوف لم تمرر بسهولة وتخلق أجواء مشنجة مع العالم الإسلامي والمسلمين في بلدانهم.

إن حركة البرلمان الأوربي إلى الظهور بمظهر المدافع عن حق الفلسطيني واعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية وإدانة عمل هدم البيوت وبناء المستوطنات الجديدة واعتبارها غير شرعية لم يكن ليصل الموقف الأوربي إلى هذا التوجه الإنساني لولا إن الإعلام وانتشار الفضائيات عرّفت شعوبهم كذب شعاراتهم  حول حقوق الإنسان وكرامته واين هذه الشعارات لمّا يتعرض لها الفلسطينيين على أيدي الجلادين اليهود وكيف تصور الصور وتفضح السياسة اليهودية التي كانت تصور الضحية بمظهر الجلاد والجلاد هو الضحية للظلم والاضطهاد الذي عاشه في بلدان الأرض .

إن توجيه إعلام متميز يوضح حقيقة الإسلام وروحانيته وإنسانيته واجب وطني وإسلامي على جميع الشعوب الإسلامية وأن لا تسمح سياساتهم  بمجاملة مسيئين للقيم الإسلامية وتحقير الثوابت الدينية لهم فهل يمكن قبول الغرب لحرق الإنجيل ، وهم بغطرستهم يمارسون حرق كتاب q المهيمن على كتابهم ، وأقصى ما يوصلهم للحرج والنفاق ما بين ما يرفعونه من شعارات وما يمارسونه من أفعال إلى تقديم اعتذار لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يشكل رادعاً لتمادي من يفتري على المسلمين كذبا .

اننا نفتخر برئيس وزراء تركيا في اجتماع حلف الناتو عندما اعترض على ترشيح المرشح الدنماركي إلا أن تقدم حكومته اعتذاراً رسميا للمسلمين عن إساءة بعض صحف بلادهم، لقد ترجم بموقفه هذا غيرة المسلم على دينه ومجد تاريخه فليكن لغيره من الرؤساء شرف الموقف وغيرة التصرف على المعتقد الديني، ولا نحبذ أن يكون حالهم حال القائلين لموسى (عليه السلام) {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}المائدة24

 

 

الاستفتاءات

بسمه تعالى

سماحة الشيخ الفقيه قاسم الطائي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

نرجو بيان الحكم الشرعي الخاص بالظواهر المدرجة أدناه، سائلين المولى تأييدكم ودمتم لنا ذخرا.

1) ظاهرة غش الطالب في الامتحان.

2) هل يجوز أن يقوم مدرس المادة في المدرسة بتدريس الطالب في البيت وهو ما يسمى بـ(الدرس الخصوصي)

3) ضرب الطلاب من قبل المعلمين والمدرسين في المدارس بقصد التأديب والإصلاح.

4) قيام إدارات المدارس بتكليف بعض الطلاب بوظيفة (مراقب سري) للاطلاع على سير التدريس والسلوك داخل المدرسة.

5) قيام بعض طلاب المدارس بـ( حفّ الحواجب ) ووضع الخلطات على الوجه وارتداء الملابس الضيقة (كلاسك).

 

أبناؤكم               

من الكادر التدريسي      

6/ذي الحجة/1430 هـ    

بسمه تعالى:

1) لا يجوز الغش في الامتحانات، وإن الغاش ليس من المسلمين كما في الخبر، هذا مضافاً إلى أن الغش في الامتحانات يتعلق بالمجتمع بكامله وبناء دولته الذي ينبغي أن يكون على أسس استحقاقية للوظائف والمناصب والذي يتوصل إلى النجاح بالغش لا يكون مستحقاً لأي موقع ومنصب يحصل عليه بعد التخرج. ومن المؤكد انه لن يقوم بوظيفته على نحو الكمال ذلك لأنه غير مؤهل لها، فيسقط حينئذٍ بخداع المجتمع وسرقة مواقع دولته، ومن جهة المدرس المتساهل فانه سيكون معيناً له على هذا الحرام وحرمة الإعانة ثابتة عندنا.

2) قد فصلنا القول فيه في فقه المدرسين فراجع. ومختصره أن الدرس الخصوصي إذا كان بتسبيب من الأستاذ في ذلك كما لو قصّر في تدريس المادة بالمدرسة لإلجاء الطالب لأخذ الدرس الخصوصي، فقد وقع في حرمة اخذ الراتب الحكومي، والتقصير في تعليم الطالب وتنمية قدراته العلمية.

وإذا لم يكن بتسبيب من المدرس، كما لو لم يقصّر في الدرس ولكن ذهنية الطالب تحتاج لمزيد من التدريس والتكرار في الشرح أو هو يريد المزيد من الفهم من خلال الدرس الخصوصي فلا بأس في ذلك.

ولكن الغالب وللأسف هو الاحتمال الأول، ويكون تقصير الأستاذ في المدرسة هو السبب للدرس الخصوصي.

3) الضرب ينبغي أن يكون بما لا يترك أثراً أو استهانة بالطالب وتحقيره أمام الطلبة، والأولى ضم إذن الأبوين وأخذه مسبقاً قبل ضرب الطالب على أن يكون للتأديب بمراعاة ما ذُكر آنفاً.

4) من حق إدارة المدرسة ذلك، وينبغي حصره في حدود الدرس وجدية الأستاذ والطالب في التدريس والحضور، بعد تفهيم الطالب المكلف بأن ذلك في مصلحة المدرسة عموماً والطلاب خصوصاً وأن لا يكون ذلك لبعض الطلبة دون الجميع وبشكل دوري وإلا ولّد ذلك حاجزاً نفسياً بين المكلف من الطلبة وبين غيره قد يُنبز بألقاب تثير كبرياؤه وبالتالي تحصل مضاعفات غير محمودة على علاقات الطلبة أو سلوكيات بعضهم، فإذا ارتأت إدارة المدرسة ضرورية هذا الفعل قامت بتكليف الطلبة بشكل دوري يمر على الجميع بلا استثناء.

والأولى للإدارة تحفيز العامل الإيماني والوطني للأساتذة أولاً والطلاب ثانياً. فقد يكون مؤثراً ومغنياً عن تكليف بعض الطلبة لاحتمال المضاعفات المذكورة.

5) وظيفة المدرسة لا تختص بالتعليم بل تشمل التربية، ومن واجب الكادر التدريسي أن يمنع ويؤاخذ على مثل هذه الممارسات التي تثير مكامن الشهوة وترسخ سلوك التشبه والتخنث عند الطلبة بشكل يصعب زواله لو تحول إلى ممارسة راسخة ومقبولة وقام الطبع عليها، وسيتحمل الكادر التدريسي والآباء بل والمجتمع ومن ضمنه الحكومة مسؤولية نتائج هذه الأفعال. وسيتخرج شباب مخنث لا يقوى على تحمل مسؤوليات بلده وبناء مؤسساته مضافاً إلى حرمة هذا الفعل من الطلبة، ومن الأساتذة لإعانتهم على ذلك، وعلى المدرس الحزم في منع ذلك ولو بالاستعانة بأولياء أمور الطلبة وتشديد الزجر على أمثال هؤلاء ومواجهتهم بوجوه مكفهرّة.

 

قاسم الطائي        

7/ ذي الحجة/ 1430 هـ